رؤية

المحمول أفسد علاقتنا فى البيت

صبرى غنيم
صبرى غنيم

ليس من عادتى أن أركز مع الرسائل التى تأتينى على الواتساب، ولا أعرف لماذا توقفت عند هذه الرسالة الصوتية، التى جاءت من صديق.
 الرسالة عبارة عن فيديو لأم أوروبية تمسك بندقية وتطلق النار على تليفونات أولادها الثلاثة فى حديقة البيت، وهى تصرخ فيهم.. سأعرف كيف أجبركم على الاستجابة لندائى، سأدمر الذى أفقدكم احترامكم لى.. ثم أطلقت ثلاث رصاصات على التليفونات المحمولة حتى دمرتها.. لم تكتف بإطلاق الرصاص بل أتت بشاكوش وأخذت تحطم الأجزاء المتبقية منها.
 وراحت تصرخ فيهم، وهى تقول: « كل منكم فى زاوية وعينه على التليفون ومهما علا صوتى لا يسمعنى أحد، لا أعرف من تخاطبونه، ومن هم الذين تفضلونهم عَلى أمكم».
 هذه الواقعة عادية، وإن كانت غريبة أن تحدث فى بلد أوروبى، فالذى أعرفه أنهم لا يستخدمون المحمول خارج البيت، لم تقع عينى يوما لا فى الأتوبيس ولا المترو على أحد وهو«يرغى» فى التليفون، قد يستخدمه الشباب داخل بيوتهم لأن الأولاد لا يستخدمون المحمول خارج البيت.. هذه الأم ليست الوحيدة التى تشكو.. فهناك مئات الأمهات مثلها يشعرن بفتور العلاقات بينهن وبين الأولاد.
 أنا أعرف جدة تضع «سلة» عند مدخل الشقة، وعندما يأتى أحفادها مع أولادها لزيارتها الأسبوعية، تطلب من الأحفاد أن يضعوا التليفونات فى السلة حتى تستطيع أن تستمتع بأحفادها.. كنا زمان نشكو من تعدد القنوات التليفزيونية، وكان شجار أفراد الأسرة على قناة بعينها، فتعددت أجهزة التليفزيون فى البيت، حتى قيل إن التليفزيون أصبح مفسدة، وبالذات على الأطفال، ثم ظهر المنافس له فى إفساد أولادنا وهوالسوشيال ميديا..
لقد تمكنت التكنولوجيا من شخصية الأب المصرى، الذى فقد هيبته أمام أفراد الأسرة، فهو يرى صور ابنته فى حفلات عامة وشبابا لأول مرة يعلقون وهو لا يستطيع أن يعلّق.. مسكين هذا الأب الذى يملك خطاً فى المحمول وقد يحمل ابنه أو بنته أكثر من خط، ومع ذلك يتجاهلون الخط الأرضى فى اتصالاتهم مع أنه كان فى يوم ما حلم الأسرة المصرية، يستخدمون المحمول، ولا يهمهم إن كانت الفاتورة ملتهبة طالما أن الذى يدفع هو الأب.. لقد غيّرت التكنولوجيا من النمط الاجتماعى حتى فى سلوكيات البشر.