لا صــوت يعلو فوق صــوت المطاحن

حارة العطارين
حارة العطارين

لا تحتاجُ «وكالة أبوزيد» بحارة العطارين إلى لافتةٍ لتعلن عنها، فهدير محركات مطاحنها الذى يطغى صخبه على الأصوات كفيل بذلك. هنا يلتقط المرء أنفاسه بصعوبةٍ بالغة، وبالكاد يحظى بشهقةٍ نقية، بينما تكيّف العاملون على صعوبة المهنة التى تنالُ من صدورهم بنفاذ الروائح والغبار الناتج عن عملية الطحن إلى أجهزتهم التنفسية.
الوكالة التى تعد واحدة من أقدم وكالات عصر الزيوت وطحن التوابل والبهارات ومواد العطارة بالحارة، ورثها حامد هاشم العطار عن أجداده الذين تعاقبوا عليها منذ عقودٍ طويلة. السنوات التى شهدت تغيرًا كبيرًا فى طبيعة الصنعة كما يشير.
يتابع: هذه المهنة شاقة للغاية حتى بعد مراحل تطورها، فى السابق كنا نجرى عملية طحن العطارة اليابسة أو الخشنة بطريقة يدوية، وكان يتطلب ذلك مجهودًا بدنيًا كبيرًا من العاملين، لنتحول بدءًا من ثمانينيات القرن الماضى إلى الطحن الميكانيكى الذى تكمن صعوبته فى الأغبرة الكثيفة المنبعثة من المطحنة، ويتوقف عملنا على حاجة محال العطارة فى الحارة والزبائن، نطحن يوميًا ما بين 50 و100 كيلو من التوابل والبهارات، التى يأخذ بعضها وقتًا أطول من الآخر حسب درجة صلابتها، مثل المُغات الخشب والخرونجان وأعواد القسط الهندى.
أمام وعاء دائرى كبير يحوى تشكيلة من أوراق التوابل، استعدادًا لطحنها لتخرج فى صورتها النهائية الملساء، يقف محمد حسن الذى يعمل هنا منذ ثلاثين عامًا. العمر الذى قضاه عاملاً فى الوكالة جعله يعتاد طبيعة المهنة، «أصعب التوابل فى الطحن تلك التى تصدر أغبرةً حارقة مثل الفلفل والشطة»، يقول حسن موضحًا أن أهم ما يراعيه أثناء عمله، تنظيف المطحنة بعدما ينتهى من طحن كل صنف على حدة، حتى لا تختلط نكهات البهارات المختلفة.. ويشير إلى أن الوكالة تحوى أيضًا معصرةً لمختلف أنواع البذور والنباتات، «نقوم هنا بعصر زيوت حبة البركة والسمسم والجرجير، غير الصبّار والكتان والخروع والثوم، وكذا بذور الخردل والصويا».