«نحروا الناقة».. الجمل الذي أغضب الليبيين

الجمل الذي تم نحره
الجمل الذي تم نحره

«نحروا الجمل».. عبارة لا تزال تدور في أرجاء الدولة الليبية من أقصاها إلى أقصاها، خلال الساعات الماضية، حدث غطت تفاصيله على أغلب القضايا الهامة والمصيرية التي تشهدها دولة الصحراء، فجرها شاب ليبي أطلق مبادرة لإحلال السلام بدأت سيرا على أقدامه حتى انتهت بنحر جمله.. فما القصة؟

منذ نحو شهر أو أقل وتحديدا الجمعة 26 فبراير العام بدأ الشاب الليبي عبد العالي الصايغ الحبوني، رحلته التي استهدف منها السلام، من أقصى الشرق الليبي في مسقط رأسه بمنطقة إمساعد، الواقعة على أقصى شمال الحدود مع مصر، وتبعد عن مدينة طبرق حوالي 130 كيلو مترآ.

بداية رحلة الجمل

 

انطلق على قدميه قاصدا المرور على جميع المناطق الليبية، وفي مدينة طبرق أهدى إليه أبناء عمومته «قبيلة الحبون» جملاً لينطلق معه في رحلته الشاقة، التي عزم على أنه لن يتوقف قبل وصوله إلى منطقة رأس جدير الحدودية مع تونس، مارا على أغلب المناطق الشرقية والغربية.

 

قطع «الحبوني» على نفسه أن يخوض مسافة تقدر بحوالي 1900 كيلومتر، بالشريط الساحلي الليبي، ليكمل وجهته لمدن ومناطق الجنوب الليبي حاملا معه راية السلام أسوة بباقي مناطق الشرق والغرب.

رسائل محبة

على ظهر جمله الذي أطلق عليه اسم «رفيق السلام» حمل «الحبوني»، خلال رحلته رسائل محبة لأهالي وسكان المناطق التي يمرّ بها، لكن مليشيات مسلحة تابعة للمهرب محمد بحرون الشهير «بالفار» اختطفته ونحرت جملة رفيق رحلته.

نحر الجمل

عميد بلدية الرجبان عثمان الشعباني، كشف تفاصيل اعتقال الشاب عبد العالي الحبوني، حيث كان يرافقه لحظة الاعتقال، حيث أكد أنه تم اقتيادهما إلى مدينة الزاوية التي تلقيا فيها معاملة سيئة هناك، ثم قاموا بنحر جمله، وبعد ضغوطات كبيرة تم الإفراج عن «الشعباني»، فيما تم الإبقاء على «الحبوني».

من هو «الفار»

محمد سالم بحرون  الشهير بلقب «الفار» أو بـ «السنون» من مواليد 21 أغسطس 1989 وهو من سكان شارع الخرطوم بوسط مدينة الزاوية، يصفه العديد من المراقبين للمشهد الليبي بأنه أحد قيادات مليشيا «إبراهيم احنيش» بداخل مدينة الزاوية، والتي خاضت حرب النفوذ والسيطرة الإجرامية بالمدينة لسنوات والتي تسببت في سقوط العديد من الضحايا من المدنيين وتدمير ممتلكات المواطنين والمقارات الحكومية.

 

وشارك «الفار» في أحداث فبراير 2011 ومنها تطورت نشاطاته الإجرامية ومنذ عام 2012، امتلك سجلًا حافلًا بالإجرام والبلطجة داخل مدينة الزاوية من أعمال خطف وقتل وتصفية ونهب الأموال والممتلكات والتجارة بالأسلحة والذخائر بالإضافة إلى تهريب الوقود والإتجار بالهجرة غير الشرعية.

 

وشارك «الفار» في الحرب الانقلابية أو ما تعرف بعملية ( فجر ليبيا ) ضمن غرفة ثوار ليبيا والتي تأسست في أواخر عام 2013 بمباركة المؤتمر الوطني المنتهي، وأعطيت لـ «الفار» رتبة «نقيب»، بعد عملية فجر ليبيا، وأصبح ضابطا بوزارة الداخلية بحكومة الوفاق.

 

«الحبوني»: أحلم بدولة للجميع

بالعودة إلى الشاب الليبي عبد العالي الحبوني، المختطف حاليا بواسطة مليشيات «الفار»، بعد نحر جمله رفيق السلام، نجد أنه كان قد صرح في وقت سابق في إطار رصد رحلته، قائلًا إن «مبادرته تأتي في إطار ترحيبه بما تحقق خلال الفترة الماضية من إنجازات مهمة، من أجل استعادة الوحدة الوطنية وإقامة سلطة تنفيذية واحدة تنهي الانقسام المستمر منذ العام 2014».

 

وحظى الرحّالة الشاب منذ بداية رحلته الشاقة بترحيب كبير من سكان المناطق التي مر بها منطقة بمنطقة، إذ يصر السكان على استضافته وتقديم واجب الكرم له، والتقاط الصور التذكارية معه.

 

وكان يحمل «الحبوني» على ظهر جمله أدواته البسيطة كخيمته الصغيرة ينام فيها، حينما يحل الظلام، وبعض الملابس والمقتنيات الشخصية كهاتفه النقال وأدوات الشحن والإنترنت، فضلاً عن الماء والطعام والشراب.

 

استنكار قبيلة «الحبون»

أصدرت قبيلة حبون بيانًا أكدت على أن العمل المشين الذي تعرض له الشاب عبد العالي الصايغ، من نحر لجمله واعتقاله من قبل عناصر مليشيات الزاوية لا يمثل إلا فاعليه فقط.

 

وقال بيان مصور للقبيلة: “بلغنا بمزيد من الأسى والأسف، ما تعرض له ابننا داعي السلام، عبد العالي الصايغ من نحر لجمله واحتجازه من قبل بعض المحسوبين على مدينة الزاوية. لا لشيء إلا لأنه رفع راية السلام منطلقا بها من أقصى الشرق، محاولا لملمة الشمل، ومخاطبة القلوب الحية الواعية”.

 

وأضاف البيان “نحن على علم ويقين كبيرين بأن هذا العمل المشين، لا يمثل إلا فاعليه فقط. ولعل الأسى والأسف الذي انتاب شرفاء الزاوية هو ذاته الذي انتابنا”.

 

وتابع “نناشد في هذه الأثناء شرفاء وعقلاء ومشايخ الزاوية؛ بالتدخل السريع لفك أسر ابننا «داعية السلام» وضمان سلامته، ونؤكد أنه لا حياة بلا سلام والسلام هو الحياة”.

 

امتحان للسلطة الجديدة

من جانبه دعا عبدالرحمن موسى العبار، النائب العام الأسبق وعضو ملتقى  الحوار السياسي، السلطة الجديدة إلى محاسبة المسؤولين عن اعتقال الحبوني ونحر جمله.

 

وقال «العبار»، في تغريدة له عبر حسابه على تويتر، “أدعو السلطة الجديدة إلى محاسبة من قام بالعمل المخزي الذي تعرض له داعية السلام الحبوني والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة لينالوا الجزاء المناسب على جريمتهم”.

 

وتابع؛ أن ” هذا امتحان لمدى حرصها على تطبيق القانون وسعيها لتحقيق الأمن والاستقرار مع واجب قيامها بتكريم هذا الشاب تعويضا عما تعرض له”.

 

وأضاف «العبار»، في تغريدة أخرى، قائلًا: إن “ما حصل للحبوني ذلك الشاب البسيط عمل غير إنساني تدينه جميع القوانين والقيم قامت به شرذمة مجرمة ليس من الحكمة أن تعمم أفعالها على جميع أهل المنطقة التي حصل فيها الاعتداء وقد رأينا حجم رد الفعل والإدانة من قبل الكثير منهم وتدخلوا للإفراج عنه ولقي منهم ما يستحقه من تكريم”.

 

مطالبات بتدخل المجلس الرئاسي

 

وفي سياق متصل، طالب حسن الصغير وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة الليبية المؤقتة، عبد الله اللافي، عضو المجلس الرئاسي الليبي، بسرعة التدخل في واقعة اعتقال الشاب عبد العالي الصايغ ونحر جمله من قبل مليشيات الزاوية.

 

وقال الصغير في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: “عبد الله اللافي هو عضوٍ مجلس نواب عن الزاوية قبل أن يكون عضو الرئاسي”.

 

وأضاف “على اللافي الانتقال لمكان الحبوني، حيثما وجد وأن يعتذر منه على الملاء ويتوجه بعدها لأهل الحبوني ويعتذر منهم، فإن كانوا ميليشيات فهذا خطاءه كسلطة، وإن كانوا غير ذلك فهم أهله وهو الأولى بتحمل خطاءهم والاعتذار بالنيابة عنهم”.

 

إطلاق سراح الحبوني

وبعد ضغوط كبيرة من الرأي العام وبعض الجهات أطلقت المليشيات المسلحة سراح الرحالة الليبي عبدالعالي الحبوني، الذي أكد أن رحلة السلام التي بدأها قبل أسابيع من امساعد إلى راس اجدير، لم تنته، وستستمر من مدينة الزاوية بعد عيد الفطر.

 

«الحبوني» كتب بصفحته في فيسبوك: «الفعل الفردي والمشين لا يمثل مدينة أو قبيلة، بل يمثل صاحبه، كل أهل الزاويه لا ذنب لهم بما حدث، صباح اليوم نزلت للشارع وجدتهم أناسا أطيب من الطيب نفسه، ولا علم لهم بما حدث وهم من أمنني وهم ينتظرون بداية الرحله القادمة من مدينتهم نحو الشرق من الساحل إلى مصراتة الحبيبة».

 

وأضاف أن «تأجيل الرحلة هو لظروفي الصحية وظروف الطقس ولفقدي رفيقي (الجمل) فداء للسلام، والله غالب علي أن أتحمل عشان الوطن لكن الجاي خير وأفضل من الرايح. حي على السلام حي على السلام».