كنوز | موائد الملك الرمضانية.. كل مائدة بما يناسبها

رئيس الديوان الملكى وكبار رجال الدولة على مائدة الملك فاروق الرمضانية
رئيس الديوان الملكى وكبار رجال الدولة على مائدة الملك فاروق الرمضانية

كتابات كثيرة ظهرت فى الصحف والكتب والمجلات بعد رحيل الملك فاروق الأول عن مصر بعد تنازله عن العرش لولى عهده الأمير أحمد فؤاد تطعن فيه وتشوه صورته بأقسى الألفاظ والعبارات والاتهامات المبالغ فيها، قالوا إنه زنديق لم يكن يصلى ويشرب الخمر ويطارد الفاتنات فى كل مكان، غارق فى ملذاته الشخصية، وفساده فاق كل حد وكل تصور، وفى السنوات الأخيرة ظهرت أيضا كتابات تاريخية كثيرة من شخصيات كانت مقربة من الملك وتعاملت معه، وشخصيات أخرى محايدة، نفت كل ما قيل ونشر بالتهويل والمبالغة الفجة، واتفقوا جميعا على ان الملك كان متدينا يؤدى الصلاة ويصوم رمضان، وكان يصلى الجمعة بين الناس ويضم للقصر أهم الأصوات التى تتلو القرآن الكريم، وتؤكد مجلة " المصور فى عددها الصادر بتاريخ 24 أكتوبر من عام 1941 أن جلالة الملك فاروق الأول كان يصدر أمرا ملكيا يأمر فيه بمنع بيع المشروبات الكحولية والروحية فى المحلات العامة إبان شهر رمضان الكريم، وكان يؤكد ضرورة إذاعة أصحاب المحلات المجهزة بأجهزة الراديو القرآن الكريم طوال أيام رمضان، كما كانت القصور الملكية تستخدم مكبرات الصوت لإذاعة القرآن الكريم طوال أيام شهر رمضان، وكان الملك يأمر بإقامة السرادقات فى الميادين الكبيرة والمتنزهات لتلاوة القرآن الكريم والتواشيح الدينية على نفقته الخاصة، وكان ميدان قصر عابدين عامرا بهذه السرادقات قبل أن تبدأ ليالى شهر رمضان، وكانت موائد الإفطار تقام لعامة الناس فى جزء من الميدان طوال الشهر الكريم.


وتضيف أيضا الأعداد الصادرة من مجلة " المصور " فى رمضان عام 1937 أن الملك فاروق تعود فور توليه الحكم بعد رحيل والده الملك فؤاد على إقامة عدة موائد رمضانية نوعية يدعى إلى واحدة منها الأمراء والوجهاء والنبلاء وكبار رجال الحكومة، ومائدة تالية يدعى إليها موظفو القصور والخاصة الملكية فى القاهرة والإسكندرية والاستراحات الملكية، ومائدة تالية يدعى إليها رؤساء النقابات والاتحادات، وقد كتب شيخ الصحفيين حافظ محمود مقالا فى مجلة " الهلال " يصف فيه بساطة الملك مع مدعويه على مائدته الرمضانية التى دعى إليها نيابة عن نقيب الصحفيين الذى كان وقتها خارج البلاد، ومائدة تالية يدعى إليها رجال الدولة وسفراء الدول العربية والأجنبية، ومائدة أخرى تقام فى يوم آخر لرؤساء الأحزاب السياسية والنواب، ومائدة خاصة يقيمها جلالة الملك يدعى إليها فضيلة شيخ الأزهر وفضيلة مفتى المملكة وكبار العلماء والطلبة الذين قدموا من الدول العربية والإسلامية للدراسة فى الأزهر الشريف بمنح مجانية، وتؤكد " المصور " أن الملك كان حريصا على تقديم أفضل الطعام على موائد الإفطار لعامة الناس والفقراء منهم، وقد تميز الملك فاروق دون أسلافه فى إقامة هذه الموائد بكثرة فى شهر رمضان الكريم.


وتقول مجلة "الهلال " فى عدد شهر رمضان من عام 1948، ‏إن انتهاء حرب النكبة غيرت الكثير من تقاليد الموائد الرمضانية التى تعود الملك على إقامتها داخل القصر الملكى بالقاهرة أو الإسكندرية التى كانت تقام للأمراء والعلماء والوزراء ورؤسات النقابات والاتحادات والسفراء ‏، ‏وأمر جلالة الملك فاروق بعد انتهاء الحرب ‏باستبدالها بموائد‏ ‏في‏ ‏القاهرة‏ ‏وسائر‏ ‏أقاليم ومدن‏ المملكة ‏‏للفقراء‏ ‏والمعوزين‏ ‏علي‏ ‏نفقته الخاصة‏‏ ‏طوال‏‏‏ الشهر، وقبل‏ ‏أن‏ ‏يحل‏ ‏شهر‏ ‏رمضان‏ ‏بأيام‏، ‏يذهب‏ ‏المحافظون‏ ‏والمديرون‏ ‏والمسئولون‏ ‏إلي‏ ‏قصر‏ ‏"عابدين" ليتسلموا ‏من‏ ‏رئيس‏ ‏الديوان‏ ‏الملكى ‏الاعتمادات‏ ‏المالية‏ ‏اللازمة‏ ‏لإقامة هذه‏ ‏المآدب‏ ‏مع‏ ‏رجاء‏ ‏من‏‏ ‏الملك‏ ‏بأن‏ ‏يبلغ المحافظون ‏عامة الناس والفقراء‏ ‏بأنهم ضيوف على موائده الرمضانية، وعادت مرة أخرى ‏المآدب‏ الرمضانية ‏الملكية‏ ‏التي‏ ‏جرت‏ ‏عادة‏ ‏الملك‏ ‏علي‏ ‏إقامتها‏ ‏طوال الشهر الكريم، وتنوعت ما بين ‏مأدبة‏ ‏للعمال، ‏وأخرى ‏لرجال‏ ‏الجيش‏ ‏والضباط، ‏وثالثة‏ ‏لمشايخ‏ ‏الطرق‏ ‏الصوفية‏ ‏والأئمة‏ ‏والخطباء‏، ‏ورابعة‏ ‏للطلبة‏ ‏الغرباء‏ ‏في‏ ‏مصر.‏


وتقول مجلة " الهلال " أيضا إن‏‏ جلالة الملك فاروق كان ‏يأمر‏ ‏الخاصة‏ ‏الملكية‏ ‏بتوزيع‏ ‏مبالغ‏ ‏من‏ ‏المال‏ ‏على‏ ‏العائلات‏ ‏الفقيرة، فلا‏ ‏يمر‏ ‏عيد‏ ‏الفطر‏ ‏المبارك‏ ‏بدون‏ ‏أن‏ ‏تشعر‏ ‏هذه‏ ‏العائلات‏ ‏ببهجة العيد من حيث المأكل والملبس، ‏وكان الملك يأمر‏ ‏بتوزيع‏ ‏مبالغ‏ مالية ‏أخرى‏ ‏‏على‏ ‏كل‏ ‏بيت‏ ‏فقير‏ ‏في‏ ‏القاهرة‏ ‏وفي‏ ‏الأقاليم‏.
وفى تقرير لمجلة " المصور " يظهر ‏قصر‏ ‏عابدين‏ ‏وهو يتلألأ ‏بالأنوار‏ التى تدخل البهجة فى إحياء ‏لليالي‏ ‏رمضان‏ العامرة بالخير والبركة، ‏وتظهر المجلة فى تقريرها المصور كيف كان يتم تجهيز‏ ‏الفناء‏ ‏الداخلي‏ ‏لقصر‏ عابدين ‏لجلوس‏ ‏الآلاف‏ ‏الذين‏ ‏يأتون‏ ‏لسماع‏ ‏القرآن من كبار المقرئين، وكان الملك ‏حريصا‏ على مشاركة ‏شعبه‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏الليالي‏ ‏المباركة‏، ‏فيأمر‏ ‏أن‏ ‏تفتح‏ ‏السراى‏ ‏أبوابها‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏ليلة‏ ‏للجميع‏ ‏لا‏ ‏فرق‏ ‏بين‏ ‏غني‏ ‏وفقير، وتظهر " المصور فى عددها الصادر فى رمضان من عام 1941 حرص الملك على تناول الإفطار ‏مع موظفى القصر، ومأدبة أخرى حضرها الملك مع ٤٠٠ موظف من أصحاب المعالى إلى الأفندية وموظفى الدرجة التاسعة، وسمح الملك بالتيسير على صغار الموظفين بأن يحضر جميع المدعوين بالثياب العادية الغامقة. وأوضحت " المجلة " أن المأدبة كانت عامرة بما لذ وطاب من ألوان الطعام والفاكهة، كانت تحتوى على حساء ساخن بالخضر، وأرز بالخلطة، وفاصوليا بالدجاج، وديك رومى فاخر بالبطاطس، ولبن زبادى، وحلاوة بالقشدة، وخُشاف، وبرتقال، وقهوة.


«المصور» - 24 أكتوبر 1941