«الاخبار» تفندها بحقائق التاريخ والواقع

أكاذيب إثيوبية حول النيل

السد الإثيوبى
السد الإثيوبى

رغم أن النيل ظل طوال آلاف السنين شريانا للحياة، ووسيلة للترابط والتواصل بين دول حوض النيل، إلا ان الممارسات الإثيوبية المتعلقة بأزمة سد النهضة ألقت بظلال قاتمة على المعانى النبيلة التى مثلها النيل دائما لدول الحوض، فبدلا من أن تستجيب إثيوبيا لكل دعوات التوافق والتعاون المشترك استنادا إلى المصالح التى يمكن تحقيقها بين دول الحوض، وتحقيق تنميتها الذاتية دون الإضرار بحق الحياة للملايين من أبناء دول المصب، أطلقت أديس أبابا حملة ممنهجة من الأكاذيب والمغالطات التاريخية والمنطقية، فى محاولة بائسة ويائسة لإقناع العالم برؤيتها، لكنها تناست أن أوراق التاريخ تفضح وتفند تلك الأكاذيب، وأن وقائع الماضى والحاضر كانت دوما كاشفة لمحاولات «غير بريئة» من جانب الإثيوبيين لاستخدام مياه النيل كورقة ضغط على مصر، وبخاصة فى أوقات الأزمات.


السطور التالية محاولة لتفنيد وفضح مدى زيف أبرز الأكاذيب الإثيوبية، التى يرددها الخطاب الإثيوبى الرسمى والشعبى بشأن النيل، وقد تجسدت مجموعة من تلك الأكاذيب بوضوح أمام العالم فى الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، والتى كانت مناسبة لكشف مدى المغالطات والصلف الإثيوبى أمام العالم، حيث تثبت حقائق التاريخ والواقع، بما لا يدع مجالا للشك، أن قضية سد النهضة أكبر من مجرد قضية مياه.

 

اتفاقيات النيل موقعة في العهد الاستعماري وغير ملزمة

 

الحقيقة:

الاتفاقيات الدولية ملزمة.. والإمبراطور
منليك الثانى التزم بعدم المساس بالنيل الأزرق

 

على مدى سنوات حاولت إثيوبيا سواء على لسان مسئوليها، أو حتى على لسان وسائل إعلامها المتعددة تبرير محاولة تنصلها من أية التزامات تتعلق بمياه النيل، من خلال زعم أن الاتفاقيات التى تم توقيعها فى هذا الشأن غير ملزمة لإثيوبيا، وأن تلك الاتفاقيات، سواء اتفاقيات عام 1902، و1929، و1959، والخطابات المتبادلة بين السلطات الموجودة فى تلك الدول طوال عقود تم توقيعها فى العهد الاستعماري، وبالتالى لا يمكن أن تمتد آثارها إلى العصر الحالي..والحقيقة أن تلك مغالطة تاريخية وقانونية فادحة، فمن بين أهم الاتفاقيات التى تضمنت تحديد الالتزامات بشأن النيل بين إثيوبيا من جانب وبين مصر والسودان من جانب آخر، اتفاقية عام 1902، والتى تم توقيعها فى 15 مايو من ذلك العام، وأبرمت الاتفاقية بين بريطانيا العظمى بوصفها الدولة صاحبة السلطة فى مصر والسودان، وبين إثيوبيا بشأن تخطيط الحدود بين السودان وإثيوبيا، وقد تطرقت تلك الاتفاقية التى تم تحريرها باللغتين الإنجليزية والأمهرية وصدق عليها الطرفان فى أديس أبابا فى 28 كتوبر 1902 إلى مسألة النيل.. وفى المادة الثالثة من تلك الاتفاقية تعهد إمبراطور الحبشة منليك الثانى بـ «ألا يُصدر تعليمات أو أن يُسمح بإصدارها فيما يتعلق بعمل أى شيء فى النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، يمكن أن تسبب اعتراض سريان مياهها إلى نهر النيل، ما لم توافق على ذلك حكومة بريطانيا وحكومة السودان مقدما».


وتكشف تلك الحقائق حجم الكذب الإثيوبي، فإمبراطور الحبشة منليك الثانى (ولم يكن سلطة استعمارية) يتعهد هنا صراحة بعدم المساس بالنيل الأزرق الرافد الأساسى للمياه التى تصل إلى السودان ومصر- إلا بموافقة مسبقة من دول المصب، أما وجود الطرف الثانى وهو بريطانيا فهى مسألة تتعلق بمصر والسودان، وليس بإثيوبيا، وبالتالى فقد تحقق الالتزام القانونى الإثيوبى بكل وضوح.


الغريب أن الكثير من محاولات التنصل من ذلك الالتزام الواضح ظهرت على السطح على مدى العقود الماضية فى الداخل الإثيوبي، وربما فى فترة تسبق الإعلان عن إنشاء سد النهضة، وهو ما يكشف عن تأصل سوء النية، ومحاولة الإضرار بمصر، والإفلات من أية التزامات قانونية تتعلق بمياه النيل، فنجد الكثير من الدراسات القانونية الإثيوبية تحاول تلفيق التحليلات المخالفة لكل الثوابت القانونية والسياسية المعروفة فى العالم، لتصوير أن التزام الإمبراطور منليك الثانى كان «التزاما شخصيا مؤقتا وغير ملزم للحكومة الإثيوبية»، وبالطبع هذا القول يمثل محاولة ساذجة لتبرير موقف يعرف كل من درس بعضا من قواعد العلوم السياسية أو القانون الدولى أنه يخالف أبسط قواعد تلك العلوم والأعراف الدولية المستقرة حول الشخصية المعنوية للدولة، واستمرار الالتزامات التعاقدية على الدول حتى لو تغيرت الأنظمة السياسية أو اختفى الأشخاص الذين وقعوا على الاتفاقيات، فالحاكم «أى حاكم» عندما يوقع اتفاقية باسم بلاده، لا يقتصر الأمر على شخصه أو فترة حكمه، بل يمثل التزاما على الدولة ذاتها يستمر مدى الحياة، إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق آخر برضا الأطراف المكونة للاتفاق الأول يقضى بانتهاء الالتزامات القانونية المنصوص عليها فى ذلك الاتفاق، وهو ما لم يحدث فى الحالة الإثيوبية، وبالتالى فإن تلك الاتفاقية تعد ملزمة إلى الآن للجانب الإثيوبي، ورغم كل محاولات التنصل والتهرب والتحايل على القوانين والأعراف الدولية.

 

القانون الدولى لا يلزم إثيوبيا باحترام حقوق دول المصب فى مياه النيل

الحقيقة:

اتفاقية فيينا نصت على توارث الالتزامات .. و«الوحدة الأفريقية» أكدت بقاء معاهدات الحدود والمياه

من بين المغالطات والأكاذيب التى سعى الخطاب الإثيوبى إلى تلفيقها ونشرها على نطاق واسع خلال السنوات الماضية، الزعم بأن القانون الدولى لا يلزم إثيوبيا باحترام الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل، والتى نظمتها العديد من الاتفاقيات الدولية والثنائية، والواقع أن القانون الدولى أقر بمبدأ ثبات الالتزامات القانونية على الدول بموجب الاتفاقيات الدولية، وهو ما أشرنا إليه بشأن اتفاقية عام 1902، كما أن العديد من الاتفاقيات الأخرى مثل اتفاقية عام 1929 اعترفت بشكل واضح بالحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل وأبدت احترامها لتلك الحقوق.
والمعروف أن اتفاقية 1929هى واحدة من أهم الاتفاقيات ممتدة الأثر إلى اليوم التى تنظم تدفق مياه النيل بين الدول المشتركة فى حوض النهر، وتنص الاتفاقية صراحة فى الفقرة (ب) من البند الرابع، بأنه «لا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى، ولا تتخذ إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى ينبع منها سواء فى السودان أو فى البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية يكون من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل إلى مصر»، والواقع أن بريطانيا فى اتفاقية 1929 لم تكن تمثل السودان فقط، بل كانت تمثل أيضا كينيا وأوغندا وتنزانيا (تنجانيقا فى تلك الفترة).
وقد وصف الكثير من المسئولين والخبراء المتخصصين فى القانون الدولى، وفى الشئون الأفريقية اتفاقية 1929 بأنها اتفاقية دولية موثقة وثابتة بحق التقادم، وأن تلك الاتفاقية على وجه الخصوص ذات أبعاد إقليمية محددة ينبغى احترامها من الدول الخلف (أى التى جاءت بعد مرحلة الاستقلال).
الأمر الأكثر أهمية أنه طبقا لاتفاقية فيينا لعام 1978 بشأن التوارث الدولى للاتفاقيات الموقعة بين الدول المتجاورة أو بين من يمثلها أو يحكمها، يتم توريثها توريثا تلقائيا، وتصبح سارية بالحق التاريخى المكتسب لورثتها الشرعيين الممتدة جذورهم للأسلاف الموقعين على هذه الاتفاقية من قبل، وبالتالى فلا مجال للإنكار الإثيوبى للحقوق التاريخية المصرية فى مياه النيل.
وإذا كانت إثيوبيا تتشدق دوما بأهمية الالتزام بالآليات الأفريقية لحل المنازعات بين دول القارة، فإنها أول من تحتاج إلى تذكير نفسها بهذا المبدأ، وهى تتجاهل قاعدة مستقرة أرستها منظمة الوحدة الأفريقية فى اجتماعها بأديس أبابا عام 1965، وأكدت فيها استمرارية أية اتفاقيات سابقة خاصة بالحدود والمسائل العينية، حتى لو كانت من عهد الاستعمار، خشية حدوث مشكلات أو صراعات سياسية وربما عسكرية بين الدول، ولذلك فإن اتفاقية 1929 تظل سارية المفعول، حيث إنها مترابطة ارتباطا وثيقا باتفاقيات الحدود وشئون المياه.

 

إثيوبيا لم توقع اتفاقيات مع مصر بشأن النيل

الحقيقة: زيناوى تعهد فى «اتفاق القاهرة» بعدم الإضرار بالمصالح المائية

تحاول إثيوبيا دائما تكرار الحديث عن عدم اعترافها بأية اتفاقيات خاصة بالنيل، والإشارة، كما سبق وأوضحنا، إلى أن تلك الاتفاقات تم توقيعها فى العهد الاستعماري، لكن إثيوبيا تتجاهل عمدا وتتعامى عن توقيعها اتفاقا لا علاقة له بالعهد الاستعماري، والإشارة هنا ليست فقط إلى إعلان المبادئ الذى تم توقيعه عام 2015، والذى خالفت أديس أبابا بنوده بإصرارها على اتخاذ قرارات أحادية الجانب، وإنما الإشارة هنا إلى اتفاق سابق ويعود إلى يوليو 1993، أو ما أطلق عليه «اتفاق القاهرة»، فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ورئيس الوزراء الإثيوبى الراحل ميليس زيناوي، حيث وضع ذلك الاتفاق إطارا عاما للتعاون بين مصر وإثيوبيا لتنمية موارد مياه النيل، ونصت المادة الثامنة منه على أنه «يتعهد الجانبان الموقعان على هذا الاتفاق بأن يجرى التشاور والتعاون فى المشروعات ذات الفوائد المشتركة، كتلك المشروعات التى تزيد من حجم تدفق مياه النيل، أو تقلل من المياه التى يخسرها النهر من خلال مشروعات التنمية الشاملة والمشتركة»..كما نص الاتفاق فى أحد بنوده على «الامتناع عن أى نشاط يؤدى إلى إحداث ضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يختص بمياه النيل»، كما تم الاتفاق أيضا على إنشاء آلية ملائمة للتشاور حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك والعمل من أجل السلام والاستقرار فى المنطقة.. الغريب أنه بعد هذا الاتفاق وكما يشير الدكتور زكى البحيرى فى كتابه «مصر ومشكلة مياه النيل»، بدأت إثيوبيا فى اتخاذ مواقف تصب باتجاه تهدئة الأوضاع مع دولتى المصب، ويشير فى هذا الصدد إلى ما أعلنه وزير الموارد المائية الإثيوبى فى ورقة تقدم بها بمؤتمر النيل المنعقد بالخرطوم عام 2002 من أن «إثيوبيا تخلت عن تمسكها بقاعدة السيادة المطلقة على المياه التى تنبع فى أراضيها، وبدأ الاتجاه الإثيوبى يسير فى إطار قاعدة الاقتسام المنصف والعادل».. وبعيدا عن أن إثيوبيا لم تلتزم لاحقا لا باتفاق القاهرة، ولم تدخل تصريحات مسئوليها بشأن التعاون مع دول المصب موضع التنفيذ، إلا أن اتفاق القاهرة فى حد ذاته يمثل وثيقة دامغة تنسف الإدعاءات الإثيوبية بعدم اعترافها بالحقوق التاريخية المصرية فى مياه النيل.

 

لا قيود على حق إثيوبيا
فى التصرف بمياه النيل باعتبارها دولة المنبع!!

الحقيقة: اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار ألزمت دول المنبع باحترام حقوق دول «المصب» والإخطار المسبق

تحاول إثيوبيا بصورة مستمرة ومتكررة الإشارة إلى أحقيتها المطلقة فى مياه النيل النابعة من اراضيها، واعتبار الأمر قضية سيادة، وبالطبع فإن ذلك الزعم ينطوى على العديد من المخالفات لقواعد القانون الدولى المتعلقة بالأنهار الدولية، والتى تفرض على الدول المشتركة فى نهر واحد عدم الإضرار بالمصالح المائية للدول الأخرى.
وتحاول إثيوبيا الاستناد إلى مبدأ قديم يدعى مبدأ «هارمون» والذى كان يشير إلى الحق المطلق لدول المنابع فى التصرف فى مياه الأنهار الدولية التى تجرى فى أراضيها كما تريد، بغض النظر عن أثر ذلك على أى من دول أدنى النهر، والواقع أن مبدأ «هارمون» ذلك قد أصبح فعليا جزءا من الماضي، ولم يعد مستخدما فى أى من دول أحواض الأنهار المشتركة حاليا، بعدما حلت قواعد القانون الدولى بديلا له.
وقد استقرت حتى الآن العديد من القواعد الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول المشتركة فى حوض نهر واحد، ومن بين تلك القواعد المهمة ما أرسته اتفاقية هلسنكى عام 1966، والتى أشارت إلى أن العلاقة بين الدول المتشاركة بمياه أحد الأنهار تعتمد على مبادئ الانتفاع والتنمية والمصالح والاستخدام المنصف دون التسبب فى ضرر ذى شأن للدول الأخرى، كما تضمنت الاتفاقية النص على احترام حقوق والتزامات دول المجرى المائى الدولى نتيجة لاتفاقيات يكون معمولا بها سابقا.
كما أولت الأمم المتحد اهتماما كبيرا بقضية المياه، حيث أصدرت اتفاقية «استخدام المجارى المائية الدولية فى غير الشئون الملاحية فى 21 مايو 1997، حيث وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصويت على الاتفاقية بأغلبية 104 دول، ورفض 3 دول، وتحفظ 27 دولة، ودخلت حيز التنفيذ عام 2014 بعد تصديق 35 دولة عليها.
ونصت اتفاقية الأمم المتحدة فى مادتها الثالثة على ألا يؤثر أى نص من نصوصها على حقوق دول أى مجرى مائى أو التزامات الدول الناشئة عن اتفاقيات سابقة يكون معمولا بها من قبل، وهو ما يعنى أحقية مصر والسودان فى استمرار سريان الاتفاقيات السابقة الخاصة بتنظيم مياه النيل.
وتضمنت تلك الاتفاقية كذلك مبدأ عدم التسبب فى ضرر جوهري، حيث أشارت إلى ضرورة أن تتخذ دول المجرى المائى الدولى عند الانتفاع به داخل أراضيها كل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب فى ضرر ذى شأن لدول المجرى المائى الأخرى، كما تضمنت الاتفاقية مبدأ الإخطار المسبق، وينص على أن الدول المُقدمة على عمل إنشاءات معينة أن تبلغ الدول الأخرى قبل الإقدام على أعمال الإنشاء هذه بمدة ستة أشهر على الأقل، ويجوز مد المدة بوصفها مهلة للرد على الإخطار، كما ألقت الاتفاقية بالعديد من الالتزامات على عاتق الدولة التى تريد إقامة مشروع ما على النهر الذى يمر فى أراضيها، وأهمها عدم البدء فى تنفيذ التدابير المزمع اتخاذها حتى يتم الاتفاق بين الأطراف ذات الصلة.
وبالطبع من الواضح أن النهج الإثيوبى يمثل خرقا واضحا ومتعمدا لبنود تلك الاتفاقيات، وإصرارا مريبا على عدم الالتزام بقواعد القانون الدولي، وهو ما يمثل تحديا سافرا لقواعد القانون المستقرة.

 

مصر تعرقل التنمية فى إثيوبيا!!

الحقيقة: القاهرة أكبر داعم لدول القارة.. و«جبل الأولياء» و«أوين» و«روفينجى» قصص نجاح تؤكد الحرص على مساندة الأشقاء

من أكثر الأكاذيب الإثيوبية ترديدا خلال السنوات الأخيرة، وحتى خلال جلسة مجلس الأمن لمناقشة قضية السد الإثيوبى الإدعاء بأن رفض مصر استئناف العمل بالسد دون التوصل إلى اتفاق قانونى ملزم، من شأنه عرقة التنمية فى إثيوبيا، والحقيقة أن ذلك الإدعاء يكشف جانبا مهما من سوء النية الإثيوبي، فقراءة متعمقة للتاريخ والواقع تكشف أن مصر كانت فى مقدمة الدول التى ساندت بالقول والعمل حركات الاستقلال والتنمية فى مختلف دول القارة، وأن مصر لم تتحدث يوما  حتى فى ظل العجرفة والصلف الإثيوبي- عن رفض حق التنمية لكل شعوب القارة.
وإذا كان الإثيوبيون يتجاهلون حقائق التاريخ، فإن ذلك لا يعنى تجاهل ما حققته أيادى مصر البيضاء فى مجالات تنمية القارة، ولعل الكثير من المنشآت المائية التى ساعدت مصر على مر التاريخ فى إنشائها على النيل خير شاهد على ذلك، فحتى السدود التى يتم إنشاؤها على مجرى النهر، لا تجد مصر فيها خطرا على حقوقها التاريخية، طالما أقيمت تلك السدود بالتعاون والتنسيق مع دولتى المصب، وهو الحق الذى تكفله لها قواعد القانون الدولي، والاتفاقيات المعنية فى هذا الشأن.
ويشهد التاريخ على مساندة مصر، لكل دول القارة عامة، ودول حوض النيل على وجه الخصوص فى تنمية قدراتها الذاتية، ويمتد الأمر لسنوات طويلة ماضية، فمن بين المشروعات التى ساندت فيها مصر الأشقاء فى وادى النيل، ففى عام 1937 جرت مشاورات مكثفة بين السلطات المصرية ونظيرتها السودانية بشأن التعاون فى إقامة سد على النيل الأبيض عند منطقة «جبل الأولياء» (40 كم جنوبى الخرطوم)، وبالفعل شاركت مصر فى دراسات إنشاء السد، والأكثر أنه تم بناء الخزان على نفقة الحكومة المصرية وبأيدى الشركات والعمال المصريين، وكان معظمهم من أبناء محافظة الصعيد الأشداء، كما دفعت مصر تعويضا لأهالى السودان من المتضررين من إنشاء الخزان، بلغت قيمته 750 ألف جنيه، وهو رقم كبير للغاية فى تلك الفترة، لكن تلك المساندة والدعم جاء نتيجة اقتناع مصر بالفوائد المشتركة من إنشاء الخزان، الذى يوفر كمية من المياه الضائعة تصل إلى 305 مليارات متر مكعب من المياه، كما يسهم فى إمكانية زراعة 600 ألف فدان من الأراضى السودانية.
هذه التجربة لم تكن الأخيرة، بل تكررت بصورة أكبر بين عامى 1949 و1954 وكانت تتعلق بمساهمة مصر فى إنشاء سد «أوين» بأوعندا، ففى تلك الفترة اقترحت الحكومة الأوغندية إنشاء خزان على شلالات أوين عند مخرج بحيرة فيكتوريا لتوليد الطاقة الكهرومائية، وتم تبادل المذكرات بين الحكومتين، وكانت أوغندا لا تزال خاضعة للاحتلال البريطاني.
 ودرست الحكومة المصرية المقترح، وفى 5 فبراير 1949 ردت بخطاب أشارت فيه إلى أن سياسة مصر الدائمة تقوم على حماية المصلحة المتبادلة بين الدول المطلة على النهر، وأنه من تلك المصلحة المتبادلة أن تتعاون مصر وأوغندا فى بناء الخزان عند مخارج البحيرة التى تمثل اهم منابع النيل، بما يخدم أغراض الرى فى مصر، وتوليد الكهرباء لصالح أوغندا، وبناء على ذلك طلبت مصر تعديل التصميم المعد للمشروع، من أجل استيفاء الغرضين معا.
واقترحت الحكومة المصرية المشاركة منذ البداية فى تصميم وبناء الخزان، وأن تشارك فى تكاليف البناء والمصروفات السنوية له على أساس نسبة الفائدة التى يجنيها كل من البلدين، وبالفعل أُعدت التصميمات الخاصة بالمشروع بالتعاون الكامل بين الحكومتين المصرية والأوغندية وبموافقتهما، وحتى مناقصات التنفيذ تمت بالاتفاق بين الحكومتين، وتم توقيع اتفاق ينص على أنه « يجوز لمجلس كهرباء أوغندا خلال فترة بناء الخزان وبعد إتمامه أن يتخذ ما يراه مناسبا فى شلالات أوين، بشرط ألا يترتب على الإجراء المذكور أى ضرر لمصالح مصر طبقا لاتفاقية مياه النيل 1929، وألا يؤثر تأثيرا ضارا على تدفق المياه المارة من خلال الخزان».
هذه  سياسة مصر الثابتة والراسخة، دعم حق التنمية فى دول القارة، بل والمشاركة بالمال والخبرات الفنية، طالما كان الأمر يتضمن فائدة ويجرى بالتعاون مع مصر، لضمان عدم الإضرار بمصالحها المائية، وبالفعل تحملت الحكومة المصرية فى تلك الفترة جانبا من تكلفة بناء خزان «أوين» بلغت بأسعار ذلك الزمان 4.5 مليون جنيه، إضافة إلى نسبة من قيمة التعويضات الخاصة بالمصالح والأماكن والبشر المتأثرين من تنفيذ المشروع، بل ودفعت الحكومة المصرية لمجلس كهرباء أوغندا 980 ألف جنيه كتعويض عن الخسارة المترتبة على فقدان قدر من الطاقة الكهرومائية نتيجة رفع مستوى تخزين المياه فى بحيرة فيكتوريا، وقد تم تنفيذ المشروع بالكامل عام 1954.
وبحسب اتفاق سد «أوين» أصبح لمصر مهندس مقيم فى إدارة السد بأوغندا، ومعه عدد من الفنيين من قبل وزارة الأشغال والموارد المائية المصرية، لكى يرصد مناسيب ارتفاع المياه فى بحيرة فيكتوريا ومستوى تدفق المياه من خزان «أوين» ، وعندما أرادت أوغندا  عام 1991 زيادة الطاقة الكهرومائية المولدة منه، لم تعترض مصر، بل ووقعت اتفاقا جديدا مع الحكومة الأوغندية، وهو ما يكشف أنه عندما تتوافر الإرادة السياسية وحسن النوايا، فإن الأمر يمكن أن يتحول إلى وسيلة للتعاون المشترك.. ولم تتوقف مساهمات مصر ودعمها لأشقائها من الدول الأفريقية فى تنفيذ العديد من المشروعات التنموية على النيل بهدف الارتقاء بحياة تلك الشعوب، وحماية الأهالى من أخطار الفيضانات، ومن أمثلة  تلك المشروعات التعاون بين مصر وتنزانيا لإنشاء سد «روفينجي»، وكذلك مساهمة مصر من خلال خبراء وزارة الموارد المائية والرى فى إعداد دراسات جدوى إنشاء سد «واو» متعدد الأغراض بجنوب السودان ، بهدف توليد الكهرباء وتوفير مياه الشرب لحوالى ٥٠٠ ألف نسمة والاستفادة من المياه فى الرى التكميلى لحوالى ٣٠ - ٤٠ ألف فدان.
المدهش أن إثيوبيا التى تتحدث عن الحق فى التنمية تتناسى انها ذات يوم وقفت ضد خطوات مصر لتنمية سيناء، وتدخلت - بدعم صهيونى غير معلن- للاعتراض على خطط مصر فى 1980 لمد ترعة السلام إلى العريش، وأعلنت الحكومة الإثيوبية أن مياه النيل لا يجوز أن تصل إلى العريش لأن ذلك خروج من حوض النهر، متناسية أن النيل تاريخيا كان يصل فى عصور سابقة إلى مدينة العريش بشكل طبيعى.

 

مصر تستحوذ على معظم مياه النيل!

الحقيقة: نصيبنا 5% فقط .. وإثيوبيا بها 12 نهرا وأمطارها 20 ضعف حصتنا السنوية

تكرر إثيوبيا فى خطابها الرسمى والشعبي، وبصورة مؤسفة أن مصر تستحوذ على الحصة الأكبر من مياه النيل، ولعل من أبرز المتناقضات التى يجسدها الخطاب الإثيوبى ما زعمه وزير الطاقة والموارد الإثيوبى فى خطابه أمام جلسة مجلس الأمن عن أن الأطفال الإثيوبيين عطشى بينما المياه تتدفق إلى خارج حدودهم (!!)، وبالطبع يحتوى هذا القول على العديد من المغالطات من بينها التناقض بين الزعم الإثيوبى بأن سد النهضة ليس سوى سد لتوليد الكهرباء، وبالتالى فهو يستخدم تدفق المياه لتوليد الطاقة، ويفترض أنه بذلك لا يستهدف حبس المياه أو تخزينها سوى لتصريفها باتجاه توربينات التوليد، أى أنه لا علاقة له بعطش الأطفال الإثيوبيين أو غيره!
أما المغالطة الثانية التى يتضمنها ذلك الزعم، فتكمن فى عدم ذكر الإثيوبيين الكثير من الحقائق التى تقدمها الأرقام الخاصة بتدفقات المياه على أراضيهم، مقارنة بمصر، ففى الوقت الذى يبلغ فيه إيراد نهر النيل حوالى 1660 مليار متر مكعب من المياه، تبلغ حصصة مصر 55.5 مليار متر مكعب، وبمقارنة سريعة بين مصادر المياه فى مصر وإثيوبيا، نجد أن الأخيرة تسقط على أراضيها سنويا ما بين 960-1000متر مكعب من المياه، من بينها 590 مليار متر مكعب على الجزء الخاص بحوض النيل من هضبة الحبشة، إضافة إلى 517 مليار متر مكعب على المنابع الاستوائية، و544 مليارا على جنوب السودان، ومع ذلك لا يصل من كل تلك الكميات سوى 5% عن أسوان.
وتمتلك إثيوبيا 12 نهرا، وتسيطر مع أوغندا وتنزانيا على 78% من فائض المياه فى حوض النيل، ولذلك لا يتجاوز اعتمادها على نهر النيل أكثر من 2%، بينما تصل نسبة اعتماد مصر على نهر النيل إلى 97%، وتتزايد مخاطر الفجوة المائية مع استمرار النمو السكاني،  حيث يبلغ العجز المائى الذى تعانيه مصر حاليا حوالى 22 مليار متر مكعب سنويا، وهو ما يمثل حوالى 40% من حصتها المقررة، إضافة إلى أن المنتجات الغذائية المستوردة تتضمن مياها افتراضية تقدر بنحو 33 مليار متر مكعب، وبالتالى فإن إجمالى العجز المائى يقدر بنحو 55 مليار متر مكعب، وعليه فإن إجمالى الاستهلاك المائى المصرى يصل إلى 110مليارات متر مكعب ومن المتوقع أن تتضاعف تلك الفجوة فى 2050..كما انخفض نصيب الفرد فى مصر إلى ما يقرب من 625 مترا مكعبا سنوياً من المياه العذبة المتجددة بعد أن تجاوز تعداد السكان إلى 100 مليون نسمة، والمرشح للزيادة ليصل إلى حوالى 120 مليون نسمة بحلول عام 2025، ليبلغ نصيب الفرد 450 مترا مكعبا سنوياً، وهو انخفاض دون حد الشح المائى والذى يقدر حسب المؤشرات العالمية بحوالى ألف متر مكعب سنوياً.
وبالتالى إذا كان لأحد أن يتخوف من العطش، فبالتأكيد لن تكون إثيوبيا ذات الموارد المائية الهائلة، ولعل ذلك الاعتماد المصرى شبه الكامل على مياه النيل كمورد للمياه العذبة هو ما يجعل قضية المياه بالنسبة لنا قضية أمن قومي، وأى مساس بها يعتبر دون أدنى مبالغة مساسا بالحياة.

 

لاعلاقة للمجتمع الدولى بأزمة سد النهضة

الحقيقة: إثيوبيا طالبت فى 1957 بتدويل مشكلة مياه النيل .. وتحولت إلى أداة بيد الاستعمار لمعاقبة مصر على «تأميم القناة»

من بين الأكاذيب الكثيرة التى يحفل بها الخطاب الإثيوبي، ويحرص على تكرارها بصورة بائسة، القول بأن المجتمع الدولى لا يحق له التدخل فى أزمة سد النهضة، وأنها قضية فنية، ولعل الخطاب المتهافت الذى ألقاه وزير الطاقة والموارد المائية الإثيوبى فى جلسة مجلس الأمن خير مثال على ذلك، فقد كانت تلك الفكرة هى محور حديثه، وظل يدور ويناور من أجل إقناع مجلس الأمن بأنه غير ذى صفة فى مناقشة أية قضايا تتعلق بالمياه.
 يأتى هذا الموقف الإثيوبى بينما يقف التاريخ شاهدا على أن إثيوبيا كانت أول من أدخل قوى دولية فى قضايا المياه المتعلقة بالنيل، بل وللأسف لم تستعن إثيوبيا بالمجتمع الدولى ممثلا فى الأمم المتحدة، أو المؤسسات التى تتبع القانون الدولي، بل كانت إثيوبيا وعلى مدى تاريخها أداة فى يد القوى الخارجية لمحاصرة مصر والإضرار بمصالحها المائية، وممارسة الضغط على القاهرة بورقة المياه، لتحقيق أهداف أخرى لا علاقة لها بالنيل أو إدارة موارده.
ويتجسد الدور الخطير الذى لعبته إثيوبيا للضغط على مصر بواسطة قوى دولية فى الفترة التى أعقبت إصرار مصر على استكمال بناء السد العالي، وإعلان تأميم قناة السويس، بعد سحب الولايات المتحدة عرض تمويل السد، ورفض البنك الدولى تمويل المشروع، فقد استخدمت كل من بريطانيا والولايات المتحدة إثيوبيا كوسيلة لمحاولة عرقلة مصر عن إتمام المشروع، حتى قبل احتدام الأزمة ووصول الموقف بين مصر من جانب وبين بريطانيا والولايات المتحدة إلى حد المواجهة.
وتشير وقائع التاريخ إلى أن بريطانيا سعت لإدخال إثيوبيا كشريك فى المباحثات الخاصة بمياه النيل لتعقيد عملية بنائه، وطرح السفير البريطانى فى أديس أبابا فى يوليو 1954 فكرة تشكيل لجنة ثلاثية لدراسة مشروع التخزين المائى فى إثيوبيا، لصرف نظر مصر عن مشروعات التنمية، والتخلى عن فكرة إنشاء السد العالى مقابل إقامة مشروعات تخزين بعيدة عن الأراضى المصرية كمشروع سد على بحيرة تانا، وآخر على بحيرة فيكتوريا، ومنع كل من مصر والسودان من إقامة أية مشروعات  مائية داخل أراضيهما، سواء مشروع سد الروصيرص فى السودان أو السد العالى فى مصر، وقد رفضت مصر بقوة مقترح بريطانيا بإقحام إثيوبيا فى تلك المفاوضات، فالأمر يتعلق بالجزء الأدنى للنيل أى بدولتى مصر والسودان فقط، حيث لا يوجد أى تداخل فى حركة المياه، أو مساس بأية مصالح مائية لإثيوبيا.
ومع احتدام المواجهة بين مصر وبريطانيا، دفعت الأخيرة إثيوبيا إلى المطالبة فى 1957 بتدويل مشكلة مياه النيل، وحاولت إغراء بعض الساسة السودانيين بالتجاوب مع الموقف الإثيوبى لتشكيل جبهة لخنق مصر مائيا، وتعطيل مشروع السد العالي، إلا أن ضغوط الرأى العام السودانى كانت أقوى .. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعدما توصلت مصر والسودان إلى اتفاق بشأن مياه السد العالي، وتوصل الطرفان إلى اتفاق نهائى فى 2 نوفمبر 1959 استشاطت الولايات المتحدة غضبا، فأرسلت بالتنسيق مع إمبراطور الحبشة فى ذلك الوقت هيلاسلاسى بعثة من مكتب استصلاح الأراضى الأمريكية لدراسة أحواض الأنهار الإثيوبية مع التركيز على حوض النيل الأزرق، حيث وضعت مخططا لبناء 33 مشروعا وسدا على ذلك النهر بهدف التأثير السلبى على وصول مياه النيل إلى مصر وعلى توليد الكهرباء من السد العالي، واستمرت البعثة فى مهمتها حتى عام 1964..المثير فى الأمر أن تلك البعثة وضعت حصيلة دراساتها فى 17 مجلدا، وأوصت بإنشاء عدة سدود على النيل الأزرق، تسحب من حصة دولتى المصب (مصر والسودان) لصالح تخزين المياه لتوليد الكهرباء ورى الأراضى الإثيوبية، وكان سد النهضة الإثيوبى أحد تلك السدود المقترحة، حتى لو اختلف الاسم !!.. كما أرسلت بريطانيا بعثة مماثلة من الأكاديمية العسكرية البريطانية سانت هيرست، لعمل مسح للأراضى الإثيوبية التى يمكن تنفيذ مجموعة من مشروعات السدود بها، وبالطبع كانت الرسالة البريطانية الأمريكية الإثيوبية واضحة وهى تهديد ومحاصرة مصر، وإحكام قبضتها على مياه النيل لخنق مصر فى أى وقت!!.

 

سد النهضة هدفه توليد الكهرباء ولن يضر بمصر والسودان!!

الحقيقة: إنشاءات السد 3 أضعاف المطلوب لتوليد الطاقة وهدفه الأكبر تخزين المياه

فى مقدمة الأكاذيب التى يرددها الخطاب الإثيوبي، الزعم بأن سد النهضة هدفه توليد الكهرباء فقط، على الرغم من اتفاق معظم خبراء السدود على أن تلك النوعية من السدود لا تستوجب حجز كميات هائلة من المياه خلفها مثلما سيحدث فى حالة سد النهضة (أكثر من 74 مليار متر مكعب)، وبالتالى فإن الهدف يبدو أكبر وأخطر من مجرد توليد الطاقة.
وقد أوضحت دراسة للدكتور عدلى سعداوي، العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل جامعة الفيوم، وعضو المجلس العربى للمياه، نتائج العديد من السيناريوهات التى تمت دراستها تحت كافة الظروف المحيطة، واعتمادا على بيانات السلاسل الزمنية للتصرفات التاريخية للنيل الأزرق على مدى يقرب من 100 عام، واستخدام طريقة المتوسط الحسابى المتحرك فى تقدير الفترات الزمنية الممثلة للتصرفات الطبيعية التى تناسب كل سيناريو من السيناريوهات المطروحة والتى تعدى عددها 95 سيناريو، أن مخزون السد العالى سيعانى نقصا شديداً أثناء ملء وتشغيل سد النهضة مما سيؤثر بداية على توليد الكهرباء من السد العالي.
وتقدر قيمة الخسائر فى مجمل المحاصيل الحقلية بنحو 28 مليار جنيه سنويا خلال فترة الملء، وستصل قيمة الخسائر فى المحاصيل المعمرة إلى نحو 3.6 مليار جنيه سنويا، وفى محاصيل الخضر ستصل الخسائر إلى نحو 6.1 مليار جنيه سنويا، وفى محاصيل الفاكهة ستصل الخسائر إلى نحو 6.1 مليار جنيه سنويا، وبالتالى فإن إجمالى خسائر الإنتاج النباتى ستصل إلى نحو 43.8 مليار جنيه سنويا خلال فترة الملء.
بينما تقدر خسائر الإنتاج الحيوانى والسمكى بنحو 9.8 مليار جنيه سنوياً، كما تقدر خسائر التجارة الخارجية نتيجة زيادة الواردات ونقص الصادرات بنحو 97.8 مليار جنيه سنوياً، وبهذا يبلغ إجمالى الخسائر المصرية المباشرة فى الزراعة فقط نحو 151 مليار جنيه سنويا خلال فترة الملء. وإضافة إلى هذه الخسائر السنوية المباشرة، فإن الآثار المرتبطة بتدهور نوعية المياه والآثار البيئية الناتجة عن تملح وتصحر الأراضى وخسائر الصناعات المرتبطة بالإنتاج الزراعى تقدر قيمتها بنحو 80 مليار جنيه سنوياً، فضلاً عن المشاكل التى ستنشأ عن البطالة التى تترتب على النقص فى تلك الأنشطة والتى فى مجملها قد ترفع الخسائر إلى أضعاف تلك المقدرة.
يضاف إلى ذلك مخاطر تتعلق بالسلامة الإنشائية للسد، فبحسب دراسة للعالم الأمريكى «أصفو بييني» أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة سانتياجو بولاية كاليفورنيا فإن سعة بحيرة السد وحجمه مبالغ فيهما بما لا يقل عن 300%، وأنه ينبغى تقليص حجم السد إلى ثلث حجمه الحالى حتى يكون آمنا، وأن التخزين الأمثل له يجب ألا يتجاوز 14.5 مليار متر مكعب، خاصة أن السد مقام فى منطقة خطرة، وهى منطقة زلزالية وتاريخها يشير إلى ذلك بوضوح، وشكك «بييني» فى مدى تحمل السد للفيضانات الجارفة التى تتكرر سبع مرات كل 20 عاما، وأن مثل هذه الفيضانات يمكن أن تطيح بالسد نفسه لتعيش السودان ومصر مأساة حقيقية.. هذه المأساة يفصلها د. مغاورى دياب أستاذ الجيولوجيا بجامعة المنوفية بتأكيده أنه إذا انهار سد النهضة فسوف تكون آثاره كارثية حيث سيغرق ويدمر منطقة الجزيرة فى السودان بالكامل، ومدينة الخرطوم، وسيحدث هدم كامل لسدود الروصيرص وسنار ومُروى بالسودان، وسوف يؤدى اندفاع المياه مباشرة إلى السد العالى وربما «لا قدر الله» تدميره، ومعنى ذلك إفناء الحياة بشكل شبه كامل فى دولتى المصب.
بينما يحذر د. عباس شراقى الأستاذ بقسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، فى دراسة مهمة بعنوان « تداعيات سد النهضة الإثيوبى على الأمن المائى المصرى»، من زيادة فرص تعرض السد للانهيار نتيجة العوامل الجيولوجية وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق والتى تصل فى بعض أيام أغسطس إلى ما يزيد على نصف مليار متر مكعب يوميا، وباندفاع من ارتفاع يزيد على 2000 م  إلى ارتفاع نحو  600 م عند السد، وإذا حدث ذلك فإن الضرر الأكبر سوف يلحق بالقرى والمدن السودانية خاصة الخرطوم التى قد تجرفها المياه.