خطر حقيقى على الجيوش والأسلحة التقليدية

عصافير الجو!

«المسيرة» الأمريكية ريبر
«المسيرة» الأمريكية ريبر

خالد حمزة

وداعًا للحروب التقليدية.. العالم الآن يستخدم الطائرات «المسيرة» فى حروبه عن بعد، دون خسائر بشرية وبتكلفة وتكنولوجيا منخفضة للغاية، قد تغير موازين القوى العسكرية بالعالم ومفاهيم الحروب التقليدية، وهو ما جعلها النجم الأول لـ3 حروب على الأقل شهدتها منطقتنا، ويرشحها للظهور أكثر فى الحروب القادمة. والأخطر هو وقوعها فى أيدى الجماعات المتطرفة أو الميليشيات المسلحة أو استخدامها من جانب بعض الدول لخوض حروب لها بالوكالة عن طريق حلفائها ووكلائها المحليين.

«المسيرة» أو «عصفور الجو».. هى باختصار روبوت طائر يتم التحكم فيه عن بعد، ومجهز بأحدث ما وصلت إليه أجهزة الرصد والتسليح، ومن مهامها الاستطلاع والحرب ضد الإرهاب والميليشيات المسلحة وفى الاغتيالات أحيانا، وهى مجهزة بالصواريخ والقنابل الموجهة وبعضها مجهز بصواريخ كروز الأمريكية عالية الدقة والتوجيه، وإن كان فى مرحلة التجارب حاليا.. و«الدرون» كما يطلق عليها أيضًا، تعمل بنظام متصل بالأقمار الصناعية وهى سلاح للردع ومنخفضة التكاليف ووسيلة من أنظمة الدفاع الجوى. وفى بعض طرازاتها يمكن التحكم فيها بالهواتف الذكية، ومن غرفة تبعد آلاف الأميال من نقطة هدفها، وهى موجودة فى يد قوى ليست من القوى العسكرية التقليدية الكبرى، وإن كانت تلك القوى الكبرى مازالت تهيمن على صناعتها بالعالم حتى الآن. فهى تصنع منذ عقود فى أوكرانيا ومنذ سنوات فى تركيا والصين والإمارات بتكنولوجيا صينية، وفى إيران وإسرائيل، ومن قبل كل هؤلاء فى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. 

وفى بعض الدول مثل تركيا وإيران، يتم تصنيعها لسد الفجوة فى ترسانتها العسكرية التقليدية، وفى الحروب عن بعد أو لتسليح الجماعات والحركات المؤيدة لها مثل حزب الله اللبنانى أو حركة حماس أو ميليشيات الحوثى فى اليمن أو الميليشيات العراقية المسلحة خاصة الشيعية منها، أو فى قمع المعارضين. وللمسيرات عدة مميزات لا تتمتع بها الأسلحة التقليدية، فهى إلى جانب تكلفتها المنخفضة جدا، يمكنها الهروب من رادارات التتبع أو أنظمة الدفاع الجوى التقليدية، ويمكنها الوصول لأهداف محددة وبدقة متناهية الى جانب القدرة على ضرب المنشآت الحيوية والمطارات، وهى فعالة فى حالة خوض حرب عن بعد، ودون التورط فى الدخول فى حرب يرسل من أجلها الجنود والعتاد وبتكلفة مادية وباهظة كبيرة قد لا يتحمل أعباءها السياسيون، وهى فعالة فى حروب العصابات والحروب غير النظامية وكوسيلة للردع. 

وأمريكا كانت أول من أدرك مزايا تلك المسيرات، فكانوا أول من استخدمها فى الحرب ضد تنظيم القاعدة فى اليمن فى وقت مبكر من تسعينيات القرن الماضى، كما استخدموها ضد حركة طالبان والقاعدة فى أفغانستان بعد أحداث سبتمبر الشهيرة، وضد الميليشيات فى كل من سوريا والعراق. وكانوا أول من أطلق عليها مسمى «الدبابير الطائرة»، التى تلدغ أهدافها وتعود دون خسائر لقواعدها الأمريكية على بعد آلاف الأميال بسلام، كما كان الأمريكيون أول من استخدمها فى الاغتيالات باستهداف الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى قائد فيلق القدس فى العراق بطائرة مسيرة فى يناير من العام الماضى. وبعد سنوات من الملاحقة ورصد المكافآت لقتله.

ودخلت تركيا الميدان باستخدامها فى حربها ضد قوات حزب العمال الكردستانى المعارض جنوب البلاد، وفى حربها فى الشمال السورى وفى الحرب شبه التقليدية بين كل من أذربيجان وأرمينيا، التى رجحت الطائرات المسيرة التركية كفة أذربيجان فيها، واستخدمتها إيران فى يد الحوثيين فى اليمن، ويفكر حلف شمال الأطلنطى فى الاستعانة بها داخل جيوش الحلف التقليدية بعد 5 سنوات من الآن، لتخفيض عدد الطيارين المعرضين للخطر وللاستعانة بها فى الحرب ضد دواعش سوريا والعراق وجنوب الصحراء فى أفريقيا، وحسب عدة مواقع عسكرية دولية أبرزها الموقع الأمريكى تكنولوجيا الجيش، فإن فى العالم الآن 6 مصنعين كبار للطائرات المسيرة هى أمريكا وروسيا والصين وإسرائيل وتركيا وبريطانيا، إلى جانب إيران والإمارات وعدة مصانع بتكنولوجيات عالمية فى دول عديدة بالعالم.

وأشهر الطائرات المسيرة حاليا هى الأمريكية من طرازات براديتور والأم كيو وتتراوح حمولتها من 3 أطنان إلى أكثر من 8 أطنان، وسرعتها من 250 كيلو متراً فى الساعة لأكثر من 900 كيلو متر بالساعة وكلها استطلاعية بالأساس. ومجهزة بصواريخ وأسلحة وقنابل دقيقة التوجيه من قواعد داخل أمريكا، وعلى بعد آلاف الأميال من أهدافها المرسومة، وبإمكان تلك المسيرات البقاء بالجو بين 20 لـ40 ساعة كاملة والطيران على ارتفاغات عالية جدا أو منخفضة للغاية حسب طبيعة الهدف، وكلها قادرة على التشويش على أنظمة الدفاع الجوى والرادارات التقليدية بكفاءة عالية للغاية، وهناك الهيرون الإسرائيلية الصنع وتطير لـ400 كيلو متر بالساعة، ومزودة بصواريخ جو أرض ويمكنها البقاء بالجو لأكثر من يوم كامل، إضافة لـ«الأم كيو» البريطانية والـ«سيتى إتش الوينج يونج» الصينية الصنع، بجانب اليهوون يونايتد الإماراتية المصنعة بتكنولوجيا صينية، والـ«تى إيه آى» التركية، وكلها استطلاعية وقادرة على حمل الصواريخ والقنابل الموجهة.

المؤيدون لاستخدامها يرون فيها سلاحا منخفض التكلفة وخسائره تكاد تكون منعدمة ماديا وبشريا. وهو سلاح سريع وفعال ودقيق ولديه قدرة هائلة على البقاء بالجو وتدمير الأهداف الحيوية، وهناك تجارب لإمداده بصواريخ كروز عالية الدقة وبإنتاج أنواع منه أسرع من الصوت فى تركيا والصين، أما المعارضون فيرون فيه سلاحا بطىء الأثر وغير قادر على منافسة المقاتلات التقليدية بقدرتها التدميرية الهائلة، وفى التصدى أحيانًا لأنظمة الدفاع الجوى الأمريكية أو الروسية المتطورة للغاية.