لحظة صدق

أزمة سد النهضة بين الوعود والمواقف

إلهام أبو الفتح
إلهام أبو الفتح

تتعلق قلوب 150 مليون مواطن مصرى سودانى بالمداولات الجارية فى الأروقة الدبلوماسية بعد جلسة مجلس الأمن لبحث قضية سد الأزمة الأثيوبي، فمنذ جلسة الخميس الماضى جرت فى النهر مياه دبلوماسية كثيرة حتى الآن ومازالت، لعل آخرها والأهم هو بيان الممثل السامى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة، إن الاتحاد يدعو إلى الحوار والتفاهم السياسى فى قضية سد النهضة، ونتفهم قلق مصر والسودان من هذا السد.
وأتوقف أمام الجملة الثالثة من تصريح الممثل السامي.. أن «أزمة سد النهضة ليست مطروحة على أجندة اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين، وإنما سنناقشها عند الحديث عن إقليم تيجراى الإثيوبي».
وهذا يعنى أن الأزمة لم تكن مطروحة لولا الجهود الدبلوماسية الحثيثة التى قام بها سامح شكرى وزير خارجيتنا ـ ومعه وزيرة خارجية السودان السيدة مريم الصادق ـ منذ ألقى بيانه التاريخى أمام مجلس الأمن الذى حدد فيه أبعاد الأزمة التى تسبب فيها الإصرار الإثيوبى على الحلول الأحادية ببدء الملء الثانى للسد من طرف واحد دون توقيع اتفاق قانونى ملزم يضمن عدم الإضرار بمصالح دولتى المصب ­­ـ مصر والسودان ـ وأننا لسنا ضد خطط التنمية فى أثيوبيا لكننا ضد الاستغلال السيء للسد للإضرار بالمصالح والحق فى الحياة فى مصر والسودان، وبات السد يشكل خطرا وجوديا على مصر والسودان، كشفت عنه المداولات التى انطلقت بناء على الدعوة التى وجهتها مصر والسودان وألقيت فيها أكثر من عشر كلمات كشفت الجلسة حجم المغالطات وضغوط المصالح التى حالت دون الفهم الصحيح للمشكلة التى لا تخص الاعتداء على حقوق دولتى المصب فقط ـ مصر والسودان ـ بقدر ما تخص كل دول العالم التى تعيش على أنهار عابرة للحدود!
أعود إلى البيان المحدود للممثل السامى وهو فى نظرى خطوة أخرى للأمام تعكس اتفاقا دبلوماسيا مع ما نوه إليه سامح شكرى عن السلوك الأثيوبى الفج الذى لا يعكس فقط انعدام المسئولية لدى الجانب الإثيوبى وعدم المبالاة تجاه الضرر الذى قد يلحقه ملء هذا السد على مصر والسودان، ولكنه يجسد أيضاً سوء النية الإثيوبية، والجنوح لفرض الأمر الواقع، والغرض منه وهذا كلامى ـ صرف الأنظار عن العديد من الأزمات الداخلية والخارجية، من بينها الأزمة الإنسانية فى إقليم تيجراى، بالإضافة إلى أزمته مع السودان بشأن منطقة الفشقة، ناهيك عن الأزمات الداخلية فى أديس أبابا!
وقد كانت هذه الإشارة امتدادا لما سبق أن أعلنه الاتحاد الأوروبى من قبل حين دعا إثيوبيا لوقف الملء الثانى ووقف كل الإجراءات الأحادية!
صحيح أن مجرد طرح القضية أمام مجلس الأمن والمناقشات التى دارت تعكس نجاح الجهود الدبلوماسية والتنسيق التام مع الأشقاء فى السودان فى تدويل الأزمة والخروج بها من أروقة الاتحاد الأفريقى ودهاليزه الغامضة إلى النطاق العالمى، حيث تملك مصر والسودان من الحجج القانونية والمواثيق الدولية والاستفادة من الاتفاقيات الناجحة بين الدول المشتركة فى نهر واحد فى أفريقيا والعالم، لكن بات واضحا أن العالم كله ومجلس الأمن على رأسه وضع أمام اختبار صعب إما الوصول إلى حل يمنع حكومة 100 مليون نسمة من ضمان مستقبل الحياة الكريمة فى حوض نهر يتدفق منذ الأزل أو اضطرار مصر لاتخاذ أى إجراء يدافع عن وجودها بعد أن نسفت أثيوبيا كل الجهود الرامية لإجراء دراسات وحلول مشتركة تضمن الحق فى الحياة والتنمية ، وحتى لا نجد أنفسنا مُجدداً فى مواجهة المسلك الإثيوبى الأحادى بملء السد دون اتفاق يضمن حماية وصيانة الحق الأصيل فى الحياة لشعبى دولتى المصب ضد مخاطره.
صحيح البيان عبارات قصيرة حسنة النية لكنه خطوة كبيرة للأمام نتمنى أن تجد صداها بسلوك إيجابى ينفذها على أرض الواقع .. فالكلام وحده لم يعد يكفى !