عاجل

عاملات الشارع.. فريسة سهلة لـ«ذئاب التحرش»

موضوعية
موضوعية

◄ لقمة العيش علمت «تقى» الخوف.. و«حنان» تدافع عن نفسها.. و«ياسمين» تستعين بخالتها لإنقاذها
◄ انتصار السعيد: التوعية المستمرة وتركيب كاميرات بالأماكن العامة للتصدى للظاهرة
◄ هالة عبدالقادر: نشر لوحات إعلانية بأرقام تليفونات الجهات المعنية لتسهيل مهمة المبلغات
◄ السيد الحرانى: عملهن غير القانونى يجعلهن فريسةً للذئاب دون رادعٍ 


لم تمر أيام معدودة على واقعة التحرش بطفلة المعادى واشتعال صفحات التواصل الاجتماعي بالغضب إلا وتكررت نفس الواقعة بمدينة الغردقة، بعد نشر فيديو لشاب يظهر فيه وهو يتحرش ببائعة «البلالين» بكورنيش شاطئ ميريت، حتى تعدى عليها بالضرب لتدافع هى عن نفسها وتستنجد برواد الكورنيش. حيث تمكنت إحدى السيدات من تصوير الواقعة وتعنيف المتحرش الذى قام بعد ذلك بسبها هى ومن معها. وطفلة المعادى لم تكن الأولى ونظيرتها بالغردقة لن تكن الأخيرة فى ظل عدم وجود عقاب رادع لمثل هؤلاء الذئاب البشرية الذين يعثون فى الأرض فساداً مستغلين ضعف ضحاياهم من أطفال الشوارع وخاصة الإناث منهم .. «الأخبار المسائى» تفتح الملف المسكوت عنه للحفاظ على أطفالنا من براثن الذئاب.

لم تعرف تقى أحمد «اسم مستعار» طريقًا لتحصل على قوت يومها من المال سوى العمل كبائعة مناديل في عربات المترو، تعلمت المهنة على أيدي والدتها التي كانت تصطحبها أثناء جولاتها بين عربات المترو وعمرها لم يتخطَ 3 سنوات. خاضت تقى أول تجربة لـ بيع المناديل بين عربات خط مترو المرج حلوان بعدما أتمت 6 سنوات وعدة أشهر، حيث تعرضت والدتها لوعكة صحية جعلتها طريحة الفراش، لتبدأ الصغيرة في العمل بدلاً منها. تروي تقى لـ»الأخبار المسائي»: أنا أصغر إخواتي وكلهم متزوجون ولديهم مسؤوليات ولا أحد يصرف عليَّ سوى والدتي، حيث نسكن في إحدى العشش بمنطقة المعصرة، وبعد خروجي إلى الشارع لقيت عالم تاني مختلف، الناس لو متحرشتش بالإيد بتتحرش لفظياً، لكن لقمة العيش بتجبرني أبلع الظلط عشان أجيب فطاري والعشا، أوقات يجي بياعين زيي بس رجال ويمسكوا جسمي بحجة إنه بيحمني أو حتى إنه بيهزر معايا ما احنا ولاد شغلانة واحدة.

العمل برعاية التحرش اللفظى
وبجانب أسفل تمثال أسد قصر النيل، تقف حنان «اسم مستعار» ذات الـ 30 عاماً على «نصبة شاي»، فبعد الإصلاحات والتطوير الذي يشهده كورنيش النيل حالياً، لم تجد مكاناً مناسباً لاستكمال عملها سوى كوبري قصر النيل، حيث نقلت لقاءات الأحبة ومحبي الاستمتاع بلحظات الخلوة إلى هناك.. تقول حنان: أنا شغالة في الشارع عشان أوفر مصاريف البيت بعد طلاقي، وأردفت: الشارع في كل حاجة ممكن تتخيلها ومتتخيلهاش، ومحدش متعرضش للتحرش حتى ولو رايح مشوار، ما بالك ناس قاعدة في الشارع على طول، من كثرة ما تعرضت له جعلنى أتعلم كيف أدافع عن نفسى دون الشكوى أو تقديم بلاغات. 

الخناق.. المخرج الوحيد من التحرش
منذ 8 سنوات اصطحبتها خالتها للعمل معها كبائعة ورد على كوبري قصر النيل، تقف تدعي للأحبة بالزواج وبدوام الحب، التقينا بـ ياسمين ذات الـ 14 عاماً، حيث تقول: أوقات بعض الشباب يحاولون التحرش لفظياً عن طريق الكلمات وأوقات أخرى عن طريق لمس بعض المناطق في جسدنا، ثم يفرون على الفور، لكن باخد حقي بدراعي، وبرغم من سنها الصغيرة، فإن نزولها للعمل في الشارع وهي في سن السادسة مع والدتها ووالدها جعلها تتعلم الكثير، فلا ترد على المضايقات والمعاكسات وتكتفي بالابتعاد حتى لا تضيع يومها دون عمل، ولكن عند محاولات التحرش بها الجسدي تقوم بالاستعانة بخالتها لتقيم مشاجرة «خناقة» مع من يحاول ذلك. وتخفى ياسمين ما يحدث لها في الشارع عن والديها، حتى لا تثقل عليهم بالهموم، فهى تمتلك 3 اخوات آخرين بحاجة للرعاية.


ليالى.. الركض وسيلتها الوحيدة للنجاة
حفظت «ليالي» ذات الـ 9 سنوات، شوارع وسط البلد عن ظهر قلب، فتبدأ مسارها من ميدان التحرير، مروراً بقهوة البستان، لتستقر في شارع طلعت حرب، لديها خفة ظل وشقاوة تُجبرك على التحدث معها وإعطائها بضعة جنيهات.

 

 

لا تعرف ليالي رد فعل عندما تتعرض للتحرش سوى الركض بعيداً وعدم الالتفات للمتحرش، لتقص في نهاية اليوم ما يحدث معها لوالدتها والتي تنهال بالدعاء على المتحرشين، فالصغيرة لا تعلم معنى كلمة تحرش، ولكن يمكن أن تفسر ذلك الفعل بـ «يعمل حاجات وحشة». ومن جانبه يُعلق السيد الحراني، عضو لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة، أن عمل فتيات الشارع بائعات ومتسولات يُمثل لهن العديد من المشاكل عند تقديم بلاغ عن التحرش الذي يتعرضن له، فعملهن غير القانوني يجعلهن متحفظات عن الإبلاغ ما يجعلهن فريسةً مباحةً طيلة الوقت، ويجب تقديم حملات توعوية لهذه الفئة بالأخص لوجودهن فترات طويلة بالشوارع، وتعريفهن بحقوقهن الإنسانية وطرق الإبلاغ عما يتعرضن له من حالات التحرش بجميع أنواعه، لحمايتهن ولمناهضة ظاهرة التحرش، مضيفاً أن عملهن غير القانوني لا يمنع من الإبلاغ حتى وإن كان عن طريق الخطوط الساخنة للمجلس القومي للمرأة. 

 

بينما تقول المحامية انتصار السعيد، مديرة مركز القاهرة للتنمية والقانون، إن التوعية المستمرة بأن التحرش جريمة يعاقب عليها القانون، عامل مساعد في مناهضة التحرش بشكل عام، وبشكل خاص لدى عاملات الشارع حتى لا يتساهلن في حقوقهن وتصبح تلك الممارسات أمراً طبيعياً، علماً بأن التوسع فى تركيب كاميرات في الشوارع أمر مهم، لاستطاعة إثبات حوادث التحرش ومعرفة الجاني، إضافة إلى تطبيق القانون بشكل صارم لردع المتحرشين، منوهاً بأن بعض الفتيات يمتهنَّ التسول وهذا يحاسب عليه القانون، لذا يلتزمن الصمت عند تعرضهن للتحرش والاكتفاء بالدفاع عن النفس بطرقهن الخاصة.

 

اقرأ أيضا|


وترى الدكتورة هالة عبدالقادر، مديرة المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، أن إحساس الفتيات بأنهن مهملات وفئة مهمشة في الحديث عن حقوقهن يجعلهن يتسترن على حالات التحرش التي يتعرضن لها، والإحساس بالضعف والقهر المستمر يقتل الشعور بإنسانيتهن. واقترحت عبدالقادر، تعليق لوحات إعلانية سواء بالأرقام أو الرسومات أو بعلامات لتسهيل عملية الإبلاغ، ومساعدة الفتيات غير القادرات على القراءة والكتابة، بجانب تقديم جميع أنواع الدعم النفسي لهذه الفئة، موضحةً أنهن من أكثر الفئات المعرضات لجميع أنواع المشاكل سواء تحرش أو تحمل المسؤولية في وقت مبكر أو تعرض لسخافات الشارع، أو الاستغلال من خلال تسريح الأهالي لهن قائلة: «في أمهات بتشوف أن أبناءها مصدر رزق لها في شغل الشارع».

 

بينما يعلق صبري عثمان، مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، أن كثيرًا من الأطفال خاصة الإناث العاملات بالشارع والتي تتراوح أعمارهن من 6 سنوات حتى 18 عاماً، يتعرضن للتحرش بسبب عملهن في الشارع، لذا يجب معالجة الأطفال نفسياً، وأخذ الطفل حقه حتى لا يعاني نفسيًا بعد ذلك. ويؤكد عثمان على أهمية تعليم الناس ثقافة الإبلاغ ولو حتى كنوع من الواجب الإنساني، منوهاً إلى بحث خط نجدة الطفل على آليات جديدة لفتح طرق للتواصل مع المواطنين، للإبلاغ عن حالات التحرش التي يتعرض لها الأطفال.

 

بينما تقول الدكتورة هند الهلالي، مديرة وحدة مناهضة التحرش والعنف ضد المرأة بجامعة عين شمس، إن الوحدة تعمل حالياً على مشروع بحثي خاص بالتحرش بعد حادثة طفلة المعادي للوقوف على أسباب التحرش والممارسات التي تحدث مع تلك الفئة خلال الأوقات التي يعيشونها في الشارع لمناهضة التحرش، مشيرةً إلى أن ذلك المشروع بمثابة مبادرة من جامعة عين شمس مع المجلس القومي للمرأة.