فنجان قهوة

أنا وأحمد زكى وساعات السفر

يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى

قال لى: أريد أن تكتب مذكراتى! وجلست مع أحمد زكى فى اليوم التالى فى شرفة تطل على النيل يحكى لى قصصا مقتطفة من حياته كأنها لقطات سينمائية رائعة، أحمد زكى ممتع حين يحكى، ينفعل ويضحك ويبكى ويثور ويتحول فى لحظة إلى طفل!
على الرغم من أنه مات صغيرا إلا أنه عاش حياة طويلة ملأها بالتفاصيل والصراع مع أحلامه المستحيلة والرحلة الصعبة التى مر بكل محطاتها من طفولته المُرة إلى نجوميته التى لم يشعر يوما بمذاقها المبهج.
كان يطارد أمانيه البعيدة ويعرف أن أيامه قليلة، فكان سخيا فى كل ما يملك من مشاعر وأحلام وأفكار. كان مثل نجم بعيد فى السماء يُضىء بقوة ثم يختفى بسرعة.
وفى شرفة غرفته فى هيلتون أمضينا نتكلم أكثر من ٢٠ ساعة فى أيام متفرقة كأنها رحلة سفر فى عالمه الخاص والسرى، استهلكنا صندوقا من أشرطة الكاسيت وهو يحكى دون انقطاع عن أيام من حياته وناس فى حياته، وكدنا أن ننتهى حين طلب منى أن يحتفظ بساعات التسجيل وأن أعتبر جلساتنا الطويلة كأن لم تكن!
كنت أتوقع تماما أن يفعل ذلك ولم يفاجئنى طلبه ورجاؤه بالعكس.. كنت أنتظر منه أن يبقى كما هو صندوقا مغلقا على حياته بما فيها من أسرار!
أحمد زكى ممثل نادر لن يتكرر، لأنه مَثّل بكل معاناة مر بها وكل تجربة عاش فيها وكل حلم مات داخله وكل شخصية قابلها، لن يتكرر لأنه أحب فنه أكثر من نفسه وأحب التمثيل أكثر من حبه للحياة، أخلص لكل دور قدمه حتى هذه الأدوار الهزلية التى قدمها من أجل أن يثبت أنه نجم شباك قادر على تحقيق أرقام كبيرة من الإيرادات!
لم يكن أحمد بهلوانا أو مقلدا كما اتهمه بعض زملائه غِيرة غير مشروعة من موهبته ولم يكن يعرف من السياسة إلا حبه وعشقه لبلده، وكان يرى أن بلده بكل ما مر به من انتصارات وهزائم وزعماء وصعاليك.. بلد يستحق أن يكون أجمل بلاد الدنيا. 
لم يمد يديه لحاكم أو مسئول مهما مر به من ظروف صعبة.. كان فنه هو الحاكم وتمثيله هو المسئول وحلمه الفنى هو غايته.
هذه ذكراه.. وأنا أسأل: هل مات أحمد زكى ؟ رحل نعم.. مات لا، مازال يعيش بما تركه من أدوار وأعمال مهمة لا يقدمها إلا مثله ولا يجرؤ عليها سواه، ويستحق التكريم مرتين.. مرة بإطلاق اسمه على أكاديمية للتمثيل أو السينما أو الإبداع، ومرة بتقديم دراسة جادة وافرة كقراءة لأعماله حتى يستفيد منها كل من يحب فن التمثيل اليوم وغدا.
أرجو ذلك.