القهوة عماد مائدة الإفطار في سلطنة عُمان

أرشيفية
أرشيفية

سلطنة عُمان، دولة عربية، تقع فى جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، وتتشارك عمان فرحة رمضان مع باقي الدول الإسلامية، والتي لا تخلو تلك المظاهر من المحبة والمودة والتلاحم بين أفراد المجتمع الواحد، لكن كباقي الدول العربية أثرت جائحة كورونا على تلك العادات والتقاليد.


وعل الرغم من ذلك تعد الطقوس الرمضانية، بالنسبة لسكان سلطنة عمان، التي ورثوها عن أجدادهم جيلاً بعد جيل، أمراً مقدساً لابد من الالتزام به والعمل على إحيائه، الأمر الذي يظهر جلياً في شكل سلوكيات وممارسات ذات طابع خاص، تنسجم وطبيعة وروحانيات شهر رمضان.

اقرأ أيضا|«ادرس في مصر » مبادرة عمانية لتشجيع الطلاب الراغبين في الدراسة بالقاهرة


رمضان سلطنة عمان يتميز بالكثير من الأمور التي تضفى طابعاً خاص عليها، وخاصة في الولايات والقرى العمانية التي تتحول طوال أيام رمضان إلى أسرة واحدة يجمعها نداء الأذان بالصلاة وهو يرتفع من مئات المآذن التي تنتشر في البلاد، ويجمعها الحب والتآلف على مأدبة الإفطار.


وتوجد في السلطنة طقوس معينة خلال شهر رمضان، بدءا من استطلاع رؤية الهلال حيث يستمع الجميع عبر وسائل الإعلام وينتظرون خبر دخول الشهر الكريم، وكذلك الأمر في نهاية الشهر حيث ينتظرون استقبال عيد الفطر، ويجتمع الأهالي في منازلهم أو في الأماكن العامة لمتابعة وسائل الإعلام المختلفة حيث تقوم وزارة الأوقاف والشئون الدينية بمتابعة وتحري رؤية الهلال عبر وسيلتين ، الأولى من خلال مخاطبة الجمهور عبر مكاتب أصحاب الولاة في محافظات وولايات السلطنة المختلفة حيث تشكل لجانا في كل ولاية يرأسها والي الولاية وفيها أعضاء من أهل الخبرة والثقة للتحري المباشر للهلال أما الثانية فتكون عبر المراصد الفلكية التي استحدثتها الوزارة لرصد ومتابعة رؤية الهلال.


وتتلقى اللجنة الرئيسية لاستطلاع رؤية هلال شهر رمضان برئاسة وزير الأوقاف وعضوية عدد من كبار العلماء بالسلطنة البلاغات الواردة من اللجان الفرعية بمحافظات وولايات السلطنة المختلفة لتقرر بعد دراسة تلك البلاغات والتأكد منها ثبوت رؤية الهلال من عدمه وتعلن ذلك للجمهور عبر وسائل الإعلام المختلفة.


ومن الطقوس الخاصة برمضان العمانيين الإفطار الجماعي في المساجد، كما يجتمع أفراد العائلة في بيت أكبرهم سنا ويلتقي الصغير والكبير على مائدة الإفطار مجتمعين في حلقة واحدة.


وغالبا ما يفطر الصائم على التمر والماء واللبن، ورغم كل ما يصنع في المنزل من وجبات ومعجنات إلا أن تناول التمر والماء في الإفطار يبقى أمرا ضروريا ويتجلى في ذلك ارتباط العماني بالنخلة وهي من الموروثات العمانية، والتى توارثها الأبناء عن آبائهم وأجدادهم.
كما يتفنن الناس في صنع القهوة العمانية التي لا تغيب عن مائدة إفطار رمضان، حيث يقوم صاحب البيت بصنعها في بيته صنعا متقنا، مضيفا إليها أنواعا من الرياحين كالهيل، والزعفران، وماء الورد. كما أن تناول قهوة الإفطار في شهر رمضان في المساجد عادة معروفة عند العمانيين، ومن العادات الشائعة والمعروفة في عمان حول الإفطار في المساجد.


ويحرص العمانيون على تناول وجبة السحور، الذي تعد من الوجبات الرئيسة في شهر رمضان، ويأكلون فيه اللحم والأرز، ويشربون الشاي والقهوة.
وتظهر سلوكيات وممارسات سكان السلطنة الرمضانية، بوضوح، في تجمع أفراد الأسرة على سفرة الإفطار، وتبادل الأكلات الرمضانية بين الجيران، كعادة مميزة توثق عرى المحبة والتآزر وحسن الجوار، هذا إلى جانب إرسال أطباق التمر واللبن واللقيمات إلى المساجد القريبة من دورهم، ليتناولها العابرون والفقراء على الإفطار، بالإضافة إلى الحرص على زيارة الأقارب والتواصل بينهم.
ومن الممارسات الرمضانية الشهيرة بين سكان السلطنة، تقليد التبخير بالدخون للرجال في ليالي رمضان، قبل الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، والتي تعقد بعدها المجالس التي تشتهر بها الأقاليم كافة في السلطنة والقبائل العمانية، والمعروفة باسم «السبله»، وذلك تحت ضيافة شيوخ القبائل بعد صلاة التراويح، يتناولون فيها مجموعة مختلفة من الأمور الدينية، التي تتوافق مع روحانيات الشهر الكريم، واجتماعية وأخرى حياتية. وتعتبر القصائد الشعرية سيدة مقام الجلسات السمرية، ويتنافس فيها الحاضرون بإلقاء أجودها.
ويحرص الناس على حضور حلقات الذّكر التي تقام في المساجد وخاصة بعد صلاتي الفجر والعصر وكذلك قراءة القرآن الكريم ويتنافسون على ختم المصحف الشريف ولو لمرة واحدة خلال شهر رمضان المبارك. كما يصطحب الآباء أبناءهم وخاصة الصغار في صلاة التراويح، كما يحرصون على تعويدهم على الصيام وتحمل الجوع والعطش والصبر.
ويستعد العمانيون لاستقبال شهر الصيام مبكرا من خلال التسوق وشراء المؤن الغذائية التي يحتاجونها لإعداد الوجبات المعتادة في شهر رمضان كالشوربة وعمل بعض المعجنات كالسمبوسة ووجبة الهريس وغيرها من المأكولات التي تصنع في المنازل، كما يفضل البعض أكل السمك بعد الإفطار مباشرة وبشكل يومي.
وتقام على مستوى محافظات وولايات السلطنة العديد من الأسواق التقليدية، سواء أكانت الأسبوعية المعروفة في بعض الولايات بسوق الأربعاء أم الخميس أم الاثنين، وأخرى تقام على مدار العام كسوق مطرح وسوق نزوى والسوق المركزي بمحافظة ظفار وغيرها من الأسواق.
كما تقام الأسواق الموسمية وتكون فعالياتها في أيام المناسبات الدينية فقط (عيدي الفطر والأضحى) وتسمى بسوق «الهبطات» وهي عبارة عن موعد معين وثابت ومعروف لدى الأهالي، حيث تعتبر الهبطات إرثا قديما بالسلطنة وهي عبارة عن سوق مفتوح يشهد إقبالا كبيرا من الزوار والمواطنين وتقام في جو تقليدي متميز قبل العيد بأيام.
وتختلف هذه الهبطات في بعض الولايات في موعد إقامتها فبعضها تبدأ فعالياته في اليوم الثالث والعشرين من رمضان وتستمر إلى آخر يوم منه وتعاد فعالياتها أيضا في عيد الأضحى المبارك. وهناك هبطات شهيرة يتطلع إليها المواطن العماني سواء كتاجر أو مستهلك رغم تعدد الأسواق وكثرتها وتنوع عملية التسوق من خلال المراكز والمجمعات التجارية. لكن يبقى المواطن العماني يتطلع وينتظر موسم الهبطات التي تتميز عن غيرها بشراء مستلزمات العيد وخاصة اللحوم.
ويحتفى في بعض ولايات السلطنة وخاصة ولايات محافظة مسقط، بليلة النصف من رمضان بطريق مميزة، حيث يتجول الأطفال في الأحياء السكنية داخل الحارات والطرقات في احتفالية تسمى «قرنقشوة» وهي عادة توجد في عدد من دول الخليج العربية وإن كانت تختلف في أسمائها فمثلا تسمى في المملكة العربية السعودية «قريقعان» وهنا يتجلى مدى التلاحم في العادات والتقاليد بين الشعوب الخليجية.
وفى نهاية رمضان واستطلاع هلال العيد، يتناول الأهالي الوجبة العمانية المشهورة «العرسية» في يوم العيد وهي عبارة عن أرز ممزوج بالسمن العماني واللحم المحلي ثم يخرج الأهالي إلى المصليات المنتشرة في مختلف أرجاء السلطنة لأداء صلاة العيد وهم يرتدون اللباس التقليدي وهو الدشاشة والمصر والخنجر العماني والعصا صغارا وكبارا وهي عادات وموروثات عمانية تأصلت في المجتمع العماني منذ القدم.