كتب :شهاب طارق
ظلت البيروقراطية وتعدد الجهات المشرفة على مشاريع القاهرة التاريخية، عائقا رئيسيا أمام تطوير المنطقة التراثية الهامة، الأمر الذى أدى بدوره لنزاعات كثيرة حدثت بين عدة جهات رسمية لعل أبرزها النزاعات المستمرة بين وزارة الآثار والأوقاف. لكن يبدو أن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى قد وجد أخيرا المعادلة التى تمكنه من إنجاح الحلم المؤجل، والذى من خلاله يستطيع توحيد الجهات الحكومية تحت عباءة كيان واحد للإشراف على القاهرة التاريخية، إذ عقد رئيس مجلس الوزراء اجتماعات مع أساتذة الجامعات المتخصصين لإبداء آرائهم ومقترحاتهم لتطوير المدينة القديمة، كما استعان بالمشاركة الأهلية، خاصةً وأن الكثيرين خلال الفترة الماضية قد اعترضوا على مشاريع التطوير تلك والتى ظلت مبهمة بالنسبة لهم، لهذا اجتمع بهم الدكتور مصطفى مدبولى فى خطوة هى الأولى التى تتم من جانب رئيس وزراء رغبة منه فى عرض خطته وطمأنة الجميع نحو ما يحدث فى القاهرة التاريخية، هنا نستعرض أهم ملامح المشروع المقدم والرؤية العامة من جانب أساتذة العمارة والمهندسين والأثريين، حول المشروع.
المهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى قال إن القاهرة التاريخية هى منطقة تراث عالمى، بالتالى فالجهاز وضع لها أسسا ومعايير للتعامل معها تختلف عن باقى المناطق فى الجمهورية، وذلك أيضًا لأنها ذات قيمة ولها نسيج عمرانى مميز يجب المحافظة عليه، بالإضافة إلى أنها تحوى أكثر من ٥٠٠ أثر مسجل فى عداد الآثار، وأكثر من ٧٠٠ مبنى ذى طابع معمارى متميز، ويتبعوا لقانون رقم ١٤٤ للتنسيق الحضارى، فالرؤية العامة للمشروع هو أننا نسعى لعملية إحياء وحفاظ على المدينة التاريخية، لكن عندما نذكر كلمة إحياء ينزعج الكثيرون، باعتبارنا نسعى لتغيير كيان قائم، لكننا نسعى للحفاظ على النسيج العمرانى، وعلى المبانى الأثرية، بالإضافة إلى النسيج الاجتماعى، فالقاهرة التاريخية ارتبطت بالحرف التقليدية كمنطقة الصاغة، والنحاسين، وكذلك الخيامية، وجميع تلك المناطق نسعى للارتقاء بها، فبالنسبة للمبانى الأثرية سيتم ترميمها وإعادة توظيفها مرة أخرى، والمشروع هذا يبدأ من منطقة الجمالية، ومنطقة ساحة مسجد الحسين والغورية، والمنطقة المحيطة بمسجد الحاكم، فهذا هو الجزء الأول من المشروع أما الجزء الثانى منه فهو الذى يخص المناطق الخربة، فسيتم إنشاء مشاريع داخلها وحاليًا يتم إعداد دراسات جدوى لتلك المشاريع، وقد تتحول تلك الأماكن إلى خانات أو مراكز للحرف، أو بازارات، لذلك فيتم دراسة مسارات الطرق والمشاة بتلك المناطق وذلك لخدمة الحركة السياحية، لذلك فقد أوقفت أعمال الهدم والبناء لحين الانتهاء من وضع رؤية كاملة للمشاريع، كذلك طالب رئيس مجلس الوزراء بإنشاء كيان يصدر به قرار من رئاسة مجلس الوزراء لإدارة تلك المنطقة، وذلك بسبب تعدد الجهات التى تعمل بها الأمر الذى أدى لحدوث العديد من المشاكل، وبالتالى فهذا الكيان سيكون معنا لإدارة القاهرة التاريخية ويمثل عنه جميع الجهات.
شيخ المعماريين المهندس والمعمارى د. عصام صفى الدين قال: لأول مرة أجد نظرة شمولية لكامل نطاق القاهرة التاريخية التراثية، والتى كنت قد حددت مساحتها فى أول دراسة لى لهذا الموضوع فى عام ١٩٦٩، باعتبارها جسما واحدا وشخصية واحدة، وذلك قبل أن تتدهور بهذا الشكل، ابتدءًا من باب الشعرية شمالًا، وحتى نطاق الفسطاط جنوبًا، لكنى وجدت فى اجتماع رئيس مجلس الوزراء ما يؤكد النية وأن القاهرة التاريخية هى جسم تراثى واحد تتبادل فيه المؤثرات إيجابًا وسلبًا، بالرغم من كم المحاذير مثل؛ التكدس السكانى أو عدم الوعى المجتمعى، وتدهور الحالة البنائية لأغلب البنايات. ووجود عدد هائل من الآثار المسجلة أو وجود العدد الأكبر من المبانى التراثية وهى تمثل تتابعات لنشأة القاهرة التى كانت أصلًا نشأة تلقائية، لكن خلال الأربعين سنة الماضية أصابها الكثير، بسبب التكدس السكانى والبنائى، الأمر الذى أدى إلى تقادم المبانى وتدهورها لعدم وجود صيانة ومتابعة وعدم الالتفات إليها من قبل إدارة العمران، لذلك ما رأيته من جانب رئيس مجلس الوزراء هو حلم قديم كان يراودنى أنا وآخرين منذ ستينيات وخمسينيات القرن الماضى، لذلك أتمنى أن يتم خلق مساحات بيئية تكون فى المناطق المتهدمة وتخصص حدائق أو ساحات شعبية، وأرجو إشراك ذوى الثقافة العامة فى مثل هذا الكيان لإبداء آرائهم، فالأمر كله يحتاج لخلخلة ولدراسات كثيرة يشارك فيها الجميع.
الدكتور علاء حبشى أستاذ العمارة والحفاظ على التراث، ورئيس قسم الهندسة المعمارية بجامعة المنوفية، يقول إنه تم شراء منزل يكن بمنطقة سوق السلاح منذ ما يقرب من عشر سنوات، «وحينها بدأنا بعملية ترميم له إذ وجدنا أنه بالرغم من أهميته التاريخية والفنية، إلا أن أهم قيمة متمثلة فيه هى القيمة المجتمعية لكونه محاطا بالعديد من الحرفيين فى مصر، وهى حرف نفتقدها كل يوم بشكل متسارع جدًا، لذلك نحن كان لنا دور لنشر الوعى المجتمعى طوال العشر سنوات الماضية فى منطقة سوق السلاح، حيث أردنا إحياء تلك القيمة غير المادية وذلك من خلال إحياء الحرف التقليدية، فالتراث ليس شيئا جامد بل هو حى بداخلنا، ونحن يجب أن نرتكز على التراث فى مشاريع تنموية، وقد عرضنا الأمر فى الاجتماع، حيث وضعت مشروعا للربط بين بؤرتين هامتين واحدة منهم هى حديقة الأزهر التى تجذب سياحة ترفيهية، ومن الناحية الأخرى هناك عملاقان فى العمارة هما؛ جامع السلطان حسن وجامع الرفاعى، فتلك البؤرتين جاذبتان للسياحة، لكنى أردت ربطهما بمحور ثالث يكون ملىء بالقيم التراثية، المتمثلة فى الحرف الموجودة فى منطقة سوق السلاح والدرب الأحمر، فمفردات المشروع هى أننا قد حصرنا جميع المبانى الموجودة بالمنطقة، حيث نسعى لتنمية السياحة الثقافية بتلك الأماكن غير المستخدمة، مثلًا اقترحنا إنشاء رابطة للحرفيين داخل أحد الأسبلة، وآخر قد يكون مكتبة للحرفيين، وكذلك إنشاء متحف لقطع حرفية حديثة وقديمة، أما الجزء الآخر من المشروع هو كيفية إعداد الخرابات فنحن عندنا أكثر من عشرين خرابة بتلك المنطقة، وهى مصادر هامة جدًا يمكن استخدامها فى التنمية من خلال تعميرها بما يتوافق مع التراث العمرانى المحيط، كذلك فنمط المنطقة تغير بعد الانفلات الأمنى الذى حدث خلال الفترة الأخيرة فأصبحت هناك بنايات تتعدى العشرة أدوار، وهذا عكس الشكل الاعتيادى للمنازل فى المنطقة التى عادة ما تكون عبارة عن دور أرضى وأربعة طوابق، إذ ذكر الدكتور مصطفى مدبولى أن التعامل مع تلك الإساءات التى حدثت فى تلك المناطق، سيتم من خلال عمل عملية إحلال للأدوار المخالفة، ولن يتم طرد السكان بل سيتم إعادة تأهيل للأطلال المتمثلة فى الفراغات العمرانية، ونقلهم إليها، فهذا التوجه بالنسبة لنا هو توجه مجتمعى فى المقام الأول.
الدكتور حسام إسماعيل أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار بجامعة عين شمس يرى أنه كأثرى أصبح مطمئنًا من الخطوات التى تتم حتى الآن خاصة أنه لأول مرة يتم الاستعانة بهم كأساتذة جامعات لإبداء آرائهم، بالإضافة إلى أن أكثر ما كان يزعجه خلال الفترة الماضية هو ما يحدث فى القاهرة التاريخية من هدم وتخريب لبعض المناطق حيث راسل الكثيرون اليونسكو لظنهم أن جهاز العشوائيات هو من سيتولى تطوير القاهرة التاريخية خاصة فى منطقة السيدة عائشة، لكن ما حدث أنه خلال الاجتماع أكد رئيس مجلس الوزراء أن المنطقة المحيطة بميدان السيدة عائشة، وعرب يسار ستظل كما هي دون أى أعمال إزالة، وكذلك منطقة الحطابة، فسيتم تطويرهما ورفع كفاءتهما.