صوت رمضان (( محمد رفعت ))

صوت رمضان (( محمد رفعت ))
صوت رمضان (( محمد رفعت ))

كتب : محمد‭ ‬بركات

يعد‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رفعت‭ ‬أحد‭ ‬أيقونات‭ ‬تلاوة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬تميز‭ ‬بتعدد‭ ‬طبقاته،‭ ‬واتساع‭ ‬مساحته،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬القلوب‭ ‬والاستقرار‭ ‬فيها،‭ ‬لدرجة‭ ‬كان‭ ‬وهو‭ ‬يقرأ‭ ‬يبكي‭ ‬تأثرا،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬انهار‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬الصلاة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يؤم‭ ‬المصلين،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يتلوا‭ ‬آية‭ ‬فيها‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬عذاب‭ ‬الآخرة،‭ ‬بدأت‭ ‬شهرته‭ ‬حينما‭ ‬تولى‭ ‬القراءة‭ ‬رسميا‭ ‬بمسجد‭ ‬فاضل‭ ‬باشا‭ ‬بحى‭ ‬السيدة‭ ‬زينب‭ ‬عام‭ ‬1918،‭ ‬وكان‭ ‬فى‭ ‬سن‭ ‬الـ15‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬فبلغ‭ ‬شهرة‭ ‬عالية،‭ ‬وكان‭ ‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬صوته‭  ‬آنذاك‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬ليالى‭ ‬ثورة‭ ‬1919‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬أذابت‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬طوائف‭ ‬الشعب‭ ‬المصرى‭ ‬المختلفة،‭ ‬فقد‭ ‬استمع‭ ‬الأقباط‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬ارفعتب‭ ‬بشغف‭ ‬وإعجاب‭ ‬شديد،‭ ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬مسيرته‭ ‬مع‭ ‬تلاوة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وضعه‭ ‬محبوه‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬عالية‭ ‬لم‭ ‬يصلها‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬بعد‭ ‬رحيله،‭ ‬جعل‭ ‬للقرآن‭ ‬معنى‭ ‬آخر‭ ‬فى‭ ‬أذن‭ ‬المستمعين‭ ‬وزاد‭ ‬بتلاوته‭ ‬حلاوة‭ ‬أخرى‭ ‬بصوته‭ ‬الرائع‭ ‬الفريد،‭ ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من70‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬وفاته،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬صوته‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الطقوس‭ ‬الرمضانية‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬رفع‭ ‬الأذان‭ ‬قبل‭ ‬الإفطار‭ ‬عند‭ ‬صلاة‭ ‬المغرب،‭ ‬فاستحق‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬محبوه‭ ‬اقيثارة‭ ‬السماء‭.‬

اعتصم بالقرآن 

ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رفعت‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬مايو‭ ‬عام‭ ‬1882،‭ ‬بدرب‭ ‬الأغوات‭ ‬بحي‭ ‬المغربلين‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬وسط‭ ‬عائلة‭  ‬تنتمى‭ ‬إلى‭ ‬عائلات‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬تلقى‭ ‬الدروس‭ ‬الدينية‭ ‬وحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬كُتاب‭ ‬ابشتاكب،‭ ‬الملحق‭ ‬بمسجد‭ ‬فاضل‭ ‬باشا‭ ‬بدرب‭ ‬الجماميز‭ ‬بالسيدة‭ ‬زينب،‭ ‬وذلك‭ ‬تمهيدا‭ ‬لالتحاقه‭ ‬بالأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الجامعة‭ ‬المصرية‭ ‬1908،‭ ‬وبعد‭ ‬6سنوات،‭ ‬رشحه‭ ‬شيخه‭ ‬لإحياء‭ ‬الليالي‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬المجاورة‭ ‬القريبة،‭ ‬فدرس‭ ‬علم‭ ‬القراءات‭ ‬والتجويد‭ ‬لمدة‭ ‬عامين‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬هنيدي،‭ ‬صاحب‭ ‬أعلى‭ ‬سند‭ ‬في‭ ‬وقته،‭ ‬ونال‭ ‬إجازته،‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬توفي‭ ‬والده‭ ‬محمود‭ ‬رفعت،‭ ‬مأمور‭ ‬قسم‭ ‬شرطة‭ ‬الجمالية،‭ ‬وكان‭ ‬حينها‭ ‬فى‭ ‬عمر‭ ‬الـ9‭ ‬سنوات،‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬يتيماً‭ ‬مسؤولاً‭ ‬عن‭ ‬أسرته‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬والدته‭ ‬وخالته‭ ‬وأخته‭ ‬وأخيه‭ ‬وأصبح‭ ‬هو‭ ‬عائلها‭ ‬الوحيد،‭ ‬فلجأ‭ ‬إلى‭ ‬القرآن‭ ‬يعتصم‭ ‬به‭ ‬ولا‭ ‬يرتزق‭ ‬منه،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬النية‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬إلحاقه‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬الأزهر،‭ ‬بدأ‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الـ14‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬في‭ ‬إحياء‭ ‬بعض‭ ‬الليالي‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬بترتيل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وبعدها‭ ‬صار‭ ‬يُدعى‭ ‬لترتيل‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والنجوع‭.‬

الاذاعه المصريه 

افتتح‭ ‬الشيخ‭ ‬ارفعتب‭ ‬بث‭ ‬الإذاعة‭ ‬المصرية‭ ‬سنة‭ ‬1934م،‭ ‬وانطلق‭ ‬صوته‭ ‬عبر‭ ‬أثيرها‭ ‬مغردًا‭ ‬بكلمات‭ ‬الله‭ ‬وآياته‭ ‬البينات‭ ‬وتم‭ ‬التعاقد‭ ‬معه‭ ‬للقراءة‭ ‬لمدة‭ ‬سنتين،لا‭ ‬سيما‭ ‬فى‭ ‬رمضان‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتلو‭ ‬تلاوتين‭ ‬يوميًا‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬يوم‭ ‬الأحد،‭ ‬وكان‭ ‬يقرأ‭ ‬القراءة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الساعة‭ ‬التاسعة‭ ‬وحتى‭ ‬العاشرة‭ ‬إلا‭ ‬الربع‭ ‬مساءً،‭ ‬والثانية‭ ‬من‭ ‬الساعة‭ ‬العاشرة‭ ‬والنصف‭ ‬وحتى‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬والربع‭ ‬مساءً،‭ ‬ليكون‭ ‬الصوت‭ ‬الأول‭ ‬الذى‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬الإذاعة‭ ‬المصرية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فتوى‭ ‬من‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬آنذاك‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الأحمدي‭ ‬الظواهري‭ ‬عن‭ ‬جواز‭ ‬إذاعة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬إفتتحها‭ ‬ارفعتب‭ ‬بالآية‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الفتح‭ ‬اإنا‭ ‬فتحنا‭ ‬لك‭ ‬فتحا‭ ‬مبيناب،‭ ‬ثم‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ ‬ابي‭ ‬بي‭ ‬سيب‭ ‬العربية‭ ‬تسجيل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بصوته،‭ ‬ولكنه‭ ‬رفض‭ ‬ظنا‭ ‬منه‭ ‬أنه‭ ‬حرام‭ ‬لأنهم‭ ‬غير‭ ‬مسلمين،‭ ‬فاستفتى‭ ‬الإمام‭ ‬المراغي،‭ ‬فشرح‭ ‬له‭ ‬الأمر،‭ ‬وأخبره‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬حرام،‭ ‬فسجل‭ ‬لهم‭ ‬سورة‭ ‬مريم،‭ ‬اما‭ ‬معظم‭ ‬تلاوت‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭  ‬كانت‭ ‬بمسجد‭ ‬فاضل‭ ‬باشا‭ ‬فى‭ ‬القاهرة،‭ ‬يقصده‭ ‬الناس‭ ‬هناك‭ ‬للاستماع‭ ‬إلى‭ ‬تلاواته‭ ‬حتى‭ ‬الملك‭ ‬فاروق،‭ ‬وبعد‭ ‬موت‭ ‬الزعيم‭ ‬سعد‭ ‬زغلول،‭ ‬حرص‭ ‬مصطفى‭ ‬النحاس‭ ‬باشا‭ ‬على‭ ‬الصلاة‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬رفعت‭ ‬يقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬فيها،‭ ‬وكان‭ ‬فى‭ ‬الصيف‭ ‬يتلو‭ ‬القرآن‭ ‬فى‭ ‬جامع‭ ‬المرسى‭ ‬أبو‭ ‬العباس‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬وكانت‭ ‬جماهير‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬تنتظره‭.‬

صوت قوي 

اهتم‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بمخارج‭ ‬الحروف‭  ‬بكشل‭ ‬كبيرًا‭ ‬جداً‭ ‬،‭ ‬أعطى‭ ‬كل‭ ‬حرف‭ ‬حقه،‭ ‬ليس‭ ‬كى‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬المعنى‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬لكى‭ ‬يصل‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقى‭ ‬إلى‭ ‬صدور‭ ‬الناس،‭ ‬وكان‭ ‬صوته‭ ‬حقًا‭ ‬جميلًا‭ ‬رنانًا،‭ ‬وكان‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬ببراعة‭ ‬وإتقان‭ ‬وبغير‭ ‬تكلف،‭ ‬امتلك‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رفعت‭ ‬طاقات‭ ‬صوتية‭ ‬هائلة،‭ ‬جعلته‭ ‬يستطيع‭ ‬الانتقال‭ ‬بسلاسة‭ ‬شديدة‭ ‬بين‭ ‬المقامات‭ ‬أثناء‭ ‬تلاوته‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬امتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تراسل‭ ‬الحواس‭ ‬لدى‭ ‬المستمعين،‭ ‬فيعلم‭ ‬متى‭ ‬يبكيهم،‭ ‬ومتى‭ ‬يبهجهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آيات‭ ‬الترغيب‭ ‬والترهيب‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬الله،‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬فقد‭ ‬أوتى‭ ‬مزمارًا‭ ‬من‭ ‬مزامير‭ ‬داود،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬وضعنا‭ ‬جماليات‭ ‬الصوت‭ ‬جانبًا‭ ‬لننتقل‭ ‬إلى‭ ‬قوته،‭ ‬فإن‭ ‬صوته‭ ‬كان‭ ‬قويًا‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الوصول‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬٣‭ ‬آلاف‭ ‬شخص‭ ‬فى‭ ‬الأماكن‭ ‬المفتوحة،‭ ‬كان‭ ‬محافظًا‭ ‬على‭ ‬صوته‭ ‬يتجنب‭ ‬نزلات‭ ‬البرد‭ ‬والأطعمة‭ ‬الحريفة‭ ‬ولا‭ ‬يدخن‭ ‬ولا‭ ‬يتناول‭ ‬طعام‭ ‬العشاء‭.‬

تسجيلاته

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كون‭ ‬الشيخ‭ ‬رفعت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬افتتح‭ ‬أثير‭ ‬الإذاعة‭ ‬المصرية‭ ‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلينا‭ ‬تسجيلاته‭ ‬القرآنية‭ ‬الجميلة‭ ‬كاملة،‭ ‬وبجهود‭ ‬محبيه‭ ‬استطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يجمعوا‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الأسطوانات‭ ‬التى‭ ‬تضم‭ ‬19‭ ‬سورة‭ ‬،‭ ‬وأعادوا‭ ‬تسجيلها‭ ‬وقدمت‭ ‬للإذاعة‭ ‬فى‭ ‬مطلع‭ ‬الستينيات،‭ ‬كانت‭ ‬جميعها‭ ‬من‭ ‬تسجيل‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬محبيه،‭ ‬وهو‭ ‬زكريا‭ ‬باشا‭ ‬مهران‭ ‬،‭ ‬فكان‭ ‬يحب‭ ‬الشيخ‭ ‬رفعت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلتقى‭ ‬به،‭ ‬وحرص‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬حفلاته‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تذيعها‭ ‬الإذاعة‭ ‬المصرية‭ ‬على‭ ‬الهواء،واشترى‭ ‬لذلك‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الجرامافون‭ ‬من‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وعندما‭ ‬علم‭ ‬بمرض‭ ‬الشيخ‭ ‬رفعت‭ ‬أسرع‭ ‬إلى‭ ‬الإذاعة‭ ‬حاملًا‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الأسطوانات،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬مسئولى‭ ‬الإذاعة‭ ‬عمل‭ ‬معاش‭ ‬للشيخ‭ ‬رفعت‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬وبالفعل‭ ‬خصصت‭ ‬الإذاعة‭ ‬مبلغ‭ ‬١٠‭ ‬جنيهات‭ ‬معاشًا‭ ‬شهريًا‭ ‬للشيخ‭ ‬رفعت،‭ ‬ولكن‭ ‬الشيخ‭ ‬توفى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتسلمه،‭ ‬وتبرعت‭ ‬عائلة‭ ‬زكريا‭ ‬باشا‭ ‬بالأسطوانات‭ ‬لكى‭ ‬تُنشر،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬ورثة‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رفعت‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬زكريا‭ ‬باشا‭ ‬مهران‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬،‭ ‬فلولا‭ ‬هذه‭ ‬التسجيلات‭ ‬لفقد‭ ‬تراثه‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬٣‭ ‬تسجيلات‭ ‬تحتفظ‭ ‬بها‭ ‬الإذاعة،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬لتلك‭ ‬الأسطوانات‭ ‬أثرها‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬الشيخ‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬زكريا‭ ‬باشا‭ ‬المُحب،‭ ‬الذى‭ ‬سجل‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬رؤية‭ ‬للشيخ‭ ‬رفعت‭.‬

ليالي رمضان 

عندما‭ ‬تولى‭ ‬الملك‭ ‬فاروق‭ ‬عرش‭ ‬مصر،‭ ‬نصحه‭ ‬الشيخ‭ ‬المراغي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬محبا‭ ‬لصوت‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رفعت‭ ‬بالتواجد‭ ‬في‭ ‬الليالي‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الشيخبرفعتب‭ ‬يقوم‭ ‬فيها‭ ‬بقراءة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬تقاليد‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬الإذاعة‭ ‬احتفالا‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬عابدين،‭ ‬لقراءة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬خلال‭ ‬ليالي‭ ‬رمضان،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الشهرة‭ ‬التي‭ ‬حققها،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬الأمير‭ ‬مصطفى‭ ‬فاضل‭ ‬حتى‭ ‬اعتزاله،‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الوفاء‭ ‬للمسجد‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬ميلاده‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬القراءة‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬فدائما‭ ‬كان‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬صوته‭ ‬كهبة‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬الأجر‭ ‬الأعلى‭ ‬بين‭ ‬مقرئي‭ ‬عصره،‭ ‬وكان‭ ‬أجره‭ ‬الأعلى‭ ‬حتى‭ ‬مقارنة‭ ‬بمطربي‭ ‬عصره‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وأم‭ ‬كلثوم،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يحصل‭ ‬وحده‭ ‬على‭ ‬100‭ ‬جنيه‭ ‬مصري‭ ‬مقابل‭ ‬إحياء‭ ‬ليلة‭ ‬العزاء‭ ‬وليالي‭ ‬رمضان،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يقرأ‭ ‬في‭ ‬مساجد‭ ‬حي‭ ‬السيدة‭ ‬زينب‭ ‬يوميا‭ ‬لعموم‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬صانوا‭ ‬تراثه‭ ‬في‭ ‬التلاوة‭ ‬مجانا‭.‬

وفاته 

أصيب‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬رفعت‭ ‬بمرض‭ ‬نادر‭ ‬في‭ ‬حنجرته،‭ ‬أدى‭ ‬لاحتباس‭ ‬صوته‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1943،‭ ‬أنفق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يملك‭ ‬على‭ ‬العلاج‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يمد‭ ‬يده‭ ‬إلى‭ ‬أحد،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬اعتذر‭ ‬عن‭ ‬قبول‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬اكتتاب‭ ‬ابحدود‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬جنيهب‭ ‬لعلاجه،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يملك‭ ‬تكاليف‭ ‬العلاج،‭ ‬وكان‭ ‬جوابه‭ ‬كلمته‭ ‬المشهورة‭ ‬اإن‭ ‬قارئ‭ ‬القرآن‭ ‬لا‭ ‬يُهانب،‭ ‬وحين‭ ‬مات،‭ ‬اعتمدت‭ ‬الإذاعة‭ ‬على‭ ‬فيض‭ ‬من‭ ‬التسجيلات‭ ‬،‭ ‬وتوفي‭ ‬يوم‭ ‬9‭ ‬مايو‭ ‬1950،‭ ‬وسيظل‭ ‬يحتل‭ ‬مكانة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬وعقول‭ ‬المسلمين،‭ ‬وسيظل‭ ‬صوته‭ ‬العذب‭ ‬يقصده‭ ‬المسلمون‭ ‬للتدبر‭ ‬فى‭ ‬آيات‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬،‭ ‬فرحم‭ ‬الله‭ ‬الشيخ‭ ‬رحمة‭ ‬واسعة‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭.‬