كاهن آمون أنقذها من السرقة.. واللصوص اكتشفوا «الخبيئة» فى القرن التاسع عشر

مومياوات ملوك مصر العظام.. «أسماك مُملّحة» فى ميناء بولاق

  بالقرب من الدير البحري تم اخفاء مومياوات الملوك لحمايتها من النهب
بالقرب من الدير البحري تم اخفاء مومياوات الملوك لحمايتها من النهب

على شاطىء النيل كان أهالى قرى الصعيد يحتشدون، عندما يأتيهم خبر وصول الموكب. تلوح السفينة فى الأفق، فتتعالى أصوات النساء بالنحيب ولطم الخدود، يتعامل الجميع مع الحدث كجنازة يُودّعون خلالها عزيزا لديهم. إنها مومياوات الأجداد تغادر مخبأها الذى استقرت فيه لعشرات القرون، وتنتقل فى رحلتها الأولى عام 1881 من الأقصر للقاهرة. فى ميناء بولاق ينتهى المشهد الدرامى السابق بفاصل كوميدى: موظف الجمرك يرغب فى استكمال أوراقه كى يُفرج عن»الشُحنة»! لكنه لا يجد بين البنود ما ينجح فى توصيف مُحتوياتها، فيختار ما يراه الأنسب، ويقوم بملء الخانة الفارغة بكلمتين: أسماك مُملحة!!

 

قبلها بسنوات كان أفراد عائلة عبد الرسول يمارسون حرفتهم التى برعوا فيها. ثلاثة أشقاء احترفوا التنقيب السرى عن كنوز الأجداد بالأقصر، وقادتْهم الصُدفة للكشف الأكبر فى تاريخهم، مقبرة جماعية قُرب معبد حتشبسوت بالبر الغربي، تضم عشرات المومياوات المُحنّطة، بالإضافة إلى ثروة من القطع الأثرية والبرديات. تعاهدوا على أن يظل الأمر سرا بينهم، وخلال أعوام تالية نجحوا فى بيع العديد من المقتنيات، حتى شهدت القصة تحولا دراماتيكيا.


وقعتْ إحدى البرديات فى يد أوروبى مولع بالآثار المصرية، وبدأ البحث عن مصدرها إلى أن وصل لعائلة عبد الرسول. حاول إغراءهم بالمال كى يكشفوا عن الموقع، لكنّهم رفضوا فقام بإبلاغ حاكم إقليم قنا. على الفور بدأت التحقيقات، وتم القبض على واحد من الأشقاء. رغم الضغوط التى تعرض لها لم يعترف بشيء. كان يُمكن أن يظل أمر هذا الكشف غامضا، لولا أن هذا الأخ غيّر مسار الأحداث. بعد الإفراج عنه اتجه لشقيقيه، وطالب بزيادة حصته، كنوع من التعويض على ما تعرّض له خلال فترة احتجازه، وعندما رفضا اتجه إلى حاكم الإقليم وأرشده إلى الموقع، ليفاجأ مسئولو مصلحة الآثار بأنهم أمام واحد من أكبر الاكتشافات فى التاريخ.. إنها خبيئة الدير البحري.


أثبت الفحص أن المومياوات لعدد من أهم ملوك مصر القديمة. من بينهم سقنن رع، أحمس وزوجته أحمس نفرتاري، تحتمس الأول والثانى والثالث، ورمسيس الثانى والثالث والتاسع. كان اجتماع هذا العدد من الملوك معا مثار دهشة، ومع البحث بدأت الحقائق تتكشّف. فى عهد الأسرة الحادية والعشرين تزايد نشاط لصوص الجبّانات بشكل كبير. استهدفوا مقابر كبار الملوك لأنها تضم المقتنيات الثمينة، وهو الأمر الذى أصاب الكهنة بالقلق، وفى القرن الحادى عشر قبل الميلاد، قرر با نجم كبير كهنة آمون ألا يظل سلبيا، وبدأ جمع مومياوات الفراعنة، ونقلها من وادى الملوك إلى المكان الجديد قُرب معبد حتشبسوت. فعل ذلك بسرية كبيرة، كى لا يعرف اللصوص الموقع الجديد.


بعد وصولها للقاهرة، تم حفظ المومياوات فى متحف بولاق، لكن فيضان النيل هدّد المكان فانتقلت لسراى الخديو بالجيزة، وبعد إنشاء المتحف المصرى انتقلت من جديد لتستقر به. لم تكن هى الوحيدة التى يحتفظ بها المتحف، ففى عام 1898 اكتشف الفرنسى فيكتور لوريه خبيئة ثانية، بمقبرة أمنحتب الثانى فى وادى الملوك، ضمتْ مومياوات عدد من الملوك، منهم تحتمس الرابع، أمنحتب الثالث، سيتى الثاني، ورمسيس الرابع والخامس والسادس. وتقرّر نقلها إلى القاهرة، لكن عند وصولها لقنا صدر قرار بعودتها للأقصر، ثم انتقلت للمتحف المصرى بعدها بسنوات.
حكايات المومياوات تتضمن الكثير من الأمور المثيرة، استعدْنا منها فقط ما يتعلق باكتشاف بعضها، لنكشف أسباب اهتمام العالم كله، بمتابعة رحلتها التاريخية أمس الأول إلى متحف الحضارة.