فنجان قهوة

بعودة الأيام

يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى

مذهلة.. تلك اللحظات التى تسبق أذان المغرب فى رمضان، ليس فى جمالها جمال، موحية بكل التفاصيل التى لا يمكن وصفها، المائدة الكبيرة التى تجمع كل البيوت فى وقت بلغ الجوع منتهاه.. ماذا بعد متعة أن تشم رائحة طعام شهية تنبعث من كل نافذة، وبهجة أصوات شيوخنا وسحر التلاوة وخيوط القمر مولانا رفعت وعبد الباسط والحصرى، تلك مصر الجميلة التى لا تزول ولا تنتهى، ينبعث صوت مولانا الجليل النقشبندى مؤذنًا لإفطار شهى وصوم مقبول.. محلاها مصر ورمضانها المبدع، محلاها.. بأدق النقوش التى لا تفارقنا سنة بعد سنة ومهما فات من سنوات، محلى تمسكنا بعادات لم تعد مع أحد سوانا، محلاها حوارينا القديمة وهى ترفع الزينة وتشعل فوانيس الخشب والورق، وحلوانى يخبز لنا الكنافة والقطائف، العين تشتهى ذكرياتها، كنا أطفالا نختلس بعضها نيئًا، لذة أن تفعل ما هو خارج التوقع والمألوف، رمضان كله خارج مسار حياتنا المملة الرتيبة، خارج إيقاع الأيام المتهالكة، يجدد فينا ما انتهى ويحيى ما مات، لمة.. ليست كأى لمة، تُلقِى فى القلب بهجة عفْوية، كما تلقى علينا الملائكة بين صلواتنا حالة رضاء وسكينة.. المسامح كريم.. والدنيا مهما كانت ضيقة تتسع للحبايب وتنشرح بأسباب السعادة، رمضان يا ناس.. فى القاهرة فى مصر فى أم الدنيا التى ترمى حمولها على الله، تمضى ولا كأنها تُبالى، تأخذ يد الحواديت.. وتعيش لها يومين بعيدا عن أيامها المعتادة.. القرب من أولياء الله الصالحين.. يجعل من رمضان اشتهاء نجوى واشتياق حلقة ذكر، يجلو مشاعر صدئت حتى يصبح الانفراد بالله ما بين السحر والفجر، كما الروح تصعد لخالقها فتعود نقية كما طفل مولود.. فى رمضان نور، نظل نمضى فى اتجاهه حتى ننير أرواحنا، نمضى، محبوب من الله من يحصل على قدر أعظم من نور يعيد لحياته اتزانها.. دعواتنا فى رمضان تشبه خيوط حرير فضية، نتسلق عليها إلى حيث ترتاح القلوب، كلما كانت دعواتنا من الروح.. كانت الخيوط أقوى والرحلة أروع والإحساس أجمل مما نتوقع.. نغنى، فى استقباله نغنى، ما زال مُغنى رمضان هو عبد المطلب، الطلة الجميلة على الشهر الأجمل، يبدو دائما شريكًا فى طقوس الفرحة الرمضانية كما وعينا عليها، كما الفانوس ورفعت والنقشبندى والشعراوى وفؤاد المهندس وفيلم الساعة تلاتة والكنافة بالمكسرات، كما استعادة الحبايب الذين تركوا مقاعدهم خالية حول سُفرة الفطار بشوق وحنين، كما صوتك الهامس وأنت تقرأ القرآن بين العصر والمغرب فى حِجر ذكريات بعيدة.. أنا من دراويش رمضان، أنتظره بفرح.. وأودعه بحزن، وبينهما أعيش بهجته قدر ما أستطيع.. رمضان كريم بعودة الأيام.