الفنانة الكبيرة تبوح بذكرياتها

لبنى الحرة.. قصة امرأة مصرية

هبه محمد على
هبه محمد على

قراءة بقلم: چورچ أنسى

يستهوينى دائمًا الصحفى الذى يؤدى عمله باحترافية شديدة مع الإبقاء على عشق المهنة كهواية يمارسها باستمتاع وحب. وزميلتنا المتميزة هبة محمد على - نائبة رئيس قسم الفن بمجلة روزاليوسف - من هذا النوع التى تجسد ذلك المفهوم على أرض الواقع، بكتابها الأول الصادر أخيراً بعنوان "لبنى.. قصة امرأة حرة"، الذى تسرد فيه عبر جلسات امتدت شهوراً - مشوار حياة النجمة الكبيرة الفنانة لبنى عبدالعزيز.

ولعل سيطرة الصحافة على عقل وحياة هبة – كما تقول فى مقدمة كتابها - قد أثرت بصورة إيجابية فى سطور الفصول الـ27 التي شملت جميع مراحل حياة لبنى، والتى تميزت بأسلوب بسيط، لكن اللافت للانتباه تلك العناية الفائقة التى أولتها الكاتبة لصياغة عناوين الفصول بطريقة مثيرة وجذابة كما لو كانت تضع "مانشتات" لصحيفة، ويكفى أن نضرب أمثلة لهذه العناوين لنعرف حجم الجهد المبذول فى إعداد هذا الكتاب، مثل: "عبدالناصر قال لى يا شقية"، "أنا التى قالت لأم كلثوم لا"، "مع الرئيس السادات فى البيت الأبيض"، "سوزان مبارك تجلس فى انتظارى"، "فيلم أنا حرة على قائمة الممنوعات"، "مقالى عن السيسى أغضب الأمريكان"... وغيرها.

وقع اختيار هبة على ثلاثة من الأصدقاء المقربين للفنانة لبنى، ليكتبوا تقديمات للكتاب: "عظيمة يا لبنى" التى كتبها الفنان سمير صبرى الصديق المقرب لها، "ونس العمر" للمحاور مفيد فوزى، الذى كان معداً لبرنامجها التلفزيونى "الغرفة المضيئة" وتربطهما علاقة جيدة، "القدر يجمعنا مجدداً" لأحمد إحسان عبدالقدوس، نجل صديقها وأستاذها ومكتشفها إحسان عبدالقدوس، بالإضافة إلى مقدمة رابعة بعنوان "يا (لولو) كل شيء فى وجودك جميل" والتى كتبتها شقيقتها لميس.

أما الفنانة لبنى فتؤكد - فى المقدمة التى سطرتها بخط يدها- أنها لم تفكر أبداً فى كتابة مذكراتها، بل اعتذرت عنها عدة مرات، انطلاقاً من أن حياتها الخاصة ملك لها فقط، لكن هذا التحفظ لم يعد موجوداً، عندما شعرت بالراحة الشديدة وهى تبوح بذكرياتها للزميلة هبة، لتحكى فيها قصة حياتها مصحوبة بصور نادرة من مكتبتها الخاصة تنشر للمرة الأولى.

سنواتها الأولى

قدمت لنا هبة بقلمها الرشيق، عرضًا إنسانيًا يعطينا ملامح واضحة لحياة لبنى التى عاشت فى منزل أسرتها - سنواتها الأولى- بين عائلة مترابطة، فوالدها صحفى بالأهرام، وفى نفس المنزل أقامت جدتها لوالدها وجدتها لوالدتها، وهو ما جعل النشأة الأسرية تؤثر كثيراً فى حياتها، خاصة جدتها لوالدتها- الشركسية الأصل- التى أثرت فيها جداً بتعليماتها الصارمة.

ومن التفاصيل التى تحكيها لبنى فى سيرتها الذاتية، كيف أنها كبرت قبل أوانها، وهو أمر يرتبط بوفاة والدتها فى سن مبكرة ومسئوليتها عن شقيقها الأصغر شريف، الذى كان عمره آنذاك 3 أعوام فقط، ثم تحملها المسئولية مبكراً فى إذاعة البرنامج الأوروبى، بعدما أصبحت مسئولة عن مضمون ما يقدم.

يظهر الكتاب تفاصيل علاقاتها بوالدتها وتأثيرها عليها، خاصة فى ظل العلاقة الاستثنائية بينهما لتقارب العمر، فوالدتها أنجبتها وعمرها 15 عاماً فقط، ومن ثم كان لتشابههما على المستوى الشكلى تأثير فى تبادلهما الملابس واعتقاد البعض أن والدتها هى شقيقتها الكبرى.

ومن الحكايات التى ترويها لبنى، مسألة عمرها الحقيقى، فرغم أن المسجل رسميًا أنها مواليد عام 1935، فإنها أصغر من ذلك بثلاثة أو أربعة أعوام - كما تعتقد - وأن ذلك التاريخ كتب بعدما قاموا بـ"تسنينها"- أى تحديد عمرها- لكى يتمكنوا من تعيينها فى الإذاعة، حيث ظلت تعمل فترة طويلة دون أن تعين، بسبب عدم قانونية تعيين طفلة.

 تروى لبنى فى مذكراتها مواقفها السياسية وعلاقاتها مع الرؤساء السابقين، فهى ناصرية الهوى وجمعتها علاقة طيبة بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى طلب من رئيس التلفزيون "أمين حماد" أن يمنحها فرصة التقديم التلفزيونى فى أحد البرامج، رغم تخوفها من هذه الخطوة لاعتقادها أن التلفزيون سيؤثر فى نجوميتها بالسينما آنذاك، كما تتحدث عن اللقاءات المتعددة التى جمعتها معه، حيث كان يلتقيها بالجامعة الأمريكية، وعن الاهتمام بالفن والثقافة آنذاك وعلاقاتها مع الدكتور ثروت عكاشة- وزير الثقافة وقتذاك - ثم تنتقل للحديث عن علاقتها مع الرئيس الراحل أنور السادات، الذى التقته فى الولايات المتحدة، فضلاً عن العلاقة الشخصية التى نشأت بينها وبين السيدة جيهان السادات والمستمرة حتى الآن، حيث حضرت جيهان السادات فرح ابنتها وكانت تجمعهما لقاءات متعددة فى أمريكا.. ومن الحكايات التي ترويها عن علاقاتها بالسياسيين الحوار الذي جمع بينها وبين السيدة سوزان مبارك ومهرجان القراءة للجميع، الذى ظل علامة مهمة فى نشر الثقافة والوعى بقروش زهيدة.

شاركت لبنى فى ثورة 30 يونيو بالتوقيع على استمارة "تمرد" والنزول للشارع ممسكة بالقبقاب والهتاف ضد الإخوان (القبقاب إشارة إلى واقعة قتل شجرة الدر حيث تسكن لبنى فى الشارع الذى يحمل الاسم نفسه بحى الزمالك)، كما كتبت مقالاً بـ"الأهرام ويكلى" عن الرئيس عبدالفتاح السيسى وصفته بأنه "أول قائد يسير خلف شعبه، لا العكس"، حيث فوجئت بأن مكتب الأهرام بواشنطن يرسل للقاهرة رسالة مفادها انزعاج الإدارة الأمريكية من هذا المقال. 

من المواقف التى ترويها لبنى، ما حدث بينها وبين أم كلثوم فى أحد الاستوديوهات، بالإضافة إلى معركتها الصحفية مع عباس العقاد وقيامها بالرد على مقالاته ضد المرأة، بمقال كتبته فى "الأهرام" وكانت تراسلها من الولايات المتحدة خلال دراستها هناك، وقد عادت - قبل سنوات - للكتابة فى جريدة "الأهرام ويكلى".

كما تحكى لبنى عن قصة حب -من جانب واحد- كان بطلها العندليب عبدالحليم حافظ، الذى أحبها بعد عملهما معاً فى "الوسادة الخالية"، وهى الفترة التي تزوجت فيها سراً من المنتج رمسيس نجيب، لكن حليم ابتعد عنها – كحبيب - فور إعلان الزواج، وظلت صداقتهما حتى اليوم الأخير من حياته، حيث تروى للمرة الأولى حكايات كثيرة عن حليم، بخلاف قصة حبه لها.

من الفصول المثيرة للانتباه فصلا "سعاد حسنى اتهمتنى بأنى أتجاهلها" و"غيرة فاتن حمامة ونقطة ضعف عمر الشريف"، وهما فصلان يوضحان أشياء ربما لا تظهرها الشاشة الفضية أو الابتسامات المصطنعة أمام كاميرات المصورين. 

ولبنى من الفنانات القليلات اللواتي يعترفن بأخطائهن، وفى هذا الكتاب تقر وتوثق لأخطائها التى ارتكبتها عبر مشوارها وتحملها لنتائج هذه الأخطاء باعتبارها مسئولة عن اختياراتها، كما تتحدث عن علاقاتها بأزواجها وصدمة وفاة زوجها الدكتور إسماعيل برادة ووفاة زوج ابنتها، وكذلك علاقاتها مع أحفادها وما حدث لها عندما عادت إلى مصر بعد غياب.. هذا الكتاب، لا يعد – فقط - وثيقة مهمة وإضافة قوية للمكتبة الفنية المصرية والعربية، لكنه أيضاً "رسالة من امرأة حرة جداً"، مارست الحياة بكل أشكالها.. أخطأت وأصابت.. انتصرت وهُزِمَت.. لكنها ظلت صلبة متماسكة لا تنكسر أمام عوامل الزمن، وهذا أهم ما تؤكد عليه الكاتبة من أجل امرأة أكثر مشاركة وتفاعلاً ونفعاً لنفسها ولمجتمعها.

يذكر أن التكريم الأخير الذى حظيت به الفنانة لبنى عبدالعزيز مع السيدة انتصار السيسى قرينة رئيس الجمهورية فى احتفالية يوم المرأة المصرية جاء ليمثل تعبيراً عن تقدير الدولة لهذه النماذج النسائية المهمة.