يجمعونها بمقابل مـُجزٍ لإعادة تدويرها واستغلالها فى أعمال يدوية

مخلفات النيل رزق صيادى القرصاية

مخلفات النيل رزق صيادى القرصاية
مخلفات النيل رزق صيادى القرصاية

كتب: علا نافع         تصوير: سامح مسلم

على أرض جزيرة القرصاية بالجيزة يقف عشرات الصيادين يتابعون عن كثب عملية فرز أطنان المخلفات البلاستيكية، التى جمعوها للتو، قبل إعادة تدويرها، وذلك بالتعاون مع مبادرة "فيرى نايل"، وهى مبادرة شبابية، انطلقت منذ عامين بهدف تنظيف النيل من المخلفات الصلبة، وإنقاذ مياهه من التلوث، ومنذ ظهورها استقطبت آلاف المتطوعين، وحصلت على رعاية وزارة البيئة وتشجيعها.

ولم تتوقف الحملة عند جمع المخلفات فقط بل فكرت فى كيفية الاستفادة منها، ليتجه القائمون عليها لإعادة تصنيعها بمعاونة صيادى جزيرة القرصاية، الذين أدركوا أن تلك المخلفات باتت تؤثر على رزقهم من صيد الأسماك، بعد أن قلت الكميات التى كانوا يصطادونها يوميًا، لتنشط عمليات بحثهم وأصبحوا يقطعون مسافات طويلة بمراكبهم الخشبية الصغيرة غير عابئين بصقيع الفجر أو شمس الغروب الحامية، يحتفلون فى نهاية اليوم بالجنيهات التى يحصلون عليها من مصنع البلاستيك كى تعينهم على مشقة الحياة، حتى نجحوا فى جمع أكثر من 9 آلاف طن منذ بداية حملة "تحسين أوضاع الصيادين" حتى الآن.

ولا تقتصر جهود الحملة على خلق فرص عمل للصيادين وحدهم بل استقطبت زوجاتهم ودربتهن على فنون تصميم الحقائب والأغراض المنزلية باستخدام أكياس البلاستيك الموجودة بمنازلهن منعا للتخلص منها بشكل يلوث البيئة، كما فتحت لهن الطريق ليخرجن طاقتهن الإبداعية وأصبحت منتجاتهن تتخاطفها كبرى الشركات.

"آخرساعة" زارت الجزيرة لتتعرف عن قرب على نشاط الحملة ومجهودات الصيادين فى جمع المخلفات، ورصد أعمال الفرز قبل إعادة التدوير، كما سلطت الضوء على ورشة سيدات الجزيرة لتصميم الحقائب والصناديق المنزلية.

الجزيرة التى تصل مساحتها لأكثر من خمسة آلاف فدان، يعمل معظم أهلها بالزراعة وصيد الأسماك، لا يعرفون مهنة غيرها، فمنذ أن تفتحت أعينهم على الحياة حتى وجدوا أنفسهم محاطين بمياه النيل الحلوة، لا يفصلهم عن شارع البحر الأعظم بشوارعه المزدحمة ومطاعمه الساحرة سوى أمتار قليلة.

جزيرة القرصاية اشتق اسمها من موقعها المميز كقرص الشمس اللائح بالسماء بحسب روايات أهلها، المعدية البسيطة والمراكب الخشبية هما وسيلتا النقل الوحيدة لزوارها، يخرج أهلها منذ شروق الشمس لممارسة عملهم فى الصيد، لا يكفون عن الدعاء بأن يجود عليهم النيل برزق وفير يعينهم على مشقة الحياة، ولكن تصطدم مراكبهم يوميا بالزجاجات والأكياس البلاستيكية الطافية على السطح، والتى تؤثر على الأسماك إذ تحبس الزريعة الصغيرة بداخلها مما يحرمهم من رزق محتمل.

وعندما بدأ متطوعو مبادرة "فيرى نايل" بالعمل فى تنظيف النيل كان الصيادون يشجعونهم ويحثونهم على العمل الجاد، بل هداهم تفكيرهم لمعاونتهم وتسخير مراكبهم لذلك الغرض، مما دفع القائمين على المبادرة بأن يشركوهم فى عملية الجمع نظير مقابل مادى يفوق باقى شركات إعادة التدوير، واتخذوا مقرًا فى الجزيرة لاستقبال أطنان المخلفات تمهيدا لعملية فرزها بحسب اللون والنوع، فضلا عن الندوات التوعوية التى نظموها حول أهمية الحفاظ على مياه النيل والأخطار الناجمة عن تلويثه.

ومنذ اليوم الأول لبدء العمل بمبادرة "تحسين أحوال الصيادين" حتى اكتسب روادها ثقة أهل الجزيرة وارتبطوا معهم بعلاقات صداقة، يقابلونهم ببشاشة وترحاب، يتناولون معهم طعامهم المتواضع، فقد اجتمعوا كلهم على حب النيل وتقديسه، ينتظر أطفال الجزيرة، مصطفى حبيب، أحد مؤسسي المبادرة بحب وتهليل، يحملونه فى مراكبهم الصغيرة بود ويضربون المياه بخفة كأنهم يركبون بساط الريح.

أطنان من المخلفات البلاستيكية مثل زجاجات المياه والمشروبات الغازية تقبع داخل الأجولة الكبيرة تمهيدا لعملية الفرز كل حسب لونه، يعمل الصيادون بهمة لنقلها للمكبس الذى يحولها إلى اسطمبات متساوية، ومن ثم بيعها لأحد مصانع إعادة تدوير البلاستيك، وعلى أحد جوانب النيل هناك آخرون يتبارون فى عملية الجمع، يبحرون بمراكبهم الصغيرة حتى نواحى الحوامدية والعياط كى يجمعوا القمامة البلاستيكية.

يقول عم سعيد، صياد: "تمثل المخلفات البلاستيكية خطرا كبيرا على الثروة السمكية حيث تنذر بنقصها وتدهورها على المدى البعيد، فالزريعة الصغيرة التى تطلقها أسماك البلطى بفصل الصيف تحبس داخل الزجاجات مما يجعلها تموت ونفقد رزقا كبيرا مشيرا إلى أن الأشجار الملقاة بالنيل تعد وكرا لاختباء القمامة البلاستيكية".

وعن المبادرة يقول: "منذ انطلاقها بالقرصاية حتى سارعت بالمشاركة خاصة أن الصيد لم يعد يكفى احتياجاتنا الأسرية فأخرج يوميا منذ شروق الشمس حتى غيابها كى أبحث عن الزجاجات البلاستيكية بدءا من الجزيرة وصولا بكوبرى عباس وحتى روض الفرج وتختلف الكمية من آن لآخر ولكننا وفقنا فى تنظيف محيط الجزيرة".أما المهندس هانى فوزي، مدير مشروع تحسين أحوال الصيادين، فيقول: "يهدف المشروع لجمع الزجاجات البلاستيكية من كافة نواحى النيل بوحدة الجمع الموجودة بالجزيرة ثم نقلها لوحدة الكبس وأخيرا لمصنع التدوير وكان الهدف منه تشجيع الصيادين على الحفاظ على نقاء ماء النيل والثروة السمكية بدافع مادى مغرٍ يفوق باقى المصانع الأخرى مشيرا إلى أنه يتم الدفع على حسب الكمية التى قام الصياد بتجميعها فضلا عن ندوات التوعية والإقناع بضرورة المشاركة فى المبادرة".

ويضيف: "يصل عدد الصيادين المشاركين فى المشروع لأكثر من 30 صيادا أغلبهم من سكان القرصاية أما البعض الآخر فمن جزيرة الوراق، ويقومون بالتجميع إما من تحت الكبارى أو على الجوانب حيث تتركز المخلفات خاصة بفصل الصيف والأعياد، ومن المؤسف أن بعض البواخر والفنادق السياحية تلقى بكميات كبيرة منها"، مؤكدًا أن حملته استطاعت جمع مايزيد عن 9 آلاف طن.

وعن المعوقات التى تواجههم يقول: "يعد إقناع الصياد بضرورة مشاركته فى حملات التنظيف ليست بالسهلة فى ظل ضعف الوعى البيئى،كما أن الصياد يواجه مشكلة صعوبة تحمله التجديف ووصوله لمناطق أخرى بمراكبه الخشبية البسيطة مقارنة باللانشات السريعة أو القوارب المزودة بالمواتير الكهربية والتى تضمن له تجميع أكبر كمية من المخلفات".

ويرى هانى، أن الحملة لم تأت بثمارها حتى الآن فهى تعتبر نقطة انطلاق لمشاريع بمحافظات ومناطق أخرى فى ظل البروتوكول الموقع مع وزارة البيئة.

مصطفى حبيب، مُنسق مبادرة "فيرى نايل"، يقول: "بدأت حملة تنظيف النيل منذ عامين وشملت متطوعين من كافة المحافظات ولكنها كانت مقتصرة على أيام معينة فقط مما جعلنا نفكر فى الاستفادة من خبرات الصيادين وتشجيعهم للعمل معنا بربح مادى مجز وبالفعل انضم لنا كثير من صيادى جزيرتى الوراق والقرصاية واخترنا الجزيرة كى تكون مقرا للتجميع خاصة أننا نفتقر لوجود مركز آخر بالوراق، وفكرنا فى مشاركة السيدات بالمشروع من خلال ورش لتصنيع البلاستيك المنزلى على شكل حقائب وصناديق منزلية.

ويضيف: "واستعنا بخمس سيدات وأربع فتيات حتى يكن نواة المشروع وأعطينا لهن حرية التصميم واختيار الألوان المناسبة خاصة أن معظم البلاستيك المستخدم متعدد الألوان مما يضفى على المصنوعات رونقا وجاذبية كبيرة مشيرا إلى تنظيم ورش تدريبية كى تساعدهن على الاختيار والتصميم الأمثل".

فى الطابق العلوى من مركز التجميع تقع ورشة تصميم الأغراض المنزلية من الأكياس البلاستيكية المستعملة كأنها خلية نحل، رغم أعدادهن البسيطة التى لا تتجاوز الستة إلا أن سيدات الورشة لم يتوقفن عن العمل برهة أو يبدين تبرمهن وضيقهن، فالضحكات تملأ الأجواء وإبداعاتهن تملأ أركان المكان، أكياس بلاستيكية متعددة الألوان تصطف على الأرض تمهيدا لفردها باستخدام مكواة الملابس، ثم قصها وتشكيلها بحسب التصميم المطلوب والسمك المناسب، أما الخطوة الأخيرة فهى خياطة الحقيبة أو مريلة المطبخ التى تم الانتهاء من تصميمها.

تقول أم كمال واحدة من سيدات الجزيرة: "نعمل فى الورشة على صنع الكثير من الأغراض التى تحتاجها كافة البيوت مثل مرايل المطبخ والحقائب البسيطة من الأكياس المنزلية المستعملة حيث نقوم بفردها تحت درجة حرارة معينة ومن ثم التحكم فى طبقاتها سواء أكانت واحدة أو أكتر بألوانها المختلفة لتأتى عملية تصميم الشكل النهائى وحياكته"، مشيرة إلى أن كل منتج يستهلك وقتا يختلف عن الآخر فضلا عن ذوق المستهلك.