حديث الأسبوع

عبدالله البقالي يكتب: الثراء في خدمة أوليغارشيا دخيلة

عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة
عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة

بقلم: عبدالله البقالي

مهم أن نسجل أن منسوب الثراء العالمى لا يتوقف عن الزيادة، حيث يواصل العالم مراكمة حجم الثروة، ويجب الإقرار بأن العالم لم يكن فى يوم من أيامه طوال القرون التى عاشتها البشرية إلى اليوم بهذا الثراء الذى حققه حاليا.

والفضل فى ذلك يعود إلى الجهود التى بذلتها البشرية جمعاء، وليس فئة دون أخرى، ولا جهة ما فى خريطة الكون دون باقى الجهات. تحقق ذلك بسبب التكامل بين أنشطة الأفراد والجماعات، فى قطاعات الصناعة والفلاحة والصيد والتنقيب عن المعادن والنقل واللوجستيك، وفى باقى مساحات ومجالات الإنتاج، وبسبب التطور الكبير فى سلاسل الإنتاج والتسويق والتصدير، وبفضل التحولات العميقة الحاصلة فى نماذج التنمية.

وهذا ما يفرض القول بأن الثروة العالمية هى رصيد البشرية كلها، يجب أن يسخر بهدف تلبية الحاجيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لجميع البشر فى العالم، بغض النظر عن لونهم أو عرقهم أو ديانتهم أو جغرافيتهم.

رصد أولى لحقيقة هذا الثراء ولطبيعة توزيعه بين مناطق العالم وبين الشعوب، يؤشر على حقيقة مؤلمة، ذلك أنه بالقدر الذى تزداد فيه معدلات وقيمة هذا الثراء، بنفس القدر الذى تزداد فيه مظاهر الفقروالحاجة والهشاشة والجوع استفحالا، وتتعمق فيه الفوارق المجالية والطبقية، مما يؤكد الحقيقة التى يجتهد الكثيرون فى محاولة حجبها عن أنظار العالم، والمتمثلة فى أن قضية الثروة العالمية، ليست قضية كونية فى خدمة تحسين عيش جميع سكان العالم على حد سواء، ولا هى رصيد عالمى يوزع بين جميع الشعوب بأعلى معدلات العدالة والمساواة والإنصاف.

لعل تقارير حديثة صادرة عن منظمات ومؤسسات دولية مختصة تبين أن حجم الثروة العالمية يناهز 360 تريليون دولار أمريكي، ويتوقع المختصون أن يصل هذا الحجم إلى 460 تريليون دولار سنة 2024، وأن المعدل العالم للزيادة السنوية لا يقل عن 2.6 سنويا.

وتكشف هذه المصادر أن الولايات المتحدة وأوروبا والصين استحوذت على النصيب الأوفر من هذه الثروة خلال السنوات القليلة الماضية، وأن الأمريكيين يستحوذون لوحدهم على حوالى 30 بالمائة من الثروة العالمية، بينما تقاسمهم شعوب دول من قبيل الصين واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا والهند هذه الهيمنة والاستحواذ.

ووفق البنك السويسرى للقروض فى تقرير حديث له فإن 400 مليون شخص فقط فى العالم من أصل ما يفوق 7.6 مليار شخص يسيطرون على 86 بالمائة من حجم الثروة العالمية، بل الأدهى من ذلك − حسب نفس المصدر− فإن 0.7 من سكان العالم يهيمنون على 45 بالمائة من مجموع الثروة العالمية، وأن 73 بالمائة من البشر فوق البسيطة يتعيشون من فتات ما تبقى عن الفئة الميسورة والمحظوظة، ضمنهم أكثر من 850 مليون شخص يوجدون تحت عتبة الفقر، إن هذا يعنى أول ما يعنيه أن مناطق محظوظة من العالم هى المستفيدة من هذا الثراء العالمى المتزايد سنويا.

ومن الناحية الجغرافية تؤكد التقاريرالمتخصصة أن 13 مدينة وإنتربول تهيمن على ربع الثروة العالمية وأن نصف هذه الثروة محبوس فى 50 مدينة فى العالم.

مع كامل الأسف، فإن المعطيات الواقعية تؤكد أن عدم المساواة فى توزيع عائدات الثروة العالمية آخذ فى الاتساع والانتشار، وأن طريقة التوزيع لاتزال تكرس التمييز بين الأفراد والجماعات، إذ أن الفئات الميسورة تزداد استفادة، بل وهيمنة على هذه الثروة، فى حين يتفاقم الخصاص لدى المحرومين، ولم يعد ممكنا إخفاء حقيقة صادمة تؤكد أن الهوة تزداد اتساعا، وأن ردم هذه الهوة شعار لا يتجاوز مداه القاعات والفضاءات التى يتردد داخلها.

لسنا فى حاجة إلى تفسير هذا الذى يحدث، لأنه قد يكون فى حاجة إلى متخصصين أكفاء ونزهاء، وقد يتطلب مساحات شاسعة من الكتابة والتحرير، ولكن هذا لا يمنع من التأكيد على أن النظام العالمى الجديد الذى بنى على أسس قومية واستعمارية، والذى اعتمد تحرير الأسواق وإلغاء الحواجز وبناء نظام مالى تراكمى فى إطار ليبرالية متوحشة لا علاقة لها بالمفهوم الحقيقى لليبرالية الاقتصادية، أفضى إلى هيمنة (أوليغارشيا) جديدة على مصادر الثراء العالمي، وأن النظام الاقتصادى العالمى الجديد أصبح عجينة طيعة فى خدمة الشركات المالية والاقتصادية الكبرى والعملاقة، وأداة طيعة فى أيادى مستثمرين عالميين كبار يملك الواحد منهم من المال ما لا تملكه دول كثيرة مجتمعة.

إننا أمام تشكيل عالم جديد تستخدم فيه الثروة العالمية آلية رئيسية لفرض النفوذ والهيمنة السياسية والاستراتيجية فى العالم، بمعنى أن القرارات السياسية التى تهم العالم يكون مصدرها مناطق ومراكز النفوذ المالى والاقتصادي، وفى هذا السياق لا حاجة لبذل أى جهد للاستفسار على مصير قيم التضامن والتعاون والتكامل بين شعوب ودول العالم، لأنه لا مكان فى النظام العالمى السائد حاليا لطرح مثل هذه الأسئلة الغبية.