الإخوان والسلطة(3).. أنقذت مصر والعالم الإسلامى من مخطط طمس الهوية

الرئيس عبدالفتاح السيسي
الرئيس عبدالفتاح السيسي

كتب خالد عبدالحميد

 
«المصلحة» وراء تحالف الإخوة الأعداء فى  25 يناير
زعيم تنظيم «داعش الإرهابى».. تلميذ نجيب فى مدرسة الإخوان
الجماعة الإسلامية تتبرأ من «الإخوان» بعد السقوط الكبير فى 2013
قيادات السلفية: الإخوان تحارب السُنة.. وتصنيفها ضمن 72 فرقة هالكة 

الإمام مالك كفّر الشيعة.. و«غزالى الإخوان» وصف الإمام بالمرض الخبيث


ما من شك فى أن الخوض فى غمار علاقة جماعة الإخوان الإرهابية المتشعبة مع مختلف التيارات السياسية والدينية تحتاج إلى الكثير من البحث والتدقيق، خاصة إذا ما تعلق الأمر بأحداث وتواريخ عاشها معظمنا.. تابعناها وتفاعلنا معها سلباً وإيجاباً.
لقد طرحنا فى الحلقتين السابقتين علاقة جماعة الإخوان بدول تناصبنا العداء.. احتلت أراضينا وقتلت أطفالنا وشردت نساءنا فى فلسطين المحتلة.

ألقينا الضوء أيضا على العلاقة الحميمية بين الإخوان والمخابرات البريطانية والدعم المادى التى كانت تحصل عليه الجماعة من السفارة البريطانية بالقاهرة، كما ألقينا الضوء على علاقة جماعة البنا بالملك والقصر، ولعبة الكر والفر مع الحكومة الوفدية.

واليوم نختتم هذا الملف بأخطر علاقات جماعة الإخوان والتى كان من نتيجتها إراقة دماء الآلاف من أبناء الشعب المصرى.
فى هذه الحلقة نتناول علاقة جماعة الإخوان بتنظيم داعش الإرهابى ، وكذا علاقتها بالجماعة السلفية، وما شهدته العلاقات بينهما من شد وجذب.. تحالفات وصراعات على السلطة بطبيعة الحال، ثم نختم التقرير بعلاقة الجماعة بالشيعة والجماعة الإسلامية.


الإخوان والسلفيين 
قد يبدو للمواطن العادي أن جماعة الإخوان والجماعة السلفية وجهان لعملة واحدة وإنهما يلتقيان على أرضية إسلامية واحدة، ولكن المبحر فى ملفات الإسلام السياسية والتيارات الإسلامية يستطيع وبكل سهولة أن يجد الفارق الجوهرى فى الفكر والأيدلوجية والأهداف بين الفصيلين.

جماعة الإخوان كانت دائماً ولا زالت تنظر إلى الجماعة السلفية بتعالى .. نظرة فوقية تؤكد أنها الجماعة الأقوى مالاً وعتاداً وأفراداً وانتشاراً داخل وخارج مصر.. ساعدهم على ذلك أن السلفيين بطبيعتهم يميلون إلى السلمية ، على عكس الإخوان الذين أنشأوا  جناحاً مسلحاً وميلشيات لاستخدام العنف وتنفيذ مخططات الاغتيالات والتصفية الجسدية التى كانت تتولاها اللجان النوعية.

 

بين الإخوان والسلفيين صراعات ومعارك.. اختلافات ومشاجرات.. ومصالح واحتواء .كان السلفيون يتهمون الإخوان بالخروج على صحيح الدين وتوظيف الدين فى السياسة لتحقيق أهداف الاستحواذ والسيطرة والتمكين ، ومع ذلك فقد تحالف الفريقين فى 2011 وجمعتهما جلسات لتوزيع المناصب سواء فى الوزارة أو المحافظين والبرلمان وفى الإعلام إيضا.. هنا تلاقت مصالح الإخوة الأعداء وتناسي السلفيين ما كانوا ينتقدون من أجله الإخوان .. وتصالحت المصالح لنجد ولأول مرة إرهابى ينتمى للجماعة الإسلامية محافظاً لمحافظ الاقصر وتعيين سلفى رئيسا لمجلس مدينة سيدى سالم بكفر الشيخ.


ولا نكون متجاوزين إن قلنا أن الإخوان والسلفيين خرجوا من مشكاة واحدة ، حتى ولو اختلفوا بعد ذلك ، وبإلقاء نظرة بسيطة على نشأة الدعوة السلفية نجد أنها نشأت بالإسكندرية بين عامي 1972 و1977 علي أيدي مجموعة من الطلبة المتدينين أبرزهم إسماعيل المقدم وأحمد فريد، والشيخ ياسر برهامى، التقوا جميعًا في كلية طب الإسكندرية كانوا وقتها ينتمون للجماعة الإسلامية ورفضوا وقتها الإنضمام إلي جماعة الإخوان المسلمين تأثراً بالمنهج السلفي الذين درسوه فيكتب ومراجع التراث الإسلامي بالإضافة إلى تتلمذهم على يد شيوخ السلفيين ثم تأثرهم بدعوة إسماعيل المقدم الذي كان قد سبقهم إلي المنهج السلفي من خلال سماعه لشيوخ جمعية أنصار السنة المحمدية فى منتصف الستينيات.


وتكونت النواة الأولى لشباب السلفيين تحت اسم المدرسة السلفية عام 1977 بعد انسحاب هؤلاء الطلاب المتأثرين بالمنهج السلفي من الجماعة الإسلامية التي هيمن عليها الطلاب الإخوان وفرضوا منهجهم، حيث قام محمد إسماعيل في تأسيس النواة الأولى من خلال محاضرة كان يلقيها في مسجد عمر بن الخطاب بالإبراهيمية.


وهكذا كانت هذه النشأة بداية الصراع السلفي الإخواني ووقوع صدامات مع الإخوان داخل الجامعة، كما ذكر أحد مشايخ الدعوة السلفية ياسر برهامي كنا نوزع أوراقاً ونعمل محاضرات في ساحة الكلية ونتكلم عن قضية التوجيه والإيمان، فقامت جماعة الإخوان بمنع هذه اللقاءات ومنع خروج الطلاب للمشاركة فحدث الصدام ولم يكن السلفيون علي استعداد له، بينما كان الإخوان بعد خروجهم من معتقلات الحقبة الناصرية مستعدون للصدام ، فالباحث في تاريخ العلاقة بين الإخوان والسلفيين يجد أن دعاة السلفيين في نشأتهم الأولي لم يكونوا بعيدين عن حركة الإخوان المسلمين لا تنظيمياً ولا فكرياً، فنائب رئيس الدعوة السلفية الشيخ ياسر برهامي كان والده وعمه من بين الذين اعتقلهم عبدالناصر من عناصر الإخوان وقبل تأسيس جماعتهم في سبعينيات القرن الماضى بالإسكندرية كان كثير من السلفيين يعملون ضمن صفوف حركة الإخوان وبعد ذلك اختاروا مواصلة تأسيس جماعتهم فيما كان معظم قيادات الإخوان في السجن، منطلقين من المنهج السلفي الذي يهتم بالعقيدة ويحارب البدع.


من هنا يمكن أن نؤكد على القواسم المشتركة التى جمعت الإخوان بالسلفيين وهى «الثوابت» التي تجتمع عليها كل التيارات الإسلامية والتي لم يستطع أحدها الحياد عنها.. وتبقى الخلافات بين الجماعتين على الأولويات في بعض القضايا (السياسية والاجتماعية الشرعية) فبينما تعتنق جماعة الإخوان المسلمين نظرية (الفصيل الأقوى) حيث يرون فى أنفسهم  الجماعة الأم التي يجب علي الإسلاميين اتباعها وقبول قياداتها والسير خلفها تقديراً لتاريخها وخبراتها.. يؤكد التيار السلفي رفض هيمنة فصيل واحد علي الحياة السياسية ، ووجهوا انتقادات لاذعة للإخوان من بينهم الداعية السلفى محمد الألبانى الذي أكد أنه من الخطأ القول بأن الإخوان ينتمون لأهل السنة لأنهم يحاربون السنة.


وقال صالح بن فوزان أن جماعة الإخوان من الـ 72 فرقة الهالكة لأنهم خالفوا أهل السنة والجماعة ويجب ألا نتقبلها لأنها تريد أن تنحرف بنا وتفرقنا وتصنفنا هذا تبليغياً وهذا إخوانياً وهذا التفريق كفر بنعمة الله ونحن جماعة واحدة وعلي بينة من أمرنا، فلماذا نستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير.


الإخوان والجماعة الإسلامية
شهدت علاقة جماعة الإخوان بالجماعة السلفية حالات شد وجذب واختلاف ثم اتفاق فى المصالح ، فمنذ نشأة الجماعة الإسلامية فى منتصف السبعينيات وهناك اختلافاً جوهرياً فى المنهج والفكر.
اتهمت الجماعة الإسلامية الإخوان بالخنوع والمهادنة ومسك العصا من المنتصف ، بينما اتهم الإخوان الجماعة الإسلامية بتبنى منهج العنف والتطرف والتصفية الجسدية والسطحية.


واستمر الأمر بينهما على هذا المنوال حتى وقوع أحداث 25 يناير والتى شهدت تقارباً مصلحياً بين الفريقين بعد اعتلاء الإخوان للحكم ولم يدم تحالف الجماعتين أكثر من عام حتى جاءت ثورة 30 يونيو لتزيح الإخوان عن حكم مصر، وبعد تأكد الجماعة الإسلامية من عدم عودة الإخوان إلى الحكم بعد ملاحقتهم أمنياً، تنصلت الجماعة منهم وفضت التحالف معهم بحثاً عن مكان لها في الحياة السياسية بعد رحيل الإخوان.


الإخوان والشيعة
رغم الاختلاف الواضح بين أهل السنة والشيعة فقد حاول الإخوان مسك العصا من المنتصف بزعم أنهم من أهل السنة وفى ذات الوقت لا يعتبرون الشيعة أعداءا لهم، بل اعتبروا الخمينى قائد الثورة الإيرانية إماماً وناصروا هذه الثورة واعتبروها فتحاً مبيناً ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
ساند الإخوان الدعوة الشيعية وناصروها ودعموها بكل قوتهم زاعمين بعدم وجود فرق بين الشيعة والسنة، وأن اختلافهما رحمة مثل اختلاف الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية.


تلك كانت ولا زالت معتقدات جماعة الإخوان فقد سبق وأكد مرشد الجماعة الأسبق عمر التلمسانى فى مقال له بمجلة الدعوة «العدد 105» عام 1985 أن التقريب بين السنة والشيعة واجب على الفقهاء ورجال الدين.
وكانت الطامة الكبرى ما قاله محمد الغزالى فى علاقة السنة بالشيعة حيث أكد أن العلة التى تفرق بين أهل السنة والشيعة ما هى إلا «أمراض خبيثة» ورثناها عن سلفنا الصالح رحمهم الله، وهذا الزعم مردود عليه ، بأن الإمام مالك وهو أحد الأئمة الأربعة الكبار قال بكفر الشيعة لأنهم يبغضون صحابة رسول الله ويحقرون من شأنهم ويصفونهم بأفظع الأوصاف المذمومة، وقال الإمام مالك في تفسيره لقوله تعالى «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم «– إلى قوله تعالى- «يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار» قال الإمام ابن كثير في تفسيره لسورة الفتح4/203:» ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه بتكفير الروافض الذي يبغضون الصحابة رضي الله عنهم قال: لأنهم يبغضونهم ومن غاض الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر تطبيقا لهذه الآية ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم فهل الإمام مالك رحمه الله والإمام ابن كثير والعلماء الآخرون الذين وافقوا الإمام مالك على قوله في تكفير الشيعة قد حملوا مرضاً خبيثاً ورثته الأمة عنهم كما يزعم «غزالي الإخوان».؟!

الإخوان وداعش
لم تكن العبارة التى أطلقها الإرهابي محمد البلتاجى فى عام 2013، عندما قال «إن ما يحدث فى سيناء سيتوقف فى اللحظة التى يعود فيها محمد مرسى للحكم» من قبيل العشوائية، ولكنه تصريحاً خطيراً يكشف العلاقة بين الإخوان وتنظيم داعش والجماعة التكفيرية فى سيناء المسئولة عن قتل جنودنا.
لقد أكدت تقارير أمنية أن الرئيس المعزول محمد مرسي كان قد استقدم قادة تكفيريين من الخارج ووفر لهم ملاذاً آمناً ومأوى فى سيناء ليكونوا عونا له فى مواجهة الجيش المصرى وقت اللزوم، وقد فضح كبيرهم يوسف القرضاوى هذه العلاقة بإعلانه أن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابى، كان عضوا بجماعة الإخوان خلال مرحلة شبابه.

 

أكد خبراء فى الإسلام السياسى أن العلاقة بين القرضاوى والبغدادى طويلة إلا أن الشيخ الإخوانى حاول إخفاء هذا الأمر.
 مشيرين إلى أن تنظيم داعش الإرهابى صناعة قطرية بتقنية غربية، و»البغدادى» مجرد إخوانى أعده «القرضاوى» ووضع برنامج عمله ونظام تشغيله.


لقد حاول القرضاوى إخفاء العلاقة بينه  وبين البغدادى فى حديثه إذ تظهر نبرة صوته وحركة تنفسه اضطرابا داخليا يفصح عن أنه كان يعانى ضغوطا نفسية نتجت عن صراعه من أجل إخفاء حقيقة علاقته بالبغدادى، وكذا علاقة دولة خليجية وتنظيم الإخوان بداعش خشية افتضاح ما يستره من حقائق.


لقد قدم « القرضاوى» الكثير من الأدلة والبراهين على تورطه - هو - وتنظيم الإخوان فى تصنيع تنظيم «داعش»، وفى تشغيل عناصره، وذلك من خلال الإشارات التى تشير إلى تعمده الكذب وإخفاء ما يعلمه من حقائق فى هذا الصدد.
إن اعتراف القرضاوى بأن البغدادى هو أحد عناصر تنظيم الإخوان ليس بالأمر الهين، حيث إن القرضاوى كان مترددا حين أفصح عن الهوية الإخوانية للبغدادى، وتباطأت وتيرة حديثه نسبيا عندما صرح بأن «البغدادى» كان من الإخوة يقصد «الإخوان»، وذلك بسبب تردده ما بين البوح بالأمر وبين الإحجام عن ذكره؛ الأمر الذى أدى إلى انقطاع تنفسه بسبب المجهود العصبى الذى كان يعانيه نتيجة صراعه الداخلى ما بين البوح والإحجام فنطق بلفظة «الإخوة» بدلا من «الإخوان، كما أن القرضاوى يعلم المزيد من السمات الخاصة بشخصية «البغدادى» التى ذكر منها ميله إلى القيادة، فمن أين له بمثل هذه المعلومات؟


وأشار خبراء إلى أن ابو بكر البغدادي كان أحد تلاميذ الشيخ القرضاوى النجباء، فقد تربى على يديه وتعلم فى حضرته ومن إنجازاته ذبح المسلمين، وتدمير بلادهم، وتشويه الإسلام، وتنفير العالم من المسلمين. خلاصة القول.. ومن خلال العرض السابق لعلاقات وتحالفات جماعة الإخوان مع تيارات وجماعات مختلفة معها فى الفكر والمنهج، نخرج بحقيقة دامغة لا تقبل الشك بأن هذه الجماعة لم تكن يوما داعية إلى دين الله.. لم تكن يوما مناصرة  للإسلام ومدافعة عنه.. لم تكن يوماً فى خندق الدولة المصرية أو تؤمن بالوطنية، بل إنها كانت صنيعة أجهزة مخابرات أجنبية استخدمتها لتفتيت الإسلام وتدمير الدول العربية بنزعات دينية مزيفة لا تمت للإسلام بصلة.


علينا ونحن لا تفصلنا سوى ساعات عن ذكرى ثورة 30 يونيو المجيدة التى أنهت حكم فئة ضالة أضلت المجتمع وأساءت للدين الإسلامى وللمسلمين أن نتذكر ما قامت به هذه الجماعة الإرهابية من جرائم بحق الشعب المصرى ، حتى لا تأخذنا بهم رحمة أو شفقة، فمن يتخذ الدين وسيلة وستاراً لتحقيق أهدافه المشبوهة لا يمكن استيعابه مجدداً فى الحياة السياسية ويكفيهم أنهم يعيشوا بيننا آمنين وهم «الإخوان المجرمين».