«أخبار اليوم» في حوار مع أول متخصص في أمراض «الفيبروميالجيا» والـ M.E 

د. أيمن يوسف
د. أيمن يوسف

بطل من ذوي الهمم يحول رحلة ألم "لأمل" و قدوة للشباب ويسجل أول رسالة علمية بجامعة نيويورك عن المرض المجهول..


د. أيمن يوسف يقدم بروتوكول العلاج الخاص بالإعاقة غير المرئية

دراسته حددت النموذج الطبي المتعلق بالجينات وتحورها ونشاطها الذي يحفز أو يقلل من فاعلية المرض


مريض الفيبروميالجيا لا تظهر عليه شدة الأعراض وبشاعتها و معظم المصابين من الشباب المتميزين في العمل و المظهر


 

مرض غامض تسلل إلى أجساد مرضاه دون أن يترك علامات تكشفه للوهلة الأولى بالتشخيص لمعظم الأطباء.. الـ (m.e) أو مرض الفيبروميالجيا بات من الأمراض الخطيرة التي تصنف باضطرابات جسيمه في الجهاز العصبي المركزي لها علاقة مباشرة بالعضلات، تؤثر على كافة وظائف المريض وتندرج تحت قائمة الإعاقات غير المرئية، ورغم خطورته وخطورة أعراضه إلا أن مرضاه يعانون من عدم توافر الدواء والأطباء القادرين على فهم طبيعة المرض دون السير في رحلة شاقة لمجرد تشخيص المرض.

 

ولأن شهر مايو يعتبر شهر التوعية بالإعاقات "غير المرئية" التقينا بفارس من فرسان الإرادة، و الذي استطاع أن يحول محنة المرض وقسوة الحياة إلى مثل يفتخر به أمام ذاته ووطنه فبالرغم من قسوة وغموض مرض الـ M.E ومرض الفيبروميالجيا وما يسببه من آلام مبرحة ووهن واضطراب في أداء أبسط الوظائف اليومية، إلا أنه قدم نموذجا في تحدي المرض بالعلم والصبر، إنه الدكتورأيمن يوسف اول عربي يتخصص في أمراض متلازمة إلتهاب الدماغ الحميد الموهن للعضلات التي تختصر ب الـ"M.E"، ومتلازمة الفيبروميالجيا واضطراب عدم تحمل الجهد الجهازي الانتظامي من الاعاقات غير المرئية و قدم أول رسالة علمية دولية عربية في هذا المجال من خلال جامعة نيويورك الدولية ناقش فيها العوامل الجينية والبيولوجية الكامنة وراء هذا الاضطراب المعقد، وسبل العلاج الحديثة وطرق إدماج وتمكين هؤلاء بعيدا عن العلاجات والأساليب التقليدية التي لا تساعد كثيرا في مثل هذه الحالات وبعيدا عن الصورة النمطية بعدم قدرة هؤلاء عن الاداء الاجتماعي والوظيفي بشكل مثمر وفعال.. حيث قام بدراسة مجالات مختلفة و حصل على العديد من الدرجات العلمية التي قد تبدو بعيدة عن بعضها مؤمنا أن العلوم لا تنفصل بل تتلاقى.

 

"أخبار اليوم" ترصد أوجاع مرضي هذا النوع من الإعاقات الغامضة.. من خلال هذا الحوار 

 

ما هي طبيعة متلازمة الـ "إم إي" M.E والفيبروميالجيا؟ 


هي اضطرابات جسيمة في الجهاز العصبي المركزي لها علاقة مباشرة بالعضل، تؤثر على كافة وظائف المريض حيث أن أي خلل في الدماغ والنخاع الشوكي أو ما يسمى بالجهاز العصبي المركزي له ان يؤثر في كل أعضاء الجسد ووظائفها، وتلك المتلازمات مرتبطة ارتباط مباشر بالجهاز العضلي الهيكلي والعضلات الملساء، فتسبب ألم ووهن غير محتمل بالإضافة لبعض الأعراض الاخرى.

 

وما هي هذه الاعراض؟

تنقسم الأعراض إلى ثلاث أقسام رئيسة: أعراض حركية أو فيزيائية، وأعراض معرفية، وأخرى نفسية، وتختلف خصوصية كل مريض عن الآخر في طبيعة هذه الأعراض وشدة تأثير كل منها عليه، الآلام المبرحة وتيبس المفاصل في اكثر من موضع وفقد التوازن وضعف وارتعاش الاعصاب والإغماء المتكرر وضعف المعالجة الحسية للأصوات والأضواء والروائح والبيئة، وبين ضبابية التفكير والرؤية وفقدان التركيز ومشكلات الجهاز الدوري والتنفس السطحي واضطرابات النوم واليقظة والانتباه، بالإضافة الى تأثر الجهاز الهضمي بصورة واضحة وانخفاض المناعة بصورة عامة يجوب المريض بين هذه المجموعه الكبيره من الاعراض وتختل قدرته على السيطرة على وظائفه.


وهل توجد احصائيات بحجم انتشار هذه الإعاقة غير المرئية؟ 


وفقا للإحصاءات المعتمدة من مراكز البحوث الطبية الغربية فإن عدد المصابين بمتلازمة الـ M.E او التهاب الدماغ والنخاع الموهن للعضلات حول العالم يتخطى ال 24 مليون مصاب منهم 2.5 مليون في الولايات المتحدة الامريكية فقط، أما عدد مصابي الفيبروميالجيا بصفة خاصة هم 10 مليون في الولايات المتحدة ونسبة الاصابة وفقا للمعدل العالمي تتراوح ما بين 6 الى 8 % من السكان في العالم، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن الإعاقات بصفة عامة أصبحت تمثل نسبة 37.5% من سكان العالم أي ما يقرب من 2 بليون شخص، وفي الولايات المتحدة تم إحصاء عدد الإعاقات غير المرئية التي تضم هذه الإصابات ومجموعة اخرى من الإعاقات غير المرئية ومثلت نسبة 10 % من أعداد الاعاقات الأخرى المعروفةـ ولازالت الارقام في الوطن العربي تحتاج الى تدقيق واهتمام خاصة وأن أغلب هؤلاء المرضى لا يحصلون على التشخيص السليم ويدورون في حلقة مفرغة من التشخيص الخاطئ والعلاجات غير المناسبة .


وما هي نتائج دراستك الفريدة والمكتشفة لحقيقة المرض؟ 


توصلت الدراسة إلى حقيقة أن أغلب تلك المتلازمات تأتي مترافقة مع اضطراب أسري عميق أو ظروف اجتماعية ومهنية وإنسانية يعاني منها أغلب المرضى سواء قبل التشخيص أو بعده، ومن خلال معرفتنا بأغلب الحالات سواء في الوطن العربي أو بالخارج عبروا عن أزمات أسرية استدعت ظهور المرض في وقت اقصر من فرصة ظهوره في الظروف العادية، وأصعب ما يمر به أغلب المرضى هو الرفض الأسري والإجتماعي  و الذي قد تسوء معه الاعراض الجسدية والنفسية حيث يمر المريض بحلقة مفرغة من التنمر وعدم التفهم و بالتالي فقد الوظيفة وأظن أن أهم ما تم تقديمه في هذه الدراسة هو النموذج الطبي والوظيفي والاجتماعي للاصابة، فاي اعاقة لابد لها من توافر تلك النماذج العلمية الثلاث في توصيفها او تشخيصها أو قياس مدى تأثيرها، ودراسة العناصر الجينية والأبعاد البيئية ومستويات تفاعلها مع الجانب الوظيفي الحسي والحركي والذهني للمصاب، مع بعض الأبعاد الاجتماعية والتشريعية والحقوقية للمرضى خرجت بنتائج هامة سواء في برتوكولات العلاج الحديثه التي نتمنى ضمها في المؤسسات الطبية العربية سريعا، وسواء على المستوى التشريعي والحقوقي للمرضى الذين يفقدون الكثير من حقوقهم في اللوائح والقوانين المنظمة.


لماذا يعتبر مصطلح الاعاقات غير المرئية غامضا وأيضا مصطلحات( الفيبروميالجيا) أو الـ M.E ؟


ظهر مفهوم الاعاقة غير المرئية على مستوى العالم مع اتساع المفاهيم لمصطلحات العجز أو الاعاقة و الفئات الخاصة ود التحولات البيولوجية الغامضة والحديثة والتي لا يمكن رؤيتها للوهلة الأولى او بالعين المجردة كالبتر مثلا او شلل الاطفال او الشلل الدماغي إلى أخره .. وقد ضمت الدول المتقدمة إعاقات كإعاقات الصمم مثلا من كونها اعاقة سمعية الى اعاقة غير مرئية حيث ان الأصم لا يظهر للوهلة الأولى بأنه يعاني من اختلاف ما، وكذلك البكم وبعض أنواع الروماتيزميات والأمراض المزمنة. وقد اعتبرت بعض الدول متلازمة "الفيبروميالجيا" كإعاقة غير مرئية بدلا من ضمها للإعاقات الحركية حيث أن هذا المريض تحديدا لا يبدو عليه شدة الاعراض وبشاعتها للوهلة الأولى خاصة أن معظم المصابين من الشباب ومن المتميزين سواء في العمل والإنتاج والتحصيل العلمي، بالإضافة إلى سمات شخصية وإنسانية واجتماعية يبدو عليها النصاعة في مظهرها الخارجي، ولا تنتهي حياة المريض الا بعد ان يخسر كافة قدراته كامله بعد سنوات من المقاومة والآداء المتميز، ليدخل في دائرة أخرى من عدم ظهور المرض في الأشعة والتحاليل وأدوات التشخيص التقليدية. .


إذاً كيف يمكن الكشف وتشخيص المرض؟ 

لايزال الفحص الإكلينيكي هو الفيصل وهو الذي يدل على مناطق الوهن ومناطق الألم مع بعض المظاهر الأخرى التي تظهر في الكشف الأكلينيكي علاوة على السمات الشخصية والذهنية والإنسانية للمريض، إلا أن تطور العلم اتاح فرص جديدة لأدوات تشخيصة تساهم بالكشف عن وجود هذا الاضطراب و أيضا تحديد العلاج والمساعدة للتأهيل، كتحليل الحمض النووي "DNA" لجينات خاصة تدخل في دورة عمل هذه الاضطرابات، وتحليل وظائف "الميتوكوندريا" التي تعد بمثابة بطاريات الخلايا واعتلالها عند المريض والتي تدفع لموت الخلايا العصبية وفقدان القدرة على تجددها او اصلاح التالف منها وبالتالي ارتفاع نسبة الالتهاب بالدماغ والنخاع، كذلك أجهزة المسح الذري والاشعات المقطعية بصبغات تكشف مناطق الالتهاب بالدماغ، أو دراسة وظائف المخ اثناء النوم أو ما يطلق عليه"معمل النوم" حيث ان السمة البارزة لهذه المتلازمات هو خلل وظائف النوم وهي الفترة التي من خلالها يستعيد الجسد كافة وظائفة البيولوجية والبنائية والهرمونية والذهنية والنفسية. ، وفي اليابان تم اعتماد "الفيبروميالجيا" ومتلازمة ال M.E او متلازمة الإجهاد المزمن ضمن قائمة أمراض النوم، فيما ضمت الولايات المتحدة تلك الاصابات ضمن قائمة الأمراض الروماتيزمية وتولت الجمعية الامريكية للروماتيزم مهام علاج ورعاية هؤلاء المرضى.


وما التحاليل الروتينية المرتبطة بهذا الاضطراب؟

 لا ننسى بالطبع تحاليل الاستبعاد والتي من خلالها نستبعد أمراض مشابهة في الأعراض كأمراض القلب والشرايين وأمراض الكبد والتصلب المتعدد ونقص نشاط الغدة الدرقية، ونعتمد عليها أيضا في المتابعة الدورية للمريض، بالإضافة إلى تحاليل التغذية العلاجية التي تعتبر هامة جدا في تأهيل المريض وعمل البرنامج العلاجي الخاص به. 


وما هي الأعراض الظاهرة التي من الممكن أن تصاحب المرض؟


أعراض حركية ، وأعراض معرفية، وأخرى نفسية، ويختلف كل مريض عن الآخر في طبيعة هذه الأعراض وشدة تأثير كل منها عليه، الآلام المبرحة وتيبس المفاصل في اكثر من موضع وفقد التوازن وضعف وارتعاش الاعصاب والإغماء المتكرر وضعف المعالجة الحسية للأصوات والأضواء والروائح والبيئة، وبين ضبابية التفكير والرؤية وفقدان التركيز ومشكلات الجهاز الدوري والتنفس السطحي واضطرابات النوم واليقظة والانتباه، بالإضافة إلى تأثر الجهاز الهضمي بصورة واضحة وانخفاض المناعة بصورة عامة يجوب المريض بين هذه المجموعه الكبيره من الاعراض وتختل قدرته على السيطرة على وظائفه.


هل يمكن اعتبار الإعاقات الغير مرئية مرض مناعي ؟ 

هذه المتلازمات تدخل فيما نسميه الأمراض متعددة العوامل، والجزء المناعي تم دراسته في عدة ابحاث وقد ثبتت نظرياته الى حد ما، فهناك ما تسمى "السيتوكاينز" المحفزة على الالتهاب او البروتينات المناعية والتي يفرزها الجسم بشكل طبيعي ومنتظم، إلا أنه وجد في تلك الحالات نشاط غير طبيعي لتلك السيتوكاينز او البروتينات والتي تفرز عوامل التهابية بشكل مزمن وغير ضروري، وهو شكل من أشكال خلل المناعة غير التقليدي ولا يزال حقيقة الى المزيد من البحث العلمي والتدقيق وخلق آداة تشخيصية مباشرة له.


تجربتك ملهمة ولم تكن سهلة.. ما هي التفاصيل التي ركزت عليها دراستك؟  


ركزت دراستي على النموذج الطبي المتعلق بالجينات وتحورها ونشاطها الذي يحفز أو يقلل من فاعلية مواد بنائية وأنزيمات خاصة بالجهاز العصبي المركزي وعلاقة كل ذلك بالالتهابية المركزية ووهن ألم العضلات، بالإضافة إلى النموذج الوظيفي حيث اعتمدت كثير من الدول والمراكز البحثية نموذج "مايهل" في تحديد شدة الإصابة ومستوى التأثر الوظيفي الحركي او الذهني و الحسي، وكل هذا ينضم إلى برامج العلاج السلوكي المعرفي الذي يمثل أحد أهم حلقات تأهيل هذا المريض بجانب العلاج الدوائي والجيني وبرتوكولات مكملات الكيمياء الحيوية للجهاز العصبي المركزي والعضلات.

وأنا اعتبر المحنة نعمة وكرم يتمحص منها ايمان قوي، ولازلت قلقا من اني لم اكن بمقام هذه المحنة، ولكن كل ما اعرفه أني اجاهد مخلصا في استكمال مسيرتي وأتمنى أن توفقني الأقدار لاستكمال الرحلة.