بعد موافقة مجلس الشيوخ .. صندوق الوقف الخيرى يسترد عافيته!!

الأوقاف الخيرية كانت سببا فى الازدهار الحضارى والمصرى فى كل المجالات

مجلس الشيوخ
مجلس الشيوخ

تحقيق: على كمال ـ عامر نفادى

في إطار اهتمام الرئيس السيسي ببناء مصر الحديثة والعمل علي تنمية الموارد، التي تدفع عجلة الاقتصاد وتسهم في ازدهار البلاد وتقدمها، وافق مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق من حيث المبدأ علي مشروع القانون المقدم من الحكومة بإنشاء صندوق الوقف الخيرى. ويعتبر الوقف الإسلامي من الأمور المهمة التي عرفها المسلمون منذ صدر الإسلام، وهي تعنى حبس الممتلكات التي يوقفها أصحابها لفعل الخير، ومنع أنتقالها للغير أو التصرف فيها لأي سبب كان للاستفادة من ريعها وتوزيعه علي الفقراء والمحتاجين، وقد حظي الوقف بأهمية كبرى لدى المسلمين خاصة عند صحابة رسول الله وآل بيته الكرام، حيث كان كل واحد منهم يتسابق في إقامة الأوقاف لنيل رضا الله سبحانه وتعالى.

ويأتي قرار مجلس الشيوخ عقب التقرير الذي كشف عن تراجع معدلات الوقف الخيري في العقود الأخيرة في العديد من الدول الإسلامية، مما ينذر باختفاء هذا المورد الحيوي للوفاء بحاجة الفقراء وأصحاب الحاجات وهم كثيرون في مجتمعاتنا المعاصرة.
وأكد الدكتور يوسف عامر رئيس اللجنةة الدينية بمجلس الشيوخ أن القانون يستهدف تشجيع نظام الوقف الخيرى لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية والثقافية والصحية والاجتماعية ويستهدف أيضا معاونة الدولة فى إقامة مشروعات خدمياً وتنموية وكذلك المساهمة فى تطوير مشروعات البنية التحتية وتطوير العشوائيات فضلا عن المساهمة فى الحد من ظاهرة أطفال الشوارع...
وتتكون موارد الصندوق من : الفوائض القائمة فى نهاية السنة المالية لحساتبات اللجنة العليا للخدمات الإسلامية والاجتماعية وصناديق النذور وصناديق إعمارالمساجد وفوائض ريع الوقف القائمة فى نهاية السنة المالية بالاضافة إلى التبرعات والهبات والمنح النقدية أو العينية التى يتلقاها من الاشخاص الطبيعية والاعتبارية.


ويشكل مجلس إدارة الصندوق بقرار من رئيس الوزراء وبرئاسته وعضوية وزير الاوقاف وثلاثة أعضاء من الشخصيات ذات الخبرة الاقتصادية يرشحهم رئيس الصندوق وثلاثة أعضاء يرشحهم وزير الاوقاف وأحد أعضاء الجهات أو الهيئات القضائية يرشحه وزير العدل وعضو فى مجال إدارة المحافظ المالية يرشحه رئيس هيئة الرقابة المالية...


وازع دينى
وفي السياق نفسه أشار الدكتور أحمد الشربيني أستاذ التاريخ الحديث، والعميد السابق لكلية الآداب بجامعة القاهرة إلي أن ظاهرة الوقف الإسلامي يرجع أساس نشأتها إلي الوازع الديني، حيث أرجعها البعض إلي حديث الرسول صلي الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ومن هنا عرف الوقف بأنه صدقة جارية، أو ما عرف عن النبي صلي الله عليه وسلم من قوله لعمر بن الخطاب عندما أراد التقرب إلي الله تعالي بأرض له: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بثمرتها)، وهكذا كان الوقف حبس العين والتصدق بالمنفعة، أي أن أصل الوقف لا يباع ويتم التصدق بريع العين الموقوفة، سواء كانت أطيانا أو عقارات سكنية أو حوانيت وغيرها.
       ظاهرة اجتماعية 
ولفت إلي أن الأوقاف انتشرت بشكل كبير في شتي بقاع دار الإسلام، حتي أضحي الوقف ظاهرة اجتماعية واقتصادية لعبت دورا بارزا في حركة المجتمعات الإسلامية، وفي مصر مثلها مثل سائر المجتمعات الإسلامية انتشر بها نظام الوقف انتشارا واسعا، وتعددت الأوقاف منذ الفتح الإسلامي وتنوعت أنواع الموقوفات بين بيوت وحوانيت ووكالات وأدوات إنتاج، ومعامل وأفران وغيره إلي الحدائق والبساتين والأطيان الزراعية.


مؤكدا أن الوقف من أهم الأمور التي تميزت بها الشريعة الإسلامية حيث جاءت فيه الأحكام الفقهية واضحة، باعتباره عملا يستمر أجره لصاحبه ويستمر نفعه للموقوف عليهم إلي ما شاء الله.
صدقة محرمة 
وأضاف الدكتور محمد حمزة العميد السابق لكلية الآثار بجامعة القاهرة أن الوقف في اللغة أصله الحبس أو المنع بمعني وقف الأصل وتسبيل الثمرة للموقوف له، وبالتالي أصبح الوقف في الشريعة الإسلامية صدقة محرمة لا تباع ولا تشتري ولا توهب ولا تورث ويصرف ريعها إلي جهة من جهات البر.


وأشار إلي أن تاريخ الوقف الإسلامي في مصر يرجع إلي السنة الأولي من الفتح الإسلامي لمصر ثم تطور بعد ذلك عبر العصور التاريخية المختلفة، وحدث تنظيم له قبل العصر المملوكي بإنشاء ديوان مستقل للأحباس تحت إشراف القاضى.
لافتا إلي أن الأوقاف أزدهرت بشكل كبير خلال العصر المملوكي لدرجة أن الفقهاء كان لهم رأي في العديد من الأوجه المتعلقة بالوقف ومن ذلك وقف المنقول ووقف العبيد، ووقف الحرمين الشريفين، وأكد أن الأوقاف خلال هذه الحقبة الزمنية لعبت دورا كبيرا في الحياة الاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية، مثال ذلك دور الأوقاف في توفير مياه الشرب عن طريق إنشاء الأسبلة، والرعاية الصحية كما هو الحال في أوقاف برمستان السلطان المنصور قلاوون والذي لا يزال باقيا في شارع المعز، إلي جانب دورها الهام في إنشاء المساجد والجوامع والمدارس لطلبة العلم والخانقاوات لأهل الصوفية وهي كلمة فارسية، تحرفت بمرور الزمن إلي خانكة وهو الأسم الذي استمدت منه قرية الخانكة شمال القاهرة اسمها، وأقدم خانقاه في مصر خانقاه سعيد السعداء التي أقامها صلاح الدين الأيوبي ولا تزال معالمها باقيه في شارع الجمالية بالقاهرة، وأشهرها أيضا خانقاه السلطان بيبرس “الجاشنكير”، ومن أشهر المدارس المملوكية في مصر مدرسة وجامع السلطان حسن بميدان صلاح الدين الأيوبي أسفل القلعة بحي الخليفة جنوب القاهرة وهي تعرف بهرم مصر الإسلامى.


سبب الأزدهار الحضارى
وأشار د. حمزة إلي أن الأوقاف كان لها دور كبير أيضا فيما يتعلق بالجهاد في سبيل الله فهناك أوقاف خصصت للأبراج والقاعات الحربية، وغيرها لزوايا العلم وللجامع الأزهر وعلي أروقته لطلبة العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي فكان هناك رواق مخصص لكل طائفة من الطلبة طبقا للأقاليم التي ينتمون إليها سواء في مصر أو أفريقيا أو آسيا وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.
مؤكدا أن الأوقاف كانت سبب الأزدهار الحضاري المصري والثقافي في شتي المجالات ويرجع ذلك إلي أن الأوقاف لا ترتبط بوفاة صاحبها، فلا يحق لورثة الواقف إلغاء الأوقاف أو إبطالها لأن الأمر علي ما شرطه الواقف ، وقصة مدرسة السويدي التي لا تزال باقية بمصر القديمة خير شاهد علي ذلك عندما تم تداول القضية بين يدي القضاة ومن أبرزهم ابن حجر العسقلاني، والعيني.


تكافل اجتماعى 
وفي ذات السياق تقول الدكتورة مفيدة إبراهيم علي العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، إن الوقف هو أحد أساليب التكافل الاجتماعي في البيئة الإسلامية، وهو في حقيقته صدقة تطوعية مستمرة، وتستند مشروعيته إلى الكتاب والسنة والإجماع، لما له من دور كبير في تنمية المجتمع بشتى فروعه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وأشارت إلي أن الأوقاف كانت من أولويات الدعوة النبوية، في المدينة المنورة، لما دخلها النبي عليه الصلاة والسلام فعمل على تحقيق التكافل بين أهل الإسلام، ونبذ الفرقة والاختصام، وتحقيق التعاون والاعتصام، وإيجاد آلية عملية لإنجاح ذلك، فآخى بين الأنصار أنفسهم، ثم آخى بينهم وبين المهاجرين، وحثهم على التعاون في أمور الإنفاق، ودون للجميع كتابا عظيما في ذلك عرف باسم “ وثيقة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ، وبهذا اتحد المسلمون وتشاركوا في بناء المساجد ومرافقها، ووقف العقارات وبساتينها، والآبار ومياهها، ودور العلم ومكتباتها، وتركوا ذلك وقفا باقيا جيل بعد جيل، طيلة أزمنة عديدة ودهور مديدة لقوله جل وعلا: “ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ “، لافتة إلي أن الوقف، يعد من أعم أوجه البر وأنفعها وأبقاها وأكثرها تأثيرا في تحقيق المطالب الشرعية والقيم الراقية، لقوله تعالي: “ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ “، وقد تجلي هذا الخلق الطيب وما احتوى عليه من آثارٍ طيبة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم منذ ما قبل الرسالة، وبعد البعثة ثم الهجرة عندما حض المسلمين على التعاون في بناء المساجد، فكان مسجد قباء ثم المسجد النبوي من أول الأوقاف الاستغلالية في الإسلام.


إنعاش الاقتصاد
وأضافت د. مفيدة أن الإسلام شرع الوقف لتحقيق التعاون البناء بين أفراد المجتمع، وحثهم على تنمية أوقافهم وإنعاش اقتصاد بلدهم، وإحياء سنة التكافل بين المسلمين، وبذلك اعتبر الوقف أحد أبرز القيم التعاونية والشيم التكافلية في المجتمعات الإسلامية، بل هو رمز القوة في المجتمع المسلم، والدليل على تماسكه واتحاد أبنائه، وتحملهم لمسؤولياتهم الجماعية تجاه بعضهم البعض.
مطالبة بضرورة العودة بالوقف إلى دوره الفعال في المجتمعات المسلمة لجني ثماره الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكل متوازن ومتكامل.