إنها مصر

الدولة العادلة

كرم جبر
كرم جبر

لم يكن غريباً منذ فترة أن تهاجم الثعابين الكبيرة اللودرات أثناء هدم أحد الأحياء الآيلة للسقوط فى المقطم، فقد كانت المنطقة التى يمتد تاريخها مئات السنين، تعيش فوق أنفاق للثعابين الساكنة تحت العشش السكنية التى يسكنها الناس، وحشرات أخرى ضارة كثيرة.


وانتقل قاطنوها من «العدم» إلى «الأمل»، ومن حفر وعشش متهالكة الى مساكن نظيفة تتوافر فيها كل الخدمات، واقتحمت الدولة مشكلة مزمنة عمرها عشرات السنين.


ليس المستهدف من المشروعات الكبرى مثل إنشاء شبكة الطرق مثلا  هو «فقط» أن تسير عليها السيارات وتسهيل حركة المرور والقضاء على الازدحام، ولكن كل طريق يتحول على جانبيه إلى مجتمع عمراني فى المستقبل، يستوعب عشرات الآلاف من المصريين.


فقد كنا كمن يعيش فى شقة صغيرة، بينما يترك مساحة البلاد دون إشغال، فأصابتنا كل أمراض الزحام.


أخطرها «التلوث الأخلاقي»، فالشاب الذى ينشأ فى مكان يشبه علبة سردين، تصيبه الأمراض العضوية والنفسية، وتنكسر فى أعماقه متعة الحياة.


والبنت التى تطاردها عيون الجيران، لأن الشبابيك والبلكونات متقاربة جداً، تصيبها حمى التلصص وما وراءها من أعراض وسلوكيات غير سوية.


وهكذا كان كثير من أحياء القاهرة المحروسة، يعيش الناس فيها ومنازلهم متقاربة لا تدخلها شمس ولا هواء، وكأنه كتب عليهم العذاب.


  البارون «إمبان» البلجيكى الجنسية، عندما أراد إنشاء حى مصر الجديدة، وكانت صحراء تستوطنها الذئاب والكلاب المسعورة، مدّ المترو من أمام دار القضاء العالى الآن، وحوله تم تخطيط حى سكنى هو الأرقى والأجمل فى القاهرة كلها.


وفى مصر الآن آلاف الطرق مثل ما فعله البارون إمبان، وكانت الدولة حريصة على تأمين الأراضى المحيطة بها، حتى لا يقتنصها أصحاب الأذرع الطويلة، مثلما حدث فى طريق الإسكندرية الصحراوي الذى تم تقطيعه كالكعكة الكبيرة، فمنعت الاعتداء عليها لمسافة 2 كيلو متر على الجانبين.


فالأرض لكل المصريين وليس لفئة واحدة، والخير الذى يعم على الجميع أفضل مليون مرة، ومضى عصر أن تحصل عليها فئة بعينها وتحرم الغالبية من أى شيء.


الدولة العادلة هى التى ترعى جميع أبنائها، وإذا اختارت فليكن للمحتاج والفقير ومن ضاقت بهم سبل الحياة، وإذا جاملت فليكن للفقراء، وإذا منحت فليكن لمن يستحق وليس لصاحب سطوة أو نفوذ.كرم جبر