رمضان| قصص القرآن سبب قصة أهل الكهف

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

يقول الحق: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا»، وقد وردتْ قصة أهل الكهف نتيجة لسؤال كفار مكة الذين أرادوا أنْ يُحرجوا رسول الله، ويُروى أنهم أرسلوا رجلين منهم هما: النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط إلى أهل الكتاب فى المدينة ليسألوهم عن صدق رسول الله، وما خبره عندهم، وما ورد عنه فى كتبهم.

وكان يهود المدينة قبل البعثة يتوعدون الأوس والخزرج عباد الأصنام ببعثة النبي الجديد، يقولون: لقد أطلَّ زمان نبيٍّ نتبعه ونقتلكم به قتل عاد وإرم؛ لذلك رغب أهل مكة فى سؤال يهود المدينة عن صدق رسول الله، فلما ذهب الرجلان إلى يهود المدينة قالوا: إنْ أردتُمْ معرفة صدق محمد فاسألوه عن ثلاثة أشياء، فإن أجابكم فهو صادق، اسألوه: ما قصة القوم الذين ذهبوا فى الدهر مذاهب عجيبة؟ وما قصة الرجل الطوّاف الذى طاف الأرض شرقاً وغربًا؟ وما الروح؟.

وفعلاً ذهب الرجلان إلى رسول الله، وسألاه هذه الأسئلة فقال صلى الله عليه وسلم: «أخبركم بما سألتم عنه غدًا» وجاء غد وبعد غد ومرَّت خمسة عشر يوماً دون أنْ يُوحَى لرسول الله شيء من أمر هذه الأسئلة، فشق ذلك على رسول الله وكَبُر فى نفسه أنْ يعطِى وَعْداً ولا يُنجزه.

وقالوا إن سبب إبطاء الوحى على رسول الله فى هذه المسألة أنه قال: «أخبركم بما سألتم عنه غدًا» ولم يقُلْ: إنْ شاء الله؛ ولذلك خاطبه ربه تبارك وتعالى بقوله: «وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله..» وهذه الآية فى حَدِّ ذاتها دليل على صدق رسول الله، وعلى أدبه، وعلى أمانته فى البلاغ عن ربه عز وجل، وقد أراد الحق سبحانه أن يكون هذا الدرس فى ذات الرسول ليكون نموذجاً لغيره، وحتى لا يستنكف أحد إذا استُدرك عليه شيء، فها هو محمد رسول الله يستدرك عليه ربه ويُعدِّل له.

فكأن قوله تعالى: «وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله..» تربية للأمة فى شخصية رسولها حتى لا يستنكف المربَّى من توجيه المربِّي، ما دام الهدف هو الوصول إلى الحقيقة، فإياكم أن ترفضوا استدراك رأى على رأى حتى وإنْ كان من الخَلْق، فما بالك إنْ كان الاستدراك من الخالق سبحانه، والتعديل والتربية من ناحيته؟.

وإليك مثال لأدب الاستدراك ومشروعية استئناف الحكم، لقد ورد هذا الدرس فى قوله تعالى: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الحرث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ»، فكان حكم داود عليه السلام فى هذه المسألة أنْ يأخذ صاحب الزرع الغنم التى أكلتْ زرعه، فلما بلغ سليمان هذه الحكومة استدرك عليها قائلاً: بل يأخذ صاحب الزرع الغنم ينتفع بها، ويأخذ صاحب الغنم الزرع يُصلحه حتى يعودَ إلى ما كان عليه، ثم تعود الغنم إلى صاحبها، والزرع إلى صاحبه.لذلك قال تعالى بعدها:«فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ..» ولم يتهم داود بالخطأ، بل قال:»وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْمًا..».

ونلحظ هنا أن الاستدراك لم يَأْتِ من الأب للابن، فيكون أمرًا طبيعيًا، بل جاء من الابن للأب ليؤكد على أنه لا غضاضة أنْ يستدرك الصغير على الكبير، أو الابن على الأب، فالهدف هو الوصول إلى الحق والصواب، ونبيّ الله سليمان فى هذه المسألة لم يغُضّ الطرف عن هذا القصور فى حكومة أبيه، بل جهر بالحق ونطق به؛ لأن الحق أعزّ من أيِّ صلة حتى لو كانت صلة الأبوة.