ورقة وقلم

لا ثغرة ولا موطئ قدم

ياسر رزق
ياسر رزق

تلك‭ ‬الثورة‭ ‬ودوافعها‭ ‬ومنجزاتها‭ ‬ستظل‭ ‬حية‭ ‬فى‭ ‬وجدان‭ ‬الأجيال‭ ‬الآتية‭ ‬لا‭ ‬يواريها‭ ‬النسيان،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نستذكر‭ ‬دوماً‭ ‬وأن‭ ‬نذَكِّر‭ ‬أبناءنا‭: ‬أين‭ ‬كنا‭ ‬ولماذا‭ ‬وكيف‭ ‬أصبحنا‭ ‬ومتى‭.‬

الذى حدث كان هائلاً.. لقد خرج أكثر من ٣٠ مليون مصرى فى  نقطة فارقة من تاريخ مصر

الذكريات مدفأة، نجلس عند أقدامها فى شتاء العمر، نستدفئ بحنين أيام، تبدد برودة رانت على الفؤاد، وتذيب زغباً من ثلوج استبدت بالوجدان، فينتعش القلب بأشواق الذكرى، ويستنير العقل بهدى الدروس والعبر.

فى جيلى الذى انتصفت به سنوات الخمسينات من العمر، وتلاطمت به أمواج الحياة، جزراً ومداً، وارتطمت على صخور الأحداث، يومان لا نظير لهما فى تاريخ مصر مجداً وخلوداً.

لعلنا جيل تعس الحظ من زاوية أنه عاصر أيام غارات العدو فى سنوات الاستنزاف، وشظف العيش فى أوقات الحروب، وعاش سنوات الأوهام برخاء لا تأتى، وديمقراطية لا تلوح، ومناخ سياسى يتكلس، وظلم اجتماعى يتمدد، ومشروع توريث يروج ويعتدى على كرامة شعب يأبى أن يكون تراثاً أو عقاراً.

ثم عايش ثورة شعبية خرج منها ملح الأرض ينادى بالعيش والحرية والعدالة والكرامة، لكن سرعان ما تسترت بها المؤامرات، واختطفتها جماعة معادية للوطن والوطنية، اعتلت صندوق الانتخاب إلى السلطة بسلم الخديعة، واستولت على الحكم، وظنت أنها ستبقى فوق أنفاس الشعب 500 عام مقبلة..!

لعلنا أيضا جيل سعيد الحظ، لأننا عشنا أعظم يومين يعبران عن جوهر مصر الشامخة، هما يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣، حين استعاد الجيش ومن خلفه الشعب، الأرض ومعها الكرامة من أسر الاحتلال الصهيونى، ويوم الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، حين استرجع الشعب ومن حوله الجيش، الوطن ومعه الهوية والحلم والأمل من نير الاحتلال الإخوانى.

***

الدرس المستفاد من نصر أكتوبر، هو ألا تتكرر هزيمة ١٩٦٧، وألا نسمح لأنفسنا بولوج نفس الدروب والانجراف إلى ذات المكائد، التى اقتادت الوطن إلى الانتكاس.

وهذه هى مسئولية قيادة وطنية نعرف أنها تحسن التقدير، ومهمة جيش نراه بحق قادراً على ردع من يهدد أراضينا وتقطيع أوصال من يحاول الإضرار بمصالحنا الحيوية أينما وجدت.

والعبرة المستخلصة من ثورة ٣٠ يونيو هى ألا نسمح بتكرار ما أدى إلى انفجار ثورة يناير وألا نسمح بتكرار ما أدخلنا إلى غياهب عام السراب الإخوانى، وألا نسمح لجماعات الإسلام السياسى بأن تجد لها موطئ قدم فى الساحة السياسية تحت ستر دعاوى عدالة انتقالية أو مصالحة.

وهذه هى مسئولية الشعب بأكمله، وفى القلب منه، كتلة الشباب النابضة بالوعى، والصفوة المثقفة والنخبة السياسية والإعلامية.

***

عدد لا يستهان به من الكتلة الوطنية المصرية، لم يكن ينتظر حدوث تجربة وضع البلاد فى قلب أتون الإخوان، ليدرك مخاطرها على هوية الوطن، بل بقاء الدولة نفسها.

مبكراً.. كتبت فى هذا المكان يوم 6 أغسطى ٢٠١٢، أى بعد خمسة أسابيع من دخول مندوب الإخوان قصر الاتحادية، أقول إن نظام الإخوان لا يعدو أن يكون جملة اعتراضية فى تاريخ الوطن، وتوقعت أن يزول فى غضون عام.

لم تكن فضيلة منى وبعض أبناء الوطن أن نفتح أعيننا على اتساعها، لنرى الخطر الذى يحدق ببلادنا، لاسيما أن الرئيس الجديد كان قد انتهك الوثيقة الدستورية التى أقسم على احترامها، حينما ألغى حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب الإخوانى.

وبعدما أصدر الرئيس الأسبق محمد مرسى إعلانه الدستورى الذى عصف بما تبقى من أركان الدولة وأعطى لنفسه حصانة فوق دستورية، كتبت مقالاً يوم ٢٥ نوفمبر ٢٠١٢ بعنوان: "انقلاب حاصل وانقلاب محتمل"، قلت فيه بالحرف: "أرى انتفاضة ستشتعل، فمصادمات ستقع، فدماء ستراق، فأرواحاً ستزهق، فحريقاً سيندلع، فشرطة ستعجز، ففوضى ستعم، فجيشاً سينزل".

لست أدعى أننى كنت أرى من وراء حجب، وإنما كنت ضمن البعض ممن لم يستكينوا لما جرى، ولم يضعوا أقلامهم فى غمدها.

وفى يوم ١١ مارس ٢٠١٣، أى قبيل شهرين ونصف الشهر من ثورة ٣٠ يونيو، كتبت مقالاً بعنوان: ∩متى ينزل الجيش؟∪.

لم يكن السؤال فى ذهنى: "هل؟"، وإنما "متى؟".

لم أكن أشك فى النزول، وإنما كنت أتحدث عن التوقيت.

وقلت بالحرف: "لن ينزل الجيش إلا مضطراً لتلبية نداء واجب وطنى، يمليه عليه التاريخ والمسئولية والدستور، درءاً لفوضى، وحقناً لدماء، وصوناً لأمن وطن، وحماية لمقدرات شعب، وحفاظاً على تماسك دولة تلين مفاصلها وتتداعى. حينئذ لن يكون الجيش قد حنث −كغيره− بيمين ولاء وقسم. فالإخلاص لرئيس الجمهورية مرهون بإخلاصه للشعب، ومقرون بتمتعه بشرعية لا تنزعها عنه الجماهير. فالطاعة للرئيس القائد الأعلى واجبة، إلا فى معصية الشعب".

كان مرسى قد حنث بالدستور، وخان الشعب، وأشعل الفوضى، وأراق الدماء.

كان خروج الجماهير آتياً لا محالة، وكان نزول الجيش لإنفاذ إرادتها أمراً مقضياً.

وجرت الأيام سراعاً، وبعدها بنحو ٨٠ يوما، انفجر بركان ثورة ٣٠ يونيو.

***

أذكر بعد مرور مائة يوم من انفجار ثورة ٣٠ يونيو، أننى سألت الفريق أول عبدالفتاح السيسى، كيف رأى مشاهد ذلك اليوم، من نوافذ مبنى القيادة المشتركة الذى انتقلت إليه القيادة العامة فى تلك الأيام، ومن على شاشات التليفزيون التى كانت تبث ثورة الشعب فى كل مكان.

كان القائد العام حينئذ يتوقع نزول حشود كبيرة من الجماهير ربما تصل إلى 6 ملايين مصرى، لكن الذى حدث كان هائلاً، فقد خرج أكثر من ٣٠ مليون مصرى، فى نقطة فارقة من تاريخ مصر.

يومها قال الفريق أول السيسى لمعاونيه: "هل تعرفون السبب الحقيقى لنزول المصريين؟!.. إن الشعب المصرى خرج لأنه خاف على وسطيته، خاف على مستقبل بلاده، خرج لأنه شعر بأن البلد لم يعد بلده".

ثم أضاف قائلاً: "أشعر كأن هذه هجرة كبرى للمصريين، من مكان خطر إلى مكان آمن، من حال إلى حال. هجرة من واقع موجود مرفوض، إلى واقع جديد منشود، هو الدولة المصرية المأمولة".

***

الدولة المصرية المأمولة، التى أرادها الشعب المصرى، حين خرج يوم الثلاثين من يونيو، أو على حد تعبير الفريق أول السيسى، الدولة التى هاجر إليها المصريون وهم يخشون على هويتهم، وعلى وطنهم وعلى مستقبل بلادهم، هى تلك التى استهدفها المشروع الوطنى للرئيس السيسى، من أجل إقامة دولة وطنية عصرية ديمقراطية، وهى التى أرسى قواعدها الرئيس السيسى على مدار ٧ سنوات مضت منذ تولى أمانة المسئولية، ورفع بنيانها عالياً، ومد عمرانها على الأرض المصرية فى سيناء وإقليم القناة والساحل الشمالى والدلتا والصعيد إلى أقصى الجنوب، من ١٦ مدينة جديدة درتها هى العاصمة الإدارية، ومن مشروع "حياة كريمة" لكل قرى الريف المصرى فى غضون ٣ سنوات، ومن مشروعات استصلاح ما يقرب من ٣٫٥ مليون فدان بعضها انتهى وبعضها يسير على قدم وساق، ومن القناة الجديدة إلى أنفاق سيناء إلى ٨ آلاف كيلومتر من الطرق، إلى الموانى والمطارات الجديدة، إلى محطات الكهرباء العملاقة ومحطة الضبعة النووية المقرر أن تكتمل مفاعلاتها الأربعة قبل مرور ٨ سنوات.

وغير ذلك، مما لست فى معرض حصره، وقوامه أكثر من ٢٦ ألف مشروع فى سبع سنوات، بتكلفة ٥ آلاف مليار جنيه، أى بمعدل ١٠ مشروعات يومياً بتكلفة ٢ مليار جنيه فى كل يوم.

وقبل كل ذلك وأثناءه، بناء مؤسسات الدولة من سلطة حكم وحكومة وبرلمان وقضاء، بعدما تداعت فى أعقاب ثورة يناير وكادت تنهار أو انهارت فى عهد الإخوان، وفى ذات الوقت الارتقاء بالمؤسسة العسكرية تنظيماً وتدريباً وتسليحاً والنهوض بكفاءتها واستعدادها القتالى، ليزداد الوطن قوة ومنعة وقدرة على صون أمنه القومى وحماية مصالحه، وتزيد صلابة درع الوطن ويطول سيفه إلى حيث يجب أن يصل.

***

هذه الدولة المصرية الحديثة، هى مبتغى المشروع الوطنى الذى أطلقه الرئيس السيسى منذ ٧ سنوات مضت.

وأحسب هذا المشروع الوطنى بكل إنجازاته هو إحدى ركائز الجمهورية الثانية، التى سيعلن الرئيس السيسى عن ميلادها من قلب العاصمة الجديدة، كأساس فكرى ومنهاج عمل يمتد زمانه استناداً لشرعية الثورة، على مدار رئاسات تالية فى عقود قادمة، وفق عقد سياسى/ اجتماعى يلتزم به الحكم أمام الشعب.

***

إن ثورة ٣٠ يونيو التى نحتفل بعيدها الثامن هذه الأيام، وما أسفرت عنه من قيام نظام وطنى وقيادة رشيدة أمضت 7 سنوات فى أمانة المسئولية، ومن دولة حديثة يعلو بنيانها، ومن جمهورية ثانية نعيش مخاضها، هى نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة مفصلية فى تاريخ مصر الممتد.

ولعلى وأبناء جيلى، نستريح فى مراقدنا، حين يحتفل أبناؤنا بالعيد الخامس والعشرين لثورة ٣٠ يونيو المجيدة، وقد أورثناهم تراباً وطنياً مقدساً حراً مصوناً، فى وطن متحرر من سموم جماعات الغدر، وفى بلد يعدو نحو صدارة أمم الدنيا، ويصدر لها قيم التحضر والمعرفة والتسامح والإخاء، وفى رحاب جمهورية ثانية راسخة، توفر لمواطنيها العيش والحرية والعدالة والكرامة.

ربما فى ذلك الحين، سيكون ثلث عدد سكان البلاد تقريباً، ممن لم يعيشوا أيام ثورة ٣٠ يونيو، ولا مسبباتها ومقدماتها، لكنى على ثقة بأن الثورة ودوافعها ومنجزاتها، ستظل حية فى وجدان الأجيال الآتية، لا يواريها النسيان.

فقط.. علينا أن نستذكر دوماً وأن نذكر أبناءنا على الدوام: أين كنا ولماذا؟.. وكيف أصبحنا ومتى؟

ويقينى أن هذا الشعب الواعى لا يمكن أن تزل قدمه إلى نفس الشرك الخداعى مرتين، وأن الجماهير المصرية لن تسمح فى أى حقبة وأى عهد وتحت أى ذريعة أو مبرر، بثغرة تنفذ منها جماعة الغدر وأتباعها على أى نحو إلى الحياة السياسية أو العامة من جديد.

ويبقى أهم الدروس وأغلاها مما جرى خلال العقد الماضى، أن تلك الصلة المقدسة الفريدة التى لا تنفصم، بين شعب مصر العظيم وجيشه البطل الوفى، هى عماد الدولة وحربتها فى مجابهة أى تهديد، وهى الضمانة لعدم العودة مطلقاً − ومهما مرت الأيام − لما قبل الثلاثين من يونيو.

سن القلم

الفريق عفيفي

- أمامنا ١٥ شهراً على حلول الذكرى الخمسين للنصر الأعظم فى السادس من أكتوبر. لم يفت الوقت بعد لإنتاج فيلم سينمائى أو أكثر يليق بهذا الانتصار.

عندنا قصص معارك فاصلة مثل تحرير القنطرة شرق، وعيون موسى، وجبل المر، والطالية، والمزرعة الصينية وغيرها عشرات.

وعندنا قصص بطولات فذة لرجال عظام افتدوا الوطن بأرواحهم وبعض أجسادهم، أذكر منهم اللواء الراحل عادل يسرى صاحب مؤلف "رحلة الساق المعلقة" وهو كتاب بديع من أمتع ما قرأت عن قصص حروب مصر حتى أكتوبر ١٩٧٣ ويسرد بطولات رجال اللواء ١١٢ مشاة، وكذلك اللواء يوسف عفيفى متعه الله بالصحة صاحب المؤلف المهم عن بطولات الفرقة ١٩ مشاة التى قادها أثناء الحرب.

يمكن أيضاً إعداد فيلم عن يوم السادس من أكتوبر من داخل غرفة العمليات الرئيسية وغرف عمليات الأفرع، يروى وقائع هذا اليوم حتى نجاح عملية العبور بعد 6 ساعات.

أمامنا الوقت للكتابة والمراجعة والاستعانة بمخرجين عالميين متخصصين فى إخراج المعارك والانتهاء من الفيلم أو الأفلام بحلول هذه الذكرى العطرة.

محمود بدر

محمد عبدالعزيز

- ونحن نحتفل بالذكرى الثامنة لثورة ٣٠ يونيو، أذكر الدور البارز الذى لعبته حركة "تمرد" التى أسسها مجموعة من الشباب الثورى الغاضب، لحشد الشعب نحو مطلب واحد هو رحيل الرئيس الأسبق محمد مرسى عن السلطة، عن طريق استمارات توزع باليد أو تطبع عن طريق صفحة "تمرد" على موقع "فيس بوك"، وقد لاقت الاستمارات رواجاً هائلاً بين الجماهير، وحددت الحركة يوم ٣٠ يونيو بالذات موعداً لنزول الحشود الجماهيرية، على اعتبار أنه يوافق مرور عام بالضبط على دخول مرسى قصر الرئاسة. أحيى فى هذه الذكرى شباب تمرد وعلى رأسهم النائبان محمود بدر ومحمد عبدالعزيز، وأتمنى لهما ولزملائهما كل التوفيق.

 

المستشارة تهاني الجبالي

- بمناسبة الحديث عن ذكرى الثورة الكبرى، أذكر بالعرفان دور السيدة المستشارة تهانى الجبالى النائب الأسبق لرئيس المحكمة الدستورية العليا، متعها الله بالصحة والعافية، فى الوقوف بشجاعة فى وجه نظام الإخوان الفاشى منذ اللحظة الأولى.

وربما لا يعرف كثيرون أن المستشارة تهانى قالت للدكتور محمد مرسى عقب أدائه اليمين أمام المحكمة الدستورية منذ تسع سنوات: لابد أن تثبت أنك رئيس للجمهورية، وليس مجرد عضو فى جماعة حاربت الدولة المصرية على مدار ٨٤ عاماً.

أضمر نظام الإخوان كراهية شديدة للمستشارة الشجاعة، وأصدر قانوناً جديداً للمحكمة الدستورية، تم تفصيله لاستبعادها من عضوية المحكمة، ولذا عرف على نطاق واسع باسم: "قانون تهانى".

الفريق محمد العصار

- لا أنسى أبدا الدور الكبير للفريق الراحل محمد العصار مساعد وزير الدفاع أثناء ثورة ٢٥ يناير وما بعدها وحتى ثورة ٣٠ يونيو، فى التواصل مع النخبة السياسية والفكرية المصرية، لمد الجسور بينها وبين القوات المسلحة فى تلك المراحل الصعبة، التى كان هدف الإخوان الأبرز فيها هو فصم العلاقة بين الشعب وجيشه. هذا بجانب مهامه كمسئول عن التسليح، والعلاقات الخارجية للقوات المسلحة. وقد أسعدنى الحظ بأنى اقتربت من الفريق العصار، وكنت على اتصال وتواصل معه خلال أحداث وحادثات عاصفة، ولقيت منه كل مودة وحرص على شرح أبعاد الموقف، وقبيل رحيله بأسابيع.. داومت على الالتقاء معه على مدى 5 لقاءات ممتدة فى مكتبه كوزير دولة للانتاج الحربى، للتيقن من معلومات وتوثيق أحداث بالتفاصيل والشخوص والمواقف. ولعل أوان كشفها يأتى قريباً.

رحمه الله، كان رجلاً مثقفاً متواضعاً لطيف المعشر، ومصرياً مخلصاً أدى دوره فى خدمة بلاده بكل تفان.