أزمة قناة السويس.. بين نظريات المؤامرة و «رب ضارة نافعة»

عمرو جلال
عمرو جلال

لا حديث في وسائل الإعلام العالمية يخلو من الإشارة إلى السفينة "إيفر جيفن" التي تسببت في تعليق عمل قناة السويس منذ يوم الاثنين الماضي وعمليات الإنقاذ المستمرة  وتداعيات ذلك على التجارة العالمية.

تابعت خلال الأيام الماضية تناول بعض الصحف الأمريكية والبريطانية للأزمة وجميعها لم يلقي باللوم على الإدارة المصرية في التعامل معها بل أشادت بعضها بالإجراءات المتبعة من الجانب المصري ومحاولاتها الجادة لتحرير وضع سفينة الشحن العملاقة داخل قناة السويس والتعاون مع مختلف دول العالم.

وأشاروا إلى أن هناك زوارق قطر عملاقة في طريقها إلى المكان الذي جنحت فيه السفينة لمحاولة إعادة تعويمها.. وأبرزت صحيفة "اف تى ويك اند " البريطانية في صدر صفحتها اليوم تداعيات أزمة سفينة الشحن البنمية في القناة على التجارة العالمية ومطالبتها بضرورة حل الأزمة سريعا حيث تأثرت بالفعل مصانع السيارات وغيرها من الشركات المستوردة للبضائع والسلع وخاصة القهوة فى المملكة المتحدة وأوروبا.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإعلامية ظهر  حديث ملحوظ عن نظريات مؤامرة تحيط  بأزمة  سفينة الشحن العملاقة "إيفر جيفن" داخل قناة السويس ..البعض أشار إلى أن الأزمة تم التخطيط المسبق لها وأن الموقع الذي توقفت به سفينة  الشحن تم اختياره بعناية فائقة حتى يتم غلق قناة السويس تماما ..بل تمادى البعض ووصف سفينة الشحن "إيفر جيفن"  بأنها سفينة "سمعتها وحشة" !..ولها سوابق في عمليات تعطيل البضائع  وأشار أصحاب نظريات المؤامرة  إلى أن الهدف من الأمر هو حث  العالم على  إنشاء قناة بديلة  لقناة السويس على أن تمتد هذه القناة البديلة  من خليج العقبة إلى البحر المتوسط.  

لكن ما لا قد يعرفه البعض أن هذه الأحاديث ليست بالجديدة وقد كثر الكلام عن الطرق البديلة لقناة السويس منذ زمن بعيد وكل مرة يقال إن هذه الطرق سوف تلغى قناة السويس .. أتذكر منذ 5 سنوات تناقشت مع أحد العاملين فى مجال البحوث المائية عن أثر هذه القناة  المزعومة على قناة السويس أذا وجدت  وتحدث الرجل وفقا للدراسات التي أطلع عليها وعمل في بعضها.

وأشار في البداية إلى أن طبيعة الأرض جعلت حفر  قناة السويس أمرا ممكنا وقام به أجدادنا المصريين مستخدمين أدوات حفر بسيطة وجعلت المياه تعمل فى القناة داخل مستوى واحد فلا حاجة إلى أهوسة كما في قناة "كييل" بألمانيا والتي تم حفرها للربط بين بحر الشمال وبحر البلطيق كما أن المسافة بين البحرين فى برزخ السويس قصيرة بالإضافة إلى طبيعة الأرض اللينة خاصة مع وجود  البحيرات والمستنقعات في نسبة كبيرة من الأرض الممتدة على طول قناة السويس مع وفرة المياه العذبة عن طريق النيل كل ذلك جعل حفر القناة سهلا يسيرا و ساعد على خفض نفقات الحفر مقارنة بالقنوات المائية الأخرى حول العالم.

وأشار الخبير المائي إلى أن حفر قناة العقبة أمر غاية في الصعوبة ويحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات بسبب عدة عوامل منها  المسافة  الطويلة  لمسار القناة فضلا عن اختلاف مستويات التضاريس وصعوبة الحفر فى أرض شديدة الصلابة وندرة المياه العذبة إضافة إلى الحاجة إلى أهوسة حتى لو قيل أن استعمال التفجيرات النووية يمكن أن يصنع قناة مستوية فستبقى صعوبة الإنشاء والتكاليف الباهظة لقناة العقبة مقارنة بقناة السويس ما يجعل قناة السويس تمتاز من ناحية التشغيل امتيازاً يجعل من المستحيل على أي قناة أخرى في العالم منافستها وإذا أخذنا بنظرية ضرورة وجود  قناة بديلة مكملة لقناة السويس فأن ذلك سيكون  بتكلفة أكبر وبالتالى رسوم مرور أكبر و حتى لو أنشئت قناة تربط بين الخليج العربي نفسه والبحر المتوسط فقناة السويس أثبتت جدارتها على مر التاريخ عملياً وواقعياً.

انتهى حديث الخبير الذي مر عليه السنوات الخمس وعلى عكس المتشائمون و هواة جلد الذات وبعيدا عن نظريات المؤامرة أرى أن أزمة سفينة الشحن  "إيفر جيفن" في قناة السويس ستأتي في أطار " رب ضارة نافعة ".. وأعتقد أن هذه الأزمة ستكون بداية لفت نظر للرأسمالية العالمية بضرورة ضخ استثمارات  أكبر في  منطقة قناة السويس.. حيث إن منطقة القناة تقل تكاليف التوسع فيها عن أى منطقة أخرى.. بل يمكن تكملة الازدواج  بالكامل على طول القناة  لتجاوز أية حوادث مستقبلية تؤثر على التجارة الدولية كما أن الأزمة قد تكون نافعة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لمشروع تنمية محور قناة السويس  الذي يعد أحد أهم المشروعات القومية الهامة والتى يساهم التعاون الدولي فيها على تنفيذ مشروع البنية التحتية لدعم مخطط تطوير موانئ المنطقة والمشروعات اللوجستية ومشروعات القيمة المضافة الجاري إنشاؤها ضمن مشروع تنمية منطقة القناة مع ضرورة وجود موانئ شحن وتفريخ  ضخمة وكل ذلك بتكلفة أقل من تكلفة حفر قنوات  أخرى وحتى الآن لا يوجد أي أهمية لزيادة العمق في قناة السويس لأننا نستوعب بالفعل السفن العملاقة وقناة السويس الجديدة والقديمة ‏شهدتا خلال السنوات الماضية  عبور أكبر سفن  الحاويات في العالم دون أدنى مشكلة وبالتالي ليس لدينا أي أزمة في استيعاب كل أحجام السفن في العالم وبالتالي فما الداعي لحفر قناة منافسة لقناة السويس.

  [email protected]