30 يونيو ثورة شعب

الدبلوماسية المصرية.. من العزلة إلي الانفتاح وتنويع العلاقات

 الرئيس السيسى خلال أحد خطاباته فى الأمم المتحدة
الرئيس السيسى خلال أحد خطاباته فى الأمم المتحدة

كتب : أمانى عبد الرحيم - رشا صبيح -  وردة الحسينى

«مصر حريصة على إقامة علاقات متوازنة مع كافة دول العالم، وليس لديها سوى وجه واحد وتتحدث لغة واحدة مع الجميع، وتنشد الخير والسلام والبناء والاستقرار للإنسانية بأسرها». بهذه الكلمات التى أطلقها فى إحدى ندوات القوات المسلحة التثقيفية، لخص الرئيس عبدالفتاح السيسى الخطوط العريضة للسياسة الخارجية المصرية فى عهده.


ففى أعقاب ثورة 30 يونيو كان هناك محاولات لعزل مصر دولياً فى محاولة لتطويقها وإفشال المسار الذى اتخذته انتصاراً لإرادة شعبها، وخضوعاً لمخطط كان يهدف لتمكين الإخوان وأزلامهم.. لكن مع تولى الرئيس السيسى السلطة فى 2014، أخذت الدبلوماسية المصرية تتجاوز الحاجز تلو الآخر، حتى وصلت إلى الحصول على عضوية غير دائمة بمجلس الأمن، ممثلة لأفريقيا، لعامين فى 2016.


ومن خلال نشاط دبلوماسى رئاسى محموم تضمن أكثر من 100 زيارة خارجية و1000 لقاء بمسئولين من كل دول العالم، تمكنت القاهرة من إعادة صياغة منهج سياساتها الخارجية ليقوم على 4 محاور رئيسية هى: الانفتاح على كل دول العالم تنويع العلاقات مع اعلاء المصلحة الوطنية، استقلال القرار المصرى وعدم التبعية لأى حليف مهما بلغت قوة العلاقات، عدم التدخل فى شئون أى دولة، وأخيراً استعادة دور مصر الريادى والإقليمى.. وفى هذا الاطار، حققت السياسة الخارجية المصرية قفزات ونقلات نوعية نرصد أبرزها فى هذا التقرير:


توازن العلاقات
مع ميلاد مصر 30 يونيو، استطاعت الدبلوماسية بنجاح تحقيق التوازن فى علاقاتها الخارجية والوقوف على مسافة واحدة من كل القوى الكبرى فى العالم.
فعلى المستوى الأمريكى تعززت العلاقات فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب فعادت المساعدات الأمريكية التى تم تجميدها وعادت مناورات النجم الساطع المشتركة، ومؤخراً تمكنت مصر بسياساتها الحكيمة وقوتها الاقليمية التى مكنتها من التوصل لوقف اطلاق النار فى حرب إسرائيل الأخيرة على غزة .

 

وفيما يخص دول الاتحاد الأوروبى فبعد سلسلة من زيارات للرئيس السيسى اتخذت العلاقات طابعاً خاصاً تعكسه مشاركات القاهرة المتكررة فى المؤتمرات الأوروبية، مثل مؤتمر بروكسل الدولى لدعم الساحل الأفريقي، ومؤتمر ميونخ للأمن الدولى. وتقوم القاهرة، فى سياستها الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، من منطلق حسن الجوار باعتبار أن الاتحاد هو أحد الشركاء الرئيسيين فى المتوسط، ولا غنى عنه فى بعض القضايا المشتركة.

ومن أبرز ما ربط دول الاتحاد بمصر فى السنوات الأخيرة، خاصة ألمانيا وفرنسا، ملف اللاجئين عبر المتوسط وبحث السبل لوقف الهجرة غير الشرعية.


العودة إلى أفريقيا
أحد أكبر انجازات الدبلوماسية الرئاسية كانت إعادة الدفء للعلاقات المصرية-الأفريقية واستعادة مصر لعضوية الاتحاد بعد أقل من عام من تجميدها بعد بيان 3/7 والذى اسىء فهمه وترجمته.

وكان ناتج الدبلوماسية الرئاسية تحول مصر لصوت أفريقيا فى قمة المناخ بباريس قبل 3 أعوام، وحصولها على عضوية مجلس الأمن على مدى عامين ممثلة لأفريقيا. وترؤسها لمجلس الأمن والسلم الأفريقى وللجنة رؤساء الدول والحكومات المعنية بالتغيرات المناخية، هذا بالإضافة لترؤسها للاتحاد الأفريقى فى 2019 .

تمكنت الدبلوماسية الرئاسية من عبور المتوسط وعمل شراكة مع كل من قبرص واليونان مكنتها من فتح خزائن ثرواتها من حقول الغاز فى المتوسط بعد توقيعها لاتفاقيات ترسيم الحدود مع الدولتين، وكان نتاج تلك الاتفاقيات حقلى «نور» و«ظهر» الضخمين للغاز واللذين يمثلان نقلة نوعية فى مجال الطاقة.

 

وقد وقعت كل من مصر وقبرص اتفاقية لإقامة خط أنابيب بحرى مباشر ينقل الغاز الطبيعى من حقل أفروديت القبرصى، إلى محطات الإسالة فى إدكو بمصر لإعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة.


أبواب جديدة
تميزت جولات الرئيس السيسى منذ توليه السلطة بتنوع واختلاف غير مسبوق فقد امتدت لــ 5 قارات حول العالم، وتضمنت دولاً لم يسبق لرئيس مصرى زيارتها، كان آخرها زيارته إلى دولة جيبوتى الشهر الماضى. كذلك قام الرئيس السيسى بزيارة بيلاروسيا فى يونيو2019 هى الزيارة الأولى لرئيس جمهورية مصر العربية على الإطلاق.

وشملت الزيارة توقيع وزير التجارة والصناعة ونظيره البيلاروسى البرنامج الشامل لخارطة الطريق لتنمية التعاون بين مصر وبيلاروسيا للعامين 2019 و2020. وفى نفس العام زار الرئيس كوت ديفوار لتكون الزيارة الأولى من نوعها لرئيس مصرى.

فيتنام كانت أيضاً إحدى الدول التى زارها السيسى كأول رئيس مصرى، فى سبتمبر 2017. وفى أغسطس 2017، كانت زيارة أول رئيس مصرى للجابون، منذ بداية العلاقات بين البلدين قبل ما يزيد على 4 عقود. وفى سبتمبر 2015، قام الرئيس السيسى بجولة أسيوية، استهلها بسنغافورة والتى تعد الزيارة الأولى من نوعها لرئيس مصرى.


وفى إطار احياء العلاقات، قام الرئيس فى يونيو2019، بزيارة رومانيا.. وفى أبريل 2019 كانت زيارة الرئيس السيسى إلى غينيا كأول رئيس مصرى منذ أكثر من 5 عقود. وكانت زيارته إلى السنغال هى الأولى أيضاً منذ 2007. وفى سبتمبر 2018، زار الرئيس السيسى أوزبكستان والتى تعد الأولى لرئيس مصرى بعد زيارة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى الخمسينيات من القرن الماضي، كما كانت زيارة الرئيس السيسى لفيينا، أواخر عام 2018، هى الأولى لرئيس مصرى منذ 11 عاماً. وفى نفس العام، وصل الرئيس السيسى إلى تنزانيا كأول زيارة لمسئول مصرى منذ عام 1968. وكانت زيارة الرئيس السيسى إلى كوريا الجنوبية مارس 2016 هى الزيارة الأولى لرئيس مصرى منذ 17 عامًا. وفى سبتمبر 2015، زار أندونيسيا، والتى تعد الأولى لرئيس مصرى منذ عام 1983.
وفى نوفمبر 2015، أول زيارة لرئيس مصرى إلى بريطانيا منذ 13 عاماً. وفى مارس 2015، كانت زيارة السيسى التاريخية لإثيوبيا حيث تعد الزيارة الأولى لرئيس مصرى منذ 30 عامًا .
 

مناصب دولية
مؤشرات النجاح الدبلوماسى المصرى ظهرت فى أكثر من مناسبة، ربما كان آخرها اعتماد الأمم المتحدة لقرار مصرى يجرم الاستغلال الجنسى فى عمليات حفظ السلام. ومن قبلها اعتماد قرار دولى حول آثار الإرهاب على التمتع بحقوق الإنسان، بعد إعلان الرئيس السيسى خلال كلمته فى افتتاح أعمال منتدى الشباب العالمى بأن مقاومة الإرهاب حق من حقوق الإنسان.. وخلال ولايته شارك السيسى فى عدد من القمم المهمة كقمة «البريكس» بعد دعوته من الرئيس الصينى، وقمة تجمع دول «الفيش جراد» التى تضم المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا.

مصر «كلمة السر» فى حل أزمات المنطقة

 أحد الاجتماعات التى استضافتها القاهرة لحل مشاكل المنطقة

 كل الأزمات التى مرت بها البلاد لم تفقد الدور الإقليمى للدبلوماسية المصرية يوماً قوته أو ريادته. ورغم محاولات البعض تهميش الدور المصرى، إلا أن الأحداث الأقليمية واحداً تلوالآخر كانت دائماً تؤكد أن حلول القضايا العصية لابد أن تمر عبر القاهرة، وأن مصر هى رمانة الميزان التى تتمتع بميزة خاصة بها وهى قدرتها على فتح قنوات مع كل الأطراف، ما يؤهلها دائماً للعب الوسيط الأمثل.


فلسطين
ظهر ذلك بوضوح فى تعاطى مصر مع ملف القضية الفلسطينية، والتى دائماً ما تثبت مصر من خلاله انها دولة أفعال لا أقوال. فالدبلوماسية المصرية هى الأنشط فى مساعى التوصل إلى المصالحة الوطنية الفلسطينية. وعلاقاتها بكل الفصائل مكنتها أكثر من مرة من جمع الفرقاء للاجتماع على طاولة تفاوض واحدة كان أخرها بالقاهرة منذ أسابيع قليلة.

وفى العدوان الأخير على غزة نجحت مصر فيما أخفق فيه آخرون وتمكنت من إنهاء عدوان استمر 11 يوما من خلال تحركات على الصعيد الاقليمى والدولى حظى بإشادة دولية واسعة أبرزها من الرئيس الأمريكى جو بايدن.. كذلك قدمت مصر المساعدات وفتحت مستشفياتها للجرحى الفلسطينيين.. وخصصت 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة وبناء مدينة «مصر» السكنية لجمع الأسر المنكوبة من العدوان والذين تدمرت منازلهم بالكامل وأصبحوا بلا مأوى.


سوريا
وفى سوريا وقفت مصر حائط صد أمام تمزيقها برعاية اتفاقات المصالحة مع المعارضة، والدعوة مرارا إلى خروج جميع الميليشيات المسلحة المتواجدة على الأراضى السورية باعتبارها الخطوة الأساسية للقضاء على ذرائع الجماعات الإرهابية الموجودة هناك.. كما أكدت على رفضها للتدخلات الإقليمية والدولية فى الشأن السورى.. كذلك تواصلت مصر مع الحكومة السورية، ودعا وزير الخارجية المصرى إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد 10 سنوات من تعليق عضويتها بسبب الحرب الأهلية.


ليبيا
فى ليبيا لعبت مصر الدور الرئيسى فى وقف التوغل الأجنبى الذى يريد العبث بمقدرات الدولة الشقيقة، واستطاعت وقف نزيف الحرب فى ليبيا بـ«إعلان القاهرة» والذى يقوم على أساس احترام كافة القرارات الدولية بشأن وحدة ليبيا، مع التركيز على توحيد المؤسسة العسكرية الليبية لتوفير بنية قادرة على الدفاع عن ليبيا ومواجهة مخاطر الإرهاب. 


دعم الأشقاء
ولم تغفل مصر باقى الأشقاء، فساندتهم فى أزماتهم المختلفة.. وكان للسودان الشقيق نصيب الأسد من المساعدات الطبية واللوجيستية المصرية، حيث فتحت مصر جسراً جوياً مع الدولة الشقيقة لدعم شعبها فى مواجهة الجائحة وارسلت وعلى مدى عامين تقريباً أكثر من 182.5 طن من المساعدات .

كما قامت الحكومة المصرية بإرسال مساعدات طبية للشعب الأردنى على 6 شحنات بإجمالى 31 طناً تشتمل على 16 طن ألبان. وهناك أيضاً 15 طناً شحنة أدوية ومستلزمات طبية تم ارسالها إلى ليبيا . وكانت مصر قد أرسلت أيضاً شحنة مساعدات من المستلزمات الطبية والمطهرات إلى الحكومة الشرعية اليمنية وأخرى شبيهة للعراق، تضمنت 11 طناً و549 كيلومستلزمات طبية وجراحية، و5 أطنان أدوية ومستلزمات طبية و10 أطنان ألبان أطفال.


اما لبنان فقد أرسلت مصر 3 طائرات محملة بكميات كبيرة من المستلزمات والأدوية والأجهزة الطبية والألبان.. كما فتحت مصر جسراً جوياً مع لبنان لتخفيف وطأة الآثار الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت.

السياسة الخارجية.. من الانحسار والتراجع إلى ثقل إقليمى ودولى

 الرئيس عبدالفتاح السيسى وميركل

انقلبت الأوضاع فى مصر والمنطقة عقب احداث يناير ٢٠١١،  والتى كان ظاهرها ربيعاً عربياً  مزعوماً  وحمل باطنها  تطورات  خطيرة و متسارعة، تمثلت فى التأثير السلبى على مفهوم الأمن القومى والتدهور الاقتصادى والسياسى ودخول دول رئيسية  بالمنطقة لنفق مظلم، لم تخرج  منه للآن.


وكانت التحديات  التى واجهت  مصر فى الفترة التى تلت ٢٠١١ معقدة، وبالرغم من كل ذلك نجحت  فى أن تحتل موقعاً  يختلف جذرياً عما كانت عليه، حيث شهد الدور المصري دولياً واقليمياً تراجعا وانحسارا، نتيجة الانشغال بالأوضاع الداخلية المتسارعة، وهو ما استغلته بعض الأطراف التى تطمع فى السيطرة على المنطقة، كما تراجع أيضاً مستوى وحجم العلاقات المصرية مع كل الدوائر والمناطق،  وكأثر مباشر لثورة الشعب فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ أصبحت مصر الآن دولة ذات تأثير متنام فى محيطها الإقليمى والدولى.
ولاشك أن الأحداث الأخيرة على الساحة الدولية خاصة الفلسطينية ونجاح الجهود المصرية فى وقف إطلاق النار بقطاع غزة، كشفت تنامى دور مصر الإقليمى والدولى، واستعادتها لدورها الريادى فى المنطقة، وخير دليل على ذلك ما حصلت عليه مصر من إشادة أمريكية تقديراً لما قامت به لتهدئة الاوضاع.

كما لم تدخر مصر جهداً فى السعى لإعادة إعمار قطاع غزة بعد التدمير الإسرائيلى له  بتخصيصها ٥٠٠ مليون دولار لهذا الغرض.


شراكة كاملة مع أوروبا 
مرت العلاقات المصرية الأوروبية، بداية من ٢٥ يناير ٢٠١١ بحالة من القلق والفتور، وحاليا تطورت إلى شراكة كاملة وتعاون مهم ومميز.


ويشمل التعاون بين الجانبين المصرى والأوربى حاليا مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب، والطاقة وهو المجال الذى يستهدف أيضاً، دعماً من الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط ومنطقة جنوب المتوسط.


أما على الصعيد الاقتصادى فقد كانت الاستثمارات الأوروبية  فى مصر قبل ٣٠ يونيو،  متراجعة، وكان هناك دعم سياسى أوروبى مشروط لمصر،  كما كانت المواقف الأوروبية غير متوافقة  مع الواقع المصرى وغير متفهمة لما يدور فيه، وذلك باستثناء اليونان وقبرص، وقد نجحت مصر بشكل كبير بعد ٣٠ يونيو فى تقديم نموذج حى لكيفية التعايش والتعاون بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث قامت بترسيم حدودها البحرية مع كل من قبرص واليونان، ووقعت معهما عدداً مهماً من الاتفاقيات الاقتصادية.
كما تبوأت القاهرة الدور القيادى فيما يتعلق بالغاز الطبيعى واستخراجه وإسالته وتصديره، عبر تأسيسها لمنتدى غاز شرقى المتوسط فى يناير ٢٠١٩،  وهذا المنتدى وفر لمصر مكانة ريادية  فى هذا الملف، الذى سيشكل مستقبل الوضع السياسى والاقتصادى فى حوض البحر المتوسط خلال السنوات القادمة.


توسيع قاعدة العلاقات
أما العلاقات المصرية الأمريكية فقد استطاعت مصر الحفاظ على استراتيجيتها وعلى مستوى التنسيق والتعاون مع إدارتى ترامب وبايدن، وهو ما انعكس فى اهتمام بايدن بموضوع السد الإثيوبى ومحاولة التوصل لتسويه له تراعى مصلحة جميع اطرافه.