مصر الملاذ وحصن الأمان بشهادة «العائلة المقدسة»

لوحة رحلة العائلة المقدسة بجوار أهرامات الجيزة
لوحة رحلة العائلة المقدسة بجوار أهرامات الجيزة

رغم محاولات جر مصر إلى هوة الفوضى التى سقطت فيها عدة دول عربية، ورغم إنفاق مليارات الدولارات على هذا المخطط، فإن هذه الأموال تبددت هدراً وذهبت مع الرياح فلا أثر تركت ولا فوضى خلقت، لم يكن ذلك لضعف المخطط بل إن الهزيمة جاءت من خصوصية مصرية تكسرت على درعها الرماح، فمصر ذات التاريخ الضارب فى القدم، لها سحرها الخاص وشخصيتها التى تظهر عند المحن، لم تجد فيها العائلة المقدسة إلا الملجأ الآمن عندما ضاقت الأرض على السيدة العذراء وابنها الوليد، كان لجوء العائلة المقدسة لمصر شهادة على أن هذا البلد هو الملاذ وحصن الأمان.
بعد معجزة الميلاد من غير أب، هربت السيدة مريم بوليدها من مكائد اليهود الذين طاردوا الطفل الرضيع، وبحثوا عنه ليقتلوه، غادرت العائلة بعيدا عن جو المؤامرات الذى ساد فلسطين، التى كانت تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية العليا فضلا عن سلطة اليهود المحلية بقيادة هيرودس، لم تفكر مريم كثيرًا قررت فى لحظة تاريخية الذهاب مع ولدها ويوسف النجار إلى واحة الأمان، إلى البلد المذكور فى التوراة، البلد الذى احتضن يوسف من قبل وحيدا شريدا بعد أن أنكره الإخوة وشردته الأيام، إلى مصر المباركة، كان اختيار العائلة المقدسة الوحيد.
تتبعت مريم خطوات جدها الكبير إبراهيم أبى الأنبياء، الذى حل بمصر هربا من القحط، فالملاحظ الصلة العميقة بين أنبياء الأسرة الإبراهيمية ومصر، بداية من إبراهيم الذى جاء مصر باحثا عن الأمن والغذاء، وهنا تعرف على هاجر التى أنجبت له إسماعيل أبى العرب، فيما عادت سارة من مصر لتحمل فى إسحق (إسرائيل)، وقصة يعقوب وابنه يوسف أشهر من أن تروى وتبين كيف لجأت أسرة يعقوب إلى مصر حيث حققت الكثير من النجاح ووصل ابنها النبى يوسف إلى أعلى مراتب الدولة فكان المسئول عن خزائن الأرض، وزاد عدد بنى إسرائيل فى مصر، وبعد فترة من الزمن، نزل الوحى على موسى النبى يأمره بالخروج ببنى إسرائيل من مصر، وهاهو المسيح وأمه يعود من جديد إلى بلاد النيل.
بدأت الرحلة من أرض فلسطين، ثلاثة أشخاص الأم وابنها ويوسف النجار ومعهم حمار وقليل من الزاد، مريم تركب الحمار وتضم وليدها إلى صدرها، تخشى عليه من خطر يتهدده، فيما سار يوسف النجار جانب الحمار ممسكاً بمقوده حسب التقاليد المتبعة، ولم تكن الرحلة إلى أرض مصر سهلة، بل جاءت رحلة شاقة مليئة بالآلام والمشاق التى يشيب لهولها الولدان، عبروا صحراء سيناء فى وقت كانت الصحراء قفراء لا يعبرها إلا الرجال الأشداء فى مجموعات كبيرة طلبا للحماية، وتقليلا للمخاطر، فى مواجهة وحوش ضارية وسباع مفترسة وقطاع طرق لا يعرفون رحمة أو شفقة، لو نظر إنسان لهذه المجموعة الصغيرة لأيقن بهلاكهم فلا سبيل لهم ولا قدرة على عبور هذه الصحراء، لكن رعاية الله كانت معهم، الرب يحميهم بعين لا تنام، خاصة أن العائلة المقدسة لم تتخذ أيا من الطرق المعروفة فى سيناء وفضلت أن تبعد عنها خوفا من عيون الملك هيرودس، وهو الطريق الذى سجله البابا ثينوفيلس، البابا الـ23 للكنيسة المصرية، فى كتابه المعروف عن رحلة العائلة المقدسة.. وبعد انتهاء المحنة واستقرار الأوضاع فى فلسطين، سحبت الأم وليدها وعادت من حيث أتت، مشت على ضفاف النيل صعودا حتى بلبيس شرقا ومنها إلى فلسطين، تركت العائلة المقدسة مصر بعد إقامة دامت لنحو ثلاثة أعوام، قطعت ما يقرب من 2000 كليو متر، بين ركوب المراكب النيلية والمشى فى البرارى والصحاري، انتهت مغامرة العائلة المقدسة فى مصر، لكن المغامرة الكبرى لم تنته بعد، فقد عاد المسيح إلى مصر مرة أخرى هذه المرة لم يكن بجسده ولكن بتعاليمه التى نشرها القديس مرقص الإنجيلى مؤسسًا لكرسى كنيسة الإسكندرية أحد أهم كراسى البطريركية فى العالم المسيحى كله.