من الأعماق

ست الحبايب.. اشتاق إليكِ

جمال حسين
جمال حسين

بينما كنت أدير مؤشر الراديو، انطلق صوت المطربة الراحلة العظيمة فايزة أحمد، وهى تشدو برائعة الشاعر الكبير حسين السيد، وتلحين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب:
ست الحبايب يا حبيبه... يا أغلى من روحى ودمى
يا حنينة وكُلك طِيبة... يا رب يخليكى يا أمى
وعندما وصلت فايزة أحمد إلى هذا الشِطر من الأغنية، انقبض قلبى وسالت دموعى؛ لأن أمى «ست الحبايب»، رحلت عن هذه الدنيا الفانية منذ سنواتٍ قليلةٍ، وسبقتنى إلى دار البقاء، وأدعو الله أن تكون فى الجنة ونعيمها..
نعم، لقد كُنتُ عاشقًا لهذه الأغنية الرائعة التى أعتبرها بصدقٍ النشيد الوطنى للأم.. كنتُ أعتقد أن الشاعرَ الكبيرَ حسين السيد كان يصف علاقتى بأمى، وهو يكتب هذه الكلمات المُعبِّرة جدًا، واعتبرت هذه الأغنية أغنيتى المُفضَّلة، وأرددها على مسامع أمى الحبيبة فى حياتها.. فهى حقًا مَنْ سهرت وتعبت وشالت «من عمرى ليالى».. كنتُ أنام وتسهر إلى جوارى طوال الليل؛ خوفًا من لمبة الجاز التى كنتُ أُذاكر عليها قبل دخول الكهرباء إلى قريتنا.. كانت تبات وتفكيرها كُله ينصبُّ فى أن تستيقظ عند الوقت الذى أُحدده لها؛ كى أُواصل المُذاكرة، وربما كان ذلك قُرب أذان الفجر، ثم تأتى لـ»تُشقَّر».. كانت بـ»تحس بفرحتى قبل الهنا بسنة، وتحس بشكوتى من قبل ما أحس أنا».. نعم، لو عشت طوال عمرى أُوفى لوالدتى الغالية جمايلها «أجيب منين عُمر يكفِّى، وألاقى فين أغلى هدية».. حقًا يا أمى الحبيبة، فأنتِ «نور عينى ومُهجتى، وحياتى ودنيتى».
أمى الحبيبة، أتحدَّث إليكِ فى عيدك يا مَنْ كنتِ نهر الحب والحنان.. بحر الصدقِ والأمان.. مداد قلبى لا يكفى لكتابة ما أشعر به تجاهك، والتعبيرعن آلامى لفراقك.. عندما كانت تُواجهنى المصاعب؛كنت أُسرع إلى سمَّاعة التليفون، أطلبكِ، فأشعر بالهدوء والسكينة والطمأنينة، عندما تُسارعين بالدعاء لى.. عندما كنتُ أشعر بالمرض، لم يكن يهدأ بالكِ، حتى تحضرين من الصعيد للاطمئنان علىَّ، وتبتهلين إلى الله أن يمنَّ علىَّ بالشفاء.. كنتُ وما زلت أسير مُختالًا بفضل كنز دعواتك، فأنتِ مَن بشرتينى بمقولتكِ الدائمة: «قلبى وربى راضيين عليك يا ولدى».. كنتُ وما زلت أحيا بحب الناس؛ بفضل دعوتك الدائمة لى: «روح يا ابنى ربنا يحبِّب فيك خلقه، ولا تنضام أبدًا».. كنتُ وما زلت أعيش مستورًا بستر الله؛ لأنكِ مَنْ دعوتِ لى دائمًا: «روح يا ابنى ربنا يسترها معاك».
أقول لكِ يا أمى: نعم أشتاقُ إليكِ، وأدعو الله أن تكونى أنتِ ووالدى الحبيب فى الجنة ونعيمها..
وتظل أغنية «ست الحبايب يا حبيبة» تُبكينى.. ولهذه الأغنية العبقريَّة التى كتبها الشاعرُ الكبيرُ حسين السيد قصة جميلة.. تُوجَّه يوم عيد الأم إلى شقة والدته، وعندما وصل إلى باب الشقة، اكتشف أنه نسى شراء هديةٍ؛ كى يُقدِّمها لها، وهداه تفكيره أن يُقدِّم لوالدته أحلى هدية.. أخرج ورقةَ وقلماً من جيبه، وجلس على السِلم أمام باب الشقة، وكتب قصيدةً يُعبِّر فيها عن حُبه وتقديره لأمه، وأن تُسامحه؛ لأنه لم يُحضر لها هدية.. وبعد أن انتهى من كتابة الكلمات، قدَّم القصيدة لأمه، وقال لها: لقد نسيتُ أن أشترى لكِ هديةً، وأرجو أن تعتبرى هذه القصيدة هديتى لكِ هذا العام..
بكت الأم من الفرحة؛ تأثرًا بكلمات الأغنية، التى لامست قلبها، واتصل ابنها بالموسيقار محمد عبدالوهاب، وروى له القصة، واكتشف أن عبدالوهاب قام بتلحينها، ليفاجأ فى اليوم التالى هو ووالدته بالأغنية تُذاع فى الإذاعة المصريَّة بصوت فايزة أحمد.