عطية صقر.. الإمام الذى ضيعته مصافحة المرأة الأجنبية !

 الشيخ عطية صقر
الشيخ عطية صقر

«فتاوى وأحكام» هو برنامج تربى عليه جيل الثمانينيات ومنتصف التسعينيات كان مقدمه هو الشيخ عطية صقر، الشيخ الأزهر المعمم، ذو نبرة الصوت النحاسية الملفتة للسمع. كان يقدم البرنامج وحده، يظهر على الشاشة، ثم يبدأ حديثه بجملة «وردنا خطاب من كذا يقول ما حكم الدين في كذا وكذا».


وعطية، صقر مولود بقرية بهنباي بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية في 22 نوفمبر 1914، حفظ القرآن الكريم وعمره تسع سنوات، وجوَّده بالأحكام وعمره عشر سنوات، والتحق بالمدرسة الأولية بالقرية، ثم بمعهد الزقازيق الديني سنة 1928، وتخرج في كلية أصول الدين، وحصل منها على الشهادة العالية سنة 1941، والتحق بتخصص الوعظ، وحصل منه على شهادة العالمية مع إجازة الدعوة والإرشاد سنة 1943 وكان ترتيبه فيهما الأول.

اقرأ أيضا| صناعة الأقفاص من جريد النخيل.. مهنة أبناء أبوكبير بالشرقية


عين بالأوقاف فور تخرجه إمامًا وخطيبًا ومدرسًا، بمسجد عبدالكريم الأحمدي، بباب الشعرية بالقاهرة، ثم نقل إلى مسجد الأربعين البحري بالجيزة (عمار بن ياسر حاليًا)، ثم عين واعظًا بالأزهر في طهطا جرجاوية، ثم في السويس، ثم في رأس غارب بالبحر الأحمر، ثم في القاهرة، وترقي إلى مفتش، ثم مراقب عام بالوعظ، وعمل أثناء ذلك مترجمًا للغة الفرنسية بمراقبة البحوث والثقافة بالأزهر، ووكيلاً لإدارة البعوث، ومدرسًا بالقسم العالي للدراسات الإسلامية والعربية بالأزهر، ومديرًا لمكتب شيخ الأزهر، وأمينًا مساعدًا لمجمع البحوث الإسلامية، حتى أحيل إلى التقاعد في نوفمبر 1979.


المدهش أن صقر وهو يفعل كل هذا كان أيضاً يطوف في كل أرجاء العالم لينشر علمه وفتاويه على الناس في الخارج، فقد تعاقد الرجل مع وزارة الأوقاف بالكويت سنة 1972 لمدة سبع سنوات، وسافر في رحلات إلى إيران، ثم أندونيسيا وليبيا والبحرين والجزائر. 


بعد تقاعد الرجل صار له اسم وشنة ورنة بين أروقة الأزهر، وربما في الدولة المصرية والإعلام المصري بشكل عام، حيث عمل مستشارًا لوزير الأوقاف، وعضوًا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضوًا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ورئيساً للجنة الفتوى، وانتخب عضوًا بمجلس الشعب سنة 1984 في أكثر البرلمانات التي شهدت انتخابات ديمقراطية، كما عين عضوًا بمجلس الشورى سنة 1989، ومديرًا للمركز الدولي للسُّنَّة والسيرة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالأوقاف سنة 1991.
في تلك الفترة أيضاً كان يسافر في مهام رسمية إلى بعض بلدان العالم، ونذكر منها السنغال ونيجيريا وبنين والولايات المتحدة الأمريكية وباكستان وبنغلاديش والعراق، وزار باريس ولندن وماليزيا وبروناي وسنغافورة والاتحاد السوفيتي السابق.


كان له موقف رائع ضد كتاب «الفريضة الغائبة» لمحمد عبد السلام فرج، الكتاب الذي استند إليه قتلة السادات لارتكابهم هذا الفعل، مؤكداً أن جماعة الإخوان اتخذوا الدين ستاراً لأفعالهم العنيفة.
شيخ بهذا الزخم العلمي والحياتي، والسفر والطواف في بلدان الدنيا المختلفة، والرأي السياسي المستنير، من المنطقي أن تكون آراؤه أكثر تفتحاً من غيره، لكن صقر متهم بالتشدد في 3 مواقف، أو في 3 فتاوى، الأولى هي دفاعه عن الختان، فقال فيها «ليس الختان عادة موروثة كما يدعي البعض، وإنما هو شريعة ربانية اتفق على مشروعيتها العلماء، ولم يقل عالم واحد من علماء المسلمين – فيما نعلم - بعدم مشروعية الختان».


وساق صقر أدلة من كتب الأحاديث، لكن بصرف النظر عن صحة المرويات، أو حتى مناسبتها للزمان وللطبيعة العلمية الحديث، إلا أن هذه الفتوى يستخدمها البعض الآن في مواجهة الحملات المناهضة لختان الإناث.
الفتوى الثانية والتي أقلقت أهل السياسة منه قليلاً وهي فتواه بربوية الفوائد البنكية بل وحرمانية العمل في البنوك بالأساس، وتاريخ تلك الفتوى يعود إلى مايو 1997، حيث قال إنه كانت هذه النقود المودعة في البنك للحفظ أخذت صفة القرض، وأعطى البنك عليها أرباحًا فلا بد من النظر إلى القاعدة المعروفة: «كل قرض جرَّ نفعًا فهو ربا».


أما بخصوص حرمانية العمل في البنوك فقال صقر «البنوك العادية تمارس نشاطًا بعضه يخالف الدين، وبعضه لا يخالف الدين، فأموالها خليط من الحلال والحرام، والعمل فيها كذلك عمل فيه شبهة، وإذا تعذر فصل المال الحلال عن المال الحرام كان الأمر فيه شبهة، والشبهة وإن لم تكن من الحرام؛ فهي حمى للحرام».
وعن الحل في رأيه قال في فتواه «فإذا أراد المؤمن أن يكون مطمئنًا تمام الاطمئنان أو قريبًا منه؛ فليبحث عن عمل لا تكون فيه الشبهة بهذه الكثرة أو الوضوح حتى لو كان الكسب أو الأجر قليلًا يكفي الضروريات دون اهتمام بالكماليات»، ناصحا بقبول العمل بصفته مؤقتة إن لم يوجد عمل آخر.


الفتوى الأخيرة والتي ربما أنهت الظهور اللافت واللامع لصقر هي فتواه بحرمانية مصافحة المرأة الأجنبية سنة 2002، ووصفه لها بـ«مقدمة الزنا»، وهي الفتوى التي أثارت جدلاً كبيراً في مصر، ولاقت ردود أفعال متباينة لدى علماء الدين، حيث أيد بعض العلماء الفتوى، وأكدوا صحتها وموافقتها لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، بينما ذهب علماء آخرون إلى أن الفتوى تنطوي على تشدد لا مبرر له، موضحين أن مصافحة الرجل للمرأة ليست حراماً لكنها مكروهة وقد تصل الكراهة إلى درجة التحريم في حالات نادرة