المصري مكتشف الجين المسبب لجلطة القلب: أتمنى إنشاء مركز لأبحاث القلب بمصر| حوار

د. أنيس حنا
د. أنيس حنا

أحد الطيور المصرية المهاجرة الذي سافر لتطوير إمكانياته العملية حتى نجح في اكتشاف علمي جديد، وهو اكتشاف الجين المسبب لجلطات القلب، دكتور أنيس حنة ابن محافظة أسيوط الذي أصبح أهم أطباء أمريكا اليوم، «بوابة أخبار اليوم» تواصلت معه، وإلى نص الحوار.
 
 

◄ في بداية .. لماذا تخصصت في ذلك المجال؟
 
اهتمامي الخاص بجلطة القلب جاء منذ الصغر، كنت في قريتي بأسيوط أسمع تعبيرا مخيفا في الكثير من حالات الوفاة وهو "الجلطة أو النوبة القلبية"، والحقيقة أن جلطة القلب لها تأثير معنوي ومادي شديد على مجتمعات القرى في مصر لأن الكثير منها تبعد ساعات عن أقرب مستشفى مجهز بتجهيزات متقدمة للتدخل الفوري، وغالبا يصل المرضى للمستشفى بعد فوات الأوان.

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن أمراض القلب تظل القاتل الأول في العالم، وقد تسببت في وفاة 18 مليون شخص عام 2019 بنسبة 32% من كل أسباب الوفاة،  85% من الوفيات بسبب أمراض القلب كانت بسبب جلطة القلب.
 


◄ حدثني عن رحلتك العلمية .. كيف بدأت ؟
تخرجت في كلية طب بجامعة الإسكندرية وكان دائما لدي شغف بالبحث العلمي،  فالطبيب يقوم بمهنة سامية لمجتمعه لكن الباحث الطبيب يتعدى ذلك، لأن البحث العلمي يمكن أن يقدم شئ للبشرية بشكل عام، والتحقت بزمالة أبحاث ما بعد الدكتوراه بكلية طب ألبرت أينشتين في نيويورك، وأعمل مع فريق متميز ومشهور عالمياَ.
 
 

وماذا عن الاكتشاف العلمي الذي توصلت إليه ؟
 جلطة القلب تحدث عندما ينغلق أحد الشرايين التاجية المغذية للقلب مما ينتج عنه تلف دائم في جزء من عضلة القلب في وقت قصير، فخلايا القلب حساسة جدا لنقص الأكسجين، وأثناء الجلطة يتفاعل الجسم بالالتهاب الشديد في القلب في محاولة بائسة لتصليح التلف نتيجة لرد الفعل هذا، ويتخلص الجسم من الجزء التالف بالقلب و يستبدله بنسيج ليفي فيما يسمى تليف القلب (cardiac fibrosis)  في خلال أيام من الجلطة، وهذا النسيج الليفي يحافظ على التماسك الهيكلي ويمنع ضعف جدار القلب أو انفجاره لكنه مجرد ترقيع للجزء التالف ولا يؤدي دور عضلة القلب في الانقباض.

وللأسف كثير من المرضى يحدث لديهم رد فعل عنيف من الجسم مما يزيد الالتهاب والنسيج الليفي ويسبب مضاعفات حتى في الجزء السليم من القلب، وفي النهاية يؤدي لفشل عضلة القلب.
 
 
 ◄ كيف اكتشفت الجين المسبب لجلطة القلب؟
الاهتمام الأساسي لأبحاثي مع فريق بحثي من كلية طب ألبرت أينشتين، كان اكتشاف الجينات المسئولة عن شفاء نسيج القلب المتضرر من الجلطة، وأبحاثنا أدت لاكتشاف أهم الجينات المتحكمة في التهابات وتليف عضلة القلب نتيجة الجلطة، ومن أهم هذه الجينات ما يمسى بـ Smad3 وهو أحد أهم الجينات في تفاعلات السيتوكين (cytokine signaling).
 
وفي دراسة نشرناها في دورية سيركيولاشن ريسيرش (أبحاث الدورة الدموية)، قمنا بتعديل هذا الجين في الخلايا المسببة لالتهاب القلب (cardiac macrophages) في حيوانات التجارب وإخضاع هذه الحيوانات لجلطة قلبية كما يحدث في البشر واكتشفنا أن هذا الجين مسؤول عن تنشيط هذه الخلايا لإزالة بقايا الجزء التالف من القلب.

وبعد انتهاء عمل هذه الخلايا يسبب هذا الجين تحور خلايا الالتهاب إلى خلايا تثبط الالتهاب وتساهم في شفاء عضلة القلب بالإضافة إلى حماية خلايا القلب المجاورة للجلطة من التلف. 

الأجمل من ذلك كان أن نرى تأثير هذا التعديل الجيني على وظائف القلب وعلى نجاة فئران التجارب بعد الجلطة فقد وجدنا أن هذا الجين مسؤول عن تحسن بارز بوظائف القلب وتقليل نسبة الوفيات الناتجة عن الجلطة بأقل من النصف.
 

◄ هل يمكننا فهم التطور الجيني لجلطة القلب؟
لتطوير علاج جيني لجلطة القلب يلزمنا فهم التطور المرضي للجلطة بشكل دقيق، لذلك أحد أهم اهتماماتي هو دراسة بيولوجيا الجلطة من خلال دراسة تغير انسجة وخلايا القلب وكيف يؤثر ذلك علي وظائفه في دراسة نشرناها في الدورية الامريكية لفسيولوجيا القلب(American Journal of Physiology-heart) عن الاسباب التي تؤدي لانفجار القلب، وهو حدث مأساوي يتسبب في وفاة مرضى الجلطة سريعا قبل الوصول للمستشفى، وجدنا أن زيادة الالتهاب في موضع الجلطة وضعف تكوين النسيج الليفي يؤدي إلى ضعف وانفجار أو ثقب في جدار القلب .
 
ومؤخرا في دراسة نشرناها في دورية بيولوجيا النسيج الخلوي (Matrix Biology) اكتشفنا الإنزيم الذي تفرزه خلايا الالتهاب الضامة (macrophage) ويقوم الانزيم بتكسير الكولاجين والسماح لها بالانتشار في النسيج التالف تمهيدا للتخلص منه، كذلك اكتشفنا لأول مرة سبب استمرار تدهور وظائف القلب حتى بعد مرور أشهر على حدوثها وذلك بسبب وهن الكولاجين في النسيج الليفي مع مرور الزمن.


نتيجة هذه الاكتشافات أشادت منظمة القلب الامريكية American Heart Association، وهي أعلى جهة مختصة بأبحاث و علاج أمراض القلب في الولايات المتحدة، كما أشادت و قدمت تمويل لابحاثي لمدة سنتين.

 وأعتقد أني اول مصري يحصل على هذا التمويل، وحديثا حصلت مجموعتنا على دعم لمشروعي البحثي من معاهد الصحة الامريكية National Institutes of Health (NIH) بقيمة 2 مليون دولار علي مدار 4 اعوام. هذا بالاضافة الي تمويلات اخري نحصل عليها من الجيش الاميركي و NIH سنوياَ.


◄ ماذا عن ختطك العلمية؟

أقوم حاليا بزمالة أبحاث ما بعد الدكتوراة بكلية طب ألبرت اينشتين في نيويورك، وهذه الزمالة هي خطوة أساسية في مسيرتي لتكوين مجموعتي البحثية الخاصة، نستخدم في أبحاثنا مجموعة من أحدث التقنيات الكثير منها متاحة فقط بأماكن معدودة في العالم وبعضها صممت خصيصا لأبحاثنا. 

 

من هذه التقنيات المعقدة إجراء جراحات قلب مفتوح ميكروسكوبية على فئران التجارب لإحداث جلطة في القلب، وهي تقنية دقيقة جدا تتعامل مع أوعية دموية باحجام ميكرومتر في القلب، وهي تقنية أخرى صممتها بنفسي ونشرت في دورية Matrix Biology و هي تكوين نسيج مشابة لنسيج الجلطة في المعمل لدراسة سلوك الخلايا و استجابتها للعلاج الجيني.

 

هذه التقنيات وغيرها تنتج كميات هائلة من ال big data  و لذلك نستخدم انظمة ذكاء اصطناعي خاصة بمجموعتنا البحثية قادرة علي تحليل كمية هائلة من المعلومات في خلال ساعات.
اكتشافنا للجينات المتحكمة في شفاء جلطة القلب يمهد الطريق للعلاج الجيني للجلطة في البشر. يلزم هذا خطوات اخري قبل ان يكون العلاج متاح و من هذه الخطوات التجارب السريرية على المرضى،  في حال أثبتت التجارب السريرية لإثبات فعالية وسلامة العلاج الجيني.


        
◄ ما هي خطتك لتفيد مصر من ذلك الإنجاز العلمي ؟
أتمنى أن أنقل خبرتي البحثية والتقنيات الفائقة التي اكتسبتها إلى مصر وأحلم بإنشاء مجموعة بحثية في المكان الذي درست فيه، كلية الطب بجامعة الإسكندرية، وهذا الحلم ليس بعيدا، ففي الواقع لدينا مثال جيد لنواة لأبحاث القلب في مصر وهي مؤسسة مجدي يعقوب، ومن ضمن خططي المستقبلية الحصول على تمويل من بعض المنظمات الأمريكية التي تسمح بتمويل أبحاث في دول خارجية كمصر.

 

◄ من وجهة نظرك كيف استقبل الغرب اكتشافك على الرغم أنك عربي ؟
نيويورك مدينة متعددة الأعراق وهناك عدة مدن مثلها، لذلك لم اشعر مطلقا بالتمييز وأمريكا بشكل عام مرحبة بالأجانب خصوصاَ المتميزين منهم، وإنجازاتي كانت محل اهتمام وتشجيع حيث حصلت على تمويل منظمة القلب الأمريكية وفي طريقي للحصول على جرين كارد (الإقامة الدائمة) بسبب أهمية أبحاثي للولايات المتحدة.