«موظف» يعبث بجوائز الدولة

 طارق الطاهر
طارق الطاهر

طارق الطاهر

ما حدث فى جوائز الدولة لهذا العام، لاسيما التقديرية والتشجيعية، أمر لا يمكن أن يصدقه عقل، وهو ما كشفت عنه الزميلة عائشة المراغى فى تحقيقها المنشور يوم الجمعة الماضى، فى جريدة أخبار الأدب (عدد 1454)، بعنوان «سنة الفراغ.. تهدد ببطلان جوائز الدولة»، وانتظرتُ أسبوعًا لعلى أجد تفسيرًا أو توضيحًا من الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، احترامًا لهيبة المجلس والجوائز التي تحمل اسم الدولة المصرية.


للأسف لم يصدر عن المجلس أى بيان طيلة الفترة الماضية، كأن الأمر لا يعنيه، وهو ما جعلنى أحاول، أن أبحث عن الحقيقة، وقد انتابتنى الدهشة، عندما استفسرت من أصدقاء أعضاء فى المجلس الأعلى للثقافة، واطلعت على التقارير السرية لهذه الجوائز، وكذلك جدول أعمال المجلس، ثم تناقشت مع قانونيين بارزين، بل ومسئولين سابقين فى وزارة الثقافة، الذين كانت دهشتهم تفوق دهشتى بمراحل.


يتلخص الموضوع، أنه منذ عام 1967، هناك ما يسمى بـ «سنة الفراغ»، أى أن الدولة المصرية التى منيت بنكبة 67، كان من الطبيعى ألا تعلن جوائزها التقديرية والتشجيعية لهذا العام، واستمرت هذه السنة ترحل عامًا بعد عام، مما نتج عنه فجوة العامين بين الترشح والتصويت، وهو ما يعنى أننا هذا العام (2021) سنمنح جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية المرشحة من عام 2019، إلا أننى فوجئت ومن قبلى زميلتى عائشة المراغى، أن المجلس ضم – بلا سند قانونى وإجراءات مالية سليمة – عامين فى عام، أى منح هذا العام للمترشحين فى عامى 2019 و2020، ذات الجوائز المخصصة لعام واحد، أى ضاعف عدد المرشحين وجمّد عدد الجوائز، قاضيًا على مجموعة من المبادئ القانونية، أقلها مبدأ تكافؤ الفرص، أى أن كل سنة – على سبيل المثال – تمنح جائزة الدولة التقديرية فى الآداب لثلاثة فائزين، فالمنطق يقول أن هذا العام الذى دمجنا فيه المرشحين عن عامين، يصبح عدد الفائزين ستة، لكن الغريب أن عدد الفائزين ثلاثة فقط، رغم أن المنح عن عامين وليس عام واحد فقط، وينطبق ذلك على عدد الجوائز الممنوحة فى الفروع الأخرى «يعلن ضعف العدد المعلن حاليًا».


الغريب أن الأوراق التى اطلعت عليها تخلو تمامًا من أى إجراء قانونى «لدمج العامين فى عام»، فلم يوفر المجلس الأعلى للثقافة ميزانية «سنة الفراغ»، ولم يصدر قانونًا خاصًا بمنح هذه الجائزة باعتبارها معلقة من نصف قرن، وجميع القوانين واللوائح المنظمة لجائزة الدولة تشير إلى «سنوية» الترشح، وبالتالى «سنوية» المنح، أما هذا الدمج فلا يوجد له سند، وأقوى دليل على ذلك أن أمناء المجلس على مدى هذه الفترة «نصف قرن» لم يجرؤ أى منهم على العبث بالجوائز مثلما تم منذ أيام، أما هذا الدمج فلا يوجد له سند، سوى ما يشيعه المسؤول عن هذه «الجريمة» من أن هناك قرار سابق للمجلس؛ للقضاء على هذه المشكلة، هذا القرار لا يعنى مطلقًا الاعتداء على القانون وهيبته، إنما اتخاذ الخطوات السليمة، أما ما حدث على أرض الواقع من دمج عامين فى عام، فهو أمر يهدد ببطلان الجوائز، لأنه لا يستند إلى منطق وإجراءات قانونية سليمة.


الأدهى أن من فعل هذا «العبث» هو «الأمين» على هذه الجوائز، إن الأمر يجب ألا يمر مرور الكرام، لأنه يتعلق بجوائز الدولة المصرية، لذا أناشد معالى المستشار رئيس هيئة النيابة الإدارية بفتح تحقيق موسع من قبل الهيئة، التى أثق فى نزاهتها وسعيها الدائم لتطبيق صحيح القانون، فليس أدل من أن المجلس لا يملك سندًا قانونيًا لهذا العبث، سوى الصمت على مدار الأيام الماضية.


إن أهم ما يميز الدولة المصرية الآن، هو احترامها للقانون، وعدم السكوت على أى قيادة تتجاوز «ماليًا» أو «إداريًا»، لاسيما أن الأمر يتعلق بجوائز الدولة المصرية، التى تعد الأعرق بين جميع جوائزنا العربية.