اليوم العالمي للوالدين.. البسطويسي: تربية الأبناء من أفضل الأعمال إلى الله

الشيخ عمر البسطويسى
الشيخ عمر البسطويسى

تتعاقب السنوات وتتغير ظروف كل عصر، مما ينعكس على تصرفات الوالدين فينسى بعض الآباء أنهم كانوا أطفالا يتذمرون من أوامر الآباء، ويغيب عن أذهان معظم الأبناء أنهم سيقفون يوما أمام أبنائهم يفرضون عليهم ما يرونه الأنسب لهم فيتذمرون، وبين نسيان الآباء وتذمر وعناد الأبناء تتسع الفجوة بين الأجيال وسط صراع وتوتر لا ينتهى طالما تضج الحياة بالمتغيرات التكنولوجية السريعة، والحل لسد هذه الفجوة تدبر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه).

وعلى ضوء تعاليم شريعتنا السمحة التى أوجدت لكل مشكلة مخرجا إيمانيا كان قرار تخصيص الأمم المتحدة أول يونيو من كل عام يوما عالميا للوالدين تأكيدا لدعم الإسلام لاستقرار الأسرة والاعتراف بجميل صانعى الأجيال، ومن منظور دينى سبق الإسلام القوانين والقرارات الوضعية فى ذلك، يوضح جانبا منها الشيخ عمر البسطويسى من علماء الأزهر الشريف.


يقول البسطويسى: إن القرآن الكريم ينص على ضرورة تقدير واحترام ومراعاة الوالدين وخاصة فى الكبر قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا)، والله سبحانه الخالق والآمر والناهى يعظم حقوق العباد وهذه الوصية تقول للأبناء إن الوالدين هما السبب فى وجود الأبناء وطاعتهما حق وفرض، وأوصت السنة النبوية الشريفة الآباء بالأبناء بدءا من اختيار الزوجة وأسماء الأبناء مرورا بحسن تربيتهم بالصبر واللين والرحمة، وفى هذا العصر يواجه المجتمع مشكلات عديدة من تربية الأبناء بالصرامة الشديدة أو الإهمال والتدليل المفرط فتتسبب هذه التربية فى كثير من المفاسد التى تزيد الفجوة بين جيل الآباء والأبناء حتى أصبح كل منهم لا يتحمل ولا يفهم الآخر، وعندما نتدبر القرآن الكريم ونعمل بالسنة الشريفة نجد الحل فى التربية الإيمانية فأعظم ما فرضه الله علينا تجاه نعمة الذرية تربيتها ومعاهدتها بما يصلحها فى الدنيا والآخرة، فالابن أمانة عند والديه قابل لكل نقش فإن تعود الخير نشأ عليه وسعد أبواه فى الدنيا والآخرة، وإن تعود الشر شقى وهلك وكان الوزر فى رقبة القيم عليه.


ويؤكد: تربية الأبناء من أفضل الأعمال والقربات فهى دعوة وتعليم ونصح وإرشاد وقدوة ونفع للفرد والمجتمع وكانت هذه مهمة الأنبياء والرسل، أما انعدام التربية يدفع الأبناء للوقوع فى المحرمات ومنها عقوق الوالدين وقطع الأرحام لعدم فهم مقاصد الزواج ومسئولية الراعى تجاه الرعية إما جهلا أو انشغالا، ولنا فى الأنبياء قدوة حسنة فى التربية فكان إسماعيل عليه السلام يأمر أهله بالصلاة التى تنهى عن الفحشاء والزكاة التى تطهر المال، ويعقوب عليه السلام ربى أبناءه على الحوار واطلاع الأب على كل المستجدات التى تطرأ على حياة الأبناء ليمدهم بخبرته وأيضا الأخذ بالحيطة من كيد الأعداء والعدل بين الأبناء وتنمية طموحاتهم قال تعالى: (لقد كان فى يوسف وإخوته آيات للسائلين)، ومن توجيهات لقمان عليه السلام لابنه بر الوالدين وشكر الله ومراقبته والصبر والتحذير من الكبر والقصد فى المشى والكلام، كما حثت السنة النبوية الشريفة على عدم اتخاذ القرارات مع الأبناء تحت وطأة الغضب، وأن سلوكيات الأبناء الخاطئة وراءها تصرفات غير مسئولة من الآباء، وأن يسلك الوالدان نهجا مشتركا لتربية الأبناء عملا بالحكمة القائلة (لاعب ولدك سبعا وأدبه سبعا وراقبه سبعا ثم اترك حبله على غاربه) وذلك لإعداد شباب يواجه المستجدات المعاصرة من الأفكار والرغبات والتحديات التى تحتاج إلى جهود مكثفة للتوعية والفهم من جانب الأبناء.


ويستكمل: ردم الفجوة بين جيل الآباء والأبناء يكمن فى عودة الثقافة النقاشية للمجادلة بالتى هى أحسن، والتخلى عن الانتقاد السلبى للأبناء الذى يولد العناد وجمود العواطف والخوف وليس الاحترام من الأبناء للآباء الذين يعلنون أحيانا اليأس من إصلاح حال الأبناء فيفتقد الأبناء بالتالى قدوة الآباء، ومن الحلول الإيمانية أيضا الشورى واحترام آراء جميع أفراد الأسرة للوصول إلى حلول مرضية وسط جلسات يسودها الحب والصداقة فتتقارب الأجيال عندما يدرك الآباء أنهم يصنعون أمة كاملة ويتفهم الأبناء أن وطنهم فى حاجة إلى سواعدهم المنتجة وسلوكياتهم الإيمانية لاستكمال مسيرة التنمية التى تحتاج إلى تعويد الأبناء منذ الصغر على سلوك الاقتصاد العائلى بعادات بسيطة ولكنها هامة لتكون سلوك حياة ومنها استيقاظ الوالدين مبكرا مع الأبناء للتعود على قيمة الوقت بالاقتصاد بين العمل والراحة والنوم، والاجتماع على مائدة الطعام لاحترام النعمة وبركتها، وتعاون الأسرة فى أعمال المنزل لتوفير الجهد وتحمل المسئولية، ومشاركة الأبناء فى عمليات الشراء.