مصر الجديدة

الفن ليس رسالة

إبراهيم عبدالمجيد
إبراهيم عبدالمجيد

بمناسبة ما نسمع كل عام مع مسلسلات رمضان عن رفض لألفاظ تقولها الشخصيات أو مشاهد أحببت أن أكتب هذا الكلام عن الفن والرسالة. منذ نظر الإنسان حوله وابتدع الحكايات عن الآلهة والخلق وصراعاتها فى الحضارات القديمة لم يكن يعكس الواقع. كان هذا كله محض خيال يستعين به على الحياة ويجد تفسيرا لما لا تفسير له حتى انتقل إلى قصص البشر. جاءت الملاحم عن الحروب البشرية كلها خيال أيضا عن أبطال من البشر فيها الحقيقة قليلة جدا وهكذا استمرت الفنون، لم تكن مصر بعيدة عن ذلك التطور فى الفنون والآداب، وحين ارتفعت الدعوات بالفن للمجتمع أم الفن للفن فى الخمسينات، ترك يوسف ادريس كل الصخب وأطلق العنان لخياله. كل من مشى وراء الفن للمجتمع صار فى خلفية يوسف إدريس. البعض يعتبرهم ضحايا له، لكنهم فى الحقيقة ضحايا فكرة الأدب الهادف، لأنه يحول القصص إلى مقالات تعرف منذ بدايتها كيف ستنتهى والعبرة الواضحة منها. اتسعت حركة تجديد فى الأدب فى الستينيات وما بعدها، وابتعدت عن الأدب الهادف الذى طوى الظل أصحابه، لكن فجأة أطلت علينا الوهابية وملأت حياتنا، واعتبر الأدب طريقة للتعليم والتربية الوطنية، بينما هو طريقة للمتعة ولخلق انسان سوى يعشق الخيال، ويجد متعته فى عالم موازٍ حتى لو امتلأ بالاشرار، فرسم الشخصيات والصدق الفنى يجعل القارئ يحبها ويحب الكاتب، بينما يعيش حياته كما يسرها له المجتمع ويصارع من أجل تحسينها بجهده وعقله. لم نسمع أن أحدا قرأ قصة قاتل وقرر أن يفعل مثله، لكن مؤكد أن هناك من رأى فسادا وفعل مثل الفاسدين أو رأى ظلما فارتكب جرائم مثل بعض المظلومين أو تعرض للإهانة فقرر الانتقام وهكذا، فنشأة الانسان وتربيته هى التى تصنعه بينما يعطيه الادب والفن متعة الحياة بعيدا عما حوله. صرنا نسمع مقولة أن الأدب رسالة بينما الأدب والفن يُعنى بالشخصيات الجانحة التى تصنع الدراما. ما معنى أن تكتب رواية أو فيلما عن شخص طيب الخلق إلا إذا كان محاطا بالأشرار؟ صرنا نسمع أن الأدب رسالة كأنما التربية والتعليم والعدل والمساواة ليست رسالة، وكأن على الادباء والفنانين إصلاح ما تفسده السياسة فى كل تجلياتها بالداخل والخارج. صارت جملة مريحة وصار الحكم على المسلسلات أو الأفلام أو الروايات أن هذا عيب وحرام ولا يصح أن يصل إلى المشاهد، الذى يمكن جدا بعد ان ينتهى من المشاهدة ينزل الطريق فلا يجد رصيفا يمشى عليه، ويمكن جدا أن يركب قطارا ينقلب به، ويمكن جدا أن يجد على النواصى فى الأزقة بائعى المخدرات. يحدثونك عن ألفاظ ومشاهد لا تليق دون الاعتبار لنوع الشخصية التى تفعل ذلك، ودون الالتفات إلى أن المشاهد يمكنه أن يتحول عما يرى إذا لم يعجبه، ويمنع أطفاله من مشاهدته. باختصار لا تصنع القصص والافلام المجرمين لكن تصنعهم الحياة سياسية وتعليمية واقتصادية واجتماعية.