بينى وبينك

هجرة الأفكار

زينب عفيفى
زينب عفيفى

الأفكار تهاجر كى تبقى وتعيش فى جسد الإبداع، فالكتب هى حافظة الفكر، لكن الكثير منها، يهرب وربما تصيبه الشيخوخة، فما كان يصلح فى زمن، قد تنتهى صلاحيته فى زمن آخر. الكاتبة جلبرت هايت أكدت فى كتابها «هجرة الأفكار» أن الأفكار مثل أصحابها يمكن أن تهاجر مثل كل شيء حي، كما أجمع الباحثون على أن الحضارة فى جوهرها ليست سوى حركة موصولة للأفكار فى شتى ضروب الخبرة. فهى تنتقل من فرد الى فرد ومن شعب الى شعب وتهاجر هجرة موصولة تحقق فى كل هجرة العديد من النجاحات الموصولة، التى تحرز تقدما جديدا الى ان تبلغ المرحلة القوية الملموسة فتجعل منها حضارة مرموقة، هجرة الافكار تلك التى لا تتوقف ولا تتلكأ تحمل معها بذورا لأفكار جديدة، أغرب ما فى هجرة الافكار انها تتخذ أحيانا مسالك متعرجة وطرقا ملتوية غير واضحة المعالم. تسير غالبا فى خط لا يتعارض مع خط سير التاريخ نفسه. فالتاريخ لا يروى قصة هجرة الافكار بطريقة منتظمة موصولة الحلقات وإنما يجمع شتات عديد من الحضارات نشأت فى امكنة معينة وأزمنة خاصة محاولا الربط بينها لاستخلاص الرابطة التى تجمع بينها أو محاولا ارجاعها إلى اصولها الأولى ومصادرها البكر. ومن ثم كانت دراسة التاريخ - من ناحية تطور الافكار - منقوصة غير كاملة لأن التاريخ مهما توسع فى البحث والتنقيب لا يستطيع ان يرد جميع الافكار بعد تطورها وتجددها إلى مصادرها البكر. فهذه التغيرات تنطلق انطلاقا حرا لا تحده حدود ولا تقيده قيود. كتاب «هجرة الأفكار» فجر سؤالا حول ما يكتب ويسجل فى مسار التاريخ الإنسانى الذى يؤكد على حقيقة علمية وإنسانية أن البقاء دائما للأصلح.