سفير فرنسا بالقاهرة: حصة مصر المائية يجب ألا تتأثر بسد النهضة | حوار

السفير ستيفان روماتيه خلال حواره مع «الأخبار»
السفير ستيفان روماتيه خلال حواره مع «الأخبار»

- أمن أوروبا يبدأ من استقرار مصر ومستعدون لمساعدة القاهرة أمنياً وعسكرياً

- الاقتصاد المصرى قوى ومتصاعد رغم كورونا 

أكد السفير ستيفان روماتيه سفير فرنسا فى مصر، استعداد بلاده للمساعدة فى التوصل إلى حل سياسى لأزمة سد النهضة الإثيوبي، وأنها تقوم بجهود كبيرة للتوصل إلى توافق فى مجلس الأمن لإصدار نص قرار يدعم جهود الاتحاد الأفريقى فى جهوده بقيادة المفاوضات، باعتبار فرنسا الرئيس الحالى للمجلس، وأضاف روماتيه فى حوار خاص لـ «الأخبار» أن حصة مصر المائية يجب عدم المساس بها بفعل أى سدود فى دول منابع النيل فى ظل ما تشهده من تحديات الزيادة السكانية والاعتماد على النهر كمصدر شبه وحيد للمياه، كما أشاد السفير الفرنسى بأداء الاقتصاد المصرى مؤكدا أنه يحقق أرقاما إيجابية رغم جائحة كورونا.. وإلى تفاصيل الحوار..



- وزير الاقتصاد الفرنسى زار القاهرة الشهر الماضى وتم الإعلان عن تمويل لمشاريع تنموية .. هل يعطى ذلك مؤشراً على الثقة الفرنسية فى المناخ الاقتصادى المصرى؟

نرى أن الاقتصاد المصرى فى تصاعد، فعلى الرغم من جائحة كورونا أداء الاقتصاد المصرى يظل قوياً جداً، سواء فى معدلات النمو وتنفيذ العديد من المشاريع وإمكانيات كبيرة فى التنمية وغيرها، لذلك نحن نرغب فى تواجد أكبر للشركات الفرنسية فى الاقتصاد المصرى، لأننا نعتقد أن فرنسا لديها خبرات تقدمها، ونستطيع المساعدة فى تنفيذ المشاريع الكبرى فى مصر، ولتلك الأسباب عندما التقى الرئيس إيمانويل ماكرون والرئيس عبدالفتاح السيسى فى باريس ديسمبر من العام الماضي، عرض الرئيس ماكرون حزمة تمويلية للمساعدة فى تنفيذ المشروعات الكبرى أولاً، وثانيا المساعدة فى تواجد أكبر للشركات والاستثمارات الفرنسية، وقد استغرق الأمر عدة أشهر لإعداد العقود اللازمة، ثم جاء وزير الاقتصاد الفرنسى إلى مصر فى منتصف يونيو الماضي، حاملا معه تفاصيل اتفاق حزمة تمويلية تبلغ 4 مليارات يورو أو ما يعادل 18 مليار جنيه، وهو مبلغ ضخم كمساعدة تمويلية فرنسية تساهم فى مشاركة الشركات الفرنسية فى المشاريع الكبرى بمجالات النقل والطاقة ومعالجة المياه والزراعة وغيرها.

الاقتصاد المصرى 

- فرنسا لديها ارتباط تاريخى بقناة السويس.. متى نجد شركات فرنسية فى المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس؟

بالطبع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تقدم تسهيلات ومرافق، يمكن للمستثمرين الأجانب تأجيرها والاستفادة منها، وعندما أتحدث مع مستثمرين فرنسيين فهم منجذبون لمميزات الاقتصاد المصرى، بوجود بنية تحتية من الطراز الأول، بوجود الطرق والاتصالات وغيرها، إلى جانب المناخ الاقتصادى الذى تم تحسينه، والتسهيلات المالية والضريبية.. المستثمرون يخبروننى أنهم يفضلون إقامة مشروعاتهم قرب أماكن تواجد المستهلكين لسهولة توزيع منتجاتهم، أكثر من إقامتها فى منطقة محددة مثل محور قناة السويس أو غيره.. إذن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس فكرة جيدة جداً خاصة للشركات الصناعية، لكن بعض المستثمرين يفضلون العمل قرب أماكن تواجد المستهلكين، ولا يمكن قصر الاستثمارات على منطقة محددة، إنما يجب التعامل بمنظور أوسع بتعزيز الاستثمار الأجنبى وخاصة الفرنسى فى مصر، لأن هناك إمكانات هائلة، أما موقع ذلك الاستثمار فيكون قرار المستثمر وفق خصائص ما يريد تنفيذه.

- كيف ترى سبل الخروج من الجمود الحالى بقضية سد النهضة الإثيوبي؟ وهل يمكن لفرنسا أن تقدم دوراً للوصول إلى اتفاق سياسي؟

لاسبيل للحل سوى بالتوصل إلى اتفاق سياسى عبر المفاوضات يراعى مصالح مصر والسودان وإثيوبيا على حد سواء، وفرنسا تقوم بكل ما تستطيع لتعزيز تلك المقاربة للحل، لذلك خلال رئاستنا الحالية لمجلس الأمن ناقشنا مع شركائنا المصريين، كيفية استخدام تلك الرئاسة لتسهيل وتيسير التوصل إلى حل لذلك الخلاف عبر الدبلوماسية والتفاوض، لذلك قبل أيام نظمت فرنسا باعتبارها الرئيس الحالى للمجلس جلسة مخصصة لمناقشة ملف سد النهضة الإثيوبي، مثلما ترأسنا جلسة العام الماضى عن نفس الأمر، ولكن هذا العام الوضع مختلف، حيث أعلنت إثيوبيا قبل أيام من الجلسة بدء المرحلة الثانية من ملء خزان السد، وخلال الجلسة عرضت كل الأطراف مواقفها وأبدى أعضاء مجلس الأمن وجهات نظرهم، وما نحاول فعله حالياً كرئيس للمجلس معرفة ما إذا كان هناك توافق، للخروج بنص قرار يشجع على التوصل لحل تفاوضي، ونحن نعمل على مدار الساعة وملتزمون للغاية باعتبارنا عضوا دائما فى مجلس الأمن ورئيسا للمجلس خلال يوليو الجارى، بتقديم أقصى جهد للوصول إلى وثيقة تحظى بأكبر قدر من التوافق.

الملف يهم 3 دول 

- هل تشعر فرنسا بالقلق من أن يؤدى عدم التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة إلى صراع ووضع يهدد استقرار أفريقيا؟

هذا وضع محتمل، لكن أولا ذلك الملف يهم 3 دول أفريقية مصر والسودان وإثيوبيا، وهم أعضاء فى الاتحاد الأفريقى الذى عليه دور قيادى فى دفع جهود التوصل إلى حل لذلك النزاع، ولذلك فى نيويورك ندفع بأن يكون الاتحاد الأفريقى منخرطا أكثر فى محاولة التوصل إلى توافقات وحل للملف، ونعمل مع الرئاسة الكونغولية للاتحاد الأفريقي.. بالطبع لا أحد يرغب فى وصول الأوضاع لصراع محتمل، ومصر لا تريد ذلك، فرغبة الجميع التوصل إلى حل عبر المفاوضات والدبلوماسية.

- وزير الرى المصرى قال إن من التداعيات المنتظرة لأزمة مياه فى مصر بسبب السد الإثيوبى خسارة ملايين المصريين مصدر رزقهم فى الزراعة ولجوء الشباب المصرى للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.. هل لديكم مخاوف من تأثير محتمل للسد الإثيوبى على أمن واستقرار أوروبا؟

نحن جميعا ندرك أهمية ومركزية وحساسية ملف المياه فى مصر، حيث تعتمد فى 95% من إمداداتها المائية على نهر النيل، وبالطبع على مصر أن تطور من مواردها المائية، لأنها بشكل ما «دولة عطشى للغاية»، فى ظل ارتفاع عدد السكان، وبالتالى الوصول إلى موارد جديدة من المياه شيء أساسى ومطلوب، سواء من خلال تحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستخدمة وتحسين كفاءة استخدام المياه وغيرها من الإجراءات، وهى مجالات ضمن الشراكة القوية بين مصر وفرنسا، وتضمنتها الحزمة التمويلية التى تم التوقيع عليها الشهر الماضي، خاصة وحدات معالجة المياه، فلدينا شركات متميزة فى ذلك المجال.. وبالعودة لسؤالك، أعتقد أن ما تقوله مصر حول حاجتها لتأمين حصتها من مياه النيل، هو أمر يستطيع الجميع تفهمه، وعلينا التأكد أنه فى كافة الأحوال فان الحصة المائية لمصر لن تكون فى خطر بفعل تشييد سدود فى دول المنابع، وهذا شيء يمكن تفهمه، فحاجة مصر لتأمين حصتها المائية عامل أساسى فى المفاوضات الجارية حالياً.

- الانتخابات فى ليبيا يتبقى عليها نحو 6 أشهر وهناك مخاوف من تأجيلها .. ما الدور الفرنسى فى دعم السلطات الانتقالية فى ليبيا بالتعاون مع مصر؟

تأجيل الانتخابات فى ليبيا مجرد شائعات، وهناك انخراط دولى فى تنفيذ قرارات مجلس الأمن وتطبيق مخرجات مؤتمر برلين الذى عقد قبل 3 أسابيع، والتى تقضى بأن الانتخابات لابد من إجرائها فى موعدها المحدد 24 ديسمبر المقبل، لذلك علينا العمل للتأكد من تنفيذ الجدول الزمنى المحدد، بالشراكة مع الأطراف الليبية والدول المنخرطة فى الملف الليبي، وبالطبع مصر من اللاعبين والشركاء الرئيسيين فى ليبيا، فى ظل الحدود الطويلة بين البلدين وتأثير الاستقرار فى ليبيا بشكل مباشر على مصر، وكذلك على فرنسا لقرب سواحل أوروبا من ليبيا ومخاطر الهجرة غير الشرعية والإرهاب، وهى جميعاً عوامل مهمة لأوروبا خاصة فرنسا، ولذلك تعمل فرنسا ومصر معاً عبر مشاورات دائمة للتأكد من استعادة الاستقرار فى ليبيا، ومن العوامل الهامة لذلك إجراء الانتخابات فى موعدها، ونحن نعمل سوياً لضمان انجاز ذلك الاستحقاق.

- فرنسا نظمت مؤتمر دعم السودان .. ما الدور الفرنسى لتعزيز الاستقرار فى السودان وسط المرحلة الانتقالية التى يمر بها؟

من المهم مساعدة السودان فى هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ السودان، بدعم الانتقال السياسى من جانب المجتمع الدولى ودول الجوار السودانى ومنها مصر، التى لها روابط خاصة مع السودان بحكم الجغرافيا وتقارب الشعبين وغيرها من العوامل، ما حدث فى باريس كان انخراطاً قوياً فى عملية دعم الانتقال السياسى بالسودان، لكن إن كان الانتقال السياسى دون إعادة إطلاق للاقتصاد فان العملية بأكملها ستكون هشة وغير متوازنة، لذلك عقدنا مؤتمر باريس الذى حضره الرئيس السيسى بدعوة من الرئيس ماكرون، لإطلاق دعم مالى واقتصادى للسودان، عبر خفض مستوى الديون، والتى كانت تشكل عبئاً كبيراً على جهود التنمية هناك، خاصة بعد قرار الولايات المتحدة برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما فتح الباب مجدداً أمام المانحين لتمويل السودان، وإجمالاً الدعم السياسى والاقتصادى مهم للسودان فى الوقت الحاسم الذى يمر به.

- مصر وقعت اتفاقا قبل شهرين لشراء مزيد من مقاتلات الرافال.. ما دلالة ذلك فى مسار التعاون العسكرى بين البلدين؟

من الصعب إعطاء تفاصيل حول التعاون فى ذلك المجال نظراً لحساسيته، لكنى أود الإشارة إلى بعض النقاط، أولاها أننا نريد مصر دولة آمنة ومستقرة، لأن ذلك عامل أساسى فى استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبحر المتوسط، بالطبع نحن نشارك مصر فى تعاون عسكرى وأمنى بما يساهم فى أمن البلاد، وأعتقد أن الكثير من العمل قد أنجز منذ 2013 و2014 لتعزيز استقرار مصر، وقد دعمنا ذلك عبر التعاون العسكرى والبحرى والجوى، وبرامج تجديد وصيانة المعدات العسكرية المصرية، وفى كل مرة تحتاج فيها السلطات المصرية تعزيز أمن واستقرار البلاد ستكون فرنسا حاضرة ومستعدة، لأن استقرار وأمن أوروبا وفرنسا يبدأ من مصر.

مواجهة كورونا

- كيف دعمت فرنسا مصر بمواجهة كورونا؟

فى بداية ظهور الجائحة ربيع العام الماضي، وبينما كنا نحاول التكيف مع الفيروس الذى كان غير معلوم حينها، قررنا إعادة توجيه بعض من التمويل المخصص لمصر كمساعدة عاجلة لمواجهة الوباء، ووجهنا 15 مليون يورو كانت مخصصة لمشاريع أخرى إلى مجالات مثل شراء معدات الحماية الشخصية ودعم المستشفيات بالمعدات الطبية، لتحسين علاج المصابين بكورونا، الآن نحن فى مرحلة التطعيم والإعداد لمرحلة ما بعد كورونا، ولدى اعتقاد بأنه فى الشهور والسنوات المقبلة سيكون التعاون فى مجال الصحة مجالا مهما للتعاون بين الدول، عبر التوأمة بين مستشفيات فى البلدين وتدريب المتخصصين وحوكمة القطاع الطبى وتبادل المعدات الطبية وغيرها.

إجراءات احترازية 

- الاتحاد الأوروبى أقر مؤخراً وثائق السفر الإلكترونية الخاصة بالتعافى من كورونا.. ومصر أجرت حملة تطعيم للعاملين فى المدن السياحية.. هل يمكن أن يفتح ذلك المجال لزيادة التدفق السياحى الفرنسى لمصر؟

الجميع يرغب فى العودة للوضع ما قبل جائحة كورونا، ففى مطلع عام 2020 كانت معدلات السياحة الفرنسية لمصر تقارب ما كانت عليه عام 2010، التى كانت الذروة التى سبقت انخفاضاً كبيراً بسبب الأحداث فى 2011 و2013، وعادت الأعداد للارتفاع من جديد فى 2015 و2016، وكانت المؤشرات فى بداية 2020 قبل اندلاع الجائحة مبشرة للغاية، لكن فيروس كورونا ظهر وأوقف الحركة، ما نحاول فعله فى الموسم الحالى هو استئناف التدفق السياحي، بالطبع هناك صعوبة لمجيء السياح الفرنسيين والأوروبيين عموماً، لأن هناك إغلاقا مستمرا منذ نحو 18 شهراً، ونعلم أنه يتم اتخاذ إجراءات احترازية فى المنتجعات بالبحر الأحمر والساحل الشمالي، وكذلك قرار الحكومة بإعطاء الأولوية فى التطعيم للعاملين بمجال السياحة، وهو ما أعتقد أنه رسالة إيجابية للغاية.

- مجلس الوزراء المصرى فى فبراير الماضى وافق على تدريس اللغة الفرنسية كلغة أجنبية فى المدارس الحكومية المصرية .. ما أهمية ذلك فى تدعيم علاقات الشعبين وما الدعم الذى ستقدمه فرنسا فى هذا المجال؟

وزير التعليم اتخذ قراراً فى غاية الأهمية بتعليم الفرنسية كلغة ثانية فى كافة المدارس الحكومية، إلى جانب لغات أخرى، وهنا يجب الإشارة إلى أن الفرنسية من بين مجموعة صغيرة من اللغات المنتشرة على مستوى العالم، والآن هناك ما بين 300 إلى 400 مليون شخص حول العالم يستخدمون الفرنسية باعتبارها لغتهم الأم، فى فرنسا وبلجيكا وكندا وكذلك أفريقيا، وبعد 20 عاماً سوف تشكل الدول الفرانكفونية نحو 700 مليون شخص، ما يعنى أن تعلم الفرنسية يمثل تعلم لغة المستقبل، وبالنسبة لمصر كبلد أفريقى يريد تطوير روابطه مع الدول الفرانكفونية فى أفريقيا، فإن تعلم الفرنسية يعد «وصفة» للنجاح، ونحن ندعم ذلك التوجه فى مصر، ونمول برنامجا لتدريب معلمى اللغة الفرنسية، لأنه لا يمكن ضمان تعليم جيد دون تدريب للمعلمين.