كتب :خالد محمود
متى تعود الرومانسية للأفلام المصرية.. اشتقنا كثيرا لقصة حب حقيقية وملهمة اجتماعيا على الشاشة.. نعم اشتقنا لنظرة وابتسامة ثم موعد فلقاء، على مدار سنوات طويلة كانت السينما على موعد دائم مع قلوبنا توقظها من ثباتها وغفوتها وخجلها، تدق فيها نفس الحياة، جميعنا تأثر بقصص ابطالها، وتسرب إلى وجداننا مشهد أو جملة أو موقف، أو حتى همسة ومسكة ايد وقبله، نعم اختلفت مواقف ونظرة ومفهوم الحب من جيل إلى جيل على شاشة السينما ، لكن العواطف كانت دائما حاضرة بقوة، تأخرنا بعلى وانجى فى “رد قلبى”، منى ومحمود فى “بين الأطلال” منى وأحمد فى “اغلى من حياتى”، فريدة وابراهيم فى “حبيبى دائما” عايدة وأحمد فى “إنى راحلة”، سميحة وصلاح فى “الوسادة الخالية” وحسن ونعيمة واذكريني، وخلى بالك من زوزو وأبى فوق الشجرة ويوم من عمرى وغيرها.
كانت السينما دائما دستور الحب والغرام، ملهمة لنا .. مليئة بالفرح والدموع والتضحية والعاطفة المتأججة وكانت الرومانسية هى الحصان الرابح فى سباق الأفلام.. اذا ماذا حدث ؟ لماذا استسلم عشاق هذه النوعية من صناع السينما للتراجع وترك الساحة لأفلام الأكشن والعنف والكوميديا اللايت والسؤال الاخر وما الذى تلك الأفلام من وجود قصص رومانسية بداخلها؟!
أعتقد أن المسألة بحاجة إلى دراسة ووقفة، نحن نعترف ان سطوة سينما المقاولات والمخدرات غزت جزء كبير من فترة الثمانينات، وفى التسعينات ظهرت موجة السينما النظيفة التى لا تعرف الرومانسية الحقيقية..لا وجود للعواطف والقبلات.
والواقع أن مصطلح السينما النظيفة تزامن مع ما يسمى بـ”الصحوة الإسلامية”، وانتشار مفردات الخطاب المجتمعي الجديد، ووُضعت شروط جديدة للعمل الذي يطلق عليه “سينما نظيفة”، وفق رؤية تنطلق من مفاهيم الحفاظ على قيم الأسرة، وهو ما أثار جدلًا كبيرًا، في ظل تبني عدد من الفنانين والعاملين في صناعة السينما لهذا النهج بحجة عودة جمهور العائلات الى السينما مستندين الى النجاح الكبير الذى حققته أفلام مثل اسماعيلية رايح جاى وصعيدى فى الجامعة الامريكية، ولكن هذا النجاح ليس له علاقة بالمصلحة، بدليل نجاح أفلام رومانسية أخرى مثل سهر الليالى .
والواقع أن المصطلح لم يكن غريبًا على تاريخ السينما المصرية ، حيث كان الفنان حسين صدقي، أول من رفض تمثيل المشاهد الحميمة، حتى إنه في بدايته أصر على استفتاء الأزهر بشأن قبلة في مشهد بأحد الأفلام.
لمؤيدين لهذا المصطلح يقولون إن هذا النوع من الأفلام نجح في جذب الجمهور إلى السينما من جديد، وانتعشت صناعتها، ما ساعد على رواج سينما الشباب، بينما العمل الفني لا يمكن أن يلتزم بشروط خاصة في تقديم الواقع المجتمعي، والضرورة الفنية تقتضي وجود بعض المشاهد الحميمة، والتي يجري توظيفها لصالح السياق الدرامي.
هذا التيار يحاكم الأعمال الفنية بمعايير أخلاقية، وهو أمر غير منصف، ولا يكشف عن قيمتها الفكرية والاجتماعية والفنية بدقة، كما يتعارض مع دور الفن في أن يعبر عن الحياة الواقعية بكل تفاصيلها ومواقفها وقضاياها، إضافة إلى أنه يدفع المؤلف لفرض رقابة ذاتية على ما يكتبه إرضاء أو خوفاً من حكم المجتمع أو من رفض الفنانين الموافقة على تأدية المشاهد، ومعظم الأفلام التي تم تقديمها تحت مسمى «السينما النظيفة» خلت من المشاهد العاطفية، ومن القضايا العميقة والملحة في المجتمع، واكتفت بتقديم قصة اجتماعية بسيطة ترتدى ثوب الكوميديا والأكشن باستثناء عدة تجارب فردية
والحقيقة رغم اختفاء المصطلح نفسه إلا أن أثره مازال موجودا فلم نعد نرى أفلاما مضمونها رومانسيا وخلق طاقة عاطفية ايجابية ولا يوجد منتج لديه الجرأة فى ذلك لسببين، إما أنه يخشى تصنيف الفيلم للكبار فقط وبالتالى تنقص شريحته فى السينما، أو يخشى من فشل التوزيع الخارجى بالخليج لجرأة المضمون.
ان من يقولون أن الجمهور لم يعد رومانسيا بفضل إيقاع الحياة الذى أصبح سريعًا جدًا، والكل يلهث وراء مطالب الحياة، وهذا الأمر خلق جفاء المشاعر، وكلمة «بحبك» فقدت معناها، وفقدت قيمتها، وبالتالى واختفاء القبلات نتيجة حتمية، ليس صحيحا، فحالة الشغف بالرومانسية لم تفقد جدواها ابدا ولن تتلاشى، وطوال الوقت لم تكن القبلة أو المشاهد الحميمة والجريئة مثلا عيبا والسينما المصرية طوال تاريخها تقدم تلك المشاهد ، ولا عيب ما دامت توظف فى الفيلم بأسلوب جيد وصحيح، وتوضع فى مكانها الطبيعي، بحيث لو حذفت تؤثر تأثيرًا كبيرًا فى مضمون العمل السينمائي، فالسينما يجب أن تدخل خيال المشاهد، وهذه سمة جيدة وضرورية، وحتى لا نصبح منغلقين على أنفسنا فنقدم سينما ضعيفة المستوى والمضمون، والرومانسية شيء ضرورى فى السينما، لأن كل الأفلام يجب أن تحتوى على الرومانسية، حتى لو كانت تتحدث عن قضايا سياسية معاصرة .. نريدها سينما جميلة ملهمة ومؤثرة ..لا نظيفة.. سينما لا تخاطب الغرائز .. بل تعلمنا المشاعر والرومانسية وهناك فرق بين الجرأة والأبتذال.