عيسى متولي أشهر قارئ صحف| عمل مع 150 رئيس تحرير وجريدة ولم يتقاض مليماً

التابعى
التابعى

اعتبره أحمد رجب صحفى من منازلهم ومصطفى أمين  أرسل له خطاب شكر 1955
كتب أحمد الصاوى محمد مقال كامل ينتهى بعبارة «أن الكاتب لا يصبح كاتباً إلا إذا وصلته رسالة من عيسى متولى»

أحمد عبد النعيم

ما أكثر هؤلاء الذين يبحثون عن السعادة فلا يجدونها فيضلون الطريق لأنهم يبحثون عنها فى القصور وغاب عنهم أنها قد تشرق فى الأكواخ.. فيا أيها الباحثون عن السعادة بهذا المنطق اعلموا أن بحثكم عنها سيطول..  كلمات يلخص بها عيسى متولى رحلته مع السعادة التى وجدها فى حبر الورق ورائحة الجرائد وقصاصات الصحف وأقلام الحبر يكتب بها ويراسل كبار الكتاب ويسعد باسمه يزين جريدة أو مجلة ليكتب جواب آخر ويشترى أظرف بالباقى من راتبه وطابع بوسته ليبدأ فى مراسلة صحيفة أخرى.

 وعندما ينتهى العام يحمل جرائد ومجلات سنوات فاتت إلى مطبعة بولاق ليضمها فى مجلد خاص أعلى مكتبته ليصل إلى المجلد 122 تاريخ من صحافة كتبت وحكايات على جدار الزمن.. صحفى من منازلهم عمل مع  رئيس تحرير وكتب فى  جريدة ومجلة ولم يتقاضى مليماً من مهنة عشقها وظل يستمتع بمحبوبته دون مقابل فقط نظرة ولقاء ووعد بالعشق.  

 فى مدرسة فؤاد الأول "الحسينية الثانوية حالياً" وبجوار السياسيى سيد مرعى ونجيب محفوظ ومحمود مختار جلس عيسى متولى على "تختة" خشب وبدأ يخط بقلمه الكوباية شكل وتبويب مجلة صغيرة.. سأل مدرس اللغة العربية سؤالاً عن مواطن الجمال فى قصيدة الشعر ولكن التلميذ عيسى متولى فى عالم آخر.. اقترب مدرس اللغة العربية وأصبح على مساحة حلم عيسى متولى وشجع التلميذ على تنفيذ فكرته فأصدر على نفقته مجلة "أخبار البيت" ورقتين يكتب فيها أخبار الأسرة وتوضع أعلى باب البيت .. بعدها أدرك التلميذ أن حياته ومحبوبته صاحبة الجلالة.. حاول أن يصنع لنفسه مساحة بمقدار حلمه الصغير احتفظ بأول نسخة من جريدة الأهرام لتبدأ رحلة عالم قصاصات الورق ورائحة الجرائد وحبر الكلمات.. احتفظ بالجريدة وصداقة أنطون الجميل كاتب وصحفى ولد فى بيروت وعمل هناك لفترة بعدها انتقل للعمل فى الصحافة المصرية التى كانت تتمتع بمزيد من الحرية التى تسمح له بالكتابة بشكل يرضى طموحه، عمل فى وزارة المالية رئيساً  للجنة الموازنة ثم جريدة الأهرام حتى تولى رئيس تحريرها

عندما بدأت الأزمة الاقتصادية على مصر 1930 أعلنت جريدة الأهرام عن استفتاء بين القراء فى كتابة مقال عن كيفية الخروج من الأزمة .. أرسل متولى خطاب  بعلم الوصول إلى الجريدة لينشر فى الصفحة الأولى مع كبار الكتاب بعدها بدأت رحلة البحث عن صاحب المقال وعرض عليه أنطون الجميل العمل محرر اقتصادى بالجريدة نظير راتب 4 جنيهات شهرياً وهو أعلى راتب يتقاضها محرر.. كانت فرصة ليعود إلى محبوبته ويبدأ معها سنوات العشق ولكنه رفض.. كان راتبه فى الوظيفى الميرى 6جنيهات بفارق كبير عندها ابتسم أنطون قائلاً:  (عندك حق ياعيسى الصحافة مش بتأكل عيش ).. عاد بعدها إلى مكتبه فى الوظيفة  الميرى المضمونة يعلو مكتبه جرائد ومجلات كل يوم ليبدأ رحلته مع عالم الصحافة.. أشهر قارئ للصحافة المصرية ليكتب عنه الكاتب أحمد الصاوى محمد مقال كامل ينتهى بعبارة (أن الكاتب لا يصبح كاتباً إلا اذا وصلته رسالة من عيسى متولى..!!!

بداية الرحلة

بدأ فى عام 1931 هوايته العجيبة فى قراءة جميع الصحف والمجلات يومياً وأمام كوب شاى تقيل يكتب ويراسل كبار الكتاب ويعلق على الأخبار دون ملل (خمسين عاماً) ولا تعب عشق الصحافة من منازلهم وصاحب كبار الكتاب وأصبح الضيف الدائم فى المنتديات الثقافية والبرامج الإذاعية واستعان به ضياء الدين بيبرس فى حل بعض المشكلات وأيضا فهمى عمر فى برنامج مجلة الهواء..  يقرأ متولى الجريدة حتى باب الوفيات يستوقفة خبر أو تعليق أو مقال.. حتى يبدأ فوراً فى كتابة تعليقه.. قرأ أن أحدث نظريات النوم تؤكد أن الحرمان من النوم مدة طويلة تؤثر على الجهاز الهضمى تسأل فى رسالة (أيهما نصدق تلك النظرية أم رباعيات الخيام ما أطال النوم عمر ولا قصر فى الأعمار طول السهر ).. وأثناء تصفحة مجلة أجنبية قرأ أن الزعيم الروسى خروتشوف قال إن الذهاب إلى سيبريا الجلدية أرحم من ذهاب الإنسان إلى حماته.. ويقول متولى (الحمد لله لم يصل بنا الأمر بعد إلى هذه الدرجة فى حديثنا عن الحموات ولعل السبب فى  ذلك إنه ليس لدينا سيبريا). وفى مجلة الإصلاح الاجتماعى 1959 أعجب بفكرة طبقتها ناظرة مدرسة للبنات فى لندن؛ حيث سمحت للطالبات بارتداء أزياء غير مدرسية يوماً فى الأسبوع وذلك بهدف معرفة استعداد كل فتاة لاختيار ملابسها بعد التخرج.. وكان تعليقه أن أهدى هذه الفكرة إلى ناظرات المدارس المصرية).. قرأ أن العلم قد توصل إلى تسجيل بصمات الصوت فتسأل على صفحات جريدة وطنى (1966) ماذا لو نجح العلماء فى الوصول إلى بصمات العيون.. لا شك أننا سنرى العجب.
 أعجبه قرار مؤتمر الغذاء العالمى الذى كان قد عقد فى روما بفرض ضريبة على السيدات البدينات بما يعادل 5 جنيهات مصرية عن كل كيلو (1974) جرام زائد عن الوزن الطبيعى المتعارف عليه.. فيقول: لو طبق هذا القرار فى مصر لكانت الحصيلة ضخمة جداً تفوق حصيلة أى بنك ويستمر ينبوع الكتابات والتعليقات الساخرة والجميع فى انتظار رأى عيسى متولى فى بعض أحيان قد يوقف طباعة جريدة لأن رئيس التحرير طلب وضع رسالة عيسى متولى فى مكان يليق.

حوار مع قرش تعريفة: 

 على صفحات جريدة المصور يجرى متولى أول حديث صحفى مع قرش تعريفة .. رأيته حزينا كاسف البال فسألته مم تشكو..؟ فأجابنى أشكو ضعف قوتى الشرائية وضياع هيبتى فى سوق التعامل.. يزدرينى كل من يحملنى فلم أعد أساوى شيئاً حتى فى يد السائل الذى يستجدى الناس.. إذا وضعنى أحدهم فى يده نظر إلى استخفافا ولسان حال السائل يقول ماذا اشترى بهذا القرش.. ويجتر القرش تعريفة أحزانه وكأنه يستعيد ذكرياتة ويقول: مليماتى الخمسة  كانت تكفى لشراء خمس بيضات أو قطعة كبيرة من الجبن يوم أن كانت لى مكانه وقبل أن أفقد قوتى الشرائية وكنت المبلغ المرغوب فيه لمصروف الطفل الذى يملأ جيبه باللب بمليماً واحداً ويملأ جيبه التانى بالحمص والحلوة فكنت مثار ابتهاجه وكنت ثمناً للجريدة اليومية أو خمس سجاير لهواة التدخين فأصبحت اليوم كما ترانى عملة هزيلة منبوذة يلقى بها أناس فى جيبوبهم فى إذدراء ويقيمون لها وزناً ويعود القرش فيسألنى بالله عليك كيف أحزن وحالى كما ترى كأننى صر ت على اليسار لم أعد أقوى على الحياة متى تحين لحظة النهاية  ( صدر قرار فى 25 أبريل 1981 بإلغاء المليم والتعريفة وأصبح القرش أساس التعامل فى مصر وفترة انتقالية سنتين قبل إبرام ذمة المليم والتعريفة). 

صندوق الألقاب الصحفية 

 يكتب الصحفى ويظل يعمل حتى يصبح لديه حصيلة من الموضوعات والتعليقات والقراء ومع مزيد من الإبداع قد يحصل الكاتب على لقب عملاق الصحافة رائد القلم.. عندليب الصحافة ويكتفى بلقب واحد ويفرح بعد رحلة المعاناة ويبقى عيسى متولى صندوق الألقاب من القراء وأصحاب الأقلام .. قال عنه سلامة موسى فى يوميات الأخبار إن عيسى متولى ذبابة سقراط للصحافيين فإنه ينبههم إلى ما غفلوا عنه ويثابر على السؤال والاستفهام ويستطرد سلامة موسى، موضحا أن ذبابة سقراط هى العبارة التى استعملها سقراط الذى كان يدعوا أهل أثينا إلى الحفاظ على من ينبهوهم إلى إصلاح الأخطاء وأطلق عليه كلمة دودة تأكل الجرائد والمجلات والكتب وله شهية يفوقها شهية.. واعتبره أحمد الصاوى محمد أنه جواز مرور لأى صحفى حتى يصبح صحفى لابد أن يراسله عيسى متولى.. وكان محمد التابعى حريص كل الحرص على أن ينتهى مقالة برسالة عيسى متولى دون حذف أو إضافة كلمه تزين نهاية مقالة كل عدد من جريدة الأخبار أو مجلة آخر ساعة.. وداعبه كثيراً أحمد رجب عندما أعطاه لقب أشهر قارئ فى مصر وصحفى من منازلهم، حصل متولى على أكثر من عشرة ألقاب من جريدة الأخبار أقدم قارئ صحف .. الأستاذ المشارك .. أدق قارئ صحف .. وتأتى جريدة الجمهورية فى المرتبة الثانية فقد منحته 6 ألقاب فقد أطلق عليه محمد دياب لقب أشهر محررى صحف الهواه.. المنافس رقم واحد للصحفيين.. دؤوب القراءة مدمن الصحافة .. وفى اجتماع لمحررى الجمهورية اختير زعيماً لرابطة القراء المصريين وهى الدعوة التى كثيراً ما نادى بها متولى وتحققت فى 1966 وكان الاجتماع الأول فى مكتبه الوظيفى. ومن طرائف ما دعى إليه .. طالب بتحديد اختصاصات حلاق القرية 1941 .. كما طالب بالتخلص من غرفة الصالون واعتبرها معطلة للزواج ودعى إلى تكريم الحموات وطالب بتغير نظرة السينمائين نحو الحموات.. وناشد المتزوجين بقضاء شهر العسل فى المدن الساحلية بدل من السفر إلى أوروبا

الأمنية الأخيرة 

 بمداد من حبر الألم والقلم كتب متولى على مدار خمسين عاماً وظلت الأمنية الوحيدة أن يقرأ ماتكتبه الصحف عنه يوم وفاته ولأنها أمنية مستحيلة تعامل مع الأمر بروحة الساخرة الطيبة.. وربما أراد القدر أن يحقق له حلمه الدائم.. فى إحدى المرات وأثناء شراء كتابه (أيام عشتها) اقترب من البائع وبنظرة سريعة وجد كتابه وأخذ يتصفح أوراقة التى كتبها فى السبيعنات.. أطلق عيسى متولى العنان لسخرية الحياة وسأل البائع هل تعرف مؤلف الكتاب.. عدل من جلسته قائلاً ياااه ده حبيبى الله يرحمه الأستاذ عيسى ده كان عشرة عمر وحياتك الفاتحة على روحه.. وجدها فرصة أن يقرأ الفاتحة على نفسه.. وبعد رحلة طويلة من الكتابة عجز بصرة عن تحمل المزيد ولكنه أوكل لزوجته الكتابه ولم يفقد هوايته أبداً ولكن مع اشتداد مرض النقرس توقف تماماً عن مراسلة الصحف وظل عاماً كاملاً يقرأ فقط حتى ظن البعض أن عيسى متولى قد مات وكتب أحد القراء أن أشهر قارئ صحف مات من عام وعاتب الصحف أنها لم تكتب عنه وبسرعة تناقل الخبر وكتبت المصور مقالاً تنعى الفقيد وصحف أخرى لدرجة أن أصدقاؤه سارعوا إلى منزله لتقديم واجب العزاء .. ويبدو أن أمنيته الأخيرة قد تحققت .. توقف القلم فى مارس 1987 ولم يتوقف سيرة قارئ أصبح حكاية من سيرة وطن..  ضمها الكاتب فوزى تاج الدين فى كتاب (عيسى متولى كما عرفته) وهو ما أعتمدنا عليه فى كتابه حكايات أشهر قارئ صحف فى مصر.  

السعادة وأشياء أخرى