يوميات الأخبار

السياق التاريخى لثورة 30 يونيو

د. جمال شقرة
د. جمال شقرة

وفى الساعة الثامنة والنصف مساءً وعلى منصة تحيطها رموز القوى السياسية والدينية فى الدولة، أعلن القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والانتاج الحربى الفريق أول عبدالفتاح السيسى أهم قرارات ما بعد ١١ فبراير ٢٠١١

لم يمض غير اسبوع واحد على رئاسة د. مرسى حتى ظهر الوجه الحقيقى للإخوان، ورغم نصائح كثير من المثقفين للجماعة بأن تغير من اسلوبها وتتعاون مع القوى السياسية الوطنية ولا تلجأ للعنف، إذ سرعان ما صدر قرار بقانون، بعودة مجلس الشعب الى الانعقاد بتاريخ 8 يوليو 2012، كذلك لجنة إعداد الدستور التى يتحكم فيها غالبية من كوادر الجماعة ومن القيادات السلفية، وهو ما اسقطته المحكمة الدستورية مرة أخرى.

العفو عن المجرمين وتسكينهم فى سيناء

توالت القرارات الرئاسية الصادمة، حيث صدرت القرارات بالعفو عن عتاة المجرمين، واطلاق سراحهم من السجون ومنهم من ارتكب جنايات كبرى والمحكوم عليهم بالاعدام أو بالاشغال الشاقة، ولقد صدرت الأوامر للمفرج عنهم بالتوجه فوراً إلى شبه جزيرة سيناء، ويبدو من ظاهر الحوادث أنه كان يخطط وجماعته لجعل سيناء مقراً لتنظيم مسلح يستخدمه عند اللزوم.

ورويداً رويداً بدأت تتكشف الاهداف الرئيسية لحكم الرئيس مرسى وجماعته ويمكن اجمالها فيما يلى:

تمكين العناصر الإخوانية وتوليهم معظم المناصب.

تنفيذ المؤامرة الدولية ببناء الدولة الاسلامية على نمط الدولة العثمانية القديمة وتصبح تركيا قائدة لدولة (الخلافة) هذه فى نطاق مشروع الشرق الاوسط الجديد.

حل مشكلة الصراع العربى - الإسرائيلى بالتفريط فى جزء من أرض سيناء.

السير على نهج إيران بإنشاء الحرس الثورى ليكون موازياً للقوات المسلحة. حيث يتم تقليص قدرة الجيش الى ادنى درجة.

اتباع سياسة فرق تسد ولقد ازعجت هذه السياسة الاقباط الذين شعروا بالتهديد.

الهيمنة على مقدرات الاقتصاد المصرى خاصة قطاع التجارة الذى تجيده الجماعة، دون الاهتمام بتطوير القطاع الصناعى والزراعى.

تصدير الفوضى لدول الخليج بالتعاون مع عناصر الإخوان فى هذه الدول، تمهيداً لتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير.

التمهيد لفصل قناة السويس وانشاء إقليم خاص (اقليم قناة السويس) تنفصل إدارته عن مصر، ويصبح بمثابة خط عازل يفصل بين الوادى وشبه جزيرة سيناء، حتى يسهل تحويل سيناء إلى إمارة تتمركز فيها ميليشياتهم.

السيطرة على مؤسسة القضاء بالتخلص من شيوخ القضاة واستبدالهم بكوادر اخوانية، وكذلك على مؤسسة الشرطة لتقليص قدرتها والتأثير على روحها المعنوية واستبدالها فى النهاية بالكوادر الإخوانية تمهيداً لتولى التنظيم الخاص مهام الشرطة والقوات المسلحة تمهيداً لإنشاء الجيش البديل.
تتابع الأخطاء

الإفراط فى إصدار الإعلانات الدستورية والقوانين بهدف تمكين الجماعة كالاعلان الدستورى الصادر يوم ١١ اغسطس ٢٠١٢، وقرار احالة المجلس الاعلى للقوات المسلحة إلى التقاعد يوم ١٢ أغسطس ٢٠١٢، اصدار الاعلان الدستورى يوم ٢٢ نوفمبر ٢٠١١ وهو الاخطر على مستوى كل القرارات السيادية حيث حصن هذا القرار قرارات الرئيس وجعلها نافذة ولا يمكن الطعن فيها، ومع هذا القرار صدر قرار بإنهاء خدمة النائب العام وتعيين نائب عام جديد ينتمى للجماعة.

حصار المحكمة الدستورية لمنع القضاة من دخولها واصدار حكم فى القضية المتعلقة بدستورية مجلس الشورى، واللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وكان هذا الأمر بمثابة اعتداء صارخ على القضاء وهيئة الدولة.

استمرار عملية التغلغل فى الجهات السيادية فى الدولة والتوسع فى تعيين المسئولين من الاخوان فى وزارة د. هشام قنديل.
مصر تعانى من أزمات كثيرة

بدأ النسيج الاجتماعى المصرى يتعرض لهزات عنيفة، وتدهور الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، كما تدهورت علاقات مصر الخارجية وتراجع تأثيرها فى اقليمها، واستنفر الرئيس الشعب المصرى بدعوته أهله وعشيرته لاحتفالات اكتوبر ٢٠١٢، وكان من بين المدعوين من ارتكب جرائم، ومنهم طارق الزمر قاتل الرئيس السادات.

وفى ٢٦ يونيو ٢٠١٣ توعد الرئيس مرسى الاعلاميين والقضاة وضباط الشرطة وغيرهم، وفى مطلع يونيو ٢٠١٣ مع نهاية العام الأول لحكم الإخوان تجمعت السحب وكانت هناك نذر بتصاعد الاحداث وكانت خريطة القوى الفاعلة فى الشارع السياسى المصرى على النحو التالى:

جماعة الإخوان، وكانت تستعد للمواجهة مع الشعب والقوى المؤثرة فى مؤسسات الدولة، ووضعوا خطة للنزول الى الشارع والميادين يوم ٢٨ يونيو لمنع التظاهرة التى دعت إليها حركة تمرد ولم تستطع الجماعة تقدير حجم تظاهرة يوم ٣٠ يونيو، حيث تصوروا أنها لن تزيد عن ١٥٠ الف متظاهر، وقدرت أنه يمكن تفريقهم بسهولة أو تركهم لفترة ثم يعودون الى منازلهم عندما ترهقهم الهتافات.

اعتصام رابعة والنهضة

بدأ الإخوان ينفذون خطتهم فاعتصموا فى ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، وكذلك بميدان النهضة بالقرب من جماعة القاهرة يوم ١٠ يونيو ٢٠١٣ واكتملت سيطرتهم يوم ٢١ يونيو.

خطاب الرئيس مرسى يوم ١٤ يونيو (نصرة سوريا)

حوى هذا الخطاب بعض العبارات ذات الدلالة، حيث اطلق عبارات رمزية فهمت بأن التنظيم الخاص يقوم بالقبض على قائمة من الاشخاص العاملين فى الاعلام والقضاء والشرطة والجيش وغيرها، الى جانب حصار مدينة الاعلام، وإغلاق الميادين ومهاجمة المتظاهرين بعنف، وكانت أهم ردود فعل هذا الخطاب مذبحة الشيعة فى محافظة الجيزة.

الاستعداد للتظاهرة الكبرى يوم ٣٠ يونيو

غيرت القيادات المسئولة عن الحشد فى خطتها عندما عرفت بتخطيط الإخوان، لذلك بدأت عملية الحشد اعتباراً من يوم ٢٨ يونيو، وتخوفاً من تدهور الموقف، قررت القوات المسلحة استباق الجماهير الشعبية والإخوان ونزلت يوم ٢٥ يونيو بهدف تأمين الشعب بكل طوائفه وتأمين المنشآت الحيوية فى الجانب الآخر حتى لا تصل إليها ايدى المخربين.

رد فعل الإخوان

فوجئ الإخوان بحجم الغضب، وبإصرار القوات المسلحة على الوقوف على الحياد، والاكتفاء بحماية الشعب والمنشآت ولذلك طلب الرئيس مرسى إنسحاب قوات المنطقة المركزية التى كانت تؤمن مدينة الانتاج الاعلامى، وتم تنفيذ الأمر جزئياً بإعادة تجميع القوات فى منطقة قريبة تسمح لها بالتدخل الفورى ضد اى عناصر تقترب من المدينة.

والقى الرئيس مرسى يوم ٢٦ يونيو خطاباً بمناسبة مرور عام على تنصيبه رئيساً للجمهورية، وقبل القاء الخطاب اجتمع بالقائد العام للقوات المسلحة الذى شرح له تقدير الموقف الحقيقى على الساحتين الداخلية والخارجية، واتفق معه  على بعض العناصر الرئيسية التى يجب ان يشملها الخطاب من أجل تحقيق تهدئة للشارع المصرى، وحشد الجماهير نحو تحقيق أهداف الثورة.

وفى هذا الاجتماع قبل القائد العام دعوة الرئيس لحضور الاحتفال الذى سيلقى فيه الخطاب، ومعه قادة الافرع الرئيسية للقوات المسلحة، وكان مرسى يهدف من ذلك بوجود قادة القوات المسلحة، حتى يشعر الجماهير أنه مسيطر على القوات المسلحة أو أن القوات المسلحة ستقف فى وجه المظاهرات التى تدعو اليها حركة تمرد.. وعلى الطرف الآخر راحت قيادات الاخوان تهدد وتتوعد من سيتظاهر ضد الرئيس، وتتمسك بشرعية انتخاب الرئيس، وترفض اى استفتاءات على بقاء النظام أو اجراء انتخابات رئاسية مبكرة كما يطلب الشعب.

تظاهرات ٣٠ يونيو

فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ خرج الشعب المصرى فى ارجاء الوطن بمظاهرات سلمية وطلب اسقاط النظام، ولم يطالب باجراء استفتاء أو انتخابات مبكرة، ووصل حجم التظاهر اكثر من ٢٥ مليونا، وانضمت اليهم قوات الشرطة، كانت الميادين تغص بكل الطوائف والفئات والشرائح التى رفضت حكم الاخوان. وقامت القوات المسلحة بدورها فى تأمين المتظاهرين بالتعاون مع قوات الشرطة.

بيان القوات المسلحة ٣٠ يونيو

فى الرابعة والنصف مساء اصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بياناً أمهلت به الرئيس مرسى وكل القوى السياسية مدة ٤٨ ساعة لتحقيق مطالب الشعب.

لقد تجاوب الشعب مع هذا البيان واستقبله برضا وترحيب، خاصة أن البيان حوى عبارة لمست وجدان الجماهير وتعاطفت مع معاناته.

لقد عانى هذا الشعب الكريم، ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه وهو ما يلقى بعبء اخلاقى ونفسى على القوات المسلحة التى تجد لزاما عليها ان يتوقف الجميع عن أى شيء بخلاف احتضان الشعب.. لم يقتنع الرئيس محمد مرسى ولا مكتب الإرشاد بالتنازل عن السلطة، ولم يستشعروا نتائج غضبة الملايين، وقرروا التمسك بالحكم، دون مراعاة النتائج التى ستترتب على ذلك، من دماء ستسفك وقدرات وطن ستهدر.

والقى الرئيس محمد مرسى خطاباً مسجلاً فى التليفزيون المصرى يوم ٢ يوليو، حمل كثيرا من عبارات التهديد وحشد الجماعة، للاقتتال تحت شعار الحفاظ على الشرعية، وبالطبع تجاهل أن الشعب مصدر السلطات وهو من يمنح الرضا الطوعى والشرعية أو يمنعها.. واللافت للنظر انه فى نفس الخطاب وجه انذارا للقوات المسلحة وللمتظاهرين، بل وصل الأمر الى التهديد «بإحراق مصر»..

بانتهاء المهلة التى حددتها القوات المسلحة قام الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة بزيارة للرئيس محمد مرسى فى مقر اقامته بدار الحرس الجمهورى، وناقشه فى تدهور الأمور وخطورة الوضع وطلب منه أن يعلن تنحيه عن السلطة، وإعلان قرارات سيادية بإجراء انتخابات مبكرة لكن ولما لم يستجب الرئيس مرسى، طلب الفريق السيسى اجتماع القوى السياسية والدينية على مستوى الدولة للتشاور فى كيفية الخروج من الازمة التى تمر بها البلاد، حيث قرر المجتمعون وبالاجماع عزل الرئيس تجنبا لحرب أهلية.

وفى الساعة الثامنة والنصف مساءً وعلى منصة تحيطها رموز القوى السياسية والدينية فى الدولة، أعلن القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والانتاج الحربى الفريق أول عبدالفتاح السيسى أهم قرارات ما بعد ١١ فبراير ٢٠١١ والذى انهى حكم الاخوان فى مصر معلنا خريطة سياسية لبناء مصر الحديثة.
استاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس