رفض تزويج ابنته لابن الخليفة وزوجها لفقير بدرهمين

سعيد بن المسيب سيد التابعين وإمام الفقهاء

الزواج للشباب
الزواج للشباب

قصة زواج ابنة سعيد بن المسيب سيد التابعين وإمام الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة قصة عظيمة فى تيسير الزواج للشباب وضرورة اختيار الزوج الصالح المتدين وعدم المبالغة فى المهور وتكاليف الزواج. كان على العالم الجليل سعيد بن المسيب الاختيار بين زوج غنى ذى سلطة ونفوذ لكنه مستهتر ماجن وآخر فقير لكنه على خلق وعلم ودين فاختار صاحب الدين الفقير وما قام به الأب يكشف أنه فهم تكافؤ النسب بالعلم والدين والخلق الحسن وليس بالفقر والغنى رغم تعرضه للعقاب لرفضه زواج ابنته ذات الحسن والجمال والأدب الرفيع من ابن أمير المؤمنين الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان، وعمل سعيد بن المسيب بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير».
**  كان سعيد بن المسيب رضى الله عنه علما من أعلام التابعين وإمام أهل المدينة علما وعملا وعالم العلماء وفقيه الفقهاء فى زمانه تميزت حياته بالورع والزهد والتواضع ولد سنة خمس عشرة للهجرة بعد تولى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه الخلافة بسنتين فى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم نشأ فيها فتلقى العلم عن الصحابة وسمع الحديث من سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه وسيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه وزيد بن ثابت وزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وخاصة السيدة عائشة بنت أبى بكر رضى الله عنها والسيدة أم سلمة رضى الله عنها فتعلم منهم رواية الأحاديث النبوية، قال سعيد ابن المسيب عن نفسه «إنى كنت أسير الليالى والأيام فى طلب الحديث الواحد» وقال أيضا: «ما فاتتنى الصلاة فى جماعة منذ أربعين سنة؟.
حسن الاختيار
*  تزوج سعيد بن المسيب بإبنة أبى هريرة رضى الله عنه فكان صهره وإذا رآه قال: «أسأل الله أن يجمع بينى وبينك فى سوق الجنة» وأكثر روايته للأحاديث المسندة عن أبى هريرة وكان يفتى والصحابة أحياء وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول: «هو أحد المفتيين».
وكان لسعيد بن المسيب ابنة مؤمنة ذات حسن وجمال باهر ذاع صيتها وشاع أمرها لشدة إيمانها وتقواها وكثرة عملها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولما علم بها الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان أراد أن يخطبها لابنه وولى عهده الوليد بن عبدالملك فأرسل رسولا إلى أبيها فى المدينة المنورة ليبلغ سعيد بن المسيب رغبة أمير المؤمنين فى تزويج ابنته من ابن الخليفة فما كان من الشيخ الجليل سيدنا سعيد إلا أن قال لهذا الرسول: أبلغ أمير المؤمنين لأن ولى عهد أمير المؤمنين رجل غير محمود السيرة، فلجأ رسول أمير المؤمنين إنى رافض لهذا الزواج قال له رسول امير المؤمنين ولماذا؟ قال سعيد  أولا إلى أسلوب الترغيب فقال له: أترفض الملك والعز والجاه والغنى والمال!! أترفض ملك أمير المؤمنين!! فكان رد سيدنا سعيد: فكم يكون ملك أمير المؤمنين فى جناح هذه البعوضة؟!! فلجأ رسول أمير المؤمنين إلى أسلوب الترهيب فقال له: إنى أخشى عليك بطش أمير المؤمنين فقال سيدنا سعيد: إن الله يدافع عنالذين آمنوا.
الزواج بدرهمين
**  بعد ذهاب رسول أمير المؤمنين جلس سيدنا سعيد ليلقى درس العصر بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من تلاميذه فى الدرس شاب ورع تقى يدعى كثير بن أبى وداعة وكان غائبا عن درس سعيد منذ ثلاثة أيام فلما رآه سعيد قد حضر الدرس سأله: أين كنت يا أبوداعة؟ قال: توفيت زوجتى فاشتغلت بها فقال سعيد: ألا أخبرتنا فشهدناها ثم أراد أبووداعة أن يقوم من المجلس فقال سعيد له: هل استحدثت امرأة؟ أى هل تزوج بأخرى؟ قال ابن أبى وداعة: يرحمك الله ومن يزوجنى وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا فقلت: وتفعل؟ قال: نعم ثم تحمد وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم وزوجنى ابنته على درهمين فقمت وما أدرى من الفرح ويمضى كثير بن أبى وداعة قائلا: صرت إلى منزلى وجعلت أتفكر ممن آخذ وممن أستدين؟ فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلى وكنت صائما فقدمت فطورى وكان خبزا وزيتا فإذا بالباب يقرع فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد ففكرت فى كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيب فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد - أى يكون فى المسجد فى ذلك الوقت - فخرجت فإذا سعيد بن المسيب فظننت أنه قد بداله تراجع عن زواج ابنته لى فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ قال: لا أنت أحق أن تؤتى إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك؟
أحفظ لكتاب الله
**  ويكشف كثير بن أبى وداعة عن ارتباكه عقب وصول عروسه فجأة وكيف استدعى الجيران الذين استدعوا أمه ويقول أبووداعة: فإذا هى العروس قائمة من خلفه فى طوله ثم أخذت بيدها فدفعتها وردت الباب فسقطت المرأة من الحياء ثم وضعت قصعة الطعام فى ظل السراج لكى لا تراه.
- أى حتى لا ترى أن طعامى هو الخبز والزيت - ثم خرجت إلى السطح استدعى الجيران فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتهم فنزلوا إليها وأبلغوا أمى فجاءت وقالت: وجهى من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها فإذا هى من أجمل الناس وأحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بحق الزوج وينهى كثير بن أبى وداعة قصته قائلا: فمكثت شهرا لا آتى سعيد بن المسيب ثم أتيته وهو فى حلقته فسلمت فرد عليَّ السلام ولم يكلمنى حتى تفوض المجلس فلما لم يبق غيرى قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خير يا أبامحمد على ما يحب الصديق ويكره العدو قال: إن رابك شىء فالعصا فانصرفت إلى منزلى فوجه إلىَ بعشرين ألف درهم.
صاحب الدين
**  هذه القصة الرائعة أقدمها هدية إلى كل أب يحب ابنته ويسعى لخيرها واسعادها فمنها نستفيد الدروس والعبر الآتية: أن يكون الاختيار فى الزواج على أساس الدين فهذه وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير» وهذا سعيد يقوم بتطبيق هذه الوصية خير قيام فليست ابنته بالأقل من غيرها حسنا وجمالا وبهاء ولا بالفتاة التى تعاقبت عليها السنون والأعوام وأصبح هم والدها هو تزويجها من أى إنسان كائنا من كان بل هى التى جمعت الجمال والحسب والنسب والشرف حتى حرص الخليفة على أن يزوجها لابنه لكن سعيدا لم يكن مرحبا بذلك الزواج ولا حريصا عليه وآثر عليه كثير الفقير لأنه الذى جمع الخلق والدين وهو الكفؤ لها فى ميزان الإسلام، ثانيا: ألا يكون المهر وتكاليف الزواج تعجيزية فوالله لم يكن كثرة المهر فى يوم ما سببا فى سعادة الفتاة ولا قلته سببا فى تعاستها لكنه سبب فى إرهاق الزوج وإثقال كاهله بالديون وربما كان سببا فى عزوف كثير من الشباب عن الزواج، وهذا سعيد بزوج ابنته على درهمين فقط ثم يقوم بتقديم هدية قوامها عشرون ألف درهم تعين الزوج الفقير على شئون البيت الجديد، إن تجسيد هذه القصة واقعا يتطلب الإعداد الجيد له من خلال التربية للبنات على مبادىء الإسلام فهذه ابنة سعيد إنما رضيت بهذا الزواج لما تربت عليه من تربية حسنة فكانت كما وصفها زوجها: أحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بحق الزوج. اللهم ارحم الله سعيدا وابنة سعيد وأرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.                                                         * علية