البستان

الهروب من الذاكرة لأبراهيم عبد المجيد

أبراهيم عبد المجيد
أبراهيم عبد المجيد

-1-

لم‭ ‬يكن‭ ‬صعبا‭ ‬علي‭ ‬عامر‭ ‬سرحان‭ ‬صديق‭ ‬سمير‭ ‬التايه‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬وللبني‭ ‬مكانا‭. ‬أخبرهما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مصيفا‭ ‬صغيرا‭ ‬به‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شقة‭ ‬يخص‭ ‬مديرية‭ ‬الثقافة‭ ‬يتم‭ ‬استخدامه‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يونيو،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يفتحه‭ ‬لهما‭ ‬يوما‭ ‬أو‭ ‬يومين‭ ‬حتي‭ ‬يجد‭ ‬لهما‭ ‬شقة‭ ‬عند‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭. ‬لم‭ ‬يستغرق‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬ترك‭ ‬خلالها‭ ‬سمير‭ ‬ولبني‭ ‬حقيبتهما‭ ‬في‭ ‬الشقة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وعادا‭ ‬معه‭ ‬ليشاهدوا‭ ‬معا‭ ‬عرضا‭ ‬غنائيا‭ ‬علي‭ ‬مسرح‭ ‬قصر‭ ‬الثقافة‭ ‬كتبه‭ ‬ويؤديه‭ ‬شباب‭ ‬المدينة‭. ‬كان‭ ‬العرض‭ ‬قصيرا‭ ‬انتهي‭ ‬بسرعة‭. ‬استمتعا‭ ‬بالأغاني‭ ‬والرقص‭ ‬مع‭ ‬العدد‭ ‬القليل‭ ‬الحاضر،‭ ‬وبالشباب‭ ‬الجميل‭ ‬من‭ ‬الفتيان‭ ‬والفتيات‭ ‬علي‭ ‬المسرح‭. ‬أعجب‭ ‬سمير‭ ‬أن‭ ‬الفتيات‭ ‬كن‭ ‬صغيرات‭ ‬السن‭ ‬وغير‭ ‬متحجبات‭. ‬ذهب‭ ‬سمير‭ ‬ولبني‭ ‬ليجلسا‭ ‬مع‭ ‬عامر‭ ‬سرحان‭ ‬في‭ ‬إحدي‭ ‬المقاهي‭. ‬سأله‭ ‬سمير‭ ‬عن‭ ‬الشواطئ‭ ‬هنا‭. ‬أخبره‭ ‬عامر‭ ‬عن‭ ‬شاطئ‭ ‬كليوباترا‭ ‬وشاطئ‭ ‬عجيبة،‭ ‬وحذره‭ ‬من‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬شاطئ‭ ‬عجيبة،‭ ‬فهو‭ ‬عميق‭ ‬ومياهه‭ ‬غادرة،‭ ‬وكذلك‭ ‬حدثه‭ ‬عن‭ ‬شاطئ‭ ‬ليلي‭ ‬مراد،‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬اسمها‭ ‬من‭ ‬وقفتها‭ ‬تغني‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬‭ ‬شاطئ‭ ‬الغرام‮»‬‭. ‬أخبره‭ ‬بأسماء‭ ‬شواطئ‭ ‬كثيرة‭ ‬لم‭ ‬يهتم‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬منها‭ ‬غير‭ ‬ماذاعت‭ ‬شهرته‭ ‬وكان‭ ‬يسمع‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬انتهت‭ ‬جلستهم‭ ‬التي‭ ‬عرف‭ ‬فيها‭ ‬عامر‭ ‬من‭ ‬سمير‭ ‬التايه،‭ ‬أن‭ ‬لبني‭ ‬زوجته‭ ‬قد‭ ‬نسيت‭ ‬بطاقتها‭ ‬الشخصية‭ ‬بالقاهرة‭. ‬لقد‭ ‬أجل‭ ‬سمير‭ ‬التايه‭ ‬اعترافه‭ ‬له‭ ‬بما‭ ‬يريدان‭ ‬من‭ ‬هرب‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭ ‬للقاء‭ ‬آخر‭. ‬

عاد‭ ‬سمير‭ ‬ولبني‭ ‬إلي‭ ‬الشقة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬غرفتين،‭ ‬بكل‭ ‬غرفة‭ ‬سرير‭ ‬عريض‭ ‬ودولاب‭ ‬صغير،‭ ‬وفي‭ ‬الصالة‭ ‬ترابيزة‭ ‬سفرة‭ ‬صغيرة‭ ‬حولها‭ ‬ست‭ ‬مقاعد،‭ ‬ومطبخ‭ ‬صغير‭ ‬مجهز‭ ‬وحمّام‭. ‬سألها‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬ان‭ ‬نذهب‭ ‬الآن‭ ‬إلي‭ ‬حمام‭ ‬كليوباترا؟

نظرت‭ ‬إليه‭ ‬مندهشة‭. ‬قالت‭:‬

‭- ‬هل‭ ‬المكان‭ ‬مفتوح‭ ‬بالليل‭ ‬وفي‭ ‬رمضان؟

‭-  ‬وحتي‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬مغلقا‭ ‬وهناك‭ ‬حارس‭ ‬له‭ ‬فكل‭ ‬شيئ‭ ‬يمكن‭ ‬فتحه‭ ‬بالفلوس‭.‬

‭- ‬لكننا‭ ‬لن‭ ‬نري‭ ‬شيئا‭.‬

‭- ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬شيئ‭ ‬يُري‭. ‬هو‭ ‬كهف‭ ‬صغير‭ ‬كما‭ ‬شرح‭ ‬لنا‭ ‬عامر،‭ ‬يقال‭ ‬أن‭ ‬كليوباترا‭ ‬كانت‭ ‬تستحم‭ ‬فيه‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬تأتي‭ ‬هنا‭ ‬وهي‭ ‬تحكم‭ ‬مصر‭.‬

‭- ‬طيب‭ ‬وماذا‭ ‬سنفعل؟‭ ‬

‭- ‬سنفعل‭ ‬مالا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يفعله‭ ‬عاقل‭. ‬سنستحم‭ ‬فيه‭. ‬

‭- ‬أنت‭ ‬مجنون‭ ‬ياسمير‭. ‬نستحم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭. ‬نحن‭ ‬لن‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬ذلك‭ ‬بالنهار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬البارد‭. ‬

‭- ‬طبعا‭ ‬مجنون‭ .‬أنتِ‭ ‬قلتِ‭ ‬لي‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نفعل‭ ‬غير‭ ‬الجنون‭. ‬

‭- ‬وكيف‭ ‬استحم؟‭ ‬بملابسي‭.‬

‭- ‬بمايوه‭. ‬سنترك‭ ‬الشقة‭ ‬ونشتري‭ ‬مايوه‭ ‬لكِ،‭ ‬وشورت‭ ‬لي،‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬محل‭ ‬ونذهب‭. ‬

‭- ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اشترينا‭ ‬المايوه‭ ‬سنحتاج‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬لأرتديه‭ ‬تحت‭ ‬ثيابي‭.‬

‭- ‬سنعود‭ ‬ترتديه‭ ‬ثم‭ ‬نخرج‭. ‬هيا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتصف‭ ‬الليل‭. ‬

ساعة‭ ‬وكانا‭ ‬داخل‭ ‬حمام‭ ‬كليوباترا‭. ‬لم‭ ‬يجدا‭ ‬حارسا‭ ‬له‭ ‬ولم‭ ‬يمنعهما‭ ‬أحد‭. ‬المحافظة‭ ‬جعلت‭ ‬الطريق‭ ‬إليه‭ ‬فوق‭ ‬ممشي‭ ‬زجاجي‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬غيرهما‭ ‬يمشيان‭ ‬الآن‭. ‬الساعة‭ ‬تجاوزت‭ ‬الواحدة‭ ‬صباحا‭ ‬والبرد‭ ‬يشتد،‭ ‬وصوت‭ ‬الموج‭ ‬الهادر‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬يصل‭ ‬إليهما‭. ‬بل‭ ‬يريان‭ ‬نهاية‭ ‬الأمواج‭ ‬البيضاء‭ ‬حين‭ ‬تصل‭ ‬إلي‭ ‬الشاطئ،‭ ‬ولايريان‭ ‬الأمواج‭ ‬نفسها‭ ‬وهي‭ ‬قادمة‭. ‬

‭- ‬أوووووه‭ ‬الجو‭ ‬بارد‭.‬

قالت‭ ‬لبني‭ ‬ذلك‭ ‬وهي‭ ‬ترتعد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خلعت‭ ‬ثياباها‭ ‬وأصبحت‭ ‬بالمايوه‭. ‬نظر‭ ‬إليها‭   ‬وقال‭:‬

‭- ‬ويقولون‭ ‬ممشي‭ ‬زجاجي‭! ‬جسدك‭ ‬هو‭ ‬الزجاجي‭ ‬تظهر‭ ‬فيه‭ ‬الثعابين‭ ‬والأسود‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬الماء‭.‬

واحتضنها‭ ‬وهو‭ ‬يخلع‭ ‬ملابسه‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬تضحك‭ ‬ويقول‭:‬

‭- ‬ننزل‭ ‬الماء‭. ‬الماء‭ ‬البارد‭ ‬أفضل‭ ‬مصدر‭ ‬للدفئ‭.‬

قفزت‭ ‬إلي‭ ‬الماء‭ ‬وقفز‭ ‬بعدها‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬ترتعش‭. ‬ارتفاع‭ ‬الماء‭ ‬ليس‭ ‬كبيرا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬أو‭ ‬تسبح‭ ‬مطمئنة‭. ‬المكان‭ ‬صغير‭. ‬ظلت‭ ‬ترتعش‭ ‬أمامه‭ ‬من‭ ‬البرد،‭ ‬فاحتضنها‭ ‬يرتعش‭ ‬أيضا‭.‬

‭- ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬نفعله‭ ‬ياسمير؟‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬القبض‭ ‬علينا‭.‬

‭- ‬من‭ ‬المجنون‭ ‬الذي‭ ‬سيأتي‭ ‬إلي‭ ‬هنا‭ ‬الآن‭. ‬

وصار‭ ‬يسبح‭ ‬أمامها‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الضيق،‭ ‬ذاهبا‭ ‬آيبا‭ ‬بسرعة‭ ‬ويقول‭:‬

‭- ‬افعلي‭ ‬مثلي‭. ‬سيغمرك‭ ‬الدفئ‭.‬

راحت‭ ‬تفعل‭ ‬مثله‭ ‬وتضحك‭ ‬حتي‭ ‬اصططدما‭ ‬ببعضهما‭ ‬فاحتضنها‭ ‬قائلا‭:‬

‭- ‬أنا‭ ‬دفيان‭ ‬جدا‭.‬

‭- ‬وأنا‭ ‬كمان‭.‬

‭- ‬طيب‭ ‬اخلعي‭ ‬المايوه‭.‬

‭ - ‬يخرب‭ ‬بيتك‭ ‬انتظر‭ ‬حتى‭ ‬نعود‭ ‬للشقة‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬كليوباترا‭ ‬تأتي‭ ‬هنا‭ ‬بدون‭ ‬أنطونيو؟‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬انطونيو‭ ‬ينتظر‭ ‬العودة‭ ‬إلي‭ ‬القصر؟

وراح‭ ‬يخلع‭ ‬هو‭ ‬عنها‭ ‬المايوه‭ ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬يامجنون،‭ ‬وتقاوم‭ ‬بدلع‭ ‬حتي‭ ‬صارت‭ ‬عارية‭. ‬ألقي‭ ‬بالمايوه‭ ‬علي‭ ‬الصخر‭ ‬القريب‭ ‬وخلع‭ ‬الشورت‭ ‬الذي‭ ‬يرتديه‭ ‬أيضا‭. ‬جعلها‭ ‬أمامه‭ ‬وسط‭ ‬الماء،‭ ‬ثم‭ ‬حملها‭ ‬من‭ ‬وسطها‭ ‬فاحاطته‭ ‬بساقيها،‭ ‬وراح‭ ‬يمارس‭ ‬معها‭ ‬شهوته‭ ‬وهي‭ ‬تتأوه‭ ‬صارخة‭.‬

‭- ‬لماذ‭ ‬أشعر‭ ‬أني‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬رجالا‭ ‬قبلك‭ ‬ياسمير؟

‭- ‬ولن‭ ‬تعرفي‭ ‬بعدي‭ ‬يالبني‭. ‬أصبري‭. ‬أنا‭ ‬كلما‭ ‬مارست‭ ‬الجنس‭ ‬احتجت‭ ‬إليه‭.‬

انتهيا‭ ‬وخرجا‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬يلقيان‭ ‬بنفسيهما‭ ‬على‭ ‬الصخور‭ ‬متجاورين‭. ‬قال‭:‬

‭- ‬بقيت‭ ‬لنا‭ ‬ليلة‭ ‬في‭ ‬متحف‭ ‬روميل‭.‬

‭- ‬ماذا‭ ‬تقصد؟

‭ - ‬روميل‭ ‬قائد‭ ‬قوات‭ ‬المحور‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العاليمة‭ ‬الثانية،‭ ‬له‭ ‬متحف‭ ‬هنا‭ ‬بين‭ ‬الصخور‭ ‬أيضا‭.‬

‭- ‬هل‭ ‬هو‭ ‬وسط‭ ‬الماء؟

‭- ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬متحف‭. ‬متحف‭ ‬به‭ ‬بالطو‭ ‬قديم‭ ‬له،‭ ‬وبعض‭ ‬الأشياء‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تخصه‭. ‬كان‭ ‬روميل‭ ‬يجلس‭ ‬فيه‭ ‬يتابع‭ ‬معاركه‭.‬

‭- ‬متحف‭ ‬إذن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬حارس‭.‬

‭- ‬قلت‭ ‬لكِ‭ ‬الفلوس‭ ‬سكة‭ ‬كل‭ ‬شيئ‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أجعله‭ ‬يعطيني‭ ‬المفتاح‭ ‬ويعود‭ ‬إلي‭ ‬البيت‭!‬

‭ ‬ثم‭ ‬ضحك‭ ‬قائلا‭:‬

‭- ‬دي‭ ‬مصر‭ ‬يالبني‭!‬

‭- ‬أنت‭ ‬مجنون‭ ‬حقا‭ ‬ياسمير‭. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬روميل‭.‬

‭- ‬إذا‭ ‬نمت‭ ‬معك‭ ‬في‭ ‬المتحف‭ ‬ستغمرني‭ ‬بركة‭ ‬روميل،‭ ‬وسأستطيع‭ ‬الهروب‭ ‬معك‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭. ‬أجل‭. ‬روميل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمت‭ ‬هزيمته‭ ‬من‭ ‬العلمين،‭ ‬عاد‭ ‬بمن‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬جنوده‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭ ‬ثم‭ ‬تونس،‭ ‬ومنها‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬إلي‭ ‬إيطاليا‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬مثله‭ ‬ببركته،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬فعلى‭ ‬الأقل‭ ‬نضمن‭ ‬الوصول‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭. ‬من‭ ‬هناك‭ ‬سيساعدنا‭ ‬الله‭ ‬لنصل‭ ‬الي‭ ‬تونس،‭ ‬ثم‭ ‬علي‭ ‬عبورالجزائر‭ ‬إلي‭ ‬المغرب‭ ‬ثم‭ ‬الأندلس‭.‬

‭- ‬لا‭ ‬أصدقك‭ ‬في‭ ‬شيي‭ ‬لكني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أرفض‭ ‬لك‭ ‬طلبا،‭ ‬ياروحي‭ ‬التي‭ ‬وجدتها‭ ‬بعد‭ ‬عشرسنوات‭ ‬مع‭ ‬تاجر‭ ‬الجواري‭ ‬المعفن‭.‬

ضحك‭ ‬وعادا‭ ‬إلي‭ ‬البيت‭ ‬وهو‭ ‬يفكر‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ما‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يفعله‭.‬

‭-------------‬

صارا‭ ‬يضحكان‭ ‬وهما‭ ‬ممددان‭ ‬جوار‭ ‬بعضهما‭ ‬علي‭ ‬السرير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استحما‭ ‬في‭ ‬الشقة‭. ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬بالشقة‭ ‬الصغيرة‭ ‬متسخة‭. ‬قال‭ ‬لها‭ :‬

‭- ‬لا‭ ‬تنظفي‭ ‬شيئا‭.‬

‭- ‬كيف‭ ‬سنجلس‭ ‬أو‭ ‬ننام؟

‭- ‬سنعيش‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬هي‭. ‬أمامنا‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭. ‬دعينا‭ ‬نتدرب‭ ‬علي‭ ‬القذارة‭.‬

‭ ‬ابتسمت‭ ‬تهز‭ ‬رأسها‭ ‬وتركت‭ ‬كل‭ ‬شيئ‭ ‬علي‭ ‬حاله‭. ‬لم‭ ‬يوافق‭ ‬حتي‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬ملاءة‭ ‬السرير‭ ‬المتسخة‭ ‬عنه‭. ‬قال‭ ‬لها‭.‬

‭- ‬سننام‭ ‬وسط‭ ‬الغبار‭. ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬نفّضي‭ ‬ملابسك،‭ ‬وأنا‭ ‬سانفّض‭ ‬ملابسي‭ ‬وخلاص‭.‬

قالت‭:‬

‭- ‬انت‭ ‬مجنون‭.‬

قال‭:‬

‭- ‬كم‭ ‬مرة‭ ‬قلتي‭ ‬لي‭ ‬ذلك‭. ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬تقولي‭ ‬أنت‭ ‬عاقل‭!‬

ضحكت‭ ‬وارتمت‭ ‬في‭ ‬حضنه،‭ ‬وجاءهما‭ ‬صوت‭ ‬المسحراتي‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬‮«‬اصحي‭ ‬يانايم‭ ‬وحد‭ ‬الدايم‭. ‬رمضان‭ ‬كريم‮»‬

وقفت‭ ‬وقالت‭:‬

‭- ‬سأنام‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬الثانية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تفسد‭ ‬صيامي‭.‬

ضحك‭. ‬قال‭ ‬لها‭:‬

‭- ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬الشقة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ونمشي‭ ‬قليلا‭ ‬مع‭ ‬المسحراتي،‭ ‬نري‭ ‬المدينة‭ ‬وهي‭ ‬خالية‭ ‬تماما؟

‭- ‬لقد‭ ‬عدنا‭ ‬وهي‭ ‬خالية‭. ‬هل‭ ‬نسيت‭ ‬بسرعة؟

‭- ‬لا‭. ‬قابلنا‭ ‬رجلين‭ ‬يمشيان‭. ‬الآن‭ ‬ستكون‭ ‬خالية‭ ‬تماما‭.‬

‭- ‬والنوم‭ ‬الذي‭ ‬يغالبني؟

‭- ‬ننام‭ ‬بالنهار‭.‬

فكرت‭ ‬لحظة‭ ‬ثم‭ ‬قالت‭:‬

‭- ‬طيب‭ ‬ننزل‭ ‬بعد‭ ‬أذان‭ ‬الفجر‭. ‬

هتف‭ ‬فرحا‭:‬

‭- ‬الله‭ ‬عليكِ‭ . ‬نري‭ ‬النهار‭ ‬وحدنا‭ ‬وهو‭ ‬يطل‭ ‬علي‭ ‬الدنيا‭.‬

‭- ‬موافقة‭. ‬المهم‭ ‬اتركني‭ ‬آكل‭.‬

‭- ‬لم‭ ‬نشتري‭ ‬سحورا‭.‬

‭- ‬معي‭ ‬كرواسون‭ ‬وبسكويت‭ ‬وعلبة‭ ‬جبنة‭ ‬نستو‭ ‬اشتريتها‭ ‬حين‭ ‬خرجت‭ ‬مرة‭ ‬أثناء‭ ‬العرض‭ ‬الغنائي‭. ‬كنت‭ ‬أخشي‭ ‬أن‭ ‬أنسي‭.‬

‭- ‬كلي‭ ‬واشربي‭ ‬وقرّي‭ ‬عينا‭ ‬يا‭ ‬ابنة‭ ‬الرب‭.‬

‭- ‬نظرت‭ ‬إليه‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الفهم‭.‬

‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬انت‭ ‬إلهة‭ ‬صغيرة‭ ‬وأنا‭ ‬خادمك‭.‬

‭ ‬بينما‭ ‬جلست‭ ‬تأكل‭ ‬على‭ ‬ترابيزة‭ ‬السفرة‭ ‬المتسخة،‭ ‬لم‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تمنع‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬الابتسام‭ ‬لأنه‭ ‬اقنعها‭ ‬بعدم‭ ‬تنظيف‭ ‬المكان‭. ‬كان‭ ‬هو‭ ‬يري‭ ‬نفسه‭ ‬جالسا‭ ‬معها‭ ‬وحدهما‭ ‬علي‭ ‬الشاطئ‭. ‬ضوء‭ ‬الصباح‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الشرق‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬ولم‭ ‬تظهر‭ ‬الشمس‭ ‬بعد‭. ‬البحر‭ ‬يمتد‭ ‬أمامه‭ ‬يسمع‭ ‬هدير‭ ‬أمواجه‭ ‬منتظما‭ ‬كأنما‭ ‬هي‭ ‬مهمة‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭. ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬لو‭ ‬ظهرت‭ ‬لهما‭ ‬سفينة‭ ‬صغيرة‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬الشاطئ،‭ ‬ونزل‭ ‬منها‭ ‬رجل‭ ‬عاري‭ ‬إلا‭ ‬مما‭ ‬يستر‭ ‬عورته،‭ ‬وقال‭ ‬لهما‭ ‬‮«‬‭ ‬اركبا‭ ‬معي،‭ ‬لقد‭ ‬جئت‭ ‬لأنقلكما‭ ‬إلي‭ ‬بلاد‭ ‬الأحلام‭ ‬‮«‬‭. ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬أنه‭ ‬روبنسون‭ ‬كروزو‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعيش‭ ‬ويتنقل‭ ‬بين‭ ‬غابات‭ ‬العالم،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬قصة‭ ‬وانتهت‭ ‬بالنشر،‭ ‬ولا‭ ‬بتحويلها‭ ‬إلي‭ ‬فيلم‭ ‬سينما‭. ‬إنه‭ ‬روبنسون‭ ‬الحقيقي‭ ‬المنذور‭ ‬لانقاذ‭ ‬البؤساء‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬الفرار‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ماداموا‭ ‬لايستطيعون‭ ‬تغييره‭. ‬يركبان‭ ‬ويريانه‭ ‬يدفع‭ ‬السفينة‭ ‬بيديه‭ ‬وتتباعد‭ ‬في‭ ‬الماء‭. ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يدفعها‭ ‬وحده،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬سفينة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬قاربا‭ ‬ولا‭ ‬زورقا‭. ‬ثم‭ ‬يُسرع‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬جاريا،‭ ‬ثم‭ ‬سابحا‭ ‬المسافة‭ ‬القلية‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلي‭ ‬السفينة،‭ ‬فيلقي‭ ‬إليه‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬سطحها‭ ‬بحبل‭. ‬ينظر‭ ‬سمير‭ ‬فيراها‭ ‬فتاة‭ ‬جميلة‭ ‬يعرف‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنها‭ ‬شهرزاد‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬لتكتب‭ ‬حكايته‭ ‬ولبني‭ ‬تكمل‭ ‬بها‭ ‬الألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‭ ‬بليلة‭ ‬أخري‭. ‬كم‭ ‬هي‭ ‬جميلة‭ ‬شهرزاد‭ ‬ترتدي‭ ‬ثياب‭ ‬الآلهات‭ ‬اليونانيات‭ ‬التي‭ ‬تشف‭ ‬عن‭ ‬جسد‭ ‬قوي،‭ ‬وثديين‭ ‬ناضجين‭ ‬يعلنان‭ ‬للدنيا‭ ‬عن‭ ‬قوتهما،‭ ‬ولا‭ ‬يحملهما‭ ‬أىّ‭ ‬مشد‭ ‬للصدر‭ ‬أو‭ ‬سوتيان‭. ‬تترك‭ ‬شعرها‭ ‬خلفها‭ ‬يطيّره‭ ‬هواء‭ ‬البحر‭. ‬تقول‭ ‬له‭ ‬إذ‭ ‬تراه‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تندهش‭. ‬لست‭ ‬وحدي‭. ‬هذه‭ ‬سفينة‭ ‬الجَمال‭. ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬عشر‭ ‬نساء‭. ‬لقد‭ ‬أخذناهن‭ ‬من‭ ‬شواطئ‭ ‬بلادهن‭ ‬لنصل‭ ‬بهن‭ ‬إلي‭ ‬الجنة‭ ‬التي‭ ‬يردنها،‭ ‬لكنهن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رأين‭ ‬كرمنا‭ ‬أنا‭ ‬وروبنسون،‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ندفع‭ ‬حياتنا‭ ‬ثمنا‭ ‬لهن،‭ ‬رفضن‭ ‬النزول‭ ‬وفضلن‭ ‬البقاء‭ ‬معنا‭. ‬أقنعننا‭ ‬أن‭ ‬نظل‭ ‬ندور‭ ‬على‭ ‬الشواطئ‭ ‬نجمع‭ ‬البائسات،‭ ‬ونصل‭ ‬بهن‭ ‬إلي‭ ‬شوائطهن‭ ‬التي‭ ‬يردنها،‭ ‬فتنزل‭ ‬من‭ ‬تنزل،‭ ‬وترفض‭ ‬من‭ ‬ترفض‭ ‬وتفضل‭ ‬البقاء‭. ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬فضلن‭ ‬البقاء‭ ‬حتي‭ ‬الآن‭ ‬عشر‭ ‬نساء‮»‬‭ ‬سألها‭ ‬كيف‭ ‬تقودان‭ ‬السفينة‭ ‬وليس‭ ‬معكما‭ ‬بحارة،‭ ‬فقالت‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬سر‭ ‬الموعودين‭. ‬لا‭ ‬تتخيل‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬يعيش‭ ‬بالقديسين‭ ‬فقط‭. ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬القديسين‭ ‬كرامات‭ ‬عالية‭ ‬يعطي‭ ‬الأشقياء‭. ‬لقد‭ ‬احتجت‭ ‬إلي‭ ‬ألف‭ ‬حكاية‭ ‬وحكاية‭ ‬حتي‭ ‬لا‭ ‬يقتلني‭ ‬شهريار،‭ ‬واحتاج‭ ‬روبنسون‭ ‬إلي‭ ‬سنوات‭ ‬ليعود‭ ‬إلي‭ ‬الوطن‭. ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬شقاء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭. ‬أنا‭ ‬المرأة‭ ‬جعل‭ ‬الله‭ ‬النجاة‭ ‬في‭ ‬لساني،‭ ‬وهو‭ ‬الرجل‭ ‬جعل‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬قوته‭. ‬الله‭ ‬هو‭ ‬الأدري‭ ‬بقدرات‭ ‬البشر‭. ‬

‭ ‬اسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬إجاباتها،‭ ‬لكنها‭ ‬استبقته‭ ‬وقالت‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يري‭ ‬السفينة‭ ‬حين‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬السواحل‭. ‬هما‭ ‬يستطيعان‭ ‬أن‭ ‬يدخلا‭ ‬المواني‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يري‭ ‬السفينة‭ ‬أحد،‭ ‬لكنهما‭ ‬يخشيان‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الميزة‭ ‬قد‭ ‬فازت‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬معهما،‭ ‬فيتم‭ ‬القبض‭ ‬عليهن‭ ‬جميعا‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بينهن‭ ‬تعيسة‭ ‬حظ‭ ‬تستمر‭ ‬تعاسة‭ ‬الحظ‭ ‬معها‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا‭. ‬إنهما‭ ‬يتركان‭ ‬للزمن‭ ‬فرصة‭ ‬تنقية‭ ‬الروح‭ ‬مما‭ ‬شابها‭ ‬من‭ ‬تعاسة‭. ‬أنت‭ ‬أول‭ ‬رجل‭ ‬نلتقطه‭ ‬الآن‭ ‬والذي‭ ‬يشفع‭ ‬لك‭ ‬هو‭ ‬حبيبتك‭. ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬تهرب‭ ‬منه‭ ‬النساء‭ ‬قاتل‭. ‬كيف‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كذلك‭. ‬كيف‭ ‬توافقون‭ ‬أن‭ ‬تهرب‭ ‬منكم‭ ‬النساء‭. ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تستمعون‭ ‬إلي‭ ‬حكايات‭ ‬منهن،‭ ‬فتفوزون‭ ‬بملايين‭ ‬الليالي‭ ‬تعمر‭ ‬حياتكم‭ ‬الخربة؟‭ ‬وحين‭ ‬ضربت‭ ‬السفينة‭ ‬أمواج‭ ‬عالية‭ ‬قالت‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬تخف،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬الموج‭ ‬فهو‭ ‬يهدهد‭ ‬سفينتنا‭ ‬علي‭ ‬صدرها‭. ‬لكن‭ ‬قل‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جعلك‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬لبني؟‭ ‬وقف‭ ‬حائرا‭. ‬تُردد‭ ‬اسمها‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭. ‬هل‭ ‬يقول‭ ‬لها‭ ‬الحقيقة‭. ‬هو‭ ‬لايعرف‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬قبّلها‭ ‬أحس‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬وأن‭ ‬القبلة‭ ‬ذكرته‭ ‬بقبلته‭ ‬لنور‭ ‬التي‭ ‬شعر‭ ‬بها‭ ‬بنفس‭ ‬الشعور‭. ‬لقد‭ ‬تركت‭ ‬نور‭ ‬البلاد‭ ‬ورحلت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعطته‭ ‬قبلتها‭ ‬التي‭ ‬عزلته‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭ ‬لا‭ ‬يراها،‭ ‬ولا‭ ‬يشعر‭ ‬فيها‭ ‬بطعم‭ ‬أي‭ ‬شيئ‭ ‬غير‭ ‬القبلة‭. ‬تردد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬حتي‭ ‬جاءت‭ ‬القبلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مثل‭ ‬نذير‭ ‬بالشر‭ ‬إذا‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬أو‭ ‬بشير‭ ‬بالخير‭ ‬إذا‭ ‬رحل‭. ‬قالت‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬نور‭ ‬لم‭ ‬تذهب‭ ‬إلي‭ ‬قارة‭ ‬أخري‭. ‬هي‭ ‬معنا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬السفينة،‭ ‬وكانت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬التقطناه‭ ‬من‭ ‬شاطئ‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭ ‬

هنا‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬الخيال‭ ‬إذ‭ ‬سمع‭ ‬لبني‭ ‬تقول‭:‬

‭- ‬هيا‭ ‬بنا‭. ‬أكلت‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭. ‬لا‭ ‬تقترب‭ ‬مني‭ ‬حتى‭ ‬أكمل‭ ‬الصوم‭.‬

‭>>>‬

غادر‭ ‬معها‭ ‬الشقة‭ ‬شاردا‭. ‬فكر‭ ‬بالفعل‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يخرج،‭ ‬وفكر‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬إلي‭ ‬الشاطئ‭ ‬لعله‭ ‬يجد‭ ‬السفينة‭. ‬لكنه‭ ‬لن‭ ‬يجدها‭. ‬لقد‭ ‬أعادته‭ ‬لبني‭ ‬إلي‭ ‬الواقع‭ ‬حوله‭. ‬أمامه‭ ‬عمل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عمن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬بهما‭ ‬الحدود‭. ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬فيه‭ ‬الله‭ ‬قوة‭ ‬السباحة‭ ‬الخارقة‭ ‬هو‭ ‬ولبني،‭ ‬فيعبران‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭ ‬ويعيشان‭ ‬مع‭ ‬الأسماك‭ ‬حتي‭ ‬يصلا‭ ‬إلي‭ ‬شواطئ‭ ‬الأحلام‭. ‬مشي‭ ‬معها‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلي‭ ‬الشاطئ‭ . ‬كل‭ ‬المحلات‭ ‬مغلقة‭. ‬كل‭ ‬المقاهي‭. ‬كل‭ ‬المطاعم‭. ‬أعداد‭ ‬قليلة‭ ‬تقابلهما‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬مساجد‭ ‬متباعدة،‭ ‬تسرع‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬إلي‭ ‬بيوتها‭ ‬وسط‭ ‬البرد‭. ‬هما‭ ‬يمشيان‭ ‬علي‭ ‬مهل‭. ‬هو‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولبني‭ ‬تفعل‭ ‬مثله‭. ‬هل‭ ‬حقا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬له‭ ‬سفينة،‭ ‬أم‭ ‬سيكون‭ ‬أقصي‭ ‬حظه‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬مع‭ ‬لبني،‭ ‬ويفسد‭ ‬صيامها‭ ‬كالعادة‭ ‬بالجنس‭ ‬الذي‭ ‬مهما‭ ‬ترددت‭ ‬فيه‭ ‬تُقدم‭ ‬عليه؟‭ ‬ابتسم‭ ‬وأدرك‭ ‬ان‭ ‬ابتسامته‭ ‬عودة‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬إلي‭ ‬الواقع‭ ‬المسحور‭. ‬كلما‭ ‬اقترب‭ ‬كان‭ ‬هواء‭ ‬البحر‭ ‬يزداد‭ ‬قوة‭ ‬حتي‭ ‬صارا‭ ‬يسرعان،‭ ‬يميلان‭ ‬بوجهيهما‭ ‬يمينا‭ ‬ويسارا‭ ‬كأنما‭ ‬يتفاديان‭ ‬صفعات‭ ‬الهواء‭ ‬الباردة‭. ‬قالت‭:‬

‭- ‬نرجع‭ ‬أفضل‭. ‬ربما‭ ‬تمطر‭ ‬أيضا‭. ‬السماء‭ ‬سوداء‭ ‬بالسحب‭. ‬

‭- ‬لا‭. ‬أسرعي‭. ‬حين‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬سيتسع‭ ‬الفضاء‭ ‬وستقل‭ ‬قوة‭ ‬الهواء‭. ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نري‭ ‬بدايات‭ ‬للنهار‭.‬

أسرعت‭ ‬خلفه‭ ‬حتي‭ ‬وصلا‭ ‬إلى‭ ‬الشاطئ‭. ‬لا‭ ‬أماكن‭ ‬لكافتيريات‭. ‬عادة‭ ‬تكون‭ ‬صيفا‭. ‬لا‭ ‬مقاعد‭ ‬ملمومة‭ ‬ولا‭ ‬مصفوفة‭ ‬على‭ ‬الرمال‭. ‬حتي‭ ‬الدُش‭ ‬الذي‭ ‬يستحم‭  ‬تحته‭ ‬المصيفون‭ ‬على‭ ‬الشاطئ،‭ ‬مكسور‭ ‬الصنبور‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬ومُغلق‭ ‬طرفاه‭ ‬بإحكام‭. ‬لاشيئ‭ ‬غير‭ ‬الرمال‭.‬

‭- ‬أجلسي‭.‬

وسقط‭ ‬على‭ ‬الرمل‭ ‬بسرعة،‭ ‬بينما‭ ‬صرخت‭ ‬هي‭ ‬إذ‭ ‬رأت‭ ‬سلحفاة‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الرمال،‭ ‬وتمشي‭ ‬علي‭ ‬مهل‭ ‬متجهة‭ ‬إلي‭ ‬الماء‭. ‬ظلت‭ ‬تنظر‭ ‬إلي‭ ‬السلحفاة‭ ‬في‭ ‬عجب‭. ‬قال‭:‬

‭- ‬أجلسي‭. ‬قلقتي‭ ‬الست‭ ‬وهي‭ ‬راجعة‭ ‬لبيتها‭!‬

انتهت‭ ‬السلحفاة‭ ‬من‭ ‬الرمال‭ ‬الجافة،‭ ‬ومشت‭ ‬علي‭ ‬الرمال‭ ‬المبتلة‭ ‬بأثر‭ ‬الموج‭. ‬أقبل‭ ‬الموج‭ ‬واختفت‭ ‬معه‭. ‬رأوا‭ ‬شيئا‭ ‬أسود‭ ‬يتقلب‭ ‬داخله‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يُري‭. ‬جلست‭ ‬قريبة‭ ‬منه‭ ‬فأحاطها‭ ‬بذراعه‭ ‬قائلا‭:‬

‭- ‬أخافتك‭ ‬السلحفاة‭ ‬وكل‭ ‬الثعابين‭ ‬والأسود‭ ‬والسيوف‭ ‬تحملينها‭ ‬على‭ ‬جسدك؟

ابتسمت‭ ‬ثم‭ ‬أجابت‭:‬

‭-  ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬لكني‭ ‬الآن‭ ‬شاردة‭ ‬فيما‭ ‬فعلته‭. ‬كيف‭ ‬تعود‭ ‬السلحفاة‭ ‬إلي‭ ‬بيتها‭ ‬ونحن‭ ‬نترك‭ ‬بيوتنا؟

ارتبك‭. ‬قالت‭:‬

‭- ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬بيوتنا‭ ‬التي‭ ‬تركناها‭. ‬خانني‭ ‬التعبير‭. ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬لنا‭ ‬وطن‭ ‬لنعود‭ ‬إليه‭.‬

‭ ‬ووضعت‭ ‬رأسها‭ ‬في‭ ‬صدره‭ ‬وأجهشت‭ ‬بالبكاء‭. ‬

 

-2-

بعد‭ ‬الإفطار،‭ ‬وبعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬قضياها‭ ‬في‭ ‬الشقة‭ ‬السابقة،‭ ‬انتهي‭ ‬سمير‭ ‬التايه‭ ‬ولبني‭ ‬إلي‭ ‬شقة‭ ‬جديدة‭ ‬وفرها‭ ‬لهما‭ ‬عامر‭ ‬سرحان‭. ‬قال‭ ‬عامر‭:‬

‭- ‬صاحب‭ ‬الشقة‭ ‬زميل‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الإبداع‭ ‬بالإسكندرية،‭ ‬يترك‭ ‬معي‭ ‬مفتاحها‭ ‬لأقوم‭ ‬بتأجيرها‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الصيف،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬فيه‭. ‬هو‭ ‬عادة‭ ‬يأتي‭ ‬أسبوعا‭ ‬واحدا‭ ‬أو‭ ‬أسبوعين‭ ‬ويترك‭ ‬المفتاح‭ ‬معي‭ ‬طول‭ ‬العام‭. ‬

‭ ‬سأله‭ ‬سمير‭ ‬عن‭ ‬الأجرة‭ ‬فأجاب‭:‬

‭- ‬لا‭ ‬شيئ‭. ‬عرف‭ ‬أنك‭ ‬صديق‭ ‬لي‭ ‬فلم‭ ‬يطلب‭ ‬شيئا‭. ‬ثم‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬ندخل‭ ‬في‭ ‬الصيف‭ ‬بعد‭ ‬حيث‭ ‬ترتفع‭ ‬الأجور‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬هنا‭ ‬حتي‭ ‬منتصف‭ ‬يونيو‭ ‬إذا‭ ‬أحببت‭. ‬المصيفون‭ ‬يهلّون‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬يونيو،‭ ‬ثم‭ ‬يكون‭ ‬الهجوم‭ ‬الكبير‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬يوليو‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬حلا‭ ‬أفضل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لعامر‭ ‬حتي‭ ‬لا‭ ‬يقلق‭ ‬مديره‭ ‬من‭ ‬إنزاله‭ ‬لصديق‭ ‬له‭ ‬ومعه‭ ‬زوجته،‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬تابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬أشهر‭ ‬الصيف‭ ‬وقتا‭ ‬أطول‭ ‬وبالمجان‭. ‬ماحدث‭ ‬أمر‭ ‬استثنائي‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬أما‭ ‬وأن‭ ‬سمير‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬أياما‭ ‬أطول‭ ‬هنا،‭ ‬فالأفضل‭ ‬هو‭ ‬انتقاله‭ ‬بزوجته‭ ‬لبني‭ ‬إلي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭.‬

الشقة‭ ‬الأخري‭ ‬أوسع‭ ‬وأجمل‭. ‬وجد‭ ‬سمير‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬رغبة‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬عامر‭ ‬في‭ ‬أسراره‭. ‬ترك‭ ‬لبني‭ ‬في‭ ‬الشقة‭ ‬موافقا‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بتنظيفها‭ ‬حتي‭ ‬يجدا‭ ‬طريقة‭ ‬للهروب‭.  ‬الوقت‭ ‬سيطول‭. ‬من‭ ‬يدري‭ ‬ربما‭ ‬يمتنع‭ ‬المهربون‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬رمضان‭. ‬ونزل‭ ‬مع‭ ‬عامر‭ ‬من‭ ‬العمارة‭ ‬شبه‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬مما‭ ‬يشي‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬شققها‭ ‬للمصيف‭ ‬فقط‭. ‬قال‭:‬

‭- ‬هيا‭ ‬نجلس‭ ‬وحدنا‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭.  ‬

‭ ‬الشوارع‭ ‬عامرة‭ ‬بالحركة،‭ ‬والأضواء‭ ‬تشع‭ ‬حولهما‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬وأعمدة‭ ‬الإنارة‭ ‬والمحلات‭ ‬وشرفات‭ ‬المنازل‭. ‬أخذه‭ ‬عامر‭ ‬إلي‭ ‬مقهي‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬‭ ‬كليوباترا‮»‬‭ ‬مكتظ‭ ‬بالشباب‭ ‬والرجال‭ ‬وجلسا‭. ‬طلب‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة،‭ ‬وراح‭ ‬سمير‭ ‬يتأمل‭ ‬الجالسين‭. ‬لايبدو‭ ‬أن‭ ‬بينهم‭ ‬بدوا‭ ‬كثيرا‭. ‬أدرك‭ ‬عامر‭ ‬مايفكر‭ ‬فيه‭ ‬سمير‭ ‬وقال‭:‬

‭- ‬الآن‭ ‬مرسي‭ ‬مطروح‭ ‬مثل‭ ‬القاهرة،‭ ‬مليئة‭ ‬بأبناء‭ ‬الريف‭. ‬

فكر‭ ‬سمير‭ ‬قليلا‭ ‬وتساءل‭:‬

‭- ‬وهل‭ ‬بها‭ ‬أعمال‭ ‬تكفي‭ ‬الغرباء؟

سكت‭ ‬عامر‭ ‬قليلا‭ ‬وأجاب‭:‬

‭- ‬لقد‭ ‬قلوا‭. ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬كانوا‭ ‬أضعاف‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬هنا‭ ‬الآن‭. ‬كان‭ ‬تهريب‭ ‬البضائع‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬وإليها‭ ‬عملا‭ ‬شائعا‭. ‬وإلي‭ ‬ليبيا‭ ‬طبعا‭ ‬كانوا‭ ‬يهرِّبون‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬عمل‭.‬

سكت‭ ‬سمير‭. ‬عامر‭ ‬يدخل‭ ‬به‭ ‬إلي‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬شيئا‭ ‬عنها‭. ‬لقد‭ ‬جلس‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الثلاثة‭ ‬السابقة‭ ‬بالمقاهي‭ ‬مع‭ ‬لُبني‭. ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬صامتا‭ ‬يسترق‭ ‬السمع‭ ‬إلي‭ ‬الجالسين‭ ‬لعله‭ ‬يسمع‭ ‬أحدهم‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬ولم‭ ‬يتشجع‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬الأمر‭. ‬ولما‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬الفرصة‭ ‬تأخرت‭ ‬تحدث‭ ‬مع‭ ‬عامر‭ . ‬كان‭ ‬عامر‭ ‬يتأمله‭ ‬كثيرا‭ ‬بين‭ ‬لحظة‭ ‬وأخرى‭ ‬حتى‭ ‬قال‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬ياعامر‭. ‬أنا‭ ‬أريد‭ ‬الهرب‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭.‬

ابتسم‭ ‬عامر‭ ‬وبدا‭ ‬لم‭ ‬يندهش‭ ‬أو‭ ‬يُصدم‭ ‬فيما‭ ‬سمعه‭ ‬ثم‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬أعرف‭.‬

ارتبك‭ ‬سمير‭. ‬سأله‭.‬

‭- ‬كيف؟

‭- ‬أنت‭ ‬لست‭ ‬متزوجا‭ ‬ياسمير‭. ‬أنت‭ ‬هارب‭ ‬بلبني‭ ‬من‭ ‬زوجها‭. ‬

‭- ‬كيف‭ ‬عرفت؟

تساءل‭ ‬سمير‭ ‬بينما‭ ‬عيناه‭ ‬تتسعان‭ ‬بالدهشة‭ ‬والقلق‭. ‬أجاب‭ ‬عامر‭:‬

‭- ‬من‭ ‬أنور‭ ‬الغرباوي‭ ‬ناظر‭ ‬مدرستك‭.‬

سكت‭ ‬سمير‭ ‬مصدوما‭ ‬مما‭ ‬يسمع‭ ‬فقال‭ ‬عامر‭:‬

‭- ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أعرفه‭ ‬شخصيا‭. ‬أعرف‭ ‬ابنه‭. ‬بالصدفة‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬طلبني‭ ‬في‭ ‬التليفون‭ ‬يذكِّرني‭ ‬أن‭ ‬أحجز‭ ‬له‭ ‬شقة‭ ‬صديقي‭ ‬السكندري‭ ‬أسبوعين‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬القادم‭. ‬حدثته‭ ‬عنك‭. ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يعرفك‭ ‬ولم‭ ‬يهتم،‭ ‬لكنه‭ ‬اليوم‭ ‬طلبني‭ ‬وأخبرني‭ ‬أنه‭ ‬نقل‭ ‬الخبر‭ ‬إلي‭ ‬أبيه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقصد‭ ‬شيئا،‭ ‬ففوجئ‭ ‬بأبيه‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬ماسمعت‭.‬

هز‭ ‬سمير‭ ‬رأسه‭ ‬وقال‭:‬

‭- ‬إذن‭ ‬عرفوا‭ ‬مكاني‭ ‬منك‭ ‬ياعامر‭. ‬

‭- ‬لا‭ ‬تقلق‭. ‬قلت‭ ‬له‭ ‬اليوم‭ ‬إنك‭ ‬غادرت‭ ‬مرسي‭ ‬مطروح‭ ‬عائدا‭ ‬إلي‭ ‬الإسكندرية‭. ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬حل‭ ‬للمسألة‭. ‬

وسكت‭ ‬عامر‭ ‬قليلا‭ ‬ثم‭ ‬استطرد‭:‬

‭- ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتابع‭ ‬هروبك‭ ‬من‭ ‬البداية‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬لزوج‭ ‬لبنى‭ ‬أن‭ ‬يتركها‭ ‬تهرب‭ ‬معك‭ ‬دون‭ ‬إبلاغ‭ ‬البوليس‭ ‬مثلا؟‭ ‬لا‭ ‬أظن‭. ‬لذلك‭ ‬أريدك‭ ‬ان‭ ‬تنتبه‭ ‬لما‭ ‬حولك‭. ‬

‭ ‬قال‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬لنفسي‭ ‬مكانا‭ ‬بعيدا‭ ‬عنك‭ ‬حتي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬استدراجك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬تحقيق‭ ‬يوما‭ ‬ما‭.‬

‭- ‬لن‭ ‬يستطيعوا‭ ‬إدانتي‭. ‬ليس‭ ‬عندي‭ ‬إلا‭ ‬ماقلتُ‭. ‬دعنا‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬الأصلي‭. ‬لماذا‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك؟

سكت‭ ‬سمير‭ ‬لحظات‭ ‬ثم‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬ربما‭ ‬تفهم‭ ‬أنت‭ ‬ما‭ ‬ساقول‭. ‬هل‭ ‬تذكر‭ ‬أيام‭ ‬ثورة‭ ‬يناير‭. ‬هل‭ ‬تذكر‭ ‬قصة‭ ‬حبي‭ ‬لنور‭ ‬النوري؟‭ ‬مؤكد‭ ‬تذكر‭ ‬وتعرف‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬الآن‭.‬

بدت‭ ‬الحيرة‭ ‬علي‭ ‬وجه‭ ‬عامر‭ ‬ثم‭ ‬سأله‭:‬

‭- ‬وماعلاقة‭ ‬ذلك‭ ‬بما‭ ‬فعلت؟

‭- ‬انا‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬غادرت‭ ‬فيه‭ ‬نور‭ ‬البلاد‭ ‬لا‭ ‬أعيش‭ ‬بين‭ ‬الناس‭. ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ماحولي‭. ‬كلمة‭ ‬نور‭ ‬لي‭ ‬لا‭ ‬أنساها‭. ‬أحلم‭ ‬كأنك‭ ‬تعيش‭ ‬إلي‭ ‬الأبد،‭ ‬وعش‭ ‬كأنك‭ ‬ستموت‭ ‬غدا،‭ ‬الشجاعة‭ ‬ليست‭ ‬الحياة،‭ ‬لكنها‭ ‬الاستعداد‭ ‬للموت‭. ‬كثير‭ ‬جدا‭ ‬عرفته‭ ‬من‭ ‬نور،‭ ‬ومن‭ ‬شباب‭ ‬الثوار،‭ ‬كبتّه‭ ‬في‭ ‬روحي‭ ‬هذه‭ ‬السنوات،‭ ‬حتي‭ ‬أيقظته‭ ‬قبلة‭ ‬للبني‭. ‬قبلة‭ ‬شجعتني‭     ‬على‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬لأعتذر‭ ‬للقبلة‭ ‬الأولي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يضع‭ ‬طعمها‭ ‬من‭ ‬لساني‭ ‬وفمي‭ ‬وجعلتني‭ ‬أتحمل‭ ‬كل‭ ‬ماجري‭ ‬حولي‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬حظ‭ ‬للبلاد‭.‬

سكت‭ ‬عامر‭ ‬وهو‭ ‬يشعر‭ ‬بارتباك‭ ‬كبير‭ ‬لحظات‭ ‬ثم‭ ‬سأله‭:‬

‭- ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬لبني‭ ‬ممن‭ ‬اشتركوا‭ ‬في‭ ‬الثورة؟

هز‭ ‬سمير‭ ‬رأسه‭ ‬وأجاب‭:‬

‭- ‬ركِّز‭ ‬معي‭ ‬هنا‭. ‬هي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬منهم‭. ‬هي‭ ‬شخصية‭ ‬غريبة‭ ‬جدا‭. ‬منذ‭ ‬عرفتها‭ ‬وأشعر‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬الأنس‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬عنها‭ ‬جنيّة‭ ‬كما‭ ‬حاول‭ ‬زوجها‭ ‬اقناعها‭. ‬امرأة‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬عالمنا‭ ‬دعتني‭ ‬أن‭ ‬أذهب‭ ‬بها‭ ‬إلي‭ ‬ماوراء‭ ‬العالم‭.‬

ابتسم‭ ‬عامر‭ ‬وبدت‭ ‬الحيرة‭ ‬الشديدة‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬أحس‭ ‬أنه‭ ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬العالم‭. ‬هل‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬مرسي‭ ‬مطروح‭ ‬هو‭ ‬السبب؟‭ ‬لقد‭ ‬قرأ‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬ذلك،‭ ‬لكنه‭ ‬مطَّ‭ ‬شفتيه‭ ‬وقال‭:‬

‭- ‬ليس‭ ‬مهما‭ ‬أن‭ ‬اقتنع‭ ‬بما‭ ‬تقول‭. ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تفوز‭ ‬بالهروب‭. ‬أنت‭ ‬ذاهب‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يعود‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬وأكثرهم‭ ‬يعود‭ ‬جثة‭ ‬–‭ ‬وضحك‭ ‬–‭ ‬هذه‭ ‬مغامرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهمها‭ ‬أو‭ ‬استيعابها‭.‬

حط‭ ‬عليهما‭ ‬الصمت‭ ‬لحظات‭ ‬حتي‭ ‬قال‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬لذلك‭ ‬أفعلها‭. ‬

‭ ‬وعادا‭ ‬يشربان‭ ‬القهوة‭ ‬في‭ ‬صمت،‭ ‬وعامر‭ ‬حائر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ماسمع،‭ ‬حتى‭ ‬تساءل‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬بي‭ ‬إلي‭ ‬أحد‭ ‬المهربين‭. ‬أصدقك‭ ‬أن‭ ‬عملهم‭ ‬توقف،‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬خبرتهم‭ ‬ما‭ ‬يفيد،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬مجنونا‭ ‬يبدأ‭ ‬العمل‭ ‬بي‭ ‬وبلبني‭.‬

أجاب‭ ‬عامر‭ ‬ضاحكا‭:‬

‭-  ‬سأنتقل‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬إلي‭ ‬تهريب‭ ‬الثوار‭.‬

قال‭ ‬ذلك‭ ‬وضحك،‭ ‬ثم‭ ‬وقف‭ ‬يقول‭:‬

‭- ‬عد‭ ‬إلي‭ ‬حوريتك‭ ‬الآن‭. ‬ليطمئن‭ ‬قلبك‭. ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أبو‭ ‬رقية‭ ‬يتابعكما‭ ‬أو‭ ‬يهتم‭ ‬بكما‭. ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬ماصدق‭ ‬إنه‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬لبني‭. ‬سأجد‭ ‬طريقة‭ ‬لتهريبك،‭ ‬لكن‭ ‬سنحتاج‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭. ‬ربما‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬رمضان‭ ‬نجد‭ ‬حلا‭.‬

‭>>>‬

قرر‭ ‬سمير‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬علي‭ ‬عامر‭. ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬يبحث‭ ‬حوله‭ ‬عن‭ ‬عصابات‭ ‬التهريب‭ ‬القديمة‭. ‬سيمضي‭ ‬أكثر‭ ‬اليوم‭ ‬بالنهار‭ ‬والليل‭ ‬بالمقهي،‭ ‬وسيجد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أحد‭ ‬ممن‭ ‬حوله‭ ‬ما‭ ‬يشي‭ ‬بالثقة‭. ‬

هكذا‭ ‬راح‭ ‬يتنقل‭ ‬بين‭ ‬المقاهي‭ ‬بعد‭ ‬الإفطار،‭ ‬ومعه‭ ‬لبنى‭ ‬أو‭ ‬بدونها‭. ‬يجرب‭ ‬كلاما‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬‮«‬أنت‭ ‬شكلك‭ ‬مش‭ ‬سهل‮»‬‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الشباب‭ ‬أو‭ ‬الرجال‭ ‬لعله‭ ‬يتجاوب‭ ‬معه‭. ‬أو‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬‮«‬‭ ‬فين‭ ‬أيام‭ ‬ماكانت‭ ‬مرسى‭ ‬مطروح‭ ‬مليانة‭ ‬بضاعة‭ ‬مهربة‭ ‬من‭ ‬ليبيا‮»‬‭ ‬لعل‭ ‬أحدا‭ ‬يعلّق‭ ‬أو‭ ‬يلتفت‭ ‬إليه‭. ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬كرر‭ ‬المسألة‭ ‬أكتر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬وحده،‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬نهار‭ ‬في‭ ‬مقهي‭ ‬‮«‬الرزق‭ ‬على‭ ‬الله‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬فتح‭ ‬أبوابه‭ ‬كاملة‭ ‬مع‭ ‬اقتراب‭ ‬نهاية‭ ‬رمضان‭! ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬بدوي‭ ‬يجلس‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تقريبا‭ ‬طول‭ ‬النهار‭. ‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬ينظر‭ ‬إليه،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬أيام‭ ‬التهريب‭ ‬مداعبا‭ ‬الجرسون‭. ‬وكما‭ ‬توقع،‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬ليجلس‭ ‬جواره‭.‬

إذن‭ ‬سينفتح‭ ‬له‭ ‬الباب‭ ‬واسعا‭ ‬للهروب‭ ‬أو‭ ‬لمعرفة‭ ‬الطريق‭. ‬انتقل‭ ‬جوار‭ ‬الرجل‭ ‬قائلا‭:‬

‭- ‬انا‭ ‬جئت‭ ‬لأصيّف‭ ‬بدري‭. ‬منذ‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬لم‭ ‬آتي‭ ‬إلي‭ ‬هنا‭. ‬الأمر‭ ‬تغير‭ ‬كثيرا‭ ‬لذلك‭ ‬أمزح‭.‬

قال‭ ‬الرجل‭ ‬البدوي‭:‬

‭- ‬حتي‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تمزح‭. ‬عندك‭ ‬حق‭. ‬الثورات‭ ‬أغلقت‭ ‬أبواب‭ ‬الرزق‭. ‬والله‭ ‬أحلى‭ ‬أيام‭ ‬كانت‭ ‬أيام‭ ‬معمر‭ ‬الجدافي‭. ‬

‭ ‬ثم‭ ‬ضحك‭ ‬الرجل‭ ‬وقال‭:‬

‭-  ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬بعشرة‭ ‬أعوام‭ ‬تقريبا،‭ ‬أصدر‭ ‬الجدافي‭ ‬قرارا‭ ‬بأن‭ ‬المصري‭ ‬لا‭ ‬يمرّ‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬إلا‭ ‬ومعه‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭. ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقلل‭ ‬أعداد‭ ‬الهاربين‭ ‬والداخلين‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭. ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬ماذا‭ ‬فعل‭ ‬المصريون؟‭ ‬ظهر‭ ‬تجار‭ ‬يقفون‭ ‬علي‭ ‬بوابة‭ ‬الحدود‭ ‬يعطون‭ ‬الداخل‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يوقّع‭ ‬على‭ ‬إيصال‭ ‬أمانة‭ ‬بالمبلغ‭ ‬باسمه‭ ‬ورقم‭ ‬بطاقته‭ ‬الشخصية‭. ‬يعبر‭ ‬البوابة‭ ‬ويعود‭ ‬من‭ ‬الخلف،‭ ‬وعبر‭ ‬السلك‭ ‬يعيد‭ ‬الألف‭ ‬دولار‭ ‬وعليها‭ ‬مائة‭ ‬دولار‭. ‬المهم‭ ‬أنه‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬من‭ ‬البوابة‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا،‭ ‬وزادت‭ ‬أعداد‭ ‬المصريين‭.‬

ضحك‭ ‬سمير‭ ‬غير‭ ‬مصدق‭. ‬قال‭ ‬الرجل‭:‬

‭- ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬يقدرعلينا‭ ‬أحد‭. ‬لكنهم‭ ‬قدروا‭ ‬علينا‭ ‬الآن‭ ‬وأوقفوا‭ ‬حالنا‭.‬

عرف‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬هؤلاء‭ ‬التجار،‭ ‬وأن‭ ‬قبيلته‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وتتربح‭ ‬منه‭. ‬لكن‭  ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يستمر‭ ‬طويلا‭. ‬ألغي‭ ‬القذافي‭ ‬القرار‭ ‬فعاد‭ ‬تهريب‭ ‬الناس‭. ‬في‭ ‬التهريب‭ ‬رزق‭ ‬أكثر‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تهريب‭ ‬للمصريين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القري‭ ‬الحدودية،‭ ‬مثل‭ ‬بقبق‭ ‬وأبو‭ ‬زريبة‭ ‬حول‭ ‬السلوم‭ ‬التي‭ ‬علي‭ ‬الحدود،‭ ‬وكانت‭ ‬بيوتها‭ ‬تُستخدم‭ ‬لتخزين‭ ‬البضاعة‭ ‬المهربة،‭ ‬والناس‭ ‬أيضا‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬الذهاب‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭. ‬سيارات‭ ‬دفع‭ ‬رباعي‭ ‬تمشي‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬مسافات‭ ‬طويلة‭ ‬حاملة‭ ‬من‭ ‬يريدون‭ ‬تهريبهم،‭ ‬حتي‭ ‬تقترب‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬سلك‭ ‬الحدود‭ ‬فتتركهم‭ ‬يعبرون‭ ‬السلك‭. ‬وقال‭ ‬الرجل‭:‬

‭- ‬سكان‭ ‬القرى‭ ‬الحدودية،‭ ‬نحن‭ ‬البدو،‭ ‬لا‭ ‬مصدر‭ ‬ثابت‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الدخل‭ ‬ولا‭ ‬عمل،‭ ‬فكان‭ ‬التهريب‭ ‬عملنا‭. ‬أهل‭ ‬السلوم‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬الصيد‭ ‬ولا‭ ‬يكفي‭. ‬حتي‭ ‬الحشيش‭ ‬كان‭ ‬يأتي‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬ونهربه‭ ‬إلي‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وليبيا‭. ‬كانت‭ ‬السفن‭ ‬تلقي‭ ‬لنا‭ ‬بأجولة‭ ‬جلدية‭ ‬مليئة‭ ‬بالحشيش،‭ ‬يحملها‭ ‬الموج‭ ‬إلي‭ ‬الشاطئ‭ ‬وننتظره‭. ‬ماذا‭ ‬تنتظر‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬لا‭ ‬عمل‭ ‬لهم‭ ‬إلا‭ ‬جني‭ ‬النخل‭ ‬والزيتون‭ ‬القليل،‭ ‬أو‭ ‬صيد‭ ‬سمك‭ ‬لا‭ ‬يُغني‭. ‬كنا‭ ‬نسمي‭ ‬تهريب‭ ‬الشباب‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭ ‬سفاري‭ ‬كأنها‭ ‬فسحة‭. ‬نتحرك‭ ‬بعرباتنا‭ ‬بين‭ ‬الجبال‭ ‬والوديان‭ ‬ليلا،‭ ‬وحين‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬الحدود،‭ ‬نترك‭ ‬من‭ ‬نريد‭ ‬تهريبهم‭ ‬ليكملوا‭ ‬على‭ ‬أقدامهم‭. ‬كانوا‭ ‬كثيرين‭ ‬يا‭ ‬أخي‭ ‬والله‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نزهق‭ ‬منهم‭. ‬مئات‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬باعوا‭ ‬اللي‭ ‬حيلتهم‭ ‬علشان‭ ‬يهربوا‭ ‬لليبيا،‭ ‬وكان‭ ‬فيهم‭ ‬ناس‭ ‬متعلمة‭ ‬أيضا‭ ‬والله‭. ‬الله‭ ‬يخرب‭ ‬بيته‭ ‬اللي‭ ‬أقنع‭ ‬الجدافي‭ ‬يلغي‭ ‬الألف‭ ‬دولار‭ ‬للدخول‭ ‬الرسمي‭. ‬

‭>>>‬

لم‭ ‬تفهم‭ ‬لبني‭ ‬سر‭ ‬بهجة‭ ‬سمير‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭. ‬راح‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬عسلها‭ ‬كأنه‭ ‬غاب‭ ‬عنها‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭. ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬قال‭ ‬وهو‭ ‬ممدد‭ ‬جوارها‭ ‬تاركا‭ ‬جسمه‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬بعيد‭:‬

‭- ‬سنحتفل‭ ‬بالعيد‭ ‬كالأطفال،‭ ‬وستبدأ‭ ‬رحلتنا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬له‭.‬

لم‭ ‬تفهم‭ ‬ونظرت‭ ‬إليه‭ ‬فقال‭:‬

‭- ‬سأخبرك‭ ‬بكل‭ ‬شيئ‭ ‬في‭ ‬الصباح‭. ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نذهب‭ ‬غدا‭ ‬بالليل‭ ‬إلي‭ ‬متحف‭ ‬روميل،‭ ‬ونفعل‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬فعلناه‭ ‬بحمام‭ ‬كليوباترا‭.‬

‭- ‬ألن‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬الجنون‭ ‬ياسمير؟‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬متحف‭ ‬وله‭ ‬حارس‭.‬

‭- ‬الحارس‭ ‬الله‭.‬

قال‭ ‬ذلك‭ ‬وضحك‭.‬

‭ ‬فهمت‭ ‬أنه‭ ‬سيفعل‭ ‬ذلك‭ ‬برشوة‭ ‬حارس‭ ‬المتحف‭ ‬كما‭ ‬قال،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يتسلل‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬خارجه‭. ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬لو‭ ‬أغلق‭ ‬الحارس‭ ‬عليهما‭ ‬الباب‭ ‬حتى‭ ‬الصباح؟‭ ‬بدأت‭ ‬تشعر‭ ‬بالقلق،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬نام‭ ‬وراح‭ ‬يشخر‭. ‬هذه‭ ‬علامات‭ ‬التعب‭ ‬لا‭ ‬تنساها‭ ‬من‭ ‬أبو‭ ‬رقية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يمارس‭ ‬معها‭ ‬الجنس،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تتحدث‭ ‬فيه‭ ‬النساء‭ ‬كثيرا‭. ‬ضحكت‭. ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬كانت‭ ‬تشعر‭ ‬برغبة‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬النوم‭. ‬نامت‭ ‬طالبة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تشخر‭ ‬ويسمعها‭ ‬سمير‭ ‬فيستيقظ،‭ ‬ويمارس‭ ‬معها‭ ‬الجنس‭ ‬من‭ ‬جديد‭!‬

ظل‭ ‬ليلة‭ ‬يذهب‭ ‬بها‭ ‬إلي‭ ‬حمام‭ ‬كليوباترا‭ ‬وليلة‭ ‬أخري‭ ‬إلي‭ ‬متحف‭ ‬روميل،‭ ‬ولم‭ ‬يمنعه‭ ‬غير‭ ‬الدورة‭ ‬الشهرية‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬يكتفي‭ ‬بالجلسة‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الشاطئ،‭ ‬لعلَّ‭ ‬سفينة‭ ‬روبسنون‭ ‬كروزو‭ ‬وشهر‭ ‬زاد‭ ‬تلتقطهما‭. ‬لقد‭ ‬فكر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬الشقة‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬شقة‭ ‬أخري،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬عامر‭ ‬سرحان‭ ‬مكانه‭. ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬سيغدُر‭ ‬به،‭ ‬لكن‭ ‬خوفا‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬تنزلق‭ ‬قدمه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬معه‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬ولبني‭. ‬لكن‭ ‬لبني‭ ‬قالت‭ ‬له‭ ‬أنها‭ ‬تعرف‭ ‬أبو‭ ‬رقية‭ ‬جيدا‭. ‬هو‭ ‬مؤكد‭ ‬يتابعهما‭ ‬بما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬اتصالات،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬يتابعهما‭ ‬ليتأكد‭ ‬أن‭ ‬الجنيّة‭ ‬لن‭ ‬تعود‭. ‬أضحكه‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرا‭. ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬قال‭ ‬لنفسه‭  ‬‮«‬وماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬علينا،‭ ‬سنصبح‭ ‬حديث‭ ‬الصحف،‭ ‬وربما‭ ‬يهتم‭ ‬بنا‭ ‬الكتاب‭ ‬ويكتبون‭ ‬عنا‭ ‬مسلسل‭ ‬تليفزيوني،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائى‮»‬‭. ‬

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬المشي‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬بالنهار،‭ ‬والجلوس‭ ‬في‭ ‬مقهي‭ ‬‮«‬الرزق‭ ‬علي‭ ‬الله‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تفاءل‭ ‬باسمها‭ ‬كثيرا،‭ ‬حتي‭ ‬أن‭ ‬البدوي‭ ‬الذي‭ ‬حدثه‭ ‬عن‭ ‬التهريب‭ ‬اتفق‭ ‬معه‭ ‬قبل‭ ‬العيد‭ ‬بأيام،‭ ‬أنه‭ ‬سيساعده‭ ‬بعد‭ ‬العيد‭. ‬العمل‭ ‬في‭ ‬التهريب‭ ‬حرام‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة‭! ‬

ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬العيد‭ ‬يمشي‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬يلاعب‭ ‬الأطفال‭ ‬مع‭ ‬أهلهم،‭ ‬ويتفرج‭ ‬على‭ ‬الألعاب‭ ‬التي‭ ‬يلعبها‭ ‬الأطفال،‭ ‬والبالونات‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬أيديهم،‭ ‬وراكبي‭ ‬الدراجات‭ ‬والموتوسيكلات،‭ ‬وظهرت‭ ‬بعض‭ ‬الكافتيريات‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬فجلس‭ ‬بإحداها‭ ‬مع‭ ‬لبني‭. ‬لم‭ ‬يري‭ ‬أحدا‭ ‬ينزل‭ ‬البحر‭. ‬لكنه‭ ‬تذكر‭ ‬ما‭ ‬سرح‭ ‬معه‭ ‬خياله‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬والسفينة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬روبنسون‭ ‬كروزو‭ ‬ومعه‭ ‬شهرزاد‭. ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬يختصر‭ ‬له‭ ‬صعاب‭ ‬طرق‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬يحدث‭ ‬لو‭ ‬تركه‭ ‬من‭ ‬سيقوم‭ ‬بتهريبه‭ ‬بين‭ ‬الوديان‭ ‬والجبال‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬بلدا‭ ‬منسيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬يعيش‭ ‬بين‭ ‬أهله‭ ‬ومعه‭ ‬لبني‭ ‬وينساهما‭ ‬كل‭ ‬البشر؟‭ ‬لم‭ ‬يشأ‭ ‬الاستطراد‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والخيال‭. ‬تذكر‭ ‬أن‭ ‬عامر‭ ‬سرحان‭ ‬قد‭ ‬سافر‭ ‬إلي‭ ‬القاهرة‭ ‬لقضاء‭ ‬العيد‭. ‬وانه‭ ‬أخبره‭ ‬أن‭ ‬قصر‭ ‬الثقافة‭ ‬سكون‭ ‬مغلقا‭ ‬أثناء‭ ‬العيد،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬بعده،‭ ‬لكن‭ ‬الحارس‭ ‬لا‭ ‬يفارقه‭. ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬مفتاح‭ ‬الشقة‭ ‬إلي‭ ‬حارس‭ ‬قصر‭ ‬الثقافة،‭ ‬وأن‭ ‬يرسل‭ ‬رسالة‭ ‬علي‭ ‬الماسينجر‭ ‬لعامر‭ ‬بذلك‭. ‬

في‭ ‬البيت‭ ‬مساء‭ ‬اليوم‭ ‬الثالث‭ ‬للعيد‭ ‬قال‭ ‬للبني‭:‬

‭- ‬اشتريت‭ ‬حقيبة‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬نحمل‭. ‬انقلي‭ ‬فيها‭ ‬ثيابنا‭ ‬واستعدي‭ ‬للسفر‭ ‬غدا‭. ‬

‭- ‬هل‭ ‬عرفت‭ ‬الطريق؟

‭- ‬حتي‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬أعرفه‭. ‬من‭ ‬يرضي‭ ‬عنهم‭ ‬روميل،‭ ‬ويتركهم‭ ‬يمارسون‭ ‬الجنس‭ ‬في‭ ‬متحفه،‭ ‬لابد‭ ‬سينصرهم‭. ‬روميل‭ ‬ثعلب‭ ‬الصحراء‭ ‬الذي‭ ‬دوخ‭ ‬قوات‭ ‬الحلفاء‭.‬

ثم‭ ‬ارتبك‭ ‬للحظة‭ ‬لأنه‭ ‬تذكر‭ ‬أن‭ ‬روميل‭ ‬قد‭ ‬قُتِل‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬لكنه‭ ‬ابتسم‭ ‬وهو‭ ‬يتذكر‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬اتهامه‭ ‬بالتآمر‭ ‬علي‭ ‬هتلر‭. ‬هو‭ ‬لم‭ ‬يتآمرعلى‭ ‬رئيس‭. ‬هو‭ ‬مشدود‭ ‬لرحلة‭ ‬طويلة‭ ‬كان‭ ‬منذورا‭ ‬لها‭ ‬ولم‭ ‬يدرك‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬قُبلة‭ ‬لبني‭. ‬

انحني‭ ‬يقبلها‭ ‬قائلا‭:‬

‭- ‬أخفيت‭ ‬عليك‭ ‬الأمر‭ ‬حتي‭ ‬صار‭ ‬حقيقة‭. ‬دعيني‭ ‬أقبِّل‭ ‬الثعابين‭ ‬والأسود‭ ‬التي‭ ‬ستقابلنا‭ ‬كثيراً‭.‬

‭-‬‮٣‬‭-‬

كان‭ ‬مدهشا‭ ‬لسمير‭ ‬أنه‭ ‬وجد‭ ‬عشرة‭ ‬أشخاص‭ ‬سيتم‭ ‬تهريبهم‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭ ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬ولبني‭ ‬فقط‭. ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬أمر‭ ‬انتهي‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬القائمة‭ ‬هناك،‭ ‬والتي‭ ‬تزداد‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬،‭ ‬بين‭ ‬قوات‭ ‬اللواء‭ ‬حفتر‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬شرق‭ ‬ليبيا،‭ ‬وقوات‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬غربها‭. ‬

في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬غرب‭ ‬مدينة‭ ‬مرسي‭ ‬مطروح،‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬انتظاره‭ ‬عربة‭ ‬دفع‭ ‬رباعي‭ ‬وسائقها،‭ ‬والعشرة‭ ‬أشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬العبور‭ ‬الي‭ ‬ليبيا،‭ ‬واثنين‭ ‬من‭ ‬البدو‭ ‬يحمل‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬سلاحا،‭ ‬مدفعا‭ ‬رشاشا،‭ ‬سيركبان‭ ‬معهم‭ ‬ليكونوا‭ ‬في‭ ‬حمايتهما‭. ‬لقد‭ ‬أخذه‭ ‬إلي‭ ‬هناك‭ ‬البدوي‭ ‬الذي‭ ‬قابله‭ ‬في‭ ‬المقهي‭. ‬اصطحبه‭ ‬من‭ ‬شقته‭ ‬عند‭ ‬الفجر‭ ‬في‭ ‬سيارته‭ ‬الهوندا‭ ‬الصغيرة‭ ‬ومعه‭ ‬لُبني‭.  ‬

المكان‭ ‬الذي‭ ‬يقفون‭ ‬فيه‭ ‬ليس‭ ‬به‭ ‬غير‭ ‬كوخ‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الدبش،‭ ‬وسقف‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬والعشب،‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬فيه‭ ‬ينام‭ ‬من‭ ‬يريدون‭ ‬العبور‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭. ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬يتذكر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسمعه‭ ‬عن‭ ‬السلكاوية،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬سمعه‭ ‬من‭ ‬البدوي‭ ‬الذي‭ ‬ساعدهما‭ ‬للهروب‭. ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬سهلا‭ ‬حتي‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتواجد‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬يوما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون‭ ‬مصري‭. ‬

راح‭ ‬يتطلع‭ ‬إلي‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬علامات‭ ‬النوم‭ ‬علي‭ ‬وجوههم‭. ‬كلهم‭ ‬يبدون‭ ‬في‭ ‬ملابس‭ ‬متسخة،‭ ‬بين‭ ‬جلباب‭ ‬وبنطال‭ ‬وبلوفر‭ ‬أو‭ ‬جاكيت‭ ‬قديم‭. ‬أعمارهم‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬الثلاثين،‭ ‬فكيف‭ ‬ضاقت‭ ‬بهم‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬هكذا؟‭ ‬كانوا‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭ ‬ينظرون‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬دهشة‭ ‬ويتهامسون‭. ‬أدرك‭ ‬أنها‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬أناقته‭ ‬في‭ ‬الملبس،‭ ‬ومؤكد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬امرأة‭ ‬معه‭. ‬لابد‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬بها‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬رجل‭ ‬يهرب‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭!‬

كان‭ ‬الليل‭ ‬حولهم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬لم‭ ‬ينقشع،‭ ‬فالهلال‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬شوّال‭ ‬العربي‭. ‬هي‭ ‬النجوم‭ ‬موجودة‭ ‬لكنها‭ ‬متباعدة‭ ‬لا‭ ‬تملأ‭ ‬السماء،‭ ‬لكن‭ ‬الجميع‭ ‬يظهرون‭ ‬وإن‭ ‬مثل‭ ‬الأشباح‭. ‬

كانت‭ ‬لبني‭ ‬قد‭ ‬أعادت‭ ‬النقاب‭ ‬إلي‭ ‬وجهها‭. ‬كان‭ ‬رأيها‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الهروب‭. ‬وجد‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬معقولا‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الإحساس‭ ‬بالعبث،‭ ‬إلي‭ ‬درجة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬ويعود‭. ‬لن‭ ‬يخسر‭ ‬شيئا‭ ‬وسيعود‭ ‬إلي‭ ‬عمله‭ ‬يحكي‭ ‬القصة‭ ‬ويضحك‭! ‬هي‭ ‬المغامرة‭ ‬التي‭ ‬يشعر‭ ‬كأنه‭ ‬وُلد‭ ‬ليفعلها‭. ‬حتي‭ ‬لبني‭ ‬قالت‭ ‬له‭ ‬بالليل‭ ‬وهو‭ ‬نائم‭ ‬جوارها‭ ‬‮«‬ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬لو‭ ‬قبضوا‭ ‬علينا‭! ‬لا‭ ‬شيئ‭. ‬سنعود‭ ‬إلي‭ ‬بلدنا‭. ‬مش‭ ‬فارقة‭ ‬معايا‭. ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬لايعتدي‭ ‬علينا‭ ‬أحد‭. ‬ولو‭ ‬أعادونا‭ ‬لن‭ ‬يأتي‭ ‬أبو‭ ‬رقية‭ ‬إليّْ،‭ ‬ولن‭ ‬يعلن‭ ‬إنه‭ ‬يعرفني‮»‬‭. ‬كان‭ ‬هو‭ ‬سعيدا‭ ‬بشعورها‭ ‬العبثي‭ ‬هذا‭. ‬هي‭ ‬فعلا‭ ‬جنيّة‭ ‬كما‭ ‬أقنعها‭ ‬أبورقية‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬أخبرته‭ ‬بالحقيقة،‭ ‬إنها‭ ‬يتيمة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬لها‭ ‬أبا‭ ‬أو‭ ‬أما‭. ‬تربت‭ ‬في‭ ‬ملجأ‭ ‬أيتام‭ ‬في‭ ‬إمبابة،‭ ‬وتعلمت‭ ‬فيه‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭. ‬الإسم‭ ‬الذي‭ ‬تحمله‭ ‬أعطاها‭ ‬أياه‭ ‬الملجأ،‭ ‬وكذلك‭ ‬شهادة‭ ‬الميلاد‭ ‬استخرجها‭ ‬لها‭ ‬الملجأ،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬حملت‭ ‬بطاقة‭ ‬هويتها‭. ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬أبدا‭ ‬أين‭ ‬عثر‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬الملجأ‭. ‬وكانت‭ ‬تضحك‭ ‬وتقول‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭ ‬معها‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬فيلم‭  ‬‮«‬ياسمين‮»‬‭ ‬لفيروز‭ ‬وأنور‭ ‬وجدي،‭ ‬حين‭ ‬عرفت‭ ‬فيروز‭ ‬التي‭ ‬تربت‭ ‬في‭ ‬الملجأ‭ ‬أباها‭ ‬وأمها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬هربت‭ ‬منه‭ ‬لتلتقي‭ ‬بالعازف‭ ‬انور‭ ‬وجدي‭ ‬،‭ ‬ومع‭ ‬تطور‭ ‬الأحداث‭. ‬أو‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬دهب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬عادت‭ ‬فيه‭ ‬فيروز‭ ‬لقيطة‭ ‬لتلتقي‭ ‬بأنور‭ ‬وجدي‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬ولن‭ ‬يحدث‭ ‬معها‭ ‬ماحدث‭ ‬في‭  ‬فيلم‭ ‬‮«‬الخطايا‮»‬‭ ‬لعبد‭ ‬الحليم‭ ‬حافظ‭ ‬حين‭ ‬عرف‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بن‭ ‬عماد‭ ‬حمدي‭. ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام،‭ ‬لكنها‭ ‬تنجذب‭ ‬للفرجة‭ ‬عليها‭ ‬حين‭ ‬يعرضها‭ ‬التليفزيون‭. ‬أما‭ ‬كيف‭ ‬عرفت‭ ‬أبو‭ ‬رقية‭ ‬فأمر‭ ‬غريب‭ ‬لن‭ ‬يصدقه‭. ‬هكذا‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ‬لسمير‭. ‬لقد‭ ‬أتي‭ ‬إلي‭ ‬الملجأ‭ ‬يأخذ‭ ‬منه‭ ‬خمسة‭ ‬أطفال‭ ‬بحجة‭ ‬رعايتهم‭. ‬عادة‭ ‬يأتي‭ ‬شخص‭ ‬يطلب‭ ‬ولدا‭ ‬أو‭ ‬بنتا‭ ‬يتبناها،‭ ‬لكن‭ ‬خمسة‭ ‬كان‭ ‬أمرا‭ ‬غريبا‭ ‬علي‭ ‬الملجأ‭. ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬قد‭ ‬كبرت‭ ‬وصارت‭ ‬تعمل‭ ‬راعية‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬الملجأ‭. ‬أعجبها‭ ‬سلوكه‭ ‬حين‭ ‬أخبرها‭ ‬أن‭ ‬لديه‭ ‬فيلا‭ ‬سيخصصها‭ ‬لرعايتهم‭. ‬أبدت‭ ‬لها‭ ‬إعجابها‭ ‬به‭ ‬بعينيها‭ ‬وحديثها‭. ‬سألها‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬إليه‭ ‬هي‭ ‬الأخري‭. ‬وافقت‭ ‬وقالت‭ ‬له‭ ‬أنها‭ ‬ستلحق‭ ‬بالأطفال‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشك‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬غيابها‭ ‬المفاجئ‭. ‬عرفت‭ ‬منه‭ ‬مكان‭ ‬الفيلا‭ ‬في‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭. ‬ذهبت‭ ‬إليه‭ ‬لتستطلع‭ ‬المكان‭. ‬وجدت‭ ‬الخمسة‭ ‬أطفال‭ ‬صاروا‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬النساء‭ ‬الموجودات‭ ‬هناك‭. ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬النساء‭ ‬قال‭ ‬أنهن‭ ‬زوجاته‭. ‬قالت‭ ‬لكنهن‭ ‬خمسة‭. ‬قال‭ ‬محظياته‭. ‬نساء‭ ‬مثلك‭ ‬لا‭ ‬أهل‭ ‬لهن‭ ‬تضعني‭ ‬الظروف‭ ‬أمامهن‭. ‬الحقيقة‭ ‬أنها‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬عرفها‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬دلته‭ ‬على‭ ‬الأخريات‭. ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يقنعها‭ ‬بحلال‭ ‬وجود‭ ‬المحظيات‭. ‬هي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تهتم‭ ‬بالحلال‭ ‬والحرام‭. ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الأجمل‭ ‬فأثارت‭ ‬غيرة‭ ‬الأخريات‭. ‬فوق‭ ‬السرير‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬امرأة‭ ‬تغنج‭ ‬مثلها‭. ‬تتلوي‭ ‬مثلها‭ ‬وتصرخ‭. ‬مجرد‭ ‬أن‭ ‬يلمسها‭ ‬وهي‭ ‬واقفة،‭ ‬كانت‭ ‬تصرخ‭ ‬وتسقط‭ ‬علي‭ ‬الأرض،‭ ‬ترفع‭ ‬جلبابه‭ ‬ثم‭ ‬تخفض‭ ‬سرواله‭ ‬كأنها‭ ‬ستبلع‭ ‬فاكهة‭ ‬الخلود‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬يخلع‭ ‬ثيابه‭. ‬كانت‭ ‬تمزقها‭ ‬عنه‭ ‬وتنهش‭ ‬بأسنانها‭ ‬في‭ ‬صدره‭. ‬لقد‭ ‬حاول‭ ‬كثيرا‭ ‬أن‭ ‬يمنعها‭ ‬من‭ ‬النهش‭ ‬فيه،‭ ‬لأن‭ ‬الأخريات‭ ‬كن‭ ‬يزددن‭ ‬غيرة‭ ‬منها‭ ‬وهو‭ ‬يريهم‭ ‬علامات‭ ‬شهوتها‭. ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يقنعهن‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬الإنس‭ ‬حتي‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬غيرتهن‭. ‬دست‭ ‬لها‭ ‬واحدة‭ ‬منهن‭ ‬السم‭ ‬مرة‭ ‬لكنه‭ ‬انقذها‭ ‬في‭ ‬المستشفي‭. ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬وجودها‭ ‬معهن‭ ‬خطر‭ ‬عليها،‭ ‬ولم‭ ‬يشأ‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬البوليس‭ ‬عمن‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭. ‬لايريد‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬محظياته،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خفيا‭ ‬علي‭ ‬كثيرين‭ ‬ممن‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬أصحابه،‭ ‬ولابد‭ ‬انتشر‭ ‬لغيرهم‭. ‬علاقاته‭ ‬بالأمن‭ ‬تجعلهم‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يصدقون‭. ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬لها‭ ‬ينتظرون‭ ‬أن‭ ‬يخطئ‭ ‬فيهم‭ ‬وساعتها‭ ‬سيفتحون‭ ‬دفاتره‭. ‬حكي‭ ‬لها‭ ‬قصصا‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬الجنيات‭ ‬اللاتي‭ ‬تتجلي‭ ‬للبشر‭. ‬وأن‭ ‬الجن‭ ‬مخلوق‭ ‬مذكور‭ ‬في‭ ‬القرآن،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تكذيب‭ ‬القرآن‭. ‬وأنها‭ ‬لست‭ ‬يتيمة،‭ ‬لكنها‭ ‬حقا‭ ‬بلا‭ ‬أب‭ ‬أو‭ ‬أم‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬البشر‭. ‬وقالت‭ ‬‮«‬الحقيقة‭ ‬أراحني‭ ‬حديثه‭ ‬وحكاياته‭. ‬سحرني‭ ‬عالم‭ ‬الجن‭ ‬الذي‭ ‬حدثني‭ ‬عنه‭. ‬صرت‭ ‬لا‭ ‬أري‭ ‬حولي‭ ‬نساء‭ ‬في‭ ‬الفيلا،‭ ‬بل‭ ‬أري‭ ‬قصرا‭ ‬جدرانه‭ ‬منقوشة‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬بالذهب،‭ ‬مرسوم‭ ‬بينها‭ ‬طيور‭ ‬ذات‭ ‬أجنحة‭ ‬لامعة،‭ ‬أراها‭ ‬تخرج‭ ‬طائرة‭ ‬من‭ ‬الجدران،‭ ‬وتفتح‭ ‬النوافذ‭ ‬بمناقيرها‭ ‬وتخرج‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬لي‭ ‬ضاحكة،‭ ‬كأنها‭ ‬تقول‭ ‬لي‭ ‬لا‭ ‬تقلقي‭ ‬سنعود،‭ ‬حتي‭ ‬وقفتُ‭ ‬يوما‭ ‬أمامها‭ ‬أحثها‭ ‬أن‭ ‬تحملني‭ ‬معها‭ ‬إذا‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬ما‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬ذلك‭ ‬حتي‭ ‬خرجت‭ ‬الطيور‭ ‬وحملتني‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬بين‭ ‬قدميها،‭ ‬وفتحت‭ ‬الأخري‭ ‬لها‭ ‬النافذة،‭ ‬فطارت‭ ‬بي‭ ‬حتي‭ ‬خرجتُ‭ ‬إلي‭ ‬غابة‭ ‬أشجارها‭ ‬فاكهة‭ ‬لا‭ ‬أعرفها‭. ‬حمراء‭ ‬وخضراء‭ ‬وزرقاء‭ ‬ظننت‭ ‬أنها‭ ‬مصابيح،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬طارت‭ ‬طيور‭ ‬أخري‭ ‬فتبعتها‭ ‬الطيور‭ ‬التي‭ ‬وراء‭ ‬الطائر‭ ‬الذي‭ ‬يحملني‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬إلي‭ ‬نهر‭ ‬صغير‭ ‬ماؤه‭ ‬يجري‭ ‬بسرعة‭ ‬لم‭ ‬أرها‭ ‬حتي‭ ‬في‭ ‬ماء‭ ‬النيل‭. ‬نزل‭ ‬بي‭ ‬الطائر‭ ‬إليه‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬عارية‭ ‬بين‭ ‬الماء‭ ‬والطيور‭ ‬تسبح‭ ‬حولي،‭ ‬وصرت‭ ‬أسبح‭ ‬بينها‭ ‬أنا‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬السباحة‭ ‬جيدا‭ ‬وأضحك‭. ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬تمتد‭ ‬أيادي‭ ‬تداعبني،‭ ‬وتمسك‭ ‬بفخذيّ‭ ‬وما‭ ‬بينهما‭ ‬تلدغها‭ ‬لدغات‭ ‬خفيفة‭ ‬جميلة‭ ‬تشعلني‭ ‬بالإثارة،‭ ‬وأنا‭ ‬أظن‭ ‬أنها‭ ‬أسماك،‭ ‬حتي‭ ‬مددت‭  ‬يدي‭ ‬فأمسكت‭ ‬بيد‭ ‬صغيرة‭ ‬جذبتها،‭ ‬فوجدت‭ ‬أمامي‭ ‬طفلا‭ ‬يضحك‭ ‬وله‭ ‬أجنحة‭ ‬ترفرف‭ ‬حوله‭. ‬تركته‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬السعادة‭ ‬ياسمير‭. ‬أشفقت‭ ‬على‭ ‬أبو‭ ‬رقية‭ ‬من‭ ‬غيابي‭ ‬فطلبت‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬أعود،‭ ‬وكانت‭ ‬الشمس‭ ‬تغرب‭ ‬أمامي‭ ‬ويزداد‭ ‬قرصها‭ ‬اتساعا‭ ‬واحمرارا،‭ ‬ثم‭ ‬تخفت‭ ‬حمرته‭ ‬وينزل‭ ‬الظلام‭ ‬شيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬علي‭ ‬الكون‭. ‬أعادوني،‭ ‬لكنهم‭ ‬طاروا‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الظلام،‭ ‬وكنت‭ ‬أرى‭ ‬الدنيا‭ ‬مظلمة‭ ‬تحتي‭. ‬هكذا‭ ‬عدت‭ ‬غير‭ ‬مصدقة‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬وغيره‭ ‬كثير‭ ‬سأحدثك‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬لأننا‭ ‬سنري‭ ‬ليالي‭ ‬صعبة،‭ ‬لكني‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أني‭ ‬سأعرف‭ ‬الهرب‭ ‬بك‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الآلام‭ ‬والأخطار‭. ‬الآلام‭ ‬والأخطار‭ ‬هي‭ ‬صوت‭ ‬الله،‭ ‬لنستيقظ‭ ‬مما‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬ونتجاوزها‭ ‬ونتجاوز‭ ‬ماحولنا‭. ‬المهم‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬حولنا،‭ ‬لأن‭ ‬قدراتي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬الجن‭ ‬لا‭ ‬تحدث‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬الحاجة،‭ ‬وأنا‭ ‬معك‭ ‬قوية‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬استغناء‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيئ،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬اطمئناني‭ ‬مصدره‭ ‬الأكبر‭ ‬أني‭ ‬سأساعدك‭ ‬وأساعد‭ ‬نفسي‮»‬‭ ‬

‭>>>‬

‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬المقاعد‭ ‬كافية‭ ‬للجميع‭ ‬فجلسوا‭ ‬متجاورين‭ ‬ملتصقين‭ ‬ببعضهم‭. ‬جعل‭ ‬سمير‭ ‬لبني‭ ‬جوار‭ ‬النافذة‭ ‬والتصق‭ ‬بها‭ ‬وجواره‭ ‬شابان‭. ‬خلفهما‭ ‬أربعة‭ ‬وأمامهما‭ ‬أربعة،‭ ‬وجوار‭ ‬السائق‭ ‬يجلس‭ ‬البدويان‭ ‬اللذان‭ ‬يحملان‭ ‬سلاحيهما‭. ‬تحركت‭ ‬السيارة‭ ‬ذات‭ ‬الدفع‭ ‬الرباعي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬السائق‭ ‬البدوي‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي‭ - ‬هكذا‭ ‬عرف‭ ‬اسمه‭ - ‬‮«‬توكلنا‭ ‬علي‭ ‬الله‮»‬‭. ‬كان‭ ‬الطريق‭ ‬الأسفلتي‭ ‬جيدا‭ ‬فأسرعت‭ ‬السيارة‭ ‬وقال‭ ‬السائق‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي‭:‬

‭- ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬الطريق‭ ‬ممهدا‭ ‬هكذا،‭ ‬فبعد‭ ‬خمسين‭ ‬كيلومترا‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬حُفرا‭ ‬كثيرة‭. ‬استعدوا‭.‬

لم‭ ‬يعلق‭ ‬أحد‭. ‬ليست‭ ‬صعوبة‭ ‬الطريق‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬تشغلهم،‭ ‬لكنه‭ ‬العبور‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا،‭ ‬وربما‭ ‬يفكر‭ ‬بعضهم‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬يفكر‭ ‬بعضهم‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬معني‭ ‬مافعل‭. ‬

كانت‭ ‬الرمال‭ ‬مترامية‭ ‬على‭ ‬الناحيتين،‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬الصعود‭. ‬أدرك‭ ‬سمير‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬أعلي‭ ‬الهضبة‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬إلي‭ ‬السلوم‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ظاهرا‭ ‬لهم‭ ‬شيئ‭ ‬من‭ ‬الظلام،‭ ‬لكن‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬النهار‭ ‬الزاحف‭ ‬علي‭ ‬مهل،‭ ‬جعلهم‭ ‬يرون‭ ‬أشجارا‭ ‬قصيرة‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬اسمائها،‭ ‬وحين‭ ‬يهل‭ ‬الفراغ‭ ‬تظهر‭ ‬بعض‭ ‬أشجار‭ ‬السنط‭ ‬الطويلة،‭ ‬علي‭ ‬مسافات‭ ‬متباعدة‭ ‬تقف‭ ‬ليس‭ ‬حولها‭ ‬شيئ،‭ ‬وبدا‭ ‬أنهم‭ ‬ابتعدوا‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬النخيل‭.‬

النهار‭ ‬الهابط‭ ‬يزداد،‭ ‬وبدأت‭ ‬رمال‭ ‬الصحراء‭ ‬تظهر‭ ‬لهم‭ ‬بُنية‭ ‬اللون،‭ ‬بينها‭ ‬تلال‭ ‬من‭ ‬الرمال‭ ‬القاتمة‭.  ‬حلّ‭ ‬النور‭ ‬قويا‭ ‬فاتسعت‭ ‬الدنيا‭ ‬ليجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬علي‭ ‬طريق‭ ‬أعلي‭ ‬الهضبة،‭ ‬وعلي‭ ‬يمينهم‭ ‬الأراضي‭ ‬الرملية‭ ‬منخفضة‭ ‬للغاية،‭ ‬ولا‭ ‬يميزون‭ ‬نباتاتها‭ ‬ولا‭ ‬أشجارها‭. ‬قال‭ ‬السائق‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي‭ :‬

‭- ‬لا‭ ‬تخافوا‭. ‬الطريق‭ ‬هكذا‭ ‬طويل‭. ‬لا‭ ‬تنظروا‭ ‬كثيرا‭ ‬إلى‭ ‬أسفل‭.‬

كان‭ ‬أكثر‭ ‬الشباب‭ ‬قد‭ ‬نام‭ ‬مكانه،‭ ‬وارتفعت‭ ‬أصوات‭ ‬شخرات‭ ‬متقطعة‭ ‬لبعضهم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أصوات‭ ‬أنفاسهم‭. ‬همس‭ ‬المجاور‭ ‬لسمير‭ ‬يسأله‭:‬

‭- ‬ممكن‭ ‬تسمح‭ ‬لي‭ ‬أسالك‭ ‬لماذا‭ ‬تسافر‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭ ‬مع‭ ‬زوجتك؟‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬خطر‭ ‬جدا‭ ‬الآن‭.‬

نظر‭ ‬إليه‭ ‬سمير‭ ‬فقال‭ ‬الشاب‭:‬

‭- ‬أنا‭ ‬آسف‭. ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬إحراجك،‭ ‬لكن‭ ‬فعلا‭ ‬أنا‭ ‬اسأل‭ ‬نفسي‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭. ‬أنا‭ ‬مثلا‭ ‬مسافر‭ ‬لأني‭ ‬أحب‭ ‬ابنة‭ ‬عمي،‭ ‬وليس‭ ‬لدىّ‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬أتزوجها‭ ‬وأفتح‭ ‬بيتا،‭ ‬فقررت‭ ‬المغامرة‭ ‬لعل‭ ‬ربنا‭ ‬يكرمني،‭ ‬لكن‭ ‬أنتما‭ ‬متزوجان‭.‬

ازداد‭ ‬سمير‭ ‬ابتسامة‭ ‬ثم‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬زهقت‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬هل‭ ‬ستصدقني؟

سكت‭ ‬الشاب‭ ‬لحظات‭ ‬وارتبك‭ ‬إذ‭ ‬وجد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬الكلام‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬سامحني‭. ‬أنا‭ ‬خريج‭ ‬جامعة‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬ولا‭ ‬أجد‭ ‬عملا‭. ‬خريج‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬وكل‭ ‬محامي‭ ‬اشتغلت‭ ‬معه‭ ‬لم‭ ‬يدفع‭ ‬لي‭ ‬مليما‭ ‬واحدا‭ ‬علي‭ ‬أساس‭ ‬أني‭ ‬أتدرب‭ ‬عنده،‭ ‬لكن‭ ‬حضرتك‭ ‬واضح‭ ‬أنك‭ ‬انهيت‭ ‬تعليمك‭ ‬من‭ ‬زمان‭ ‬ولابد‭ ‬تعمل‭.‬

‭- ‬أنا‭ ‬مدرس‭ ‬جغرافيا‭.‬

‭- ‬يعني‭ ‬لك‭ ‬عمل‭.‬

‭- ‬طبعا‭. ‬

سكت‭ ‬الشاب‭ ‬متحيرا‭ ‬فقال‭ ‬سمير‭: ‬

‭- ‬لن‭ ‬تقتنع‭ ‬بحديثي‭ ‬من‭ ‬أني‭ ‬زهقت‭ ‬من‭ ‬مصر‭. ‬أنا‭ ‬لن‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭. ‬سأخرج‭ ‬منها‭ ‬إلي‭ ‬تونس‭ ‬ثم‭ ‬الجزائر‭ ‬ثم‭ ‬المغرب،‭ ‬ومن‭ ‬المغرب‭ ‬إلي‭ ‬الأندلس‭.‬

اندهش‭ ‬الشاب‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬الأندلس‭ ‬وكاد‭ ‬يضحك‭ ‬ثم‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬أسبانيا‭ ‬تقصد‭ ‬حضرتك؟

‭- ‬بالضبط‭.‬

‭- ‬تفتكر‭ ‬دخول‭ ‬أسبانيا‭ ‬سهل؟

‭- ‬لا‭ ‬أعرف‭. ‬سأجد‭ ‬طريقة‭ ‬للوصول‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬طنجة‭. ‬من‭ ‬مضيق‭ ‬جبل‭ ‬طارق‭ ‬يعني‭.‬

وبعد‭ ‬لحظة‭ ‬صمت‭ ‬قال‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬أنصحك‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬مثلي‭. ‬لا‭ ‬تبقَ‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬

ابتسم‭ ‬الشاب‭ ‬ساخرا‭ ‬وقال‭:‬

‭- ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬نحن‭ ‬سنعبر‭ ‬سلكا‭ ‬واحدا‭ ‬ونطلب‭ ‬من‭ ‬ربنا‭ ‬النجاة‭. ‬تريدنا‭ ‬أن‭ ‬نعبر‭ ‬سلك‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬الله‭ ‬كريم‭.‬

سكتا‭ ‬وفي‭ ‬لحظات‭ ‬نزل‭ ‬النوم‭ ‬علي‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتحدث،‭ ‬وضع‭ ‬سمير‭ ‬رأسه‭ ‬علي‭ ‬كتف‭ ‬لبني‭ ‬التي‭ ‬نامت‭ ‬أيضا،‭ ‬وشمل‭ ‬السيارة‭ ‬الصمت‭ ‬العميق،‭ ‬رغم‭ ‬النور‭ ‬الذي‭ ‬راح‭ ‬يملأ‭ ‬الدنيا‭ ‬حولها‭.‬

‭>>>‬‭  ‬

رفع‭ ‬سمير‭  ‬بصره‭ ‬إلي‭ ‬السماء‭ ‬يقول‭ ‬لنفسه،‭ ‬غريب‭ ‬أمر‭ ‬هذه‭ ‬الصحراء،‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يري‭ ‬فوقها‭ ‬طيورا‭ ‬مع‭ ‬الصباح؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تأتيه‭ ‬الطيور‭ ‬التي‭ ‬طارت‭ ‬بلبني‭ ‬كما‭ ‬حكت‭ ‬له،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطيور‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬للإنس‭ ‬من‭ ‬البشر؟‭  ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬تحل‭ ‬الطيور‭ ‬مشكلة‭ ‬البشر‭ ‬فتنقل‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬إلي‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يريد،‭ ‬وتعبر‭ ‬به‭ ‬الحدود‭ ‬سعيدا‭ ‬في‭ ‬الفضاء؟‭ ‬لكنه‭ ‬رأي‭ ‬بعيدا‭ ‬جدا‭ ‬طابورا‭ ‬من‭ ‬الجمال‭ ‬تبدو‭ ‬لبعدها‭ ‬صغيرة‭. ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الشرق،‭ ‬وحولها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬يبدون‭ ‬صغار‭ ‬الحجم‭ ‬ملثمين‭ ‬فكأن‭ ‬ثيابهم‭ ‬تغطيهم‭. ‬ها‭ ‬هي‭ ‬الصحراء‭ ‬تظهر،‭ ‬وربما‭ ‬بعد‭ ‬قليل‭ ‬تظهر‭ ‬نسور‭ ‬وصقور‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬وغزلان‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭. ‬

‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬ترك‭ ‬السيارة‭ ‬والمشي‭ ‬وحده‭ ‬ومعه‭ ‬لبني‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭. ‬يشعر‭ ‬أنه‭ ‬سيجد‭ ‬بيوتا‭ ‬كثيرة‭ ‬خالية،‭ ‬وسيجد‭ ‬قلاعا‭ ‬مهدمة،‭ ‬وبينها‭ ‬سيجد‭ ‬بشرا‭ ‬منسيين‭ ‬منذ‭ ‬آلالف‭ ‬السنين‭ ‬سيحكون‭ ‬له‭ ‬حكايات‭ ‬غريبة‭. ‬ربما‭ ‬يجد‭ ‬جنودا‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬ينتظرون‭ ‬الأوامر‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انسحب‭ ‬روميل‭! ‬هو‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬أن‭ ‬روميل‭ ‬ترك‭ ‬خلفه‭ ‬غير‭ ‬الأسري‭ ‬والألغام‭. ‬لقد‭ ‬قرأ‭ ‬أن‭ ‬روميل‭ ‬اكتسب‭ ‬لقب‭ ‬ثعلب‭ ‬الصحراء،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يهاجم‭ ‬قوات‭ ‬الحلفاء‭ ‬بعدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬قواته‭ ‬في‭ ‬المواجهة،‭ ‬ويلتف‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬بالعدد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬القوات،‭ ‬فتظن‭ ‬قوات‭ ‬الحلفاء‭ ‬أنهم‭ ‬وقعوا‭ ‬وسط‭ ‬الحصار‭ ‬فيستسلمون‭. ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬دفع‭ ‬بعدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬في‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬طريق،‭ ‬وانسحب‭ ‬بالعدد‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬أخر‭ ‬متوقعا‭ ‬أن‭ ‬يستسلم‭ ‬العدد‭ ‬الأصغر‭ ‬فينشغل‭ ‬الحلفاء‭ ‬عن‭ ‬العدد‭ ‬الأكبر،‭ ‬لكن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬ينجوا‭ ‬العدد‭ ‬الأصغر‭ ‬ويظلون‭ ‬في‭ ‬مكانهم‭ ‬ينتظرون‭ ‬الأوامر‭ ‬باستكمال‭ ‬الانسحاب‭! ‬ابتسم‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قرأ‭ ‬يوما‭ ‬عن‭ ‬جندي‭ ‬ياباني‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭. ‬جندي‭ ‬ظل‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرين‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬الغابات‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬منها،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬باستسلام‭ ‬امبراطور‭ ‬اليابان‭ ‬بعد‭ ‬قنبلتي‭ ‬هيروشيما‭ ‬و‭ ‬نجازاكي‭ ‬النوويتين‭. ‬صعب‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الغربية،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬انسحب‭ ‬مع‭ ‬روميل،‭ ‬انسحبوا‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬واحد‭. ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬جوجل‭ ‬الآن‭ ‬يصور‭ ‬كل‭ ‬شيئ،‭ ‬وكان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التعرف‭ ‬عليهم‭. ‬لكنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يري‭ ‬حقا‭ ‬آثارا‭ ‬مخفية‭ ‬لا‭ ‬ينتبه‭ ‬أحد‭ ‬الي‭ ‬وجودها‭ ‬باعتبارها‭ ‬مهدمة،‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬بها‭ ‬أرواحا‭ ‬قديمة‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬معها‭ ‬أحد‭. ‬لكن‭ ‬لبني‭ ‬مالت‭ ‬برأسها‭ ‬عليه‭ ‬وقالت‭:‬

‭- ‬أنا‭ ‬جائعة‭.‬

لا‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬سمعها‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬يجاوره‭ ‬إذ‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬معنا‭ ‬طعام‭ ‬لكن‭ ‬فوق‭ ‬السيارة‭.‬

ثم‭ ‬سأل‭ ‬الشاب‭ ‬السائق‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يتوقف‭ ‬ليأتي‭ ‬بشيئ‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬حقيبته،‭ ‬فأجابه‭:‬

‭- ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬ننتظر‭. ‬سيتسع‭ ‬الطريق،‭ ‬وسنجد‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬نتوقف‭ ‬فيها‭ ‬وتأكلون‭ ‬جميعا‭. ‬بها‭ ‬فقط‭ ‬صاحب‭ ‬مطعم‭ ‬صغير‭ ‬يعد‭ ‬الفول‭ ‬والفلافل‭ ‬واللحم‭ ‬أيضا‭. ‬إنه‭ ‬لايترك‭ ‬المكان‭ ‬رغم‭ ‬خلو‭ ‬القرية‭. ‬يعيش‭ ‬علي‭ ‬الزبائن‭ ‬الذين‭ ‬يمرون‭ ‬عليه‭ ‬رغم‭ ‬قلتهم‭. ‬سنشرب‭ ‬شايا‭ ‬عنده‭ ‬أيضا‭. ‬

قال‭ ‬سمير‭ ‬للشاب‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬أن‭ ‬اسمه‭ ‬مختار‭:‬

‭- ‬هذا‭ ‬أفضل‭. ‬دعه‭ ‬في‭ ‬الطريق‭.‬

 

‭-‬‮٤‬‭-‬

 

مكان‭ ‬تتناثر‭ ‬بيوته‭ ‬القليلة‭ ‬بين‭ ‬الرمال‭ ‬وأشجار‭ ‬النخيل‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬الزيتون‭ ‬وبينها‭ ‬بائع‭ ‬الفول‭ ‬والطعمية‭. ‬وقفوا‭ ‬جميعا‭ ‬ينتظرون‭ ‬ما‭ ‬سيقوله‭ ‬لهم‭ ‬قائد‭ ‬الرحلة‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي‮»‬‭ ‬لكن‭ ‬سمير‭ ‬كان‭ ‬يتطلع‭ ‬حوله‭ ‬إلي‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬الفضاء‭. ‬ليس‭ ‬معقولا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأشجار‭ ‬الواضحة‭ ‬هي‭ ‬النخيل‭ ‬والزيتون‭ ‬فقط‭ . ‬رأي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬وعلي‭ ‬مسافات‭ ‬بعيدة‭ ‬أشجاراً‭ ‬تقف‭ ‬وحدها،‭ ‬عرف‭ ‬أنها‭ ‬أشجار‭ ‬السنط‭ ‬التي‭ ‬رآها‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الرحلة‭. ‬كما‭ ‬شاهد‭ ‬مجموعات‭ ‬متناثرة‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬الصبّار‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترتفع‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭. ‬وبعيدا‭ ‬رأي‭ ‬مساحة‭ ‬ضيقة‭ ‬تتجاور‭ ‬فيها‭ ‬نباتات‭ ‬عباد‭ ‬الشمس،‭ ‬وقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬وجوه‭ ‬زهوره‭ ‬إلي‭ ‬الشرق‭ ‬حيث‭ ‬لازالت‭ ‬الشمس‭. ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الخضرة‭ ‬علي‭ ‬الأرض‭ ‬تبدو‭ ‬عشوائية،‭ ‬لابد‭ ‬أنها‭ ‬نبات‭ ‬الشيح‭. ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬يسأل‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي‭:‬

‭- ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬شيح؟

‭- ‬كيف‭ ‬عرفت؟

‭- ‬أنا‭ ‬مدرس‭ ‬جغرافيا‭. ‬فاكر‭ ‬أني‭ ‬رأيت‭ ‬صورا‭ ‬لهذه‭ ‬النباتات‭. ‬

قال‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭  ‬الهلالي‭:‬

‭- ‬سنبقي‭ ‬هنا‭ ‬حتي‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭. ‬استرح‭ ‬في‭ ‬المخزن‭ ‬وزوجتك،‭ ‬ثم‭ ‬أخرج‭ ‬شاهد‭ ‬النباتات‭ ‬براحتك،‭ ‬واسأل‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬شيئ‭ ‬فهو‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬عشرته‭ ‬معنا‭. ‬

ثم‭ ‬خاطب‭ ‬الجميع‭ ‬قائلا‭:‬

‭ - ‬لن‭ ‬تجدوا‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬هنا‭ ‬غير‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬صاحب‭ ‬المطعم‭. ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬السلوم‭ ‬نفسها‭. ‬مدينة‭ ‬السلوم‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬الهروب‭ ‬منها‭. ‬نحن‭ ‬في‭ ‬محيطها‭. ‬لو‭ ‬تأخرنا‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬إليها‭. ‬الغرباء‭ ‬يُعرَفون‭. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬مخزن‭ ‬به‭ ‬غرف‭ ‬لنوم‭ ‬الغرباء‭ ‬المسافرين‭ ‬أو‭ ‬الهاربين‭. ‬الآن‭ ‬نحن‭ ‬بعد‭ ‬الظهر‭ ‬وسنتحرك‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ . ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬منكم‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬أي‭ ‬منزل‭ ‬سيجد‭ ‬فيه‭ ‬أسرّة‭ ‬ينام‭ ‬عليها،‭ ‬ولمبات‭ ‬جاز‭ ‬من‭ ‬لمبات‭ ‬زمان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضيئوها‭ ‬في‭ ‬الغرف‭. ‬ستجدون‭ ‬أيضا‭ ‬علب‭ ‬كبريت‭. ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬ننسي‭ ‬شيئا‭. ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تستعدوا‭ ‬للانطلاق‭ ‬بعد‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭.‬

ولما‭ ‬رآهم‭ ‬ينظرون‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬قلق‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬صاحب‭ ‬المطعم‭ ‬أبوجابر‭ ‬يعرف‭ ‬ماذا‭ ‬نفعل‭. ‬لا‭ ‬تخشوا‭ ‬شيئا‭. ‬ستدخلون‭ ‬ليبيا‭ ‬بسلام‭.‬

اتجه‭ ‬العشرة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬إلي‭ ‬منزلين،‭ ‬أو‭ ‬مخزنين‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي،‭ ‬ووقف‭ ‬سمير‭ ‬ولُبني‭ ‬ينظران‭ ‬إليهم‭ ‬حتي‭ ‬يختارا‭ ‬بعدهم‭ ‬منزلا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭. ‬كان‭ ‬كلاهما‭ ‬ينظر‭ ‬إلي‭ ‬الآخر‭ ‬باسما‭ ‬كأنما‭ ‬يعرفان‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬سيفعلانه‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬غيرهما‭ ‬له‭ ‬صوتا‭ ‬حين‭ ‬يلتقيان‭ ‬علي‭ ‬السرير‭. ‬اتجها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلي‭ ‬بيت‭ ‬ثالث‭ ‬وسمعا‭ ‬أحد‭ ‬حاملي‭ ‬السلاح‭ ‬يقول‭ ‬من‭ ‬بعيد‭:‬

‭- ‬يازين‭ ‬ما‭ ‬اخترتما‭. ‬سراير‭ ‬المخزن‭ ‬هذا‭ ‬واسعة‭ ‬مريحة‭.‬

ابتسم‭ ‬له‭ ‬سمير‭ ‬وتقدم‭ ‬ممسكا‭ ‬لبنى‭ ‬من‭ ‬يدها‭ ‬ودخلا‭ ‬إلي‭ ‬البيت‭. ‬البيت‭ ‬طابق‭ ‬واحد‭ ‬سقفه‭ ‬من‭ ‬الأخشاب،‭ ‬وجدرانه‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الدبش‭ ‬ليست‭ ‬مكسوة‭ ‬بالمحارة‭ ‬ولا‭ ‬الدهان،‭ ‬بيضاء‭ ‬أمامهم‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬بينها‭ ‬فقط‭ ‬لحامات‭ ‬الأسمنت‭ ‬رمادية‭. ‬بياضها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬أكثر‭ ‬نصاعة،‭ ‬وليس‭ ‬عليها‭ ‬عنكبوت‭ ‬كما‭ ‬رأيا‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬لكن‭ ‬الغرف‭ ‬كلها،‭ ‬وهي‭ ‬أربعة،‭ ‬لا‭ ‬أبواب‭ ‬لها،‭ ‬بينها‭ ‬حمّام‭ ‬كبير،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬تأتي‭ ‬المياه‭ ‬هنا‭. ‬لكنهما‭ ‬وجدا‭ ‬صفيحة‭ ‬ممتلئة‭ ‬بالمياه‭. ‬لابد‭ ‬يأتي‭ ‬بها‭ ‬المهربون‭ ‬من‭ ‬بئر‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬لن‭ ‬يحتاجا‭ ‬مياها‭ ‬كثيرة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭. ‬

رأيا‭ ‬علي‭ ‬الأرض‭ ‬البلاط‭ ‬المتسخة‭ ‬أعدادا‭ ‬من‭ ‬النمل‭. ‬انزعجت‭ ‬لبني‭ ‬فقال‭ ‬لها‭ ‬سمير‭ ‬لن‭ ‬نبقي‭ ‬كثيرا‭ ‬علي‭ ‬أي‭ ‬حال‭. ‬سيمر‭ ‬الوقت‭ ‬بسرعة‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نمضي‭ ‬بعضه‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬لكنهما‭ ‬رأيا‭ ‬كلبا‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬إحدي‭ ‬الغرف،‭ ‬يراهما‭ ‬فيقف‭ ‬ينظر‭ ‬إليهما‭. ‬ارتعبت‭ ‬لُبني‭ ‬وهتفت‭ ‬‮«‬يامه‮»‬‭ ‬وألقت‭ ‬بنفسها‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬سمير‭ ‬الذي‭ ‬ابتسم‭ ‬وجعلها‭ ‬خلفه‭ ‬قائلا‭:‬

‭- ‬ادخلي‭ ‬الغرفة‭.‬

‭ ‬دخلت‭ ‬الغرفة‭ ‬التي‭ ‬خلفه‭ ‬في‭ ‬رعب،‭ ‬ووقف‭ ‬هو‭ ‬ينظر‭ ‬إلي‭ ‬الكلب‭ ‬يفكر،‭ ‬هل‭ ‬لو‭ ‬رفع‭ ‬صوته‭ ‬يطرده‭ ‬سيستمع‭ ‬إليه؟‭ ‬وهل‭ ‬إذا‭ ‬تقدم‭ ‬منه‭ ‬يطرده‭ ‬لن‭ ‬يهجم‭ ‬عليه؟‭ ‬إنه‭ ‬كلب‭ ‬ضخم‭ ‬حقا‭. ‬لكن‭ ‬فجأة‭ ‬ظهر‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬داخلا‭ ‬يقول‭:‬

‭- ‬لا‭ ‬تخف‭. ‬

وأشار‭ ‬إلي‭ ‬الكلب‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬فخرج‭ ‬أمامه‭ ‬وقال‭ ‬لسمير‭:‬

‭- ‬هو‭ ‬حارسي‭ ‬هنا‭. ‬هناك‭ ‬مجرمون‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يأتون،‭ ‬وفي‭ ‬الغرف‭ ‬هذه‭ ‬أرواح‭. ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬أنكم‭ ‬لن‭ ‬تبيتوا‭ ‬فيها‭.‬

وتركه‭ ‬خارجا‭ ‬بينما‭ ‬سمير‭ ‬يقف‭ ‬مندهشا‭ ‬مفكرا‭ ‬في‭ ‬هذ‭ ‬الأرواح‭ ‬التي‭ ‬ذكرها‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭. ‬لابد‭ ‬أنه‭ ‬يغالي‭ ‬من‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭. ‬دخل‭ ‬إلي‭ ‬لُبنى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬استلقت‭ ‬بثيابها‭ ‬فوق‭ ‬السرير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خلعت‭ ‬النقاب،‭ ‬ومال‭ ‬عليها‭ ‬يحضنها‭ ‬قائلا‭:‬

‭- ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬يقول‭ ‬أن‭ ‬هنا‭ ‬أرواح‭.‬

فزعت‭ ‬جالسة‭ ‬قائلة‭ ‬‮«‬يالهوي‮»‬‭ ‬لكنه‭ ‬ضحك‭ ‬وقال‭:‬

‭- ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬جنيّة‭ ‬تخاف‭ ‬من‭ ‬الأرواح؟‭ ‬سأحكي‭ ‬لك‭ ‬حكايات‭ ‬عن‭ ‬الصحراء‭.‬

‭- ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬شيئا‭ ‬معي‭. ‬ليس‭ ‬لي‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬شيئ‭. ‬متعبة‭ ‬حتي‭ ‬أني‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أكنس‭ ‬الأرض‭. ‬جائعة‭ ‬وأريد‭ ‬أن‭ ‬أنام‭.‬

‭-  ‬وأنا‭ ‬جائع‭ ‬جدا‭ ‬وأريد‭ ‬أن‭ ‬آكلك‭.‬

وراح‭ ‬يقبِّلها‭ ‬فقالت‭:‬

‭- ‬أعرف‭ ‬انك‭ ‬لم‭ ‬تشبع‭. ‬هيا‭ ‬نأكل‭ ‬عند‭ ‬أبو‭ ‬جابر،‭ ‬ودعنا‭ ‬مما‭ ‬تريد‭ ‬الآن‭ ‬حتي‭ ‬نعبر‭ ‬الحدود‭.‬

ولم‭ ‬تنتظر‭ ‬رده‭. ‬وقفت‭ ‬واستدارت‭ ‬فوقف‭. ‬خرجا‭ ‬إلي‭ ‬الفضاء‭ ‬فراعهما‭ ‬الصمت‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬الكون‭. ‬النور‭ ‬الذي‭ ‬ازداد‭ ‬مع‭ ‬تقدم‭ ‬النهار‭. ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬مقلاة‭ ‬الطعمية،‭ ‬يجهز‭ ‬بعض‭ ‬الساندوتشات‭ ‬لثلاثة‭ ‬يقفون‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬الهاربين‭. ‬أثارهما‭ ‬أنه‭ ‬إلي‭ ‬جوار‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬تقف‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬الأربعين‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقلي‭ ‬الطعمية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬لأبو‭ ‬جابر‭ ‬يصنع‭ ‬الساندوتشات‭ ‬منها‭. ‬

قالت‭ ‬لبني‭:‬

‭- ‬امرأة‭ ‬هنا؟

رد‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬أكيد‭ ‬زوجته‭. ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬حقا‭ ‬يعيشان‭ ‬هنا؟

ثم‭ ‬ظهر‭ ‬طفلان‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬البيوت‭ ‬القريبة‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬العاشرة‭ ‬من‭ ‬عمرهما‭ ‬يرتديان‭ ‬جلبابين‭ ‬وحافيين،‭ ‬وراحا‭ ‬يجريان‭ ‬خلف‭ ‬بعضهما،‭ ‬فصرخ‭ ‬فيهما‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬أن‭ ‬يدخلا‭ ‬إلي‭ ‬البيت‭. ‬قالت‭ ‬لبني‭:‬

‭- ‬وعندهما‭ ‬أطفال‭ ‬أيضا‭!‬

لم‭ ‬يرد‭ ‬سمير‭. ‬كان‭ ‬يتطلع‭ ‬إلي‭ ‬الجبال‭ ‬البعيدة‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬واضحة‭ ‬كثيرا،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬يميل‭ ‬لونها‭ ‬إلي‭ ‬اللون‭ ‬البني‭. ‬قدم‭ ‬لهما‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬كرسيين‭ ‬صغيرين‭ ‬وأشار‭ ‬إليهما‭ ‬بالجلوس‭. ‬تساءلت‭ ‬لبني‭:‬

‭- ‬هل‭ ‬سنأكل‭ ‬هنا؟

أجاب‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬أري‭ ‬ذلك‭ ‬أفضل‭. ‬نشعر‭ ‬بالفضاء‭ ‬ونتطلع‭ ‬إلي‭ ‬الجبال‭.‬

كان‭ ‬الكلب‭ ‬الذي‭ ‬رأياه‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬يمشي‭ ‬بعيدا‭ ‬وحده‭ ‬في‭ ‬زهو‭. ‬يقف‭ ‬أحيانا‭ ‬ينكش‭ ‬بقدمه‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬ثم‭ ‬يمضي‭ ‬علي‭ ‬مهل‭. ‬كانت‭ ‬لبني‭ ‬تنظر‭ ‬إليه‭ ‬فقالت‭ ‬زوجة‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬التي‭ ‬عرفتهم‭ ‬باسمها‭ ‬‮«‬تحية‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬يشعر‭ ‬بشيئ‭ ‬يتحرك‭ ‬تحته،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حية‭ ‬ولا‭ ‬ثعبان‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يجد‭ ‬سحلية‭ ‬أو‭ ‬ثعبان،‭ ‬لا‭ ‬تعتدي‭ ‬السحلية‭ ‬ولا‭ ‬الثعبان‭ ‬عليه‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬دائم‭ ‬البحث‭ ‬عنها‭.‬

ورأت‭ ‬تحية‭ ‬في‭ ‬عيني‭ ‬لبني‭ ‬اسئلة،‭ ‬فأجابت‭ ‬تلقائيا‭ ‬أنها‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬بمحافظة‭ ‬الدقهلية‭ ‬أسمها‭ ‬بلقاس،‭ ‬وتأتي‭ ‬هنا‭ ‬مع‭ ‬الإجازة‭ ‬الدراسية‭ ‬تمضي‭ ‬الصيف‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭. ‬زوجها‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬تقريبا‭ ‬لا‭ ‬يسافر‭ ‬إليهم‭ ‬طول‭ ‬العام‭. ‬يحب‭ ‬الخلاء‭ ‬والعمل‭ ‬هنا‭.‬

كانت‭ ‬دهشة‭ ‬لبني‭ ‬من‭ ‬وجودهما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء،‭ ‬وسمير‭ ‬يجلس‭ ‬جوارها‭ ‬وقد‭ ‬قدم‭ ‬إليهما‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬خبزا‭ ‬وطبقين‭ ‬من‭ ‬الفول‭ ‬وعددا‭ ‬من‭ ‬أقراص‭ ‬الطعمية‭. ‬اعتذر‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬سلطة،‭ ‬لكن‭ ‬فجأة‭ ‬هلت‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬الطيور‭ ‬عالية‭ ‬ترفرف‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬ولا‭ ‬تقف‭. ‬لم‭ ‬يسمعا‭ ‬منها‭ ‬صوتا‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬كثيرة‭. ‬تأملها‭ ‬سمير‭ ‬وبدأ‭ ‬يشعر‭ ‬بسحر‭ ‬الصحراء‭. ‬قال‭ ‬لأبو‭ ‬جابر‭:‬

‭- ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬صقورا‭ ‬ولا‭ ‬نسورا‭.‬

‭- ‬هذه‭ ‬الحُباري‭. ‬كبيرة‭ ‬مثل‭ ‬البطة‭ ‬تتجه‭ ‬إلي‭ ‬الشاطئ‭ ‬القريب‭. ‬

‭ ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬ذلك‭ ‬وسحب‭ ‬مقعدا‭ ‬ثالثا‭ ‬وجلس‭ ‬معهما‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬لسمير‭:‬

‭- ‬أرجوك‭ ‬ثق‭ ‬في‭.‬

‭- ‬أنا‭ ‬أثق‭ ‬فيك‭.‬

‭- ‬لماذا‭ ‬تريد‭ ‬الهروب‭ ‬ومعك‭ ‬زوجتك؟

‭- ‬سألني‭ ‬شاب‭ ‬ممن‭ ‬معي‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬زهقت‭ ‬من‭ ‬مصر‭.‬

‭- ‬لكنها‭ ‬مخاطرة‭ ‬كبيرة‭.‬

‭- ‬أعرف‭. ‬

‭- ‬ليتك‭ ‬تفكر‭ ‬قليلا‭ ‬وتعود‭. ‬ذلك‭ ‬أفضل‭. ‬لن‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬شيئاً‭ ‬آخر‭.‬

وتركه‭ ‬ووقف‭ ‬جوار‭ ‬زوجته‭ ‬التي‭ ‬راحت‭ ‬تقلي‭ ‬عدداً‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أقراص‭ ‬الطعمية‭.‬

‭>>>‬

كان‭ ‬النوم‭ ‬يداعب‭ ‬لبني‭ ‬أمامه‭. ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬بها‭ ‬إلي‭ ‬المخزن‭. ‬هي‭ ‬ساعة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭ ‬ويخرجان‭ ‬ليجلسا‭ ‬أو‭ ‬يمشيا‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬ينظران‭ ‬إلي‭ ‬الطيور‭ ‬التي‭ ‬لابد‭ ‬ستظهر‭ ‬كثيرة‭. ‬الطيور‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬التي‭ ‬تنعم‭ ‬بالحرية‭. ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬حريتها‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يظهر‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬ويشعل‭ ‬الثورات‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬تفشل‭ ‬أو‭ ‬تنجح،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬يتسلي‭ ‬بصيد‭ ‬الطيور‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬عليها‭. ‬كيف‭ ‬حقا‭ ‬يحرِّض‭ ‬اتساع‭ ‬الفضاء‭ ‬علي‭ ‬القتل‭ ‬والأولي‭ ‬أن‭ ‬يحلق‭ ‬فيه‭ ‬الخيال‭ ‬والأحلام‭!‬

‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يطول‭ ‬نوم‭ ‬لبني‭. ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلي‭ ‬نوم،‭ ‬لكن‭ ‬يرجو‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬لايطول،‭ ‬وبعده‭ ‬يخرج‭ ‬ويري‭ ‬طيورا‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬غير‭ ‬الحُباري‭ ‬الجميلة‭. ‬سيري‭ ‬نسورا‭ ‬و‭ ‬صقورا‭ ‬وحماما،‭ ‬وبالليل‭ ‬سيري‭ ‬الخفافيش‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬الأشجار‭. ‬لم‭ ‬يري‭ ‬هدهدا‭  ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬ولا‭ ‬لقلقا‭ ‬ولا‭ ‬نعامة‭ ‬شاردة‭ ‬وحدها‭ ‬وسط‭ ‬الرمال‭.  ‬من‭ ‬يدري‭ ‬ربما‭ ‬تكشف‭ ‬له‭ ‬الصحراء‭ ‬كل‭ ‬شيئ‭ ‬بعد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬الظلام‭. ‬ولما‭ ‬رأي‭ ‬شيئا‭ ‬يمشي‭ ‬علي‭ ‬الأرض‭ ‬يتلوي‭ ‬ذات‭ ‬اليمين‭ ‬واليسار،‭ ‬أدرك‭ ‬أنه‭ ‬ثعبان‭ ‬فوقف،‭ ‬لكن‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يخف،‭ ‬سيمضي‭ ‬الثعبان‭ ‬بعيدا‭ ‬عنهم‭. ‬ولما‭ ‬سأله‭ ‬كيف‭ ‬تعيش‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الثعابين‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬علمني‭ ‬البدو‭ ‬أنها‭ ‬أرواح‭ ‬بشر،‭ ‬وتعاملت‭ ‬معها‭ ‬كذلك،‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬تتعامل‭ ‬معي‭ ‬كذلك،‭ ‬فلا‭ ‬تقترب‭ ‬مني‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬زوجتي‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬طفلىّ‭. ‬

وسكت‭ ‬قليلا‭ ‬بينما‭ ‬سمير‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬ثعابين‭ ‬الوشم‭ ‬علي‭ ‬جسد‭ ‬لبني‭. ‬لم‭ ‬يأتي‭ ‬أبو‭ ‬رقية‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬فراغ‭. ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬المعلم‭ ‬جابر‭:‬

‭- ‬كل‭ ‬شيئ‭ ‬هنا‭ ‬يعتقد‭ ‬البدو‭ ‬أنه‭ ‬أرواح‭ ‬بشر‭ ‬وكلها‭ ‬صديقة‭ ‬للجن‭. ‬إذا‭ ‬قتلتها‭ ‬يظهر‭ ‬لك‭ ‬الجن‭ ‬ينتقم‭ ‬منك‭. ‬لن‭ ‬تري‭ ‬الجن‭ ‬نفسه،‭ ‬لكن‭ ‬ستراه‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬أخري‭. ‬نسر‭ ‬يهبط‭ ‬يفقأ‭ ‬عينك،‭ ‬أو‭ ‬صقر،‭ ‬أو‭ ‬حية‭ ‬تلدغك‭. ‬أو‭ ‬تهاجمك‭ ‬البراغيث‭ ‬بالآلاف‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬البق‭ ‬بالليل‭ ‬والقمل‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الشمس‭ ‬قوية‭ ‬بالنهار‭. ‬إذا‭ ‬عشت‭ ‬هنا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬فرشك‭ ‬للشمس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭. ‬علمني‭ ‬البدو‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬حالي،‭ ‬وأترك‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬حالها‭. ‬هل‭ ‬تري‭ ‬هاتين‭ ‬الصخرتين‭ ‬البعيدتين‭ ‬المعلقتين‭ ‬أعلي‭ ‬الهضبة؟

أجاب‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬أراهما‭.‬

‭- ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتخيل‭ ‬أنهما‭ ‬ستسقطان‭ ‬عليه‭. ‬أنظر‭ ‬إلي‭ ‬هذا‭ ‬العُنق‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭  ‬يحمل‭ ‬كلا‭ ‬منهما‭. ‬عنق‭ ‬صخري‭ ‬ضيق‭ ‬القطر‭ ‬يتضاءل‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬حتي‭ ‬سيأتي‭ ‬يوم‭ ‬تسقطان‭ ‬وحدهما،‭ ‬لكن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬أنت‭ ‬ذلك‭. ‬لن‭ ‬يسقطا‭ ‬علي‭ ‬أحد‭ ‬يعبر‭ ‬تحتهما‭. ‬لكنهما‭ ‬إذا‭ ‬كسرهما‭ ‬أحد‭ ‬ودمرهما،‭ ‬ستسقط‭ ‬عليه‭ ‬جبال‭ ‬لا‭ ‬يراها‭. ‬يقولون‭ ‬لي‭ ‬ألم‭ ‬تسمع‭ ‬عن‭ ‬الصفا‭ ‬والمروة‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬لقد‭ ‬كانا‭ ‬روحان‭. ‬رجلا‭ ‬وامرأة‭. ‬الصفا‭ ‬رجل‭ ‬والمروة‭ ‬أنثي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬تحطيمهما‭. ‬هاتين‭ ‬الصخرتين‭ ‬أيضا‭ ‬كانتا‭ ‬عاشقين‭. ‬

كان‭ ‬سمير‭ ‬يستمع‭ ‬مذهولا‭. ‬إن‭ ‬كل‭ ‬ماعرفه‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬مايقوله‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬الذي‭ ‬قال‭:‬

‭- ‬ليتك‭ ‬تتحدث‭ ‬مع‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي‭ ‬يحكي‭ ‬لك‭ ‬الحكايات‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيئ‭ ‬هنا،‭ ‬حتي‭ ‬اذا‭ ‬دخلت‭ ‬إلي‭ ‬ليبيا‭ ‬ووفقك‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬تخطئ‭ ‬هناك،‭ ‬ويراك‭ ‬البدو‭ ‬قريبا‭ ‬منهم‭ ‬بحكاياتك‭ ‬فيساعدونك‭.‬

قال‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬فتحت‭ ‬نفسي‭ ‬يا‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭. ‬ليتك‭ ‬تحدثني‭ ‬أكثر‭. ‬سأقول‭ ‬لك‭ ‬سرًا‭. ‬لك‭ ‬حق‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬إلي‭ ‬بلقاس،‭ ‬ولا‭ ‬إلي‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الدلتا‭ ‬أو‭ ‬الصعيد‭.‬

ابتسم‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬وقال‭:‬

‭- ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والريف‭ ‬يؤمن‭ ‬الناس‭ ‬بالجن‭. ‬بعضهم‭ ‬يقول‭ ‬أنه‭ ‬يراه‭. ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يراه‭. ‬الجن‭ ‬خلقه‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬نار،‭ ‬وخلق‭ ‬منه‭ ‬جنيّة‭ ‬عاشرها‭ ‬فانجبا‭ ‬كل‭ ‬الحيوانات‭ ‬الشريرة‭. ‬الحيوانات‭ ‬الشريرة‭ ‬هي‭ ‬الجن‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وهي‭ ‬تنتقم‭ ‬كثيرا‭ ‬للحيوانات‭ ‬الطيبة،‭ ‬وللجماد‭ ‬أيضا‭. ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬لماذا‭ ‬يحب‭ ‬الجن‭ ‬الانتقام‭ ‬للمظلومين؟‭ ‬لأن‭ ‬المظلومين‭ ‬كثيرون،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬له‭ ‬كثيرة‭! ‬

وضحك‭ ‬أبو‭ ‬جابر،‭ ‬لكن‭ ‬سمير‭ ‬كان‭ ‬يبدو‭ ‬مقتنعا‭. ‬ثم‭ ‬استطرد‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭:‬

‭- ‬علمني‭ ‬البدو‭ - ‬ونظر‭ ‬خلفه‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ -  ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬أين‭ ‬هم‭ ‬الآن‭. ‬لماذا‭ ‬اختفوا‭ ‬بسرعة‭ ‬هكذا؟

‭ ‬قال‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬لابد‭ ‬أنهم‭ ‬ذهبوا‭ ‬ليناموا‭ ‬فالرحلة‭ ‬طويلة‭.‬

‭- ‬لا‭. ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬ينامون‭. ‬لديهم‭ ‬أعمال‭ ‬أخري‭ ‬لا‭ ‬تسأل‭ ‬عنها‭.‬

سكت‭ ‬سمير‭ ‬لحظة‭ ‬ثم‭ ‬سأله‭:‬

‭- ‬ماذا‭ ‬علموك‭ ‬أيضا؟‭ ‬تكلم‭ ‬يارجل‭.‬

‭- ‬علموني‭ ‬أن‭ ‬الطيور‭ ‬تتكلم‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يسمعها‭ ‬إلا‭ ‬الصالحين‭. ‬فالنسر‭ ‬مثلا‭ ‬لو‭ ‬تطلعت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬جاءك‭ ‬صوته‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬يابن‭ ‬آدم‭ ‬عش‭ ‬ماشئت‭ ‬فأنك‭ ‬ميت‮»‬‭. ‬أما‭ ‬الطاووس‭ ‬فهو‭ ‬يمشي‭ ‬أمامك‭ ‬نافخا‭ ‬ريشه‭. ‬لا‭ ‬يتباهي‭ ‬لكنه‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬‮«‬احترس‭ ‬فكما‭ ‬تدين‭ ‬تُدان‮»‬‭. ‬أما‭ ‬الهدهد‭ ‬الجميل‭ ‬فحين‭ ‬يسقسق‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬من‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬لا‭ ‬يُرحم‮»‬‭. ‬ويقول‭ ‬للمغتر‭ ‬‮«‬كل‭ ‬حي‭ ‬ميت‭ ‬وكل‭ ‬جديد‭ ‬بالٍ‮»‬‭. ‬

قال‭ ‬سمير‭:‬

‭- ‬الله‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬ابو‭ ‬جابر‭. ‬اسمعي‭ ‬يالبني‭.‬

كانت‭ ‬لبني‭ ‬تسمع،‭ ‬وكانت‭ ‬تحية‭ ‬زوجة‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬من‭ ‬قلى‭ ‬الطعمية،‭ ‬وجاءت‭ ‬تقف‭ ‬أمامهم‭. ‬قالت‭ ‬ضاحكة‭ ‬لزوجها‭:‬

‭- ‬يا‭ ‬اخويا‭ ‬أنت‭ ‬مش‭ ‬حتبطل‭ ‬الحكايات‭ ‬دي؟‭ ‬أديك‭ ‬بتحكي‭ ‬والناس‭ ‬بتسمعك‭ ‬لكن‭ ‬تفتكر‭ ‬حد‭ ‬حيصدقك؟‭ ‬الناس‭ ‬بتتسلي‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬المهببة‭ ‬دي‭.‬

قال‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭:‬

‭- ‬اسكتي‭ ‬يامرة‭. ‬أنتِ‭ ‬تعيشين‭ ‬معظم‭ ‬العام‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬وأنا‭ ‬وحدي‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬لي‭ ‬إلا‭ ‬الصلاة،‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬والهاربين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬مثل‭ ‬الطيورالمسكينة‭. ‬مثل‭ ‬السمَّان‭ ‬يتركون‭ ‬بلادهم‭ ‬فيقعون‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬الحكومة‭.‬

ارتبك‭ ‬سمير‭ ‬لحظة‭ ‬وكاد‭ ‬يشعر‭ ‬بالتشاؤم،‭ ‬لكن‭ ‬تحية‭ ‬قالت‭ ‬لأبو‭ ‬جابر‭. ‬

‭- ‬طيب‭ ‬كلمهم‭ ‬كمان‭ ‬عن‭ ‬الحيوانات‭ - ‬ثم‭ ‬خاطبت‭ ‬سمير‭ ‬ولبني‭- ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬ربنا‭ ‬خلق‭ ‬الصبر‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬حمار،‭ ‬والشجاعة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الأسد،‭ ‬والأمانة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬كلب،‭ ‬والمكر‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬تعلب‭. ‬أنا‭ ‬مصدقة‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬الصبر‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الحمار،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬أشعر‭ ‬إن‭ ‬أصلنا‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلد‭ ‬حمير‭.‬

ضحك‭ ‬سمير‭ ‬وضحكوا‭ ‬جميعا‭ ‬لكن‭ ‬لبنى‭ ‬قالت‭:‬

‭- ‬أنا‭ ‬مصدقة‭ ‬أن‭ ‬الأمانة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬كلب،‭ ‬وكنت‭ ‬اتضايق‭ ‬جدا‭ ‬حين‭ ‬أشتم‭ ‬شخصا‭ ‬غير‭ ‬محترم‭ ‬وأقول‭ ‬له‭ ‬ياكلب‭. ‬دائما‭ ‬أشعر‭ ‬إني‭ ‬ظلمت‭ ‬الكلاب‭ ‬والله‭. ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا‭ ‬تعودنا‭ ‬أن‭ ‬نشتم‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬بكلب،‭ ‬مع‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ثعلبا‭ ‬أو‭ ‬حية‭.‬

ربت‭ ‬سمير‭ ‬علي‭ ‬فخذها‭ ‬قلقا‭ ‬أن‭ ‬تحكي‭ ‬حكايتها‭ ‬فالفراغ‭ ‬حولهم‭ ‬مغري‭ ‬بالحكي،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مغري‭ ‬بالعبادة‭ ‬والصلاة‭. ‬وهل‭ ‬العبادة‭ ‬والصلاة‭ ‬غير‭ ‬حديث‭ ‬من‭ ‬القلب‭. ‬وكما‭ ‬توقع‭ ‬قال‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭ ‬للبني‭:‬

‭- ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬حضرتِك‭ ‬تعبتي‭ ‬كتيرا‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬زوجك‭ ‬ظاهر‭ ‬أنه‭ ‬رجل‭ ‬محترم‭.‬

سبقها‭ ‬سمير‭ ‬قائلا‭ ‬وهي‭ ‬يقرصها‭ ‬في‭ ‬فخذها‭:‬

‭- ‬مراتي‭ ‬بتحب‭ ‬تفكر‭ ‬كتير‭ ‬بس‭. ‬مراتي‭ ‬أصلها‭ ‬طيبة‭ ‬جدا‭. ‬بتاعة‭ ‬ربنا‭ ‬يعني‭.‬

‭- ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬أن‭ ‬ربنا‭ ‬رزقك‭ ‬بيها‭.‬

قالت‭ ‬ذلك‭ ‬تحية‭ ‬فقال‭ ‬أبو‭ ‬جابر‭:‬

‭- ‬سنترككما‭ ‬ونذهب‭ ‬إلي‭ ‬بيتنا‭. ‬استريحا‭ ‬أنتما‭ ‬أيضا‭. ‬سأعود‭ ‬إليكما‭ ‬بعد‭ ‬ساعة‭ ‬أو‭ ‬ساعتين‭. ‬أنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلي‭ ‬الحديث‭ ‬معكما‭. ‬