رٌكن الحواديت

حكاية حب لرجل اسمه محسن

زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد

كان حبل السَبَت يتدلى ببطء من بين كفيه، بينما أنا مبهورة بوسامته التى تشبه نجوم سينما السبعينيات. كان طويلًا، مفتول العضلات، بعينين ساحرتين، وملامح تشبه وسامة ملوك الفراعنة.
التقطت زميلتى كرّاس الواجب من السَبَت، وعلمت منها أن هذا الشاب أخوها الأكبر «محسن». فأخبرتها بمزاح طفلة إنه وسيم جدًا. فضحكت وقالت: تزوج منذ شهر، وجاء إلينا فى زيارة.
كنت حينها فى الصف السادس الابتدائي، ولكن ظل طيفه يؤانسني، ولم يَرُق لى فتى للحلم مثله أبدا. 
بعد هذه الواقعة بشهرين توفيت زوجته بحادث سير، فحزن عليها حزنًا شديدًا، حتى أنه عزف عن الزواج لمدة سبع سنوات. كنت حينها أتأهب لامتحان الفرقة الثانية بالجامعة. 
وحين كنت أصادفه كان يهدينى ابتسامة أحلق بها فى فضاءات تحولنى لسندريلا تليق بجمال كون اخترعه خيالى الفسيح. 
لم يحكِ لى عن حاله ولو مرة، وأقصى حوار كان بيننا لم يزد عن الترحاب التقليدى فى منزلهم، فكنت أبدو متزنة، وأوارى فرحتى بلقائه خلف ستائر من الخجل الشديد.
وبعد تأكده من إعجابى به، تقدم لخطبتى وأنا فى السنة الثالثة بالجامعة. ولكن أبى أصر على رفضه رغم موافقتي، وقال مستنكرا: كيف تتزوجين رجلا يكبرك بــ 21 عامًا!؟ 
وبعدها.. تزوج هو وأنجب طفلين، وكنت أراه على فترات متباعدة جدا وبصدف نادرة، فيهدينى نفس الابتسامة. 
مرت سنون، وانقطعت أخباره عنى تماما، حتى فوجئت ذات يوم برقم غريب على هاتفى، كان أخوه، الذى أخبرنى بأن محسن فى العناية المركزة، يخوض جولة أخيرة مع وحش السرطان، وقال باستجداء شديد إن مطلبه الأخير أن يرانى!
لم أتردد فى التلبية، فهرولت إلى المستشفى، وبعد وصولى لطرقة دور غرفة العناية المركزة وجدت أخته «صديقتي» تهرول بسرعة نحوى، فارتمت فى حضنى وتعلقت برقبتى كالغريق، وقالت بصرخة ممزوجة ببكاء شديد: محسن مات، تعانقنا فى لحظة حزن عظيم، ومن بعده.. دفنتُ الرغبة فى أى رجل سواه.