عندما ذهب خالد العنانى وزير السياحة والآثار الى فرنسا لنيل الدكتوراه فى علم المصريات من جامعة بول فاليري مونبيلييه، فوجىء بزملائه الدارسين يدخلون عليه بتورته، التبس عليه الأمر،فاليوم ليس عيد ميلاده،ولكنه اكتشف أنهم يريدون الاحتفال باليوم العالمى لتأسيس علم المصريات عام 1822،فى وجوده باعتباره مصريا ..حكى الوزير هذه الواقعة وهو يرحب بعدد من الوزراء ورموز الإعلام والفنانين وكبار الكتاب ورؤساء البنوك فى أمسية رمضانية استثنائية فى محيط متحف الحضارة بالفسطاط بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للتراث وافتتاح قاعة المومياويات فى مستقرها الجديد فى متحف الحضارة ، حكى الوزير هذه الرواية لكى يكشف سبب حرص أكثر من مائة قناة من شتى دول العالم على نقل الحدث على الهواء، ولماذا خلت الشوارع وقت الحدث، ولكى يجيب على أسئلة كثيرة ترددت بعد الاحتفالية عن اللغة التى كان يتحدث بها المصرى القديم ، وكيف عرفناها، ولماذا ننشئ متحفاً للحضارة وآخر عملاق بجوار الأهرامات، والأهم ماهو مستقبل متحف التحرير الذى كان أول مبنى ينشأ فى العالم ليكون متحفا ، قبله كانت المتاحف تنشأ فى القصور التاريخية .
يمثل موكب المومياوات الملكية ،فى رأيى،علامة فارقة فى علاقة المصريين بآثارهم وتاريخهم، وهويتهم المتفردة ..حيث تولدت لدى الشباب،الذين يعزفون عن كل شىء له علاقة بالتاريخ والآثار،رغبة فى معرفة المزيد عن سر هذه العظمة ، وراح عدد لا بأس به ، رصدت صداه فى أبنائى ، وفى شباب العائلة ، ومحيط العمل ، يطلق سيلا من التساؤلات عن اللغة التى غنت بها السوبرانو أميرة سالم أنشودة إيزيس ، واللغة التى كان يتحدث بها المصرى القديم والأهم كيف عرفنا أنها كانت تلك اللغة، أو كيف عرفنا ان هذه الموسيقى فرعونية ..هذا الأمر تحدث عنه الوزير بطلاقة ، مستغلا كل مهاراته فى الإرشاد السياحى ، وقال أن هناك خطأ دارجا عندما نقول ان الفراعنة كانوا يتحدثون الهيروغليفية .. هل يمكن أن تقول أننى أتحدث رقعة أو نسخ مثلا؟! وقال ان أجدادنا كانوا يتكلمون اللغة المصرية القديمة التى تطورت ووصلت الى المرحلة القبطية التى هى فى الاساس ابجدية يونانية مطعمة بالديموطيقية ، والى يومنا هذا تستخدم هذه اللغة فى ترتيل الترانيم فى الكنائس المصرية ، ولا زالت مفردات اللغة القبطية حاضرة فى لغة المصريين الى يومنا هذا مثل كلمات : بح وامبو وتاتا ، وغيرها من الكلمات التى لن تسمعها إلا من المصريين .
إيجابيات الموكب بلا حدود فى الداخل والخارج :تنشيط سياحى ، تعظيم لقوة مصر الناعمة، وإظهار لعظمة وقوة الدولة المصرية القادرة الآن على الإنجاز، ولكن الأهم هو أنها تمثل درجة من درجات استعادة وعى كنا قد فقدناه لعقود طويلة.
لسنوات كنا نفتخر أننا نرمم الآثار ثم نغلقها للحفاظ عليها ، واكتشفنا أن العالم كله لا يقوم بذلك بل يحسن توظيف المتاحف ، والمناطق والمبانى الأثرية ، بما لا يتعارض مع طبيعتها ، وبما لا يضر بالأثر نفسه ، لذلك والكلام على لسان الوزير هناك سياسة جديدة تنتهجها الوزارة باتاحة الخدمات فى المتاحف والمناطق الأثرية لجهات خاصة لادارة الأمر بصورة احترافية ، على أن تبقى يد الآثار قوية وحاضرة فيما هو يتعلق بعملها الفنى البحت ، نرى ذلك فى متحف الحضارة ، حيث تناولنا السحور فى مطعم على بحيرة عين الصيرة يمثل باكورة هذه السياسة ، وسنراه فى قصر البارون ، وتم تطبيقه بالفعل فى محيط الأهرامات .
بعد انتهاء جولتى فى المتحف ، وقفت على شاطىء بحيرة ناصر التى أصبحت جزءا من « اللاند سكيب» الخارجى للمتحف، وسرحت بخيالى مستمتعا بهذا الجمال والروعة والإبداع،وتذكرت نفسى وأنا أقف فى نفس المكان على سقالة قبل 15 عاما أتابع فاروق حسنى وزير الثقافة وهو يشرح لضيوفه كيف سيكون هذا المتحف وأشار وقتها إلى بحيرة عين الصيرة ، وتمنى أن تتحول من مقلب للنفايات والمياه الآسنة الراكدة الى جزء من الحديقة الخارجية للمتحف .. للأمانة صدقت أحلام فاروق حسنى ولكننى لم أصدق أن هذا يمكن أن يحدث يوما بسبب تفشى القبح الذى كانت تعيشه مصر فى ذلك الوقت .