قصص الأولين| طالوت وجالوت.. النصر والتأييد للعباد المؤمنين

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

سار بنو إسرائيل بعد موسى- عليه السلام- على طريق الاستقامة مدة من الزمان، ثم أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فسلَّط الله عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، وأسروا خلقًا كثيرًا وأخذوا منهم بلادًا كثيرة ولم يكن أحد يقاتلهم إلا غلبوه، وذلك أنهم كان عندهم التوراة والتابوت الذى كان فى قديم الزمان، فلم يزل بهم تماديهم على الضلال حتى استلبه منهم بعض الملوك في بعض الحروب وأخذ التوراة من أيديهم، فدعا بنو إسرائيل نبيَّهم فطلبوا منه أن يقيم لهم مَلكًا يقاتلون معه أعداءهم.


«فقال لهم: هل عسيتم إن أقام الله لكم ملكًا ألا تفوا بما التزمتم به من القتال معه، قالوا: وكيف لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا وأُخذت منا البلاد وسبيت الأولاد؟!، فعين لهم طالوت وكان رجلًا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم، فلهذا قالوا: كيف يكون ملكًا علينا ونحن أحق بالملك منه، ثم هو مع هذا فقير لا مال له».


«فأجابهم قائلًا: إن الله اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم، وهو مع هذا أعلم منكم، وأنبل منكم وأشد قوة وصبرًا في الحرب ومعرفة بها، وقال لهم إن علامة بركة مُلك طالوت عليكم أن يرد الله عليكم التابوت الذى كان أُخذ منكم».


وفى قول ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدى طالوت، والناس ينظرون، وحين خرج طالوت فى جنوده ومن أطاعه من ملأ بنى إسرائيل، قال: إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فلين منى، ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فلا بأس عليه، فشربوا منه إلا قليلًا منهم.


«فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه، استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم فشجعهم علماؤهم وهم العالمون بأن وعد الله حق، فإن النصر من عند الله ليس عن كثرة عَدد ولا عُدد، مبينًا: لما واجه حزب الإيمان من أصحاب طالوت لعدوهم أصحاب جالوت قالوا: ربنا أنزل علينا صبرًا من عندك وثبِّت أقدامنا في لقاء الأعداء، وجنبنا الفرار والعجز وانصرنا على القوم الكافرين، فهزموهم وقهروهم بنصر الله لهم؛ الله تعالى ينصر عباده المتقين من حيث لا يدرون».


هاروت وماروت صيحة تحذير الهية لأهل السحر والكفر قال تعالى {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن اللّه...} البقرة : 102.


هاروت وماروت أقرب الأقوال عنهما أن الناس كانوا قد فتنوا بالسحرة حتى رفعوهم إلى مقام الأنبياء، فأنزل الله ملكين يعلمان الناس السحر، ليفرقوا بينه وبين النبوة، ويحذروهم من الفتنة به وبهما أو أنهما شخصان كانا يتمتعان بمنزلة كبيرة فى العلم والسلوك، فتن الناس بهما، فأطلقوا عليهما اسم الملكين، من باب التشبيه والمجاز، وهو إطلاق معروف قديماً.


هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين، ويختلف السحر عن ملك سليمان، حيث أخرجت الشياطين للناس السحر، وزعموا أن سليمان عليه السلام كان يستعمله وبه حصل له الملك العظيم، وهم كذبة في ذلك فلم يستعمله سليمان قال الله تعالى: «وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ» أي: بتعلم السحر فلم يتعلمه (ولم يعمل به) «وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا» في ذلك «يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ» من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم كذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق.

أُنزِلَ عليهما السحر امتحانًا وابتلاءً من الله لعباده فيعلمانهم السحر «وَمَا يُعَلِّمَانِ مِن أَحَدٍ حَتَّى» ينصحاه و«إنَّمَا نَحنُ فِتنَةٌ فَلا تَكْفُر» أي: لا تتعلم السحر، فإنه كفر، فينهيانه عن السحر ويخبرانه عن مرتبته، فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والإضلال، ونسبته وترويجه إلى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام، وتعليم الملكين امتحانًا مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة، فهؤلاء اليهود (ومن تبعهم من النصارى) يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين والسحر الذى يعلمه الملكان، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين وكُلُّ يصبو إلى ما يناسبه.


ثم ذكرت الآيات مفاسد السحر فقالت «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ»، ثم ذكرت أن علم السحر مضرة محضة ليس فيه منفعة دينية أو دنيوية «وَلَقَد عَلِمُوا» أي اليهود ومن تبعهم «لَمَنِ اشتَرَاهُ»: أي رغب فى السحر رغبة المشتري في السلعة «وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ» أي نصيب بل هو موجب لعقوبته، فلم يكن فعلهم إياه جهلاً ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فلبئس «مَا شَرَوا بِهِ أَنفُسَهُم لَو كَانُوا يَعلَمُونَ».

اقرأ أيضا| قصص الأولين| حبيب النجار.. مؤمن آل ياسين