كنوز| زهدي يرثي صاروخان في «صباح الخير»

 صاروخان بريشة صاروخان
صاروخان بريشة صاروخان

فى أول يوم من شهر يناير عام 1977 فقدت الصحافة المصرية والعالمية رسام الكاريكاتير « ألكسندرهاكوب صاروخان « ، الفنان المصرى الأرمنى المولود فى قرية بالقوقاز عام 1898 المنتسب إلى معهد المختارين الليليين باستانبول عام 1915 ، الذى درس الرسم بمعهد الفنون الجرافيكية فى فيينا 1922 ، وجاء إلى الإسكندرية عام 1924 ليستقر فى مصر بشكل نهائى ويصبح من أهم رواد فن الكاريكاتير فى مصر ، وقد تعرف عليه أمير الصحافة محمد التابعى فضمه إلى مجلة « روزاليوسف « ، وانتقل مع التابعى عندما أسس مجلة «آخر ساعة» وكان يرسم فى كل مطبوعات « أخبار اليوم» ومجلة «لابورس إجيبسين» الفرنسية المصرية ، وصحيفة «كاردوش واريف» الأرمنية، وحصل على الجنسية المصرية عام 1955.

وقد تأثر الفنان الكبير «زهدى» - مثل كل رسام كاريكاتير - برحيل  «صاروخان» فكتب عنه يرثيه فى مجلة «صباح الخير» بمقال يقول فيه : «ما كادت ثورة مصر الوطنية عام 1919 تنحسر موجاتها تدريجيا، حتى كانت مجلات الكاريكاتير تتربع على عرش الصحافة ، فقد كان الصراع بين الوفد وأحزاب الأقليات يعتمد على مجلة « الكشكول « و» خيال الظل «، ثم تبعتها مجلة « الفكاهة» و«روز اليوسف» وكان الإقبال على الكاريكاتير يتزايد ويصبح عمودا رئيسيا فى صحافتنا، ولم تكن فى مصر ريشات كاريكاتيرية سوى ريشة «سانتس» الإسبانى الجنسية ، و«رفقى» التركى الهارب من انقلاب أتاتورك ، فكانت الحاجة ماسة إلى ريشة كاريكاتيرية جديدة ، وفى هذه الأثناء دخل صاروخان «الأرمنى الجنسية» مجال الرسم الكاريكاتيرى، وكانت كل اهتمامات صاروخان فنية بعيدا عن السياسة، فأخضع كل مواهبه وقدراته فى خدمة الصحيفة التى أقنعه الأستاذ محمد التابعى بالعمل فيها وهى «روز اليوسف»، والعجيب أن الكاريكاتير المصرى الحديث يحتاج إلى إثبات جنسيته بريشة مصرية، وأسلوب مصرى، خاصة وأن الكاريكاتير ولد فيها على أيد غير مصرية، وكانت مصر تتلمس طريقها نحو الاستقلال عن ثقافة الغرب.

واذا كان أسلوب «سانتس» فى البداية فرنسى الذوق، وأسلوب «رفقى» الحالم الأكثر تعبيرا عن الذوق الشرقى، قد وضعا أصول الكاريكاتير المصرى، فإن صاروخان هو الذى حمل كل ما فيهما من خصائص، وخرج بما حمل إلى الشارع ، وبهذا أمكنه أن يتخلص من سيطرة أسلوب «سانتس» عليه ليخطط أسلوبا مختلفا تماما عن الأصل المنقول منه، ولصاروخان مهارة فائقة وقوة ملاحظة فى تخليص الملامح الشخصية التى تركها لنا، وسجلها فى رسوم كاريكاتيرية للزعماء والمشاهير فى مصر، ولقد تخلص صاروخان من فخامة الأسلوب ومظهريته المتعمدة حتى يستجيب للمطالبة الملحة لماكينة الطبع، واحتياجات الصحافة المتلاحقة التى لا ترحم، وكان صاروخان سلس القيادة فى العمل، فهو لا يخوض الصراع الإعلامى كصاحب رسالة اجتماعية أو سياسية ، بل كمهندس فى مهمة تكنيكية ، وهى صياغة الرسوم الكاريكاتيرية والاتجاه نحو الأسلوب الخاص به الذى يستشرف خلفه ظروف الواقع فى الشارع المصرى. لقد مات رائد الكاريكاتير المصرى بعد أن ترك فى ذاكرتنا أعدادا لاحصر لها من الأشكال الكاريكاتيرية المعبرة ، بأسلوب لم يكن موجودا من قبله ، لكنه سيعيش ماعاش فن الكاريكاتير.


«صباح الخير» - 6 يناير1977