زكريا وأصدقاؤه.. وفاء للمة «الصبحية» رغم «العلقة السخنة»

زكريا وأصدقاؤه
زكريا وأصدقاؤه

عمر يوسف

مع ذهاب آخر موجة ظلام وظهور أول خيوط الصباح، يستيقظ زكريا البالغ من العمر 10 سنوات.. يُلقى نظرة سريعة على أبيه الغارق فى نوم عميق ويسترق نظرة سريعة إلى أمه التى استيقظت بعد أذان الفجر لتصنع الخبز فى الفرن الطينى.

وبعد أن يتأكد من إغفاء الجميع عنه، يُطلق قدميه للهواء وطرف جلبابه الصغير معلق فى فمه، ليجد أصدقاءه أحمد وإسماعيل وعبده ينتظرونه فى الخارج، بعد أن خاض كُل منهم حربه الخاصة حتى يهرب من أبيه وأمه.

يتلقفون بعضهم البعض بالأحضان وكأنهم فارون من حرب طاحنة، ويرثون لحال حازم الذى «أَفَشه» والده عند عتبة المنزل ومنعه من الخروج.. صداقة عمرها 10 سنوات، ولكنها تبدوا وكأنها مئات السنين فما زالت صفحاتهم بيضاء لم يُختط بها نقطة حبرٍ سوداء.. اعتاد الأطفال الأربعة أبناء ميت غمر بمحافظة الدقهلية كل صباح على زيارة الحاجة سنية، المرأة السبعينية، التى ذهب بصرها قبل 20 عاما، وتسكن غرفة صغيرة على مشارف القرية بعد أن هجرها أبناؤها جميعاً، فيمرون عليها صباحاً لتنظيف غرفتها وإحضار الإفطار من عم رفاعى الذى يمنحه لهم دون مقابل.
وبعدها يبدأون التفكير فى لعبة جديدة وبعد محاولات يستقرون على «الاستغماية» التى تحلو فى القرية لما يكسوها من أراض زراعية.. وبعد أن تخور قواهم ويشعروا بالجوع، يعودون إلى منازلهم ظُهرًا، ليجد كل منهم نفسه على موعد مع «علقة سخنة» من الأب، ورغم شدة العقاب إلا أنهم يعيدون الكَرَة ذاتها كل صباح، وكأن الانطلاق والتحرر يسرى فى دمائهم.