الكهان والفلاسفة.. أرواح الموتى تختفي في أزهار الفول

الكهان والفلاسفة.. أرواح الموتى تختفي في أزهار الفول
الكهان والفلاسفة.. أرواح الموتى تختفي في أزهار الفول

 مهما تعددت ألوان الطعام وأصناف الأطباق في شهر رمضان فإن طبق الفول لابد أن يكون الطبق الأول على مائدة السحور، بجانب أنه غذاء الشعب السائد طوال العام، ولا يوجد سبب معروف بعينه آثار غرام المصريين على اختلاف طبقاتهم بهذا الغذاء وجعلهم يؤثرون تلك الحبة لتكون قوام حياتهم على مدى الحياة.

اقرأ أيضا| «السندريلا» لنجلاء فتحي وشمس البارودي: السينما «مش وجه جديد وفستان حلو»

وعلى عكس ذلك فلقد كان الفيلسوف "فيثاغورس" يعتقد أن الفول مأوى لنفوس الموتى ولهذا كان لا يأكله وكذلك كان رهبان مدينة "روما"، وعلى الرغم من أنه عرف من أيام الفراعنة إلا أن "هيرودوت" كان يقول أن المصريين القدماء كانوا لا يأكلون الفول نيئًا ولا مطبوخًا ويعتقدون أن أرواح الموتى تختفي في أزهاره، وأن النقط السوداء في هذه الأزهار ليست إلا شارات الحداد.

ولكن أزهار الفول جعلت المصريين يسخرون من عقائد الكهان والفلاسفة ويرون في نضرة الفول ورونق أزهاره معنى من معاني الحياة لا الموت، ومن ثم جعلوا من حباته غذائهم واتخذوه قوام حياتهم، وذلك كما نشر في جريدة الجيل يوم 20 فبراير 1961.

فما من شيء يشعر المصريين بمعنى المساواة والتقارب بين الطبقات كما يشعرهم بذلك الفول، ففي الصباح يكون على موائد الوجهاء في فيلات مصر الجديدة وقصور جاردن سيتي، وكذلك في مساكن العمال والصناع والمنازل في حي الخليفة والضرب الأحمر، أما في الظهر فهو غذاء الطبقة الكادحة العاملة، وكذلك في العشاء لا مناص منه في الأيام الأخيرة من الشهر.

ويمتد الفول من معنى المساواة إلى ما هو أعم من هذا وأعمق، فهو كذلك غذاء الجمال والثيران والبغال والحمير وليس هناك معنى من معاني المساواة كهذا الذي يحققه الفول بين الإنسان والحيوان.

والفول أيضا مبعث الرضا في نفس هذا الشعب فهو غذاء شعبي كامل ورخيص الثمن، يستطيع الشخص أن يتناوله ويطوي عليه طول يومه، ومن هنا كان الصبر الطويل الذي عاش عليه الشعب في عهود المظالم والأحداث.

وكان المرحوم الدكتور "زكي مبارك" يقول: " إني لأعجب كيف يكون النفاق بيننا وفي بلدنا الفول، إن الإنسان يستطيع بقرش واحد أن يتغذى غذاء سائغًا من الفول وبعد ذلك يلقى بكلمة الحق في وجه كائن ما يكون".

ولعل المصريين لم يتفننوا في شيء كما تفننوا في صنع الفول ومستخرجاته حتى صنعوا منه عشرات الأطعمة وكلها متغايرة في الطعم والذوق، وهذا جعل للفول دولة لا تطاولها دولة في السيطرة على الجماهير، فمنه الفول المدمس بمختلف أصنافه، ومنه النابت والطعمية والبصارة وهناك أيضا الفول "الحراتي".

وقد لعب الفول دورًا كبيرًا في حياة الأزهر الدينية والعلمية، فكثير من الأعلام الذين قادوا حركة الفكر في مصر بل في العالم الإسلامي كله قد عاشوا على هذا الطعام، وقد وصف الدكتور "طه حسين" حياته مع الفول وهو يطلب العلم بالأزهر في كتابه "الأيام" وصفًا صريحًا وجميلا.

ولشيوخ الأزهر في الفول لطائف وطرائف حيث يقول أحد الشيوخ:

أوصيك لا تأكل الفول .. يورث لقلبك قساوة

تقطع نهارك كالغول .. تائه وعندك غشاوة

فالبعض يعتقد خطأً أن تناول الفول يؤثر سلبًا على الحالة العقلية للإنسان ويصيبه بنوع من الخمول، والعكس صحيح فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن المخ يقوم بإرسال عدد كبير من المواد الكيميائية الحيوية للجسم بعد تناول الفول.

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم