يرى أن حياته بعد الجائزة ستختلف عما كانت قبلها

د.سعيد المصرى:  الفوز بجائزة الشيخ زايد لحظة فارقة فى حياتى

د.سعيد المصرى
د.سعيد المصرى

حوار‭:‬‭ ‬عائشة‭ ‬المراغى

‮«‬يمتاز‭ ‬الكتاب‭ ‬بالمنهجية‭ ‬والدقة‭ ‬العلمية‭ ‬والتناول‭ ‬المستقصى‭ ‬للظاهرة‭ ‬المدروسة‮»‬‭. ‬هكذا‭ ‬وصفت‭ ‬جائزة‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬تراث‭ ‬الاستعلاء‭ ‬بين‭ ‬الفولكلور‭ ‬والمجال‭ ‬الدينى‮»‬‭ ‬للدكتور‭ ‬سعيد‭ ‬المصرى؛‭ ‬الذى‭ ‬حصدها‭ ‬فى‭ ‬فرع‭ ‬التنمية‭ ‬وبناء‭ ‬الدولة،‭ ‬ويتوقف‭ ‬فيه‭ ‬عند‭ ‬مسألة‭ ‬الاستعلاء،‭ ‬كاشفًا‭ ‬عن‭ ‬جذورها‭ ‬فى‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبى‭ ‬وفى‭ ‬حركات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى‭ ‬التى‭ ‬غذّت‭ ‬مبدأ‭ ‬التعالى‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬روح‭ ‬التعصب‭ ‬وشيوع‭ ‬ثقافة‭ ‬الكراهية‭ ‬وانتشار‭ ‬المذهبية‭ ‬والطائفية‭.‬‮ ‬

د‭.‬سعيد‭ ‬المصرى‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬فى‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة،‭ ‬متخصص‭ ‬فى‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬الثقافية،‭ ‬عمل‭ ‬أستاذًا‭ ‬زائرًا‭ ‬بجامعة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬وجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬عام‭ ‬2004‭. ‬كما‭ ‬عمل‭ ‬مستشارًا‭ ‬لرئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬للدراسات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2006‭ ‬إلى‭ ‬2012،‭ ‬وتولى‭ ‬منصب‭ ‬مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬لتطوير‭ ‬المنظومة‭ ‬الثقافية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬2015،‭ ‬وعمل‭ ‬عضوًا‭ ‬فى‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬لصياغة‭ ‬رؤية‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬2030،‭ ‬وأشرف‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬محور‭ ‬الثقافة‭ ‬فى‭ ‬رؤية‭ ‬مصر‭ ‬2030‭.‬

فاز‭ ‬المصرى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بجائزة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتميّز‭ ‬فى‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬عام‭ ‬2013،‭  ‬والجائزة‭ ‬العربية‭ ‬الكبرى‭ ‬للتراث‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى؛‭ ‬كيف‭ ‬يتشبث‭ ‬الفقراء‭ ‬بالحياة‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬الندرة‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2014‭. ‬وصدرت‭ ‬له‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬العلمية،‭ ‬كان‭ ‬أحدثها‭ ‬‮«‬الطفرة‭ ‬الشبابية‭ ‬والتحولات‭ ‬الديموجرافية‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‮»‬،‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬المجال‭ ‬الدينى‭ ‬فى‭ ‬مصر‮»‬،‭ ‬‮«‬ملحمة‭ ‬المواطنة‭ ‬بين‭ ‬صكوك‭ ‬الوطنية‭ ‬وعولمة‭ ‬الحقوق‭ ‬الإنسانية‮»‬،‭ ‬‮«‬مأزق‭ ‬العدالة‭ ‬الثقافية‭ ‬فى‭ ‬مصر»؛‭ ‬و«تراث‭ ‬الاستعلاء‭ ‬بين‭ ‬الفولكلور‭ ‬والمجال‭ ‬الدينى‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬يدور‭ ‬حوله‭ ‬لقاؤنا‭ ‬التالى‭ ‬معه‭.‬

•‭ ‬لنبدأ‭ ‬من‭ ‬فوزك‭ ‬بجائزة‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد،‭ ‬وهى‭ ‬الجائزة‭ ‬الثالثة‭ ‬لك‭ ‬خلال‭ ‬8‭ ‬سنوات،‭ ‬ما‭ ‬المختلف‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬فى‭ ‬شعورك‭ ‬تجاه‭ ‬الفوز؟‭ ‬خاصة‭ ‬وأنك‭ ‬سبق‭ ‬لك‭ ‬الوصول‭ ‬للقائمة‭ ‬القصيرة‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يتكرر‭ ‬كثيرًا‭ ‬فى‭ ‬جائزة‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭.‬

لاشك‭ ‬أننى‭ ‬أشعر‭ ‬بسعادة‭ ‬غامرة‭ ‬بهذه‭ ‬الجائزة‭ ‬تحديدا‭ ‬لثلاثة‭ ‬أسباب؛‭ ‬أولًا‭ ‬لأنها‭ ‬تعَّد‭ ‬أرفع‭ ‬الجوائز‭ ‬العربية‭ ‬لما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬نزاهة‭ ‬وجدية‭ ‬ومصداقية‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬كافة‭ ‬إجراءات‭ ‬التحكيم‭ ‬وفقًا‭ ‬للمعايير‭ ‬الدولية‭ ‬الصارمة‭ ‬فى‭ ‬منح‭ ‬الجوائز‭ ‬العلمية‭ ‬والأدبية‭ ‬والفكرية‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الفوز‭ ‬بالجوائز‭ ‬مصدر‭ ‬كبير‭ ‬للدعم‭ ‬والتشجيع‭ ‬للباحثين‭ ‬والكتَّاب‭ ‬فى‭ ‬عالمنا‭ ‬العربى،‭ ‬فإن‭ ‬النزاهة‭ ‬فى‭ ‬منح‭ ‬الجوائز‭ ‬تضيف‭ ‬إلى‭ ‬قيمتها‭ ‬المادية‭ ‬مكانة‭ ‬رمزية‭ ‬كبرى‭ ‬يتطلع‭ ‬إليها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬فى‭ ‬محراب‭ ‬العلم‭ ‬والفكر‭ ‬والإبداع‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ترسخه‭ ‬جائزة‭ ‬زايد‭ ‬فى‭ ‬عملها‭ ‬منذ‭ ‬انطلاقها‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٦‬‭ ‬بكل‭ ‬جدية‭ ‬ودأب‭. ‬ولهذا‭ ‬يعد‭ ‬الفوز‭ ‬بها‭ ‬شرف‭ ‬كبير‭ ‬لى‭ ‬ولكل‭ ‬باحث‭ ‬وكاتب‭ ‬ومبدع‭.‬

ثانيًا،‭ ‬سبق‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬تقدمت‭ ‬لجائزة‭ ‬زايد‭ ‬للكتاب‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٣‬‭ ‬بكتابى‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭: ‬كيف‭ ‬يتشبث‭ ‬الفقراء‭ ‬بالحياة‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬الندرة‮»‬‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٢‬،‭ ‬وكان‭ ‬لى‭ ‬الحظ‭ ‬أن‭ ‬يرشح‭ ‬الكتاب‭ ‬ضمن‭ ‬القائمة‭ ‬الطويلة،‭ ‬ثم‭ ‬صعد‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭ ‬القصيرة‭ ‬فى‭ ‬مارس‭ ‬‮٢٠١٤‬‭ ‬مع‭ ‬كتابين‭ ‬آخرين؛‭ ‬الأول‭ ‬للدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الصويان‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬بعنوان‭ ‬ملحمة‭ ‬التطور‭ ‬البشرى،‭ ‬والثانى‭ ‬للدكتور‭ ‬محمد‭ ‬شوقى‭ ‬الزين‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬عن‭ ‬فلسفة‭ ‬الثقافة‭ ‬فى‭ ‬الغرب‭ ‬وعند‭ ‬العرب،‭ ‬وذهبت‭ ‬الجائزة‭ ‬إلى‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الصويان‭ ‬وهو‭ ‬باحث‭ ‬أنثروبولوجى‭ ‬متميز‭. ‬وبكل‭ ‬صراحة‭ ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬الفوز‭ ‬بالجائزة‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وهذه‭ ‬مشاعر‭ ‬إنسانية‭ ‬طبيعية‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬منافسة‭ ‬شريفة‭ ‬وعادلة،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يساورنى‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الفائز‭ ‬حينها‭ ‬يستحق‭ ‬نيل‭ ‬الجائزة‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬واستحقاق‭. ‬ويشاركنى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬والزملاء‭ ‬فى‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإنسانية‭ ‬فى‭ ‬عالمنا‭ ‬العربى،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬مصداقية‭ ‬الجائزة‭ ‬فى‭ ‬نظر‭ ‬كل‭ ‬الباحثين‭ ‬والمفكرين‭ ‬والمبدعين‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولى‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬الصعود‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭ ‬القصيرة‭ ‬مرتين‭ ‬فى‭ ‬جائزة‭ ‬كبيرة‭ ‬ومرموقة‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬ثم‭ ‬الفوز‭ ‬بها‭ ‬يشكل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬حدث‭ ‬استثنائى‭ ‬اعتز‭ ‬به‭ ‬وافتخر‭.‬

ثالثًا‭: ‬يأتى‭ ‬الفوز‭ ‬بهذه‭ ‬الجائزة‭ ‬فى‭ ‬وقت‭ ‬صعب‭ ‬تمر‭ ‬فيه‭ ‬الإنسانية‭ ‬بجائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التى‭ ‬تكبل‭ ‬حياتنا‭ ‬بالخوف‭ ‬من‭ ‬العدوى‭ ‬ومخاطر‭ ‬المرض‭ ‬وشبح‭ ‬الموت‭ ‬الذى‭ ‬بات‭ ‬يداهمنا‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬ويخطف‭ ‬أرواحًا‭ ‬حولنا،‭ ‬وخلال‭ ‬الجائحة،‭ ‬فقدتُ‭ ‬والدتى‭ ‬رحمها‭ ‬الله،‭ ‬وفقدنا‭ ‬أيضًا‭ ‬زملاء‭ ‬وأصدقاء‭ ‬نحبهم‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يتغمدهم‭ ‬برحمته‭. ‬أقول‭ ‬ذلك‭ ‬لكى‭ ‬أوضح‭ ‬بأن‭ ‬الجائزة‭ ‬بكل‭ ‬مشاعر‭ ‬السعادة‭ ‬والفرح‭ ‬المصاحبة‭ ‬لها‭ ‬تمثل‭ ‬طاقة‭ ‬إيجابية‭ ‬وشعور‭ ‬بالأمل‭ ‬ورسالة‭ ‬واضحة‭ ‬لنا‭ ‬جميعًا‭ ‬بأن‭ ‬قوة‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تنتصر،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭ ‬التونسى‭ ‬العظيم‭ ‬أبى‭ ‬القاسم‭ ‬الشابى‭: ‬َ‭ ‬لا‭ ‬بُـدَّ‭ ‬لِلَّيـْلِ‭ ‬أنْ‭ ‬يَنْجَلِــى‭.. ‬وَلا‭ ‬بُدَّ‭ ‬للقَيْدِ‭ ‬أَنْ‭ ‬يَـنْكَسِـر،‭ ‬ومَنْ‭ ‬لَمْ‭ ‬يُعَانِقْهُ‭ ‬شَوْقُ‭ ‬الْحَيَـاةِ‭.. ‬تَبَخَّـرَ‭ ‬فى‭ ‬جَوِّهَـا‭ ‬وَانْدَثَـر،‭ ‬وإِذَا‭ ‬طَمَحَتْ‭ ‬لِلْحَيَاةِ‭ ‬النُّفُوسُ‭.. ‬فَلا‭ ‬بُدَّ‭ ‬أَنْ‭ ‬يَسْتَجِيبَ‭ ‬الْقَـدَرْ‭.‬‮ ‬

وقد‭ ‬أحسنت‭ ‬إدارة‭ ‬جائزة‭ ‬زايد‭ ‬فى‭ ‬تكريس‭ ‬هذه‭ ‬المعانى‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬فى‭ ‬نفوسنا‭ ‬الأمل‭ ‬فى‭ ‬المضى‭ ‬قدمًا‭ ‬نحو‭ ‬البحث‭ ‬والكتابة‭ ‬والإبداع‭ ‬بعزيمة‭ ‬وإصرار‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬التحديات،‭ ‬وهذا‭ ‬تأكيد‭ ‬لتعميق‭ ‬قيمة‭ ‬الحياة‭ ‬والأمل‭ ‬فى‭ ‬المستقبل‭. ‬ولهذا‭ ‬ينتابنى‭ ‬شعور،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬هدأت‭ ‬عواطف‭ ‬الفرح‭ ‬والسعادة‭ ‬الغامرة؛‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭ ‬تجعلنى‭ ‬أدرك‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬بعد‭ ‬الجائزة‭ ‬تختلف‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬قبلها،‭ ‬وأن‭ ‬مكانة‭ ‬الجائزة‭ ‬تحمِّلنى‭ ‬مسئولية‭ ‬أكبر‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬بجدية‭ ‬واجتهاد‭ ‬وتميز،‭ ‬وأتمنى‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬تخذلنى‭ ‬الصحة‭ ‬عن‭ ‬الوفاء‭ ‬بتلك‭ ‬المسئولية‭ ‬الكبيرة‭.‬‮ ‬

•‭ ‬استغرقت‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬15‭ ‬عامًا‭. ‬هل‭ ‬كنت‭ ‬تخطط‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬كدراسة‭ ‬مكتملة‭ ‬هكذا‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬فكرته‭ ‬تبلورت‭ ‬بعد‭ ‬إجراء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬المتتالية‭ ‬والمتداخلة‭ ‬كما‭ ‬يتبين‭ ‬داخله؟

فى‭ ‬البداية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موضوع‭ ‬الاستعلاء‭ ‬يشغلنى،‭ ‬بالصورة‭ ‬التى‭ ‬وضحتها‭ ‬فى‭ ‬الكتاب،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬اهتمامى‭ ‬منصبًا‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬الاستمرار‭ ‬فى‭ ‬جمع‭ ‬عناصر‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭. ‬ولكى‭ ‬أوضح‭ ‬ذلك‭ ‬بالتفصيل‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬تجربتى‭ ‬السابقة‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬السؤال‭ ‬الذى‭ ‬يشغلنى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬كيف‭ ‬يعيش‭ ‬التراث‭ ‬بنفس‭ ‬ملامحه‭ ‬الأساسية‭ ‬عبر‭ ‬الزمن‭ ‬وخلال‭ ‬انتقاله‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭ ‬وعبر‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬الرأسى‭ ‬والأفقى؟‭ ‬وانتهيتُ‭ ‬إلى‭ ‬إجابة‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬أطروحة‭ ‬نظرية‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬بيانات‭ ‬ميدانية‭ ‬مكثفة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬أربع‭ ‬عمليات‭ ‬يستمر‭ ‬بموجبها‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متجدد‭ ‬فيما‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬عمليات‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التراث‭ ‬وهى‭: ‬التواتر‭ ‬والتكرار،‭ ‬والاستعادة‭ ‬عبر‭ ‬الزمن،‭ ‬وتبادل‭ ‬الاستعارة‭ ‬بفعل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والثقافى،‭ ‬والإبداع‭. ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬شعرتُ‭ ‬بأننى‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬احتمال‭ ‬التخصص‭ ‬التقليدى‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬بأن‭ ‬أتناول‭ ‬موضوعات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬عادات‭ ‬الطعام‭ ‬فى‭ ‬حى‭ ‬حضرى‭ ‬مثلًا،‭ ‬وعادات‭ ‬الزواج‭ ‬فى‭ ‬قرية‭ ‬مصرية،‭ ‬ومعتقدات‭ ‬الحسد‭ ‬لدى‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬فى‭ ‬قبيلة‭ ‬ما،‭ ‬وحكايات‭ ‬الأطفال‭ ‬فى‭ ‬قرية‭ ‬مصرية‭....‬إلخ‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الموضوعات‭ ‬مهمة‭ ‬ولا‭ ‬أقلل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬دراستها‭ ‬ولكن‭ ‬كنتُ‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تأمل‭ ‬جدوى‭ ‬جمع‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬دون‭ ‬أى‭ ‬هدف‭ ‬واضح،‭ ‬وللأسف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدينا‭ ‬سياسة‭ ‬ثقافية‭ ‬محددة‭ ‬تتعلق‭ ‬بحماية‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬فى‭ ‬ضوئها‭. ‬وكنتُ‭ ‬أتساءل‭ ‬ما‭ ‬جدوى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬متخصصًا‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬استطيع‭ ‬التفرقة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إيجابى‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬سلبى‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الثقافى،‭ ‬وكانت‭ ‬تشغلنى‭ ‬أيضًا‭ ‬إشكالية‭ ‬علاقة‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬بالتراث‭ ‬الدينى‭ ‬التى‭ ‬ظلت‭ ‬محجوبة‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال‭.‬‮ ‬

وفى‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٣‬‭ ‬بدأتُ‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬لإيدولويجيا‭ ‬الحركات‭ ‬الإسلامية‭ ‬ولاحظتُ‭ ‬أن‭ ‬الإسلاميين‭ ‬لديهم‭ ‬مشروعًا‭ ‬فى‭ ‬التغير‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والثقافى‭ ‬ينهض‭ ‬على‭ ‬أطروحة‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامى‭ ‬المتخيل،‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬أسلمة‭ ‬المجتمع‭ ‬بتغيير‭ ‬عاداته‭ ‬وتقاليده‭ ‬ومفرداته‭ ‬اللغوية‭ ‬وثقافته‭ ‬المادية‭ ‬ومعتقداته‭ ‬الشعبية‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬إسلامى‭. ‬ثم‭ ‬اتجهتُ‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬أخرى‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٦‬‭ ‬حول‭ ‬عمليات‭ ‬تطبيق‭ ‬مشروع‭ ‬الأسلمة‭ ‬فى‭ ‬المناطق‭ ‬البدوية،‭ ‬وخلال‭ ‬أحداث‭ ‬‮٢٥‬‭ ‬يناير‭ ‬وصعود‭ ‬الإخوان‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬كنتُ‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬الصراعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬التى‭ ‬ارتبطت‭ ‬بسعى‭ ‬حركات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى‭ ‬للسيطرة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى‭ ‬وفى‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬أيضًا‭. ‬وهنا‭ ‬تبلورت‭ ‬لدى‭ ‬فكرة‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الدينى‭ ‬وكيف‭ ‬أنها‭ ‬تحرك‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الصراعات‭ ‬وتمنح‭ ‬الإسلاميين‭ ‬الزهو‭ ‬الكبير‭ ‬بقدرتهم‭ ‬وبأسهم‭ ‬الشديد‭ ‬فى‭ ‬الهيمنة‭ ‬والوصاية‭ ‬على‭ ‬الناس‭. ‬خلال‭ ‬الحقبة‭ ‬التالية‭ ‬حاولتُ‭ ‬التعمق‭ ‬فى‭ ‬مفهوم‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الدينى،‭ ‬ولاحظتُ‭ ‬تقاطعات‭ ‬بين‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الدينى‭ ‬والطبقى‭ ‬والبدائى‭ ‬والذى‭ ‬يتجلى‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬مظاهر‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الأخرى‭ ‬القائمة‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى،‭ ‬ولهذا‭ ‬أكملتُ‭ ‬كتاباتى‭ ‬حول‭ ‬صور‭ ‬التمييز‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬المصرى،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أنهيتُ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮٩٠‬٪‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬توقفتُ‭ ‬أمام‭ ‬سؤال‭ ‬محورى‭: ‬كيف‭ ‬نواجه‭ ‬الاستعلاء‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬وكانت‭ ‬الإجابة‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدماج‭ ‬التراث‭ ‬فى‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬مرتبطة‭ ‬بنقد‭ ‬التراث‭ ‬والبحث‭ ‬داخله‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬إيجابى،‭ ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاستعلاء‭ ‬الدينى‭ ‬كانت‭ ‬الإجابة‭ ‬فى‭ ‬الفصلين‭ ‬الخامس‭ ‬والسادس‭ ‬للتأكيد‭ ‬على‭ ‬قصور‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬التجديد،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الدينى‭ ‬أو‭ ‬الفكر‭ ‬الدينى‭ ‬منعزلًا‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬وإنما‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والمجتمع‭.‬‮ ‬

•‭ ‬هل‭ ‬‮«‬تراث‭ ‬الاستعلاء‮»‬‭ ‬مشروع‭ ‬مستقل‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬سبقته‭ ‬أو‭ ‬ستليه‭ ‬أجزاء‭ ‬أخرى؟‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬بعض‭ ‬الفصول‭ ‬تبدو‭ ‬أحيانًا‭ ‬مرتكزة‭ ‬عند‭ ‬حقبة‭ ‬زمنية‭ ‬قديمة‭ ‬نسبيًا‭ ‬وفى‭ ‬حاجة‭ ‬للاستكمال‭ ‬فى‭ ‬ضوء‭ ‬المستجدات‭.‬

الاستعلاء‭ ‬مشروع‭ ‬بحثى‭ ‬مستقل‭ ‬تبلور‭ ‬عقب‭ ‬أطروحة‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬التراث‮»‬‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٢‬،‭ ‬ولكن‭ ‬يحتاج‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬إلى‭ ‬استكمال،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بصور‭ ‬التمييز‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬والتى‭ ‬تحتاج‭ ‬فى‭ ‬رصدها‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬دراسات‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬تفصيلًا‭ ‬حول‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والمعتقدات‭ ‬والأدب‭ ‬الشعبى‭ ‬والفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬والثقافة‭ ‬المادية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الدينى‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التأصيل‭ ‬داخل‭ ‬التراث‭ ‬الدينى‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬تيارات‭ ‬إسلامية‭ ‬أخرى،‭ ‬ولدى‭ ‬كوادر‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية،‭ ‬ولدى‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‭ ‬المختلفة،‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬دراسة‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الدينى‭ ‬القبطى‭ ‬واليهودى‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭. ‬ولدىّ‭ ‬رغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬فى‭ ‬استكمال‭ ‬دراسة‭ ‬‮«‬الشرع‭ ‬يحكم‭ ‬فى‭ ‬البادية‮»‬‭ ‬بدراسات‭ ‬متعمقة‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬وحلايب‭ ‬وشلاتين‭ ‬داخل‭ ‬مصر‭. ‬ولا‭ ‬أزعم‭ ‬أننى‭ ‬سوف‭ ‬أتناول‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬البحوث‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إمكانيات‭ ‬مادية‭ ‬وبشرية‭ ‬وظروف‭ ‬مواتية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الوفاء‭ ‬بها‭ ‬وحدى،‭ ‬وإنما‭ ‬المجال‭ ‬مفتوح‭ ‬للزملاء‭ ‬الآخرين‭ ‬فى‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬ولأنثروبولوجيا‭ ‬وعلم‭ ‬السياسة‭ ‬لاستكمال‭ ‬هذه‭ ‬الفجوات‭ ‬بموجب‭ ‬قاعدة‭ ‬التراكم‭ ‬العلمى‭ ‬التى‭ ‬نعمل‭ ‬فى‭ ‬ظلها‭.‬‮ ‬

•‭ ‬ينبنى‭ ‬الاستعلاء‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬التمييز؛‭ ‬وتلك‭ ‬سمة‭ ‬عالمية‭ ‬نجدها‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات‭ ‬ومختلف‭ ‬الطبقات‭ ‬والأديان‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعتبرها‭ ‬سمات‭ ‬فردية‭ ‬تتحول‭ ‬مع‭ ‬تعدد‭ ‬حامليها‭ ‬لظاهرة‭ ‬مجتمعية؟

دعينى‭ ‬أصحح‭ ‬بأنها‭ ‬سمة‭ ‬مكتسبة‭ ‬وليست‭ ‬موروثة‭ ‬فى‭ ‬الشفرة‭ ‬الجينية‭ ‬للبشر،‭ ‬نحن‭ ‬كبشر‭ ‬لا‭ ‬نولد‭ ‬بمشاعر‭ ‬التمييز‭ ‬ضد‭ ‬الآخرين؛‭ ‬بل‭ ‬نولد‭ ‬كصفحة‭ ‬بيضاء‭ ‬ثم‭ ‬نكتسب‭ ‬مع‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬سمات‭ ‬إما‭ ‬إيجابية‭ ‬أو‭ ‬سلبية‭ ‬بفعل‭ ‬تنشئتنا‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬بحوث‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬تعلّمنا‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الإدراك‭ ‬تنمو‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالتصنيف‭ ‬الذى‭ ‬يبدأ‭ ‬بسيطًا‭ ‬ثم‭ ‬يتعقد‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬بفعل‭ ‬النمو‭ ‬العقلى‭ ‬والارتقائى،‭ ‬ومع‭ ‬وجود‭ ‬البشر‭ ‬فى‭ ‬بيئات‭ ‬اجتماعية‭ ‬مغلقة‭ ‬تتكون‭ ‬مشاعر‭ ‬التنافر‭ ‬لديهم‭ ‬نحو‭ ‬المختلف،‭ ‬وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬تنمو‭ ‬مشاعر‭ ‬التفوق‭ ‬والاستعلاء‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬بموجب‭ ‬الصراعات‭ ‬التى‭ ‬نعيشها‭ ‬نتيجة‭ ‬تضافر‭ ‬الشعور‭ ‬بالتنافر‭ ‬من‭ ‬الاختلاف‭ ‬مع‭ ‬تعارض‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭.‬‮ ‬

•‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الاستعلاء‭ ‬سمة‭ ‬مكتسبة؛‭ ‬لماذا‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬سمة‭ ‬كامنة‭ ‬فى‭ ‬تكوين‭ ‬الخلق،‭ ‬فمنذ‭ ‬تواجد‭ ‬الإنسان‭ ‬واجهه‭ ‬إبليس‭ ‬بالاستعلاء،‭ ‬ومنذ‭ ‬بدء‭ ‬الحياة‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬شهد‭ ‬التاريخ‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬والحوادث‭ ‬التى‭ ‬تعود‭ ‬فى‭ ‬أساسها‭ ‬إلى‭ ‬الاستعلاء؟

لا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬الأسطورية‭ ‬والتى‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الحتمية‭ ‬البيولوجية‭ ‬التى‭ ‬تقول‭ ‬بأن‭ ‬الانسان‭ ‬فى‭ ‬أصله‭ ‬شرير‭ ‬وأن‭ ‬الشر‭ ‬يتوارث‭ ‬بيولوجيا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإننى‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬جانب‭ ‬محدد‭ ‬من‭ ‬نظرية‭ ‬العقد‭ ‬الاجتماعى‭ ‬فى‭ ‬تفسير‭ ‬مفهوم‭ ‬الاستعلاء،‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬توماس‭ ‬هوبز،‭ ‬إذ‭ ‬أكدت‭ ‬نظريته‭ ‬على‭ ‬الفكرة‭ ‬التى‭ ‬تقول‭ ‬أن‭ ‬الشر‭ ‬الأعظم‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬جوهر‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬دعا‭ ‬هوبز‭ ‬إلى‭ ‬ميل‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬حريته‭ ‬مقابل‭ ‬تفادى‭ ‬الشر‭ ‬داخله‭ ‬بموجب‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعى‭ ‬يمنح‭ ‬سلطة‭ ‬ما‭ ‬القدرة‭ ‬والقوة‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬للعيش‭ ‬فى‭ ‬سلام‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬قائمة،‭ ‬بحسب‭ ‬رأى‭ ‬هوبز،‭ ‬فإن‭ ‬طبيعة‭ ‬البشر‭ ‬الهمجية‭ ‬والأنانية‭ ‬وفى‭ ‬ظل‭ ‬الموارد‭ ‬الشحيحية‭ ‬تدفع‭ ‬البشر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقتلوا‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضًا‭ ‬للاستحواذ‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لمجرد‭ ‬الشعور‭ ‬بشرف‭ ‬التفوق‭ ‬والتميز‭ ‬والاستعلاء‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭. ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬الشر‭ ‬الأعظم‭ ‬لدى‭ ‬البشر‭ ‬ولكنى‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬نظرية‭ ‬هوبز‭ ‬فقط‭ ‬فى‭ ‬كونها‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الندرة‭ ‬مصدر‭ ‬رئيسى‭ ‬للشعور‭ ‬بالاستعلاء‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭. ‬وفى‭ ‬ظل‭ ‬تفاقم‭ ‬الظلم‭ ‬وانعدام‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تستمر‭ ‬مشاعر‭ ‬الاستعلاء‭ ‬بقوة‭ ‬وتأجج‭ ‬الكراهية‭.‬

•‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الفرد‭ ‬يميل‭ ‬للتماثل‭ ‬أو‭ ‬الاقتران‭ ‬بمن‭ ‬يشبهه‭ ‬وما‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬يقابله‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الاستعلاء‭. ‬لماذا‭ ‬غالبية‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفراد‭ ‬المستعلون‭ ‬يشعرون‭ ‬بالانسحاق‭ ‬أو‭ ‬الانبهار‭ ‬أمام‭ ‬المختلف‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الخارج؛‭ ‬يتقبلون‭ ‬الآخر‭ ‬الأجنبى‭ ‬ولا‭ ‬يتقبلون‭ ‬المجاور‭ ‬لهم‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬الحالتين‭ ‬متشابه؟

هذه‭ ‬مفارقة‭ ‬نلحظها‭ ‬فى‭ ‬علاقتنا‭ ‬بالآخر‭ ‬سواء‭ ‬كنا‭ ‬أفرادًا‭ ‬عاديين‭ ‬أو‭ ‬متدينين‭ ‬أو‭ ‬مثقفين،‭ ‬وسواء‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭ ‬مصريًا‭ ‬أو‭ ‬عربيًا‭ ‬أو‭ ‬إسلاميًا‭. ‬وهنا‭ ‬نتأرجح‭ ‬بين‭ ‬مشاعر‭ ‬الانبهار‭ ‬بالآخر،‭ ‬والشعور‭ ‬بالتفوق‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬وتفسير‭ ‬ذلك‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬مدى‭ ‬التباين‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬الآخر،‭ ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬اتساع‭ ‬أو‭ ‬ضيق‭ ‬الفجوة‭ ‬بيننا‭ ‬وبينه‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬والثقافى‭ ‬يتحدد‭ ‬الموقف‭ ‬منه‭. ‬ففى‭ ‬الداخل‭ ‬يشعر‭ ‬المختلفين‭ ‬ثقافيًا‭ ‬أو‭ ‬دينيًا‭ ‬أو‭ ‬مذهبيًا‭ ‬أو‭ ‬عرقيًا‭ ‬أو‭ ‬مكانيًا‭ ‬أو‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬بالاستعلاء‭ ‬على‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬وتنمو‭ ‬مشاعر‭ ‬الاستعلاء‭ ‬أكثر‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬المختلفين‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬اتساع‭ ‬التباين‭ ‬الاقتصادى‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭. ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بالغرب‭ ‬فإننا‭ ‬كمصريين‭ ‬وكعرب‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬لدينا‭ ‬شعور‭ ‬عام‭ ‬بالانبهار‭ ‬الشديد‭ ‬نحو‭ ‬الغرب،‭ ‬لأن‭ ‬الفروق‭ ‬فى‭ ‬التقدم‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬الغرب‭ ‬واسعة‭ ‬للغاية،‭ ‬وهذا‭ ‬يعكس‭ ‬أمرين‭ ‬متعارضين‭ ‬فى‭ ‬إدراكنا‭ ‬لأنفسنا‭: ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬نمتلك‭ ‬التقدم،‭ ‬والعجز‭ ‬فى‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬بلوغه‭. ‬وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬تنمو‭ ‬مشاعر‭ ‬الاستعلاء‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نلحظه‭ ‬فى‭ ‬موقف‭ ‬النخب‭ ‬الدينية‭ ‬تحديدًا‭ ‬والتى‭ ‬تصف‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلًا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬حضارة‭ ‬مادية‭ ‬فاقدة‭ ‬للرقى‭ ‬الروحى‭ ‬ومليئة‭ ‬بالفساد‭ ‬الأخلاقى،‭ ‬وأننا‭ ‬عرضة‭ ‬للتهديد‭ ‬المستمر‭ ‬منها،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬تستهدف‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬ديننا‭ ‬وعقيدتنا،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تمتلئ‭ ‬به‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الخُطب‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬توجهاتها‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬جوهر‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الدينى‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬الإسلاميين‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مختلف‭ ‬دينيًا‭ ‬يستهدف‭ ‬الآخر‭ ‬الغربى‭ ‬تحديدًا‭ ‬فى‭ ‬محاولات‭ ‬لا‭ ‬تنقطع‭ ‬أبدًا‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والإسلام‭. ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬يعزز‭ ‬ازدواجية‭ ‬التعصب‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يتفاعلون‭ ‬يوميًا‭ ‬مع‭ ‬منتجات‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬وفى‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬يحملون‭ ‬فى‭ ‬نفوسهم‭ ‬الشعور‭ ‬بالتفوق‭ ‬الأخلاقى‭ ‬على‭ ‬الغرب‭. ‬وأخلص‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الاستعلاء‭ ‬نحو‭ ‬الآخر‭ ‬يظل‭ ‬ملتبسًا‭ ‬بمشاعر‭ ‬من‭ ‬الدونية‭ ‬يصعب‭ ‬أحيانًا‭ ‬إدراكها‭.‬‮ ‬

•‭ ‬تغافل‭ ‬الكتاب‭ ‬فى‭ ‬رؤيته‭ ‬للاستعلاء‭ ‬عن‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬الكبير‭ ‬للتراث‭ ‬العالمى‭ ‬ثقافيًا‭ ‬ودينيًا‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬أصبح‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭ ‬والمجتمعات‭ ‬متداخلة‭ ‬بثقافاتها‭ ‬وموروثاتها،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬متوقفًا‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬التراث‭ ‬الأصيل‭ ‬وإنما‭ ‬صرنا‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬التراث‭ ‬المستورد‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬مواجهة‭ ‬ذلك؟

ما‭ ‬تقصدينه‭ ‬ربما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتأثير‭ ‬الثقافى‭ ‬للعولمة‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭ ‬وهى‭ ‬ظاهرة‭ ‬واضحة‭ ‬تمامًا‭ ‬ومؤثرة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬تفاقم‭ ‬حدة‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الطبقى،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬نشرتُ‭ ‬كتيبًا‭ ‬صغيرًا‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٦‬‭ ‬حول‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى،‭ ‬وأقصد‭ ‬بذلك‭ ‬الثقافة‭ ‬التى‭ ‬تتشكل‭ ‬بفعل‭ ‬عولمة‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬فى‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬فنحن‭ ‬نستهلك‭ ‬أنواعًا‭ ‬غير‭ ‬تقليدية‭ ‬من‭ ‬الأطعمة‭ ‬والملابس‭ ‬والاكسسورات‭ ‬وأدوات‭ ‬التجميل‭ ‬الحديثة،‭ ‬وكذلك‭ ‬أجهزة‭ ‬المحمول‭ ‬الذكية‭ ‬وتجهيزات‭ ‬البيوت‭ ‬من‭ ‬رفاهية‭ ‬السلع‭ ‬المعمرة‭ ‬الحديثة‭ ‬والفاخرة‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الإلحاح‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬التميز‭ ‬باقتناء‭ ‬تلك‭ ‬المظاهر‭ ‬الاستهلاكية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يغذى‭ ‬حالة‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الطبقى‭ ‬ويضفى‭ ‬عليها‭ ‬قدرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الرغبة‭ ‬الجامحة‭ ‬فى‭ ‬التميز‭ ‬الطبقى‭ ‬بمتوالية‭ ‬لا‭ ‬تنتهى‭ ‬من‭ ‬الإغواء‭ ‬الاستهلاكى‭ ‬–‭ ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬بودريارد‭ ‬–‭ ‬والذى‭ ‬تعانى‭ ‬منه‭ ‬فئات‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬وبعض‭ ‬شرائح‭ ‬من‭ ‬محدودى‭ ‬الدخل‭. ‬وهذا‭ ‬الإغواء‭ ‬ناجم‭ ‬عن‭ ‬المراوغة‭ ‬فى‭ ‬التلاعب‭ ‬بالعين‭ ‬والحواس‭ ‬الأخرى‭ ‬فى‭ ‬تأثير‭ ‬الثقافة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬على‭ ‬المظاهر‭ ‬الخارجية‭ ‬والتأثير‭ ‬فى‭ ‬متعة‭ ‬الجسد‭ ‬والتلاعب‭ ‬به‭. ‬وبذلك‭ ‬يتجه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المتضاعف‭ ‬والذى‭ ‬يفوق‭ ‬قدراتهم‭ ‬وإمكانياتهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬وقتية‭ ‬وزائفة‭ ‬من‭ ‬التميز‭ ‬المصاحب‭ ‬للاستعراض‭ ‬بالمظاهر‭ ‬الاستهلاكية‭. ‬نحن‭ ‬بكل‭ ‬أسف‭ ‬نشجع‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والإعلانات‭ ‬والتى‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬تفاقم‭ ‬الشعور‭ ‬بالظلم‭ ‬والعجز‭ ‬والتهميش‭ ‬لدى‭ ‬غالبية‭ ‬السكان‭ ‬محدودى‭ ‬الدخل‭.‬

•‭ ‬‮«‬يتطور‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬ازدراء‭ ‬إلى‭ ‬إقصاء‭ ‬ثم‭ ‬عداء‭ ‬وإفناء؛‭ ‬وقد‭ ‬يبدأ‭ ‬بنكتة‮»‬‭. ‬هل‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تفشى‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬الكوميكس‮»‬‭ ‬وتحويل‭ ‬أى‭ ‬قضية‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬إلى‭ ‬صور‭ ‬مضحكة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬مع‭ ‬تعليل‭ ‬ذلك‭ ‬بأننا‭ ‬شعب‭ ‬يميل‭ ‬للكوميديا؛‭ ‬ينذر‭ ‬بخطر‭ ‬ما؟

طريق‭ ‬الكراهية‭ ‬والحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬فى‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الازدراء‭ ‬مرورًا‭ ‬بثقافة‭ ‬الإقصاء‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬الإفناء،‭ ‬وأقصد‭ ‬بثقافة‭ ‬الازدراء‭ ‬التصورات‭ ‬والأفكار‭ ‬والمفردات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬التى‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الآخر‭ ‬وتخلق‭ ‬مسافة‭ ‬اجتماعية‭ ‬فى‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬المختلفين‭ ‬والسخرية‭ ‬منهم،‭ ‬وتخلق‭ ‬حواجز‭ ‬نفسية‭ ‬ترسخ‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬المجتمعية‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭. ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬يتم‭ ‬تمريرها‭ ‬بسهولة‭ ‬عبر‭ ‬صور‭ ‬متداولة‭ ‬من‭ ‬الفكاهة‭ ‬والسخرية‭. ‬وللأسف‭ ‬كثير‭ ‬منا‭ ‬يتقبل‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الدعابة‭. ‬وحين‭ ‬تمتزج‭ ‬بمفردات‭ ‬وأمثال‭ ‬شعبية‭ ‬ساخرة‭ ‬فهذا‭ ‬يضفى‭ ‬عليها‭ ‬مشروعية‭ ‬فى‭ ‬التداول‭ ‬بأنها‭ ‬تراث‭ ‬مشترك‭. ‬والمرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬تتمثل‭ ‬فى‭ ‬ثقافة‭ ‬الإقصاء‭ ‬التى‭ ‬تكرس‭ ‬استبعاد‭ ‬وحرمان‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬الحقوق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المشتركة‭. ‬والمرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬هى‭ ‬ثقافة‭ ‬الإفناء‭ ‬والتى‭ ‬تصاحبها‭ ‬مظاهر‭ ‬عدائية‭ ‬وعنف‭ ‬واعتداءات‭ ‬جسدية‭ ‬وتهديد‭ ‬معنوى‭ ‬ومادى‭ ‬نحو‭ ‬الآخرين‭ ‬ضحايا‭ ‬التمييز،‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬صد‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الواقعة‭ ‬عليهم‭.‬

وفى‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬التى‭ ‬قطعت‭ ‬شوطًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬فى‭ ‬التقدم‭ ‬الاقتصادى‭ ‬والتقنى‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مصحوبًا‭ ‬بتقدم‭ ‬اجتماعى‭ ‬وحضارى‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بضبط‭ ‬آليات‭ ‬التعايش‭ ‬السلمى‭ ‬واحترام‭ ‬التنوع‭ ‬وعدم‭ ‬السماح‭ ‬لتفشى‭ ‬مظاهر‭ ‬التعصب‭ ‬والتطرف؛‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬فى‭ ‬المجال‭ ‬العام‭. ‬ومن‭ ‬الأمور‭ ‬المهمة،‭ ‬التى‭ ‬تؤخذ‭ ‬بجدية‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات،‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬جادة‭ ‬وصارمة‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬التى‭ ‬تعزز‭ ‬الازدراء‭ ‬والكراهية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الاختلاف‭ ‬النوعى‭ ‬والعرقى‭ ‬والطبقى‭ ‬والدينى‭ ‬والجغرافى‭ ‬والجسدى‭. ‬لأن‭ ‬السخرية‭ ‬التى‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬الكراهية‭ ‬والتعصب‭ ‬ضد‭ ‬المختلف‭ ‬هى‭ ‬أشبه‭ ‬بالأوبئة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يؤدى‭ ‬تفشيها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬لما‭ ‬يشبه‭ ‬الجائحة‭. ‬ولهذا‭ ‬لا‭ ‬ينبغى‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نستهين‭ ‬بالازدراء‭ ‬والسخرية‭ ‬التى‭ ‬تعمق‭ ‬الكراهية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ينبغى‭ ‬التدخل‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬بوسائل‭ ‬مختلفة‭ ‬ومتعددة‭ ‬للرصد‭ ‬والمحاسبة؛‭ ‬بعضها‭ ‬توجيهى‭ ‬وأخلاقى‭ ‬وتعليمى،‭ ‬ويلعب‭ ‬الدين‭ ‬تطورًا‭ ‬بالغًا‭ ‬فى‭ ‬تفعيلها،‭ ‬وفى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يكون‭ ‬التدخل‭ ‬القانونى‭ ‬مهمًا،‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬عدم‭ ‬الإفراط‭ ‬فى‭ ‬العقوبات‭ ‬القانونية‭ ‬التى‭ ‬ثبت‭ ‬عدم‭ ‬جدواها‭ ‬فى‭ ‬مواضع‭ ‬الخلل‭ ‬القيمى‭ ‬والأخلاقى‭.‬

•‭ ‬‮«‬يصبح‭ ‬الشعور‭ ‬بالاستعلاء‭ ‬للإيمان‭ ‬لدى‭ ‬المؤمنين‭ ‬مقترنًا‭ ‬بتضخيم‭ ‬إدراكهم‭ ‬لذواتهم‭ ‬ويقينهم‭ ‬من‭ ‬أنفسهم‮»‬‭. ‬يقين‭ ‬الشخص‭ ‬بذاته‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬الاستعلاء‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات؛‭ ‬هل‭ ‬تؤمن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬يقينًا‭ ‬فى‭ ‬الحياة؟

نعم‭ ‬أؤمن‭ ‬بوجود‭ ‬اليقين‭ ‬فى‭ ‬الحياة،‭ ‬وما‭ ‬القيم‭ ‬التى‭ ‬نتبناها‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬ونحقق‭ ‬بمقتضاها‭ ‬طموحاتنا‭ ‬إلا‭ ‬مبادئ‭ ‬نؤمن‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬اليقين‭. ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يحيا‭ ‬إلا‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬الايمان‭ ‬بمبادئ‭ ‬يقينية‭ ‬حول‭ ‬وجوده‭ ‬الشخصى‭ ‬والاجتماعى‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬العقل‭ ‬المتطرف‭ ‬عن‭ ‬العقل‭ ‬المنفتح‭ ‬هو‭ ‬درجة‭ ‬الاستعداد‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬مبادئ‭ ‬نؤمن‭ ‬بها،‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬تصطدم‭ ‬بواقع‭ ‬متغير،‭ ‬وحين‭ ‬تكون‭ ‬مكبلة‭ ‬لقدرتنا‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬حياتنا‭. ‬ولا‭ ‬أعنى‭ ‬بذلك‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التشكيك‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نؤمن‭ ‬به‭ ‬لأننا‭ ‬لن‭ ‬نستطيع‭ ‬تحمل‭ ‬عبء‭ ‬الحياة‭ ‬دون‭ ‬إيمان‭ ‬بمبادئ‭ ‬نحيا‭ ‬بمقتضاها،‭ ‬بل‭ ‬أعنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لدينا‭ ‬حرية‭ ‬فى‭ ‬التفكير‭ ‬النقدى‭ ‬تسمح‭ ‬لنا‭ ‬بالمراجعة‭ ‬المستمرة‭ ‬لنظرتنا‭ ‬للحياة‭ ‬ولموقفنا‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الذى‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬ولعلاقتنا‭ ‬بالآخرين‭. ‬وهذا‭ ‬يقتضى‭ ‬أن‭ ‬نتحرر‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬التفكير‭ ‬المتطرف‭ ‬التى‭ ‬تكبل‭ ‬عقولنا‭ ‬وتصيبنا‭ ‬بانعدام‭ ‬الثقة‭ ‬فى‭ ‬عقولنا‭ ‬وفى‭ ‬أنفسنا‭ ‬كبشر‭ ‬وفى‭ ‬الآخرين‭ ‬حولنا‭.‬‮ ‬

ولهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬المتطرف‭ ‬أو‭ ‬المتعصب‭ ‬تجليات‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬نتحرر‭ ‬منها‭ ‬وأهمها‭: ‬اختزال‭ ‬رؤية‭ ‬العالم‭ ‬فى‭ ‬نظرة‭ ‬مطلقة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬ادعاء‭ ‬بالحقيقة‭ ‬المطلقة‭ ‬واحتكارها،‭ ‬وتبنى‭ ‬الثنائيات‭ (‬إما‭ ‬مع‭ ‬أو‭ ‬ضد،‭ ‬إما‭ ‬أبيض‭ ‬أو‭ ‬أسود‭) ‬وتمجيد‭ ‬مبدأ‭ ‬الثبات‭ ‬فى‭ ‬التفكير،‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المناقشة‭ ‬والتفاوض‭ ‬والتسوية‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬وسط،‭ ‬وعدم‭ ‬قبول‭ ‬النقد‭ ‬واعتباره‭ ‬تهديدًا‭ ‬وامتهانًا‭ ‬يواجه‭ ‬بالعنف،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬النفور‭ ‬المعرفى‭ ‬من‭ ‬الاختلاف‭ ‬ورفض‭ ‬التعددية‭ ‬واعتبار‭ ‬الاختلاف‭ ‬تهديدًا‭ ‬لأى‭ ‬ثوابت،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬السعى‭ ‬لتدمير‭ ‬التنوع؛‭ ‬خاصة‭ ‬الفكرى‭ ‬والثقافى‭ ‬والدينى‭. ‬تلك‭ ‬هى‭ ‬سمات‭ ‬العقل‭ ‬المتطرف‭ ‬المقترن‭ ‬بتضخم‭ ‬إدراك‭ ‬الذات،‭ ‬والاستعلاء‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬لا‭ ‬يستريح‭ ‬إلا‭ ‬لمبادئ‭ ‬ثابتة‭ ‬يقينية‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬المناقشة،‭ ‬ويشعر‭ ‬بالقلق‭ ‬الوجودى‭ ‬العميق‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين،‭ ‬وأقصد‭ ‬بذلك‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬أشياء‭ ‬غامضة،‭ ‬وغير‭ ‬محددة‭ ‬وغير‭ ‬واضحة،‭ ‬والقلق‭ ‬من‭ ‬الاختلاف‭ ‬فى‭ ‬الرأى‭. ‬وللأسف‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬شائعة‭ ‬فى‭ ‬مجتمعنا‭ ‬ولمسناها‭ ‬بعمق‭ ‬فى‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات،‭ ‬ففى‭ ‬أثناء‭ ‬أحداث‭ ‬‮٢٥‬‭ ‬يناير‭ ‬ساد‭ ‬القلق‭ ‬العميق‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭ ‬الشخصى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬والقومى،‭ ‬وفى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحوال‭ ‬يصبح‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬أكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للتعصب‭ ‬وقبول‭ ‬الشائعات‭ ‬وتصديق‭ ‬ما‭ ‬يخفف‭ ‬عنهم‭ ‬القلق‭ ‬الوجودى‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بالأكاذيب‭ ‬والتزييف‭ ‬والدجل‭. ‬وبكل‭ ‬أسف‭ ‬تورط‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬أطياف‭ ‬النخبة‭ ‬فى‭ ‬تعزيز‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬البائسة‭ ‬لدى‭ ‬غالبية‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭.‬

•‭ ‬يتبين‭ ‬فى‭ ‬الآيات‭ ‬المذكورة‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬داخل‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬الأساسية‭ ‬التى‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬استخدامها‭ ‬هى‭ ‬التفسير‭ ‬الحرفى‭. ‬ألا‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬تدخلًا‭ ‬من‭ ‬الأزهر‭ ‬لبيان‭ ‬التفسيرات‭ ‬الصحيحة‭ ‬والمدققة‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الدينى،‭ ‬وحث‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬إعمال‭ ‬عقولهم‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الاستسهال‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الإفتاء‭ ‬فى‭ ‬صغائر‭ ‬الأمور؟

الأزهر‭ ‬ليس‭ ‬كيانًا‭ ‬واحدًا‭ ‬متجانسًا‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬إضفاء‭ ‬طابع‭ ‬التماثل‭ ‬والتجانس‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬أو‭ ‬بيانات‭ ‬أو‭ ‬إصدارات‭ ‬رسمية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية‭ ‬ككل‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬ليست‭ ‬متجانسة‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬بل‭ ‬يسودها‭ ‬التناقض‭ ‬والتعارض‭ ‬فى‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬التجديد‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الرسمى‭ ‬فإن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬بذلت‭ ‬جهدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬وقدمت‭ ‬أطروحات‭ ‬فى‭ ‬التجديد‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬‮«‬تصحيح‭ ‬المفاهيم‮»‬‭ ‬وأصدرت‭ ‬كتبًا‭ ‬كثيرة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭. ‬ولكن‭ ‬المشكلة‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬التجديد‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭. ‬ودعينى‭ ‬أوضح‭ ‬لكِ‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬التجديد‭ ‬أصبح‭ ‬غامضًا‭ ‬رغم‭ ‬كثرة‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬تعريف‭ ‬واضح‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬سواء‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية‭ ‬ذاتها‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعى‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬ارتباط‭ ‬دعاوى‭ ‬التجديد‭ ‬بالصراع‭ ‬حول‭ ‬أطراف‭ ‬متعددة‭ ‬جميعها‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬احتكار‭ ‬المجال‭ ‬الدينى‭. ‬مما‭ ‬يعنى‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬بصدد‭ ‬خطاب‭ ‬دينى‭ ‬واحد‭ ‬وإنما‭ ‬خطابات‭ ‬متعددة‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬له‭ ‬مرجعية‭ ‬دينية‭ ‬وسياسية‭ ‬محددة‭. ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬ينفى،‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬اختلاف‭ ‬حظ‭ ‬تلك‭ ‬الخطابات‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬والتأثير‭ ‬فى‭ ‬الجمهور،‭ ‬فليست‭ ‬كل‭ ‬صور‭ ‬الخطاب‭ ‬الدينى‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الشيوع‭ ‬والانتشار‭ ‬والتأثير‭ ‬فى‭ ‬الوعى‭. ‬وهذا‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬معنى‭ ‬التجديد،‭ ‬والذى‭ ‬يتضمن‭ ‬إدخال‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬مضامين‭ ‬بعينها‭ ‬فى‭ ‬الخطابات‭ ‬الدينية‭ ‬السائدة؛‭ ‬فكل‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التجديد،‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬مصدرها‭ ‬أو‭ ‬الهدف‭ ‬منها،‭ ‬تسعى‭ ‬فى‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬إزاحة‭ ‬مضامين‭ ‬فكرية‭ ‬ودينية‭ ‬بعينها‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬الصدارة‭ ‬وإحلال‭ ‬مضامين‭ ‬أخرى‭ ‬محلها‭. ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬الخلاف‭ ‬والجدل‭ ‬المحتدم‭ ‬حول‭ ‬تجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الدينى‭ ‬يعد‭ ‬بمثابة‭ ‬المعادل‭ ‬الفكرى‭ ‬للصراع‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والسياسى‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسياسية‭ ‬مختلفة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬المجال‭ ‬الدينى‭.‬‮ ‬

وما‭ ‬أطرحه‭ ‬ليس‭ ‬تجديدًا‭ ‬للخطاب‭ ‬الدينى‭ ‬منعزلًا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الاجتماعى‭ ‬المحتدم‭ ‬حول‭ ‬المجال‭ ‬الدينى،‭ ‬وإنما‭ ‬دعوة‭ ‬للتجديد‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬سوسيولوجى‭ ‬لجوهر‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والمجتمع‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وجوهر‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والدولة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬وطرحت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬أربعة‭ ‬أسس‭ ‬جديدة‭ ‬أسميتها‭ ‬تاءات‭ ‬التجديد‭ ‬الأربعة‭: ‬التأويل‭ ‬الحر‭ ‬بأولوية‭ ‬العقل‭ ‬على‭ ‬النقل،‭ ‬والتوافق‭ ‬مع‭ ‬الهموم‭ ‬الدنيوية‭ ‬بأولوية‭ ‬الدنيا‭ ‬على‭ ‬الموت،‭ ‬والتفرد‭ ‬فى‭ ‬التجربة‭ ‬الدينية‭ ‬بأولوية‭ ‬الجوهر‭ ‬على‭ ‬المظهر،‭ ‬والتحرر‭ ‬الإنسانى‭ ‬بأولوية‭ ‬الاختيار‭ ‬على‭ ‬الاجبار‭.‬‮ ‬

أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتوسع‭ ‬فى‭ ‬الإفتاء‭ ‬فهذا‭ ‬يعبِّر‭ ‬عن‭ ‬قلق‭ ‬عميق‭ ‬لدى‭ ‬المؤسسة‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية‭ ‬بشأن‭ ‬انسحاب‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬بعد‭ ‬‮٢٠١٣‬،‭ ‬والرغبة‭ ‬الشديد‭ ‬فى‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬الذى‭ ‬تركته‭ ‬حركات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى‭ ‬فى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬ووجدان‭ ‬الناس‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الحضور‭ ‬الدينى‭ ‬فى‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬يقترن‭ ‬دائمًا‭ ‬بالصراع‭ ‬السياسى‭ ‬مع‭ ‬أى‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭ ‬تخالف‭ ‬الرؤية‭ ‬الدينية‭ ‬المفروضة‭. ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬فكلاهما،‭ ‬يعمل‭ ‬تحت‭ ‬مبرر‭ ‬نُصرة‭ ‬الدين‭ ‬والذود‭ ‬عنه‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭. ‬ولهذا‭ ‬يخوض‭ ‬كل‭ ‬العاملين‭ ‬بالشأن‭ ‬الدينى‭ ‬معركتهم‭ ‬الأساسية‭ ‬مع‭ ‬النخب‭ ‬والتيارات‭ ‬العلمانية‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬وإزاحتها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬منصات‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭. ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬جوهر‭ ‬الصراع‭ ‬الكبير‭ ‬ببن‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬احتكار‭ ‬المجال‭ ‬الدينى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يدعى‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬بأنه‭ ‬الأقدر‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬مخالب‭ ‬العلمانية،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬معاقلها‭ ‬الفكرية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭. ‬وهذا‭ ‬يفسر‭ ‬السبب‭ ‬الحقيقى‭ ‬وراء‭ ‬سعى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬التواجد‭ ‬بعمق‭ ‬فى‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬والسعى‭ ‬الحثيث‭ ‬للانفراد‭ ‬بتشكيل‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬باسم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام‭ ‬الحق‭ ‬أو‭ ‬محاربة‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭. ‬وبذلك‭ ‬يصبح‭ ‬وجود‭ ‬الدين‭ ‬فى‭ ‬المجال‭ ‬العام‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والسياسى‭ ‬والاستقطاب‭ ‬الفكرى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬والسياسى‭ ‬الشديد‭.‬

•‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬دمج‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬فى‭ ‬التعليم‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬وتتوحد‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬تعليميًا‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬اتجاه‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬التفرقة‭ ‬وتأصيل‭ ‬سمة‭ ‬الاستعلاء؟‭ ‬إذ‭ ‬نملك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نظام،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬والتجريبية‭ ‬واللغات‭ ‬والدولية،‭ ‬والتى‭ ‬تنتج‭ ‬بدورها‭ ‬أجيالًا‭ ‬تتعدد‭ ‬خلفياتها‭ ‬الثقافية‭.‬

التفاوت‭ ‬التعليمى‭ ‬الصارخ‭ ‬يعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬التفاوت‭ ‬الطبقى‭ ‬الصارخ‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬ويضفى‭ ‬شرعية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الانقسام‭ ‬الطبقى‭ ‬باعتباره‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الجدارة‭. ‬هذه‭ ‬قضية‭ ‬إشكالية‭ ‬فى‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬ومنها‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬المتقدمة‭. ‬وبحسب‭ ‬آراء‭ ‬بيير‭ ‬بورديو‭ ‬فإن‭ ‬النظم‭ ‬التعليمية‭ ‬الغربية‭ ‬تحتكر‭ ‬معايير‭ ‬ثقافية‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقات‭ ‬الأدنى‭ ‬وإنما‭ ‬تعمل‭ ‬لصالح‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقة‭ ‬العليا‭. ‬ولهذا‭ ‬يدخل‭ ‬التلاميذ‭ ‬من‭ ‬خلفيات‭ ‬طبقية‭ ‬متنوعة‭ ‬للالتحاق‭ ‬بنظام‭ ‬تعليمى‭ ‬موحد،‭ ‬ولكن‭ ‬المحصلة‭ ‬النهائية‭ ‬للنظام‭ ‬التعليمى‭ ‬تفرز‭ ‬متفوقين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقة‭ ‬العليا‭ ‬ولا‭ ‬تتيح‭ ‬الفرص‭ ‬لتفوق‭ ‬أبناء‭ ‬الفقراء،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يعيد‭ ‬النظام‭ ‬التعليمى‭ ‬إنتاج‭ ‬نفس‭ ‬الأوضاع‭ ‬الطبقية‭ ‬المتباينة‭ ‬للتلاميذ‭ ‬بعد‭ ‬التخرج‭.‬‮ ‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬فى‭ ‬الغرب‭ ‬فإن‭ ‬حالنا‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬لدينا‭ ‬نُظم‭ ‬تعليمية‭ ‬متعددة‭ ‬بحسب‭ ‬تفاوت‭ ‬الخلفيات‭ ‬الطبقية‭ ‬لمن‭ ‬يلتحقون‭ ‬بها،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬نظم‭ ‬تعليمية‭ ‬لكل‭ ‬طبقة‭ ‬أو‭ ‬فئة‭ ‬اجتماعية‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤدى‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬التعليم‭ ‬لوظيفته‭ ‬فى‭ ‬الحراك‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والتى‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬مضي‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬بصورته‭ ‬الراهنة‭ ‬يكرِّس‭ ‬الطبقية‭ ‬ويعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستعلاء‭ ‬الطبقى‭ ‬أيضًا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يُبذل‭ ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬تطويرات‭ ‬فى‭ ‬النظام‭ ‬التعليمى‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬أُنجِز‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التعليم‭ ‬الابتدائى‭ ‬يبشر‭ ‬بتحولات‭ ‬جذرية‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬مختلف،‭ ‬ولكن‭ ‬مازال‭ ‬الوقت‭ ‬مبكرًا‭ ‬للحكم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬كفاءة‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬فى‭ ‬تعزيز‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

•‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تتسبب‭ ‬طرق‭ ‬معالجة‭ ‬التمييز‭ ‬فى‭ ‬تطرف‭ ‬مضاد‭ ‬أو‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬معادى،‭ ‬فمثلًا؛‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬تتجه‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ ‬لتمكين‭ ‬المرأة‭ ‬والشباب‭ ‬نلاحظ‭ ‬زيادة‭ ‬فى‭ ‬نسبة‭ ‬التعديات‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬المصرى‭ ‬وارتفاع‭ ‬لمشاعر‭ ‬الإحباط‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬التى‭ ‬تدفع‭ ‬بعضهم‭ ‬للانتحار‭ ‬أحيانًا‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفادى‭ ‬ذلك‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن؟

التمييز‭ ‬ضد‭ ‬النساء‭ ‬متجذر‭ ‬بعمق‭ ‬فى‭ ‬الثقافة‭ ‬المجتمعية‭ ‬السائدة،‭ ‬والتراث‭ ‬الشعبى‭ ‬مليئ‭ ‬بصور‭ ‬سلبية‭ ‬للنساء‭. ‬وبالتالى‭ ‬فإن‭ ‬جهود‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬تمكين‭ ‬المرأة‭ ‬ماتزال‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬مكافحة‭ ‬صور‭ ‬التمييز‭ ‬المجتمعى‭ ‬ضدها‭. ‬فالتمكين‭ ‬الفوقى‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مهم‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬تفاقم‭ ‬الفجوة‭ ‬النوعية‭ ‬فى‭ ‬المجتمع،‭ ‬ولكن‭ ‬النجاح‭ ‬الحقيقى‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬تغيير‭ ‬القيم‭ ‬والتصورات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬التى‭ ‬تعزز‭ ‬الفجوة‭ ‬النوعية‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الفجوة‭ ‬العمرية‭ ‬قائمة‭ ‬فى‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتغذيها‭ ‬تصورات‭ ‬نمطية‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬أهلية‭ ‬الشباب‭ ‬لتحمل‭ ‬مسئوليات‭ ‬تتجاوز‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل،‭ ‬وللأسف‭ ‬هذه‭ ‬القناعات‭ ‬سائدة‭ ‬أيضًا‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬أنفسهم‭ ‬مما‭ ‬يفقدهم‭ ‬ثقتهم‭ ‬فى‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة‭ ‬للتهميش،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬تدخلات‭ ‬كثيرة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الشراكة‭ ‬المجتمعية‭. ‬وبالتالى‭ ‬فإن‭ ‬تغيير‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭ ‬السلبية‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬النوعية‭ ‬أو‭ ‬العمرية‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬مؤسسات‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وبالأخص‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والإعلامية‭ ‬والتعليمية،‭ ‬ويتطلب‭ ‬جهودًا‭ ‬متعددة‭ ‬ومتضافرة‭ ‬ومنسجمة‭ ‬معًا‭ ‬ومستدامة‭.‬

•‭ ‬يتناول‭ ‬الكتاب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬المهمة‭ ‬ويدرس‭ ‬أسباب‭ ‬الصراعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتطرف‭ ‬والكراهية‭ ‬فى‭ ‬عالمنا‭ ‬العربى،‭ ‬ويطرح‭ ‬أفكارًا‭. ‬يبقى‭ ‬السؤال؛‭ ‬كيف‭ ‬سيصل‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬للمواطن‭ ‬فى‭ ‬الشارع؟‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬فى‭ ‬حيز‭ ‬التطبيق‭ ‬فى‭ ‬ظل‭ ‬تفشى‭ ‬الأمية‭ ‬والجهل‭ ‬وقِلة‭ ‬القراءة؟

للعلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬فى‭ ‬تشكيل‭ ‬الرأى‭ ‬العام،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬إعداد‭ ‬جيد‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المشتغلين‭ ‬بعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬والعلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬للتصدى‭ ‬لهذه‭ ‬المهمة،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأكاديميين‭ ‬لديهم‭ ‬رصيد‭ ‬متميز‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬ولكن‭ ‬تأهيلهم‭ ‬المحصور‭ ‬فى‭ ‬نطاق‭ ‬المعايير‭ ‬الأكاديمية‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬مخاطبة‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬بلغة‭ ‬واضحة‭ ‬يفهمها‭ ‬ودون‭ ‬تعالى‭ ‬لغوى‭. ‬وللأسف‭ ‬لدينا‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬للغاية‭ ‬ممن‭ ‬يستطيعون‭ ‬مخاطبة‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭. ‬وأود‭ ‬أن‭ ‬ألفت‭ ‬النظر‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬تراث‭ ‬الاستعلاء‭ ‬كان‭ ‬محاولة‭ ‬للمزج‭ ‬بين‭ ‬كونه‭ ‬كتابًا‭ ‬علميًا‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬المعايير‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وفى‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬مكتوب‭ ‬بلغة‭ ‬يفهمها‭ ‬القارئ‭ ‬العام‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬حيثيات‭ ‬الفوز‭ ‬بالجائزة،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬وُفقت‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬الصعبة‭.‬‮ ‬

•‭ ‬لازال‭ ‬سؤالى‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬الوصول‭ ‬والتطبيق‭ ‬قائمًا؛‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬للوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬المؤثرة‭ ‬ذات‭ ‬المشاهدات‭ ‬العالية‭ ‬كالسينما‭ ‬والدراما‭ ‬وبرامج‭ ‬‮«‬التوك‭ ‬شو‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬فى‭ ‬ذلك؟

أتصور‭ ‬أن‭ ‬كتَّاب‭ ‬السيناريو‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستلهموا‭ ‬من‭ ‬الكِتاب‭ ‬موضوعات‭ ‬تتعلق‭ ‬بإشكاليات‭ ‬التعصب‭ ‬والتطرف،‭ ‬ويمكن‭ ‬أيضًا‭ ‬عرض‭ ‬حلقات‭ ‬مصورة‭ ‬كفيديوهات‭ ‬حول‭ ‬الكتاب‭ ‬لتبسيطه‭ ‬فكرته‭ ‬لدى‭ ‬القارئ،‭ ‬وبإمكان‭ ‬برامج‭ ‬التوك‭ ‬شو‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬نقاشًا‭ ‬حول‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬موضوعات‭ ‬تفصيلية‭ ‬وردت‭ ‬فيه‭. ‬وهذه‭ ‬الوسائل‭ ‬الحديثة‭ ‬مهمة‭ ‬لتمكين‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬للمعرفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصورة‭.‬‮ ‬

‭> ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬مشروع‭ ‬جديد‭ ‬تعمل‭ ‬عليه‭ ‬حاليًا؟

أهتم‭ ‬الآن‭ ‬بجوانب‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬الإيجابى‭ ‬والتى‭ ‬تعزز‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافى‭ ‬والتماسك‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والتسامح‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بخريطة‭ ‬البؤر‭ ‬السوداء‭ ‬داخل‭ ‬تراثنا‭ ‬الثقافى‭ ‬العربى،‭ ‬تمهيدا‭ ‬لإعداد‭ ‬تصور‭ ‬نظرى‭ ‬متكامل‭ ‬حول‭ ‬إشكالية‭ ‬تطوير‭ ‬التراث‭ ‬وسبل‭ ‬تنميته‭.‬‮ ‬