ريزان العرباوى
تخطى عنصر الزمن, إلغاء كلمة المستحيل, وإعادة تشكيل وجوه الماضى ليقف عمالقة الفن مثل «أم كلثوم وعبد الحليم حافظ» على المسارح الغنائية من جديد بعد رحيلهم لتتحقق أمنية لقائهم افتراضيا من خلال تقنية «الهولوجرام»، كذلك إضافة شيء من الحياة وكثير من الألوان على أفلام ومسرحيات الأبيض والأسود ، ماذا بعد ؟ من تقدم فى مضمار الثورة الرقمية وتدخل الذكاء الاصطناعى بشكل كبير فى شتى أمور الحياة وبالأخص فى مجال الإبداع الفنى؟
ولكن ما الجوانب القانونية لإحياء صورة وأصوات الراحلين أو تغير أصل المحتوى وتلوينه؟, وهل من الممكن أن يثير مشاكل قانونية حول حقوق الملكية الفكرية والأداء العلنى؟.
الهولوجرام عبارة عن تقنية تعمل على إعادة تكوين صورة الأجسام بأبعادها المختلفة تعتمد على الموجات الضوئية التى تتولى مسئولية التصوير ثلاثى الأبعاد للأجسام بكفاءة عالية, فيتم تجسيد شخصية الفنان الراحل بصورة طبيعية توحى للمشاهد بأنه حاضرا على خشبة المسرح بشكلة وجسده وحركاته المميزه, فكرة أثارت إعجاب وترحاب شديد من الجمهور إلا أنها تسببت فى بعض المشاكل مع الورثة لقيام عدد من تلك الحفلات دون الرجوع إليهم وحصولهم على حقوقهم, كون الوريث هو المفوض الوحيد باستغلال صوت وأداء الفنان.
ولمعرفة الإجراءات القانونية اللازمة فى هذا الصدد لحفظ حقوق جميع الأطراف.. كان التعقيب للموسيقار صلاح الشرنوبى عضو مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين الذى نوه فى بداية حديثة عن مدى أهمية تقنية “الهولوجرام” التى تهدف إلى إعادة إحياء كنوز الفنون الراقية وإلقاء الضوء على أيقوناتها والتى شكلت ملامح الهوية المصرية، وإتاحة هذا الفن بشكل براق لجذب الشباب والأجيال الجديدة كما أنها تعد توثيقا لرموز الفن العربى لتبقى أعمالهم خالدة .. على حسب قوله, ويتابع: أعتبرها رسائل تثرى الحياة الفنية ومرجعية ومثل عليا للجيل الجديد من المطربين وأمل لإنقاذ الموسيقى العربية، مما آلت إليه من تدهور, ونفخر بتقديم هؤلاء النجوم على المسرح بصورة راقية تليق بهم وبتاريخهم.
أما عن المشاكل التى قد تواجه هذه النوعية من الحفلات وما هى الإجراءات المتبعة للحفاظ على حقوق الملكية الفكرية وحقوق الورثة يقول الشرنوبى:درءا لأى كوارث أو مشاكل قد تواجه تلك الحفلات لابد من حصول المنتج أو منظم الحفل على مايثبت الملكية الفكرية لكل صناع العمل ومنهم ورثة المطرب وورثة المؤلف وكذلك الملحن لأن الفكرة قائمة على تجسيد المطرب بصوته وشكله ولا يحق لأى شخص استغلال ذلك سوى الورثة فقط لذلك يجب الحصول على تصريح وإذن من الوريث مقابل مبلغ مالي متفق عليه من الطرفين حتى لايتم تشويه أو تحرف للأصل ، وبالنسبة للمؤلف والملحن فهناك حق الأداء العلنى من قانون حماية الملكية الفكرية وفقا للحكم القضائى الصادر من سنة 82 إلى 2020 آخر قانون أقرته الدولة فى هذا الشأن ولابد من التعامل معه من خلال الجهة الوحيدة المنوطة بهذا الأمر وهى جمعية المؤلفين والملحنين ومن يتعدى هذا الحق يتعرض للمساءلة القانونية.
هل ستفرض تلك الحفلات نفسها على الساحة الفنية خلال الفترة المقبلة بالرغم من أن قيمة التذكرة باهظة الثمن؟ أجاب قائلا: بالطبع ستفرض نفسها فالإقبال عليها لا يتوقف ولكن مشكلتها حتى الآن أنها حفلات للصفوة وليست متاحة لكل الفئات وهو سبب ارتفاع قيمة التذكرة وهو بديهى فكل شئ فى أوله صعب وكل جديد غالى لكن مع الوقت وكلما تم تبسيط التقنية وانخفضت التكلفة كلما زاد انتشارها لتصبح فى متناول الجميع.
«أبيض وأسود بالألوان»
محاولات تلوين الأعمال الفنية القديمة “الأبيض والأسود” لم تتوقف, وتجددت مؤخرا بمبادرة هيئة الترفيه السعودية بتلوين مسرحية “مدرسة المشاغبين” وعرضها على احدى المنصات الإلكترونية لأول مرة بالألوان, الأمر الذى أثار جدلا كبير بين الجمهور وانشق بين مؤيد ومعارض للفكرة, فهل إضافة طابع الحداثة بالألوان هو رغبة فى إعادة التراث الفنى بشكل عصرى أم أنه تفريغ لتلك الأعمال من قيمتها وسحرها؟
الفكرة لم تكن مستساغة لدى بعض الورثة، فأثارت حفيظتهم،ف وكان من الرافضين تماما لها هند ابنة الراحل سعيد صالح أحد أبطال مسرحية «مدرسة المشاغبين» والتى أعلنت رفضها للتجربة عبر صفحتها الخاصة على موقع التواصل الإجتماعى «فيس بوك» حيث قالت: «مش عاجبنى فكرة تلوين» مدرسة المشاغبين« سيبوا الفن زى ما صناعه قدموه»، وتابعت: «أصدروا حكمهم على الشباب والجيل الجديد بأنه رافض لمشاهدة فن الأبيض والأسود ولكن ما هى ركيزتهم وأين قدم جيلنا هذا الطلب لإصدار أحكامهم، وكنا جيل جديد بالنسبة لمسرحية «إلا خمسة» على سبيل المثال وحبينها وتعلقنا بها».
وأشارت إلى أنه كان من الأفضل صرف تلك المبالغ لترميم التراث الفنى دون تغير معالمه وحتى الألوان مختلفة تماما عن الواقع مؤكدة أن ألوان ملابس والدها سعيد صالح لم تكن كما ظهرت فى العمل الملون, فما يحدث ليس إحياء للتراث بشكل عصرى إنما هو انتهاك لحقوق مشروعة للحفاظ على ذكرياتنا دون تشويه.. من وجهة نظرها.
«إتقان مزيف»
تتفق فى الرأى أيضا الناقدة ماجدة خير الله حيث ترى أنه يعد اعتداء على الحق الأدبى للمصنف الفنى ومساسا بالحقوق الأدبية للمشاركين فيه وتقول: “أنا ضد الفكرة تماما لأنها تلغى مرحلة التطور الطبيعى للفن, فالسينما بدأت صامتة إلى أن دخل الصوت ولغة الحوار وظلت بالأبيض والأسود فترة طويلة إلى أن استحدثت بالألوان ، فالمسألة تعمل على إلغاء مرحلة مهمة جدا أنتجت أهم الأعمال الفنية بل وتفريغ ذلك التراث من قيمته وسحره, ولو كانت تجربة ناجحة لتمسك بها “الخواجات” ففى الولايات المتحدة تم منع تحويل أى فيلم أبيض وأسود إلى ألوان باعتباره تراثا يجب عدم المساس به كما توجد سابقة قضائية فى فرنسا لفيلم “غابة من الأسفلت” فبعد اعتراض ورثة الممثل والمؤلف “جون هيوستون” على تلوين الفيلم قضت المحكمة بمنع عرض الفيلم نهائيا”.
وتضيف قائلة: “بعيدا عن مدى جودة الألوان لأننا طبعا نعيش ثورة رقمية وتكنولوجية هائلة قادرة على تقديم العمل بإتقان قد يضاهى الحقيقة لكن مع ذلك سيظل هذا الإتقان مزيف يفقدها قيمتها وسحرها ويشوهه العمل تمام كما لو قمت بتلوين الأهرامات فهو تشويه للواقع وللتاريخ ونوع من الجهل الفنى والإنسانى”.
«الظل والنور»
هل سحر الأفلام القديمة يكتمل بكونها تعرض بفخامة اللونين الأبيض والأسود مع درجات الرمادى؟ أما أننا اعتدنا مشاهدتها على هذا النحو؟ سؤال يجيب عليه الناقد أحمد سعد الدين قائلا: «الموضوع مرتبط بالجانب الإبداعى أكثر من كونه تعود ، وعندما تتم عملية التلوين من الممكن أن يكون الناتج بألوان رائعة إلا أنه لن يعطى الإحساس بالكادر كما أرده المخرج.
صحيح أن «مدرسة المشاغبين» ارتبطت فى وجداننا بالأبيض والأسود ولكن فكرة التلوين قد تعيد اكتشاف جوانب جديده للعمل المسرحى ، والتلوين هنا قد يكون مقبولا بعض الشئ ، فالمسرح يعتمد على مكان ثابت وإضاءة ثابتة معظم الأوقات ، أما فى السينما فهناك فرق لأن براعة الصورة فى الأبيض والأسود كانت تعتمد على المنطقة الرمادية وتطويعها فى التوزيع الضوئى داخل الكادر لإعطاء إحساس الظل والنور فمثلا فيلم «السيرك» لسعاد حسنى أراد المصور عبد العزيز فهمى إدخال نور الشمس من الشباك لينعكس على وجه سعاد حسنى ولو تم تلوينه أعتقد أنه سيقتل المشهد الدرامى والمستوى البصرى الذى أراده المخرج ، لذلك فإن عملية التلوين فى السينما مرفوضة بالنسبة لى لأنها تخل بالقيمة الأساسية لتصوير الفيلم نفسه وتؤثر على الشكل البصرى.
«خيارات متعددة»
للناقد طارق الشناوى رأى مختلف فهو لا يمانع من خوض التجربة بل وتكرارها مستقبلا ويقول: “صحيح أن السينما بدأت بلا ألوان وبلا صوت لكنها كانت تحاول تجاوز ذلك القصور وكان يتم تلوين الأفلام باليد حتى نهاية السبعينيات إلى أن بدأ التلوين الرقمى على استحياء، وتم تحويل الأبيض والأسود لألوان وبالتالى لا أعتقد أن تلوين الأعمال القديمة يفقد من قيمتها ورونقنها وبالتأكيد مسار الاهتمام بالتلوين سيخلق تيارا جديدا وسيظل هذا التيار منقسما بين من يريد الماضى كما هو وبين من انقطع صلته بالماضى ويريد فقط الألوان .
ويضيف: أعلم أن لـ«مدرسة المشاغبين» وضع خاص لدى الجمهور فأصبحت طقس من طقوس العيد ولها سحر خاص لكن ما المانع من إلباسها ثوبا جديدا وطرح اختيارات متعددة للمشاهد وأعتقد أن العدد الضخم من الجمهور والذى يمثل الشباب سينجذب للفكرة لعدم امتلاكه رصيد من الأبيض والأسود فى وجدانه, ففكرة القبول والرفض أمر متعلق بالجمهور.
وأتصور أن التجربة مع “مدرسة المشاغبين”ستفتح المجال لتلوين العديد من الأعمال الفنية وإن كنت أفضل رؤية أعمال الثلاثى سمير غانم وجورج سيدهم والضيف بالألوان, فنحن بحاجة لرؤية الأفلام القديمة بنمط وشكل جديد.