توترات عرقية تعصف بـ«إثيوبيا»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

يسلط النزاع الحدودى الأخير شمال شرقى إثيوبيا الضوء على التوترات التى تعصف بإثيوبيا، والتى لا تقتصر على النزاع المسلح الأخير فى إقليم تيجراى فى شمال البلاد.. حيث سقط عشرات القتلى شمال شرقى إثيوبيا الاسبوع الماضى فى اشتباكات مسلحة اندلعت فى منطقة يتنازع السيطرة عليها اثنان من أقاليم اثيوبيا القائم على نظام الفيدرالية العرقية وهما إقليما "عفر" و"صومالى" حيث وقعت أعمال عنف دارت بين أفراد من إثنية الأورومو وآخرين من إثنية الأمهرة، الإثنيتين اللتين تشكلان المجموعتين العرقيتين الرئيسيتين فى البلاد.

وقالت السلطات المحلية فى "جيل−تيموجا" المنطقة الواقعة فى إقليم أمهرة، لكن تقطنها أكثرية من إثنية الأورومو، قتل 68 شخصاً وإصابة 114 آخرين بجروح فى هجوم وقع مؤخراً، وأن الهجوم دفع بأكثر من 40 ألف مزارع إلى مغادرة منازلهم، وقد تم إيواؤهم فى 3 مخيمات مؤقتة.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد أرسل فى نوفمبر الماضى الجيش الاتحادى إلى إقليم تيجراى للإطاحة بزعماء هذا الإقليم الذين تحدوا سلطته.

ومنذ ذلك الوقت، لا يزال القتال مستمراً فى الإقليم الشمالى وتتكون إثيوبيا من 10 أقاليم إدارية مقسمة على أسس عرقية ويتمتع كل منها بسلطات واسعة .. وتدور بين عدد من هذه الأقاليم نزاعات، بعضها بسبب خلافات على مناطق حدودية والبعض الآخر لأسباب سياسية، تتطوّر أحياناً إلى أعمال عنف دموية.

وقال أحمد كالويتى المتحدث باسم إقليم عفر إن وحدات أمنية تابعة لإقليم صومالى شنت الجمعة هجوماً على منطقة هاروكا حيث "أطلقت النار عشوائياً على السكان وقتلت ما لا يقل عن 30 من البدو الرحل من العفر" وأصابت 50 آخرين بجروح.

وأوضح المتحدث أن دورة العنف لم تنتهِ هنا، إذ ما إن انبلج فجر الثلاثاء حتى عادت إلى منطقة هاروكا، وإلى منطقتين أخريين مجاورتين لها، وحدات عسكرية تابعة لإقليم صومالى مسلحة بقاذفات صواريخ ومدافع رشاشة مثبتة على مركبات وقتلت عدداً غير معروف من المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال كانوا غارقين من النوم.

وفى الشهر الماضى وقعت أعمال العنف وهجمات وحشية غرب اثيوبيا فى إقليم بنى شنقول−جومز بمحاذاة السودان، أحد أكثر أقاليم إثيوبيا وعورة وفقرًا، بسبب الانقسامات الإثنية بين المسلمين والمسيحيين فى المنطقة، بالإضافة إلى بناء سد النهضة، محل النزاع بين عدة دول على أراضيها ويرى تسيجا أتيفا، أستاذ مساعد فى مجال التاريخ بجامعة كولجيت الأمريكية، أن هناك عدة أسباب تقف وراء أعمال العنف فى الإقليم، من بينها ادِّعاء ولاية أمهرة الإثيوبية المجاورة سيادتها على منطقة ميتيكل، وتريد أمهرة الحصول على إدارة حقها فى منطقة ميتيكل لأنها تستهدف السيطرة على الرواسب المعدنية فى المناطق الصالحة للزراعة.

لكن أهالى منطقة ميتيكل، بما فى ذلك غالبية سكان إقليم بنى شنقول−جومز، يعارضون احتلال ولاية أمهرة للمنطقة.. ويوضحً أن بناء سد النهضة الإثيوبى الكبير على أراضى منطقة ميتيكل ربما يكون أحد أسباب اندلاع أعمال العنف فى الإقليم؛ لأنه يُمثل تعارضًا مع مصالح السودان ومصر، اللتين تعترضان على ملء خزان السد، وبالإضافة إلى ذلك قد يرجع السبب فى شن الهجمات الوحشية فى الإقليم إلى وجود أطراف محلية أخرى غير راضية عن تشكيل الائتلاف الجديد الحاكم فى إثيوبيا بقيادة حزب الرخاء.

ولفت التقرير إلى أن الهجمات الوحشية التى وقعت فى الإقليم أسفرت عن مقتل الآلاف تم دفنهم فى مقابر جماعية، وأُجبر آخرون على الفرار، من منازلهم التى أُضرمت فيها النيران ونُهبت ممتلكاتها وتشرد أكثر من 100 ألف شخص ونزح سبعة آلاف شخص إلى السودان.. ولا يحصل عددٌ من هؤلاء الذين ما زالوا يعيشون فى المنطقة على أى مساعدات إنسانية.

الهجمات، التى شنتها الميليشيات المسلحة المنتمية تحديدًا إلى قبائل جومز ضد المجموعات العِرقية الأخرى، مثل الأورومو والأمهرة وإثنية شناشا وأوى فى منطقة ميتكل، تصاعدت فى العام الماضى واستمرت حتى الشهر الماضى.. وتعد إثنية الجومز إحدى المجموعات العِرقية الأساسية فى ميتيكل.

وقد زادت وتيرة الهجمات مؤخرًا بسبب عمليات الاستيلاء على أراضى المنطقة التى تنفذها الأمهرة وغيرهم من المستثمرين من غير السكان الأصليين، الذين يريدون السيطرة على قطاعى الزراعة والتعدين فى المنطقة.

وقد نزح عديدٌ من عِرقية الجومز إلى أماكن أخرى بسبب عدم رضاهم عن توظيف المستثمرين لعمال من خارج الإقليم لمساعدتهم فى مخططاتهم لاحتلال المنطقة الغنية بالموارد مثل الذهب والرخام، إلى جانب أن أراضيها الزراعية تمتاز بخصوبتها لكن بخلاف ذلك هناك أيضًا أسباب أخرى يجب مراعاتها − ومنها مصالح مصر والسودان فى هذه المنطقة، التى يُبنى عليها سد النهضة الإثيوبى ويعارض كلا البلدين مخططات إثيوبيا للتعبئة الثانية لخزان سد النهضة من دون مفاوضات.. ويقع سد النهضة فى مدينة جوبا، إحدى المدن الست فى منطقة ميتيكل.. وتعد مدينة جوبا أقرب منطقة إلى السودان.