الشهيد الذي أحب القاهرة

ممدوح الصغير
ممدوح الصغير

نعم كان كما يطلقون عليه «ابن الموت».. هذه الكلمة ترددت  من الجميع  في مستشفي المقطم للتأمين الصحي  بعد استشهاد  د. وليد سويد الذي  صعدت روحه للسماء متأثر بفيروس كورونا خاطف أرواح أعزاء بيننا.. بكت قلوبنا قبل أن تذرف دموعنا من أهداب العيون.

بعد نهاية دراسته للطب في لبنان كانت القاهرة القبلة التي أرادها لاستكمال دراسته في تخصص الجراحة العامة والحصول علي  الزمالة المصرية، كان بمقدوره السفر لأي دولة أوربية ولكنه أختار القاهرة - مدينة الألف مئذنة- لأنه هو محب لمصر وأهلها.. أختار مستشفى المقطم لقربها من أضرحة أولياء الله، كان  دائم التصوير مع الأماكن الأثرية، وأحيانا يكتب  تعليقات على صوره: عمر  الحائط  الذي خلفي أكثر من ألف عام.. توضيحا منه بأن  تاريخ المدينة عمرها فوق ألف عام .

5 سنوات مدة عمل د.وليد سويد بمستشفي المقطم، أندمج خلالها مع أطباء المستشفى، أكثروا  من المزح معه بسبب محبته كانوا يتكلمون باللهجة الشامية، ولأن قلبه لا يعرف سوي الحب يرد عليهم بالعامية المصرية.

كان الأكثر حنانا مع المرضى يقول دائما إن الطب رسالة، يتكلم برقة مع كل مريض، إن كانت سيدة يتعامل معها كأنها والدته أو شقيقته.

خلال تحركاته بين أقسام المستشفى، يطوف والإبتسامة  تصاحبه، التقيت به أكثر من مرة بصحبة ابن شقيقتي د.زين حسن ماجد،  قابلني بترحاب وابتسامه عريضة،  علمتني الحياة كثيراَ وأصبحت أري بقلبي أكثر من عيوني، رأيت فيه قلبا  مشعا بالخير، شاهدته يتعامل بإنسانية عالية مع المرضى.

الأسبوع الماضي سكن الحزن مستشفى المقطم بعد وفاته بعد إصابته بفيروس كورونا، الدموع غزت عيون الأطباء وطاقم التمريض، عاملات النظافة بكت قلوبهن قبل عيونهن، الطبيب الشهيد ثلاثيني العمر متزوج  مؤخراَ زوجته حامل في طفلة حرمها القدر أن تحصل على قبله بعد ولادتها منه، ستقول كلمة بابا ولكنه لن يسمعها.
 وفي لحظات صراعه مع كورونا قال وصيته أن يدفن في بيروت يريد أن  يعود  لتراب وطنه ضاربا مثلا في الانتماء، خرج من أجل العلم وعاد لوطنه شهيداَ.
 
بعد وفاته  ارتدت صفحات الفيسبوك لجميع العاملين في مستشفى المقطم ثوب الحزن،  كل  زملائه كتبوا عنه، رحل عنهم علمهم درسا أن الإنسان يرحل وتبقى سيرته، المكان الذي كان يجلس به خلال  فترة الراحة، يتجمعون فيه ودموعهم تتساقط، كلمة واحدة ينطق بها لسانهم الله يرحمك يا د. وليد.

استشهد في رمضان وكان يستعد للسفر لبيروت بعد العيد، ورفض ترك القاهرة مع توحش الفيروس.. بقي  مع الأطباء في الصف الأول للتصدي للجائحة، لم يخاف عندما أصيب العشرات من زملائه بالمستشفي أدى دوره حتى  استشهاده، رحيله كان درسا لزملائه بأن الحياة قصيرة، لا يبقي من الإنسان سوى السيرة، لو كانت حسنة طال عمره رغم رحيله. 
رحم الله  عاشق  مصر  .. شهيد كورونا ورحم الله كل شهدا ء مصر