فى المليان

آبى أحمد .. المجتمع الدولى لن يـصدقك وروسيا لن تفيدك ونحن لا نسعى للحرب

حاتم زكريا
حاتم زكريا

بعد أن نجحت مصر ومعها السودان فى عرض قضية سد النهضة الإثيوبي فى جلسة مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة يوم الخميس الماضي 8 يوليو وإزاحة كثير من الغيوم التي حاولت إثيوبيا إحاطتها بها منذ بدأت فكرة إنشاء السد بمساعدة بعض الدول ذات المصالح الخاصة ، تغيرت النغمة التي كانت تتحدث بها إثيوبيا . وأبدت استعدادها لاستئناف المفاوضات تحت إشراف الاتحاد الإفريقي ، لكنها تضع شرطاً لإزالة الحرج عن نفسها وهو أن تبدي كل من مصر والسودان حسن نية خلال المفاوضات !! ..
وفي نفس الوقت أعلنت إثيوبيا بطريقة غير مباشرة إنها تعاقدت مع روسيا الاتحادية لتوفير التدريب والمهارة الحربية المتقدمة لقواتها !! .. أي إنها تسعي لإنهاء مشكلة سد النهضة بالمفاوضات تحت رعاية أفريقية ، وتستعد فى نفس الوقت لتخويف من يتفاوضون معها وهو « وهم « لا يفكر فيه ويخترعه سوي آبي أحمد الذى لا يمكن أن يصدقه أحد فى المرحلة القادمة !! .. وسلاحنا فى هذا هو المجتمع الدولي ومؤسساته التي بدأت أصابعها تلمس الحقائق وتشير إليها ، كما ظهر فى البيان الذى أصدره الاتحاد الأوروبي عشية اجتماع مجلس الأمن وانتقد فيه إعلان إثيوبيا الملء الثاني للسد دون التوصل الى إتفاق مع دولتي المصب ومطالبته بأهمية وضع خريطة طريق للتوصل الى إتفاق عادل وملزم فى إطار زمني محدد ..
ورغم إعلان الاتحاد الأوروبي موقفه الواضح فإنه لا يثق فى استجابة آبي أحمد الذى تحاصره مشاكله الداخلية الى جانب التخطيط الإستراتيجي الإثيوبي الذى وضعوه دون أدني أي اعتبار لدولتي المصب والذى وجد مهادنة فى البداية من البشير قبل قيام الثورة السودانية وإهمالها لدراسات حقيقية أكدها الملء الأول للسد والذى ألحق بالسودان خسائر فادحة على كافة المستويات ..
ولا شك أن الموقف المصري واضح منذ اللحظات الأولي لإعلان رغبة إثيوبيا فى إنشاء سد النهضة .. وحاولت مصر احتواء الموقف الإثيوبي منذ البداية لتنفي ما تدعيه إثيوبيا بأن مصر ترفض التنمية فى إثيوبيا .. وتوصل أطراف القضية الى إتفاق إطاري للمبادئ فى مارس 2015 من عشرة بنود تضمن ضرورة الإتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة .. وتم الاتفاق بعد فترة طويلة على قيام مكاتب خبرة لعمل دراسات فنية خاصة بقدرة السد على تحمل ضغوط المياه على إنشاءات السد .. وفى أواخر ديسمبر 2015 تم توقيع وثيقة الخرطوم التي تعد وثيقة قانونية وملزمة للدول الثلاث وتم اختيار مكتبين ذوى خبرة للاستشارات من فرنسا والاتفاق على خريطة طريق مستقبلية بهدف سرعة إتمام الدراسات الفنية .. وتهربت إثيوبيا كالعادة .. وحتي اقتراح مصر بمشاركة البنك الدولي فى أعمال اللجنة الثلاثية لم يلق استجابة من إثيوبيا بينما لم يتفاعل السودان مع الاقتراح المصري فى ذلك الوقت ..
وهكذا لم يتم الاتفاق مع المكاتب الإستشارية واصبحنا حتي الآن أمام مشكلة غاية فى الخطورة تتمثل في أن الشركة الإنشائية باتت بلا مراجعة استشارية وليس هناك رقم لمعامل الأمان لهذا السد الذى تنقسم وجهات النظر حوله أنه مهدد بالتصدع نتيجة ضغوط المياه علي إنشاءات هندسية على فالق أرضي ومنطقة جيولوجية تتطلب تأمينا خاصاً فمعامل الأمان فى سد النهضة أقل من خمس معامل الأمان في السد العالي المصري رغم الإنشاءات الضخمة التي أقيمت حول جسد سد النهضة والتي يتم عملها وكأنها من الأعمال السرية والحربية ولا تتعلق بدول أخري لها حقوق قانونية بنفس القدر الذى لإثيوبيا !!
وبعد نجاح الثورة السودانية بدأت الخرطوم فى إعادة النظر فى تداعيات سد النهضة .. واقتراب الموقفين المصري والسوداني ونجحا فى ممارسة ضغوط على إثيوبيا التي وافقت على المشاركة فى مباحثات واشنطن فى نوفمبر 2019 ، وانتهت الى مسودة اتفاقية توافقت عليها أديس أبابا بالفعل ولكنها انسحبت من التوقيع عليها فى فبراير 2020 فى خطوة غير مبررة أحرجت الجانب الأمريكي الوسيط فى ذلك الوقت ..
ولا شك أن الوصول الى قرار عادل من مجلس الأمن رغم ما قدمه سامح شكري وزير الخارجية المصري من محاور وأدلة تعزز الموقف المصري أمام مجلس الأمن تبعد عن مصر شبهة رفض التنمية للشعب الإثيوبي الشقيق وتؤكد تعنت السلطات الإثيوبية فى موقفها الرافض لكافة الاقتراحات الساعية الى تأمين سد النهضة من ناحية وتأمين حقوق مصر والسودان من ناحية أخري ..
> > > 
وأعتقد أن القيادة السياسية المصرية لن تفرط فى حق من حقوق الشعب المصري ومعها أسانيدها القوية والقانونية والإنسانية والتاريخية .. وينسحب نفس الأمر على الأشقاء في السودان الذين لن يتنازلوا عن حماية بلدهم وخياراتهم السياسية والدبوماسية والاقتصادية فى قضية سد النهضة وفقا لما قاله عمر الفاروق كامل المتحدث باسم فريق التفاوض السوداني لسد النهضة .